رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث قصة هذا الكتاب إنها بعض المحاضرات ألقيتها علي طلبة الكلية الإكليريكية في العام الدراسي 1969/1968 حينما كنت أدرسهم مادة (العهد القديم). ثم عدت إلي الحديث عن أبينا يعقوب وابنه يوسف في المحاضرات الروحية التي كانت ألقيها علي الشعب في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة. وذلك خلال عامي 1994، 1995 أي بعد أكثر من ربع قرن. وأخيرًا جمعت هذه المحاضرات ونظمتها، وأضفت عليها. لكي أقدمها لك أيها القارئ العزيز في هذا الكتاب الذي بين يديك. إنها محاولة للدخول في شرح الحياة الروحية لآبائنا الأولين من شخصيات الكتاب المقدس في العهد القديم. ولقد يبق أن نشرت لكم عن آدم وحواء. وقايين وهابيل وموسي وفرعون ويونان النبي. والآن عن يعقوب ويوسف. وإن شاء الله سأصدر لكم كتابًا عن (حياة داود) أتوقع أن يكون في أيديكم بعد حوالي الشهر، سنضعه هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت. علي أن حياة كل من أبينا يعقوب وإبنه يوسف، تشمل دروسًا روحية كثيرة من عمل الله فيهما. كان أبونا يعقوب إنسانًا ضعيفًا أمام شدة أخيه عيسو، وأمام مكر وخداع خاله لابان، وأمام صراع زوجتيه ليئة وراحيل، وأمام أخطاء أبنائه، وما في قلوبهم من تآمر، ومن قسوة.. فكان لابد أن يسنده الله بمعونة خاصة. قصته هي قصة إنسان يتدرج في العلاقة مع الله. من لقاء في برية.. إلي صراع لطلب البركة.. إلي ملاك يصاحبه طول حياته، إلي منحه روح النبوة..كيف حدث هذا؟ إنه ما تحويه هذه الصفحات. أما قصة يوسف الصديق، فهي قصة إنسان يتولى الله تدبير حياته كلها. بخطة إلهية محكمة وحكيمة.. قصة الفتي المدلل.. التي تنتهي إلي قصة الحاكم الحازم. قصة الإنسان الناجح في كل موقع يوجد فيه، كابن وعبد وسجين ووزير.. الإنسان الوفي لوالده ولأخوته مضطهديه.. والأمين لله في طاعته، وفي الشهادة لاسمه القدوس كيف عاش؟ وكيف قاد الله حياته؟ وكيف نما في حياة الفضيلة؟ هذا ما سوف تحدثك عنه هذه الصفحات. بعد هذا الكتاب عن يعقوب ويوسف وما يليه عن حياة داود.. سأحاول أن أتابع معكم نشر سير قديسي العهد القديم. فعندي مسودات لكثير من الكتب، تحتاج أن أخرجها من مكتبتي الخاصة في الدير، وأنقحها، وأعيد كتابتها، وأقدمها للمطبعة، بفضل صلواتكم.. ختامًا أرجو لكم جميعًا كل خير. يونيو 1996 البابا شنودة الثالث |
15 - 02 - 2014, 12:36 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يعقوب أبو الآباء، اختاره الله وأحبه قبل أن يولد نعم، أختاره الله قبل أن يولد. بل منحة أيضًا البركة والسيادة وهو بعد في بطن أمه. وقال لأمه وهي حبلي "في بطنك أمتان، ومن أحشائك يفترق شعبان: شعب يقوي علي شعب، وكبير يستعبد لصغير" (تك 25: 23). والكبير هو عيسو والصغير هو يعقوب. ويكلمنا القديس بولس الرسول في رسالته إلي أهل رومية عن هذا الموضوع فيقول: "لأنه وهما لم يلدا بعد، ولا فعلًا خيرًا ولا شرًا، لكي يثبت قصد الله حسب الاختيار، ليس من الأعمال بل من الذي يدعو، قيل لها أن الكبير يستعبد للصغير. كما هو مكتوب: أحببت يعقوب، وأبغضت عيسو" (رو: 11- 13) إن قصة يعقوب ترينا كيف أن الله أختار ضعفاء العالم، ليخزي بهم الأقوياء (1كو 1: 27). كان ضعيفًا نعم، كان يعقوب ضعيفًا ومسكينًا. وكان من أخيه عيسو القوي الجبار، ورجل الصيد والسهام والنبال.. ذلك الذي في لقائه فيما بعد "خاف يعقوب جدًا، وضاق به الأمر" (تك 32: 7). وصلي إلي الله قائلًا "نجني من يد أخي، من يد عيسو، لأني خائف منه أن يضربني الأم مع البنين" (تك 32: 11). يعقوب كان ضعيفًا باستمرار أما عيسو. ولم يقو عليه، إلا عندما كان عيسو متعبًا معيي، وقد قال "ها أنا ماض إلي الموت، فلماذا لي بكورية" (تك 25: 32). إن الله يقف باستمرار أمام الضعفاء المساكين. أما جبابرة البأس المعتزون بقوتهم،فيتركهم إلي قوتهم ولو إلي حين. حتى يدركوا أن قوتهم لا تنفعهم بشيء، فيصرخون في ضعف وفي التجاء إلي قوة الله.. لقد اختار الله يعقوب الضعيف. وكثيرًا ما نري أنه قد أختار ضعفاء آخرين. فعندما جاء صموئيل النبي ليختار واحدًا من أولاد يسى ليمسحه بالدهن المقدس، وعبر أمامه كل أولاد يسى الكبار وأصحاب الوسامة، لم يخترهم الله. بل اختار الصغير الذي كان مع الغنم.. اختار داود الذي ظل يتغني بهذا الأمر قائلًا: صغيرًا كنت في بيت أبي، وحدثًا كنت بين بني أمي".. "أخوتي كبار وحسان وهم أعظم مني. ولكن الله لم يسر بهم".. كان الناس يختارون دائمًا الأقوياء. وعندما أرادوا أختيار ملك، فرحوا بشاول أطول إنسانًا في الشعب (1صم 10: 23). ولكن الله ليس كذلك.. لقد اختار يعقوب وأحبه. وأحب فيه ضعفه ومسكنته. العجيب أن يعقوب كانت له أيضًا ضعفاته السلوكية وأخطاؤه. ولكن عمل روح الله حتى حوله إلي ذلك القديس الذي نتشفع به في صلواتنا. كان من أخطائه الإعتماد علي الذراع البشري، وعلي الحيل العالمية في حل مشاكله.. إنه مثلًا يريد أن يأخذ البكورية من أخيه. فينتهز فرصة كان أخوه جائعًا وفي غاية التعب، يطلب منه طعامًا ليأكل، فيقول له يعقوب "بعني بكوريتك" و"احلف لي اليوم" (تك 25: 31، 33). وهكذا اشتري منه البكورية بما أعطاه من طعام. وهذا لا يدل طبعًا علي محبة خالصة، كما أن البكورية ليست متاعًا يباع ويشتري ! ولكنها طريقة بشرية وإنتهاز للفرص. هناك طرق وحيل بشرية أخري لجأ إليها يعقوب: * منها أنه خدع أباه اسحق، لكي يباركه. وألهمته ذلك الخداع أمه رفقه. نعم إنها قديسة، ولكنها في ذلك الموقف بالذات علمته الكذب والتحايل واستخدام الذكاء البشري بطريقة خاطئة. ولما خاف يعقوب من خطية الخداع هذه، لئلا تجلب له لعنة، قالت له "لعنتك علي يا ابني، اسمع لقولي.." (تك 27: 13). فسمع لها... * وأيضًا عندما أراد يعقوب أن يعوض خسائر في الأجرة من خاله لابان، لجأ أيضًا إلي طرق وحيل بشرية (تك 30: 37-43).. حتى أن خاله سار وراءه وقال له "خدعتني". وكاد يصنع به شرًا، لولا تدخل الله لحمايته (تك 31: 27). وأمور أخري صنعها يعقوب. ولكن علي الرغم من كل ذلك، أراني أوقف متعجبًا أمام آية ذكرها الوحي إلهي وهي: " وكان يعقوب إنسانًا كاملًا يسكن الخيام" (تك 25: 27). أي كمال هذا تقصده يا رب؟ وما مقياسه؟ لعله بلا شك، الكمال النسبي، نسبة إلي ذلك العصر الذي عاش فيه يعقوب. علي الأقل من جهة الإيمان (عب 11: 21)، وإكرامه لوالديه علي قدر استطاعته، وعدم زواجه من بنات كنعان حسب وصية أبيه له (تك 28: 1). ولم يفعل مثل أخيه عيسو الذي اتخذ له زوجتين من بنات الحيثيين "فكانتا مرارة نفس لإسحاق ورفقة" (تك 26: 35). كذلك كان عفيفًا، ولم يكن مثل أخيه عيسو الذي قيل عنه انه كان مستبيحًا (عب 12: 16). ولم يكن قاسيًا مثله.. علي آيه الحالات، ظل الله يطهره من أخطائه التي عن ضعف، وليست عن فساد في الطبيعة، حتى صار أخيرًا أبيض كالثلج، وعمل فيه روح الله للنبوءة كما بارك افرام ومنسي (تك 48: 14- 19) وكذلك باقي أولاده (تك 49). فكما قال هكذا حدث لهم.. حسب سبق علم الله، أختار يعقوب دون عيسو.. كما قال الكتاب"الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم.. وهؤلاء دعاهم أيضًا.. وبررهم.. ومجدهم" (رو 8: 29، 30). قبل أن يولد يعقوب وعيسو، وقبل أن يفعلا خيرًا أو شرًا.. كانت حياتهم المستقبلة واضحة تمامًا أمام الله الذي يعرف كل شيء قبل أن يكون. كان هو وأخوه توأمين. وعجيب أنه قيل عنهما: تزاحم الأخوين "حبلت رفقة.. وتزاحم الولدان في بطنها" (تك 25: 22). إن الناس يتزاحمون في موكب الحياة. وكل منهم يريد أن يكون السابق، وأن يكون الأول. وليس هذا بعجيب. ولكن العجيب أن يتزاحم جنينان توأمان!! ولقد كسب عيسو الجولة الأولي، وكان هو السابق، وخرج أولًا "خرج أحمر كفروة شعر، فدعوا أسمه عيسو" (تك 25: 285). وصار هو -حسب الميلاد- البكر والكبير. ولكن إرادة الله في البركة كانت غير ذلك.. عيسو كان الكبير. وكانت إرادة الله هي "كبير يستعبد لصغير" (تك 25: 23)،كان عيسو الأول في ولادته. ولكن يحدث أحيانًا في مشيئة الله: "كثيرون أولون يكونون آخرين. والآخرون يكونون أولين" (مر 10: 31). وهذا ما حدث مع عيسو ويعقوب. إن وضعك الله أخيرًا، ف تحزن ولا تبتأس. لعله من حكمة الله أن تكون كذلك. بل يقول الرب "أن أراد أحد أن يكون أولًا، فليكن آخر الكل، وخادمًا للكل" (مر 9: 35) (مر 10: 44) (مت 20: 27). كان الله يستطيع أن يجعل يعقوب يخرج من بطن أمة أولًا. لكنه أراد أن يبقيه صغيرًا، لكي ينسحق قلبه ويطلب المعونة من الله. وبنفس المنطق شاء الله أن يكون يعقوب أضعف من عيسو من جهة قوة الجسد. ولم ينتفع عيسو بقوة جسده، وإن أخافت يعقوب! كان عيسو رجل صيد، يستطيع أن يخضع حتى الوحوش. "إنسان برية" (تك 25: 27). كان يعرف كيف يضرب بالسهام والنبال. كان شديدًا. وربما الصيد أدخل في طبعه شيئًا من القسوة، أو كثيرًا من القسوة. مما جعله يقول فيما بعد".. أقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). والله لا يحب القسوة ولا العنف. وكل الذين يستخدمون القسوة والعنف، يخرجون أنفسهم من دائرة الله. وكثير من الذين حاربهم الله محاربة شديدة، كانوا أشداء. والكتاب يقول "أن الله يقاوم المستكبرين، أما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع 4: 6). لقد تزاحم يعقوب في بطن أمه، ولكنه لم يستطع.. كان عيسو أقوي منه وهو جنين، فخرج أولًا.. والتزاحم لم يفد عيسو ولا يعقوب، لأن الله كان له ترتيب خاص قد أعلنه، ولا يبني علي التزاحم، إنما علي التدبير الإلهي والحكمة الإلهية التي لابد أن تنفذ أخيرًا. والعجيب أن التزاحم استمر بين هذين الأخوين..! ليس فقط في من يخرج أولًا من بطن أمه.. إنما أيضًا كان لهما تزاحم حول البكورية لمن تكون؟ وتزاحم آخر حول البركة. من الذي يسبق فيأخذها من أبيهما الشيخ اسحق؟.. بل صار فيما بعد تزاحم بين نسلهما. ولعل هذا ما قصده الرب لرفقة "في بطنك أمتان. ومن أحشائك يفترق شعبان: شعب يقوي علي شعب" (تك 25: 23). فأولاد يعقوب هم شعب إسرائيل. وأولاد عيسو أدوم، لأن عيسو "دعي أسمه أدوم" (تك 25: 30).. يمكن لمن يبحث التاريخ أن يتتبع الحروب بين بني إسرائيل وبني أدوم. ولعلنا هنا نشير فقط إلي قول المزمور "أذكر يا رب بني أدوم في يوم أورشليم، القائلين انقضوا انقضوا حتى الأساس منها" (مز 137: 7). واستمر التزاحم أيضًا بين الأختين زوجتي يعقوب: تزاحم في إنجاب البنين: من منهما تنجب أكثر. حتى أنهما رادتا أن تحصلا علي بنين ينسب إليهما من كل من جاريتيهما. ووصل هذا التزاحم إلي لون من الصراع حتى قالت راحيل في ذلك مصارعات الله قد صارعت مع أختي" (تك 30: 8).. بل كان بينهما صراع آخر حول محبة يعقوب لأي منهما. حتى قالت ليئة عندما ولدت روأبين "أنه الآن يحبني رجلي" (تك 29: 32). وقالت أيضًا عندما حبلت بابنها لاوي "هذه المرة يقترن بي رجلي، لأني ولدت له ثلاثة بنين" (تك 29: 34).. يعقوب صار نسله شعبًا، وكذلك عيسو.. وهنا نتذكر مرة أخري قول الرب لرفقة "في بطنك أمتان، ومنك يفترق شعبان". حقًا، يمكن أن يصير الابن شعبًا كما صار أخوه. بل قد يصير الفرد الواحد شعوبًا كثيرة، وأبونا إبراهيم أبو الآباء هو مثال واضح لذلك. وبنفس الوضع نوح أبو البشرية كلها بعد الطوفان.. ويوضح لنا هذا الأمر واجب الأبوين في تربية أبنائهما. فكل ابن سيصير أسرة تتفرغ إلي أسرات.. وكذلك كل ابنه. كما قيل لرفقة أم يعقوب وهي ذاهبة لتتزوج أبينا اسحق: "صيري ألوف وربوات" (تك 24: 60). غير أنه من جهة يعقوب وعيسو، اختلف الأب والأم من جهتهما. أحب اسحق عيسو.. وأما رفقة فكانت تحب يعقوب (تك 25: 28). ماذا كان أثر ذلك في حياة كل منهما؟ |
||||
15 - 02 - 2014, 12:38 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يعقوب أبو الآباء في سعيه وراء البكورية والبركة شهوة البكورية كانت البكورية أمرًا عظيمًا جدًا في زمن الآباء الأول، تستحق أن تكون شهوة للأبناء. فالبكر كان هو الذي يصير كاهنًا للأسرة بعد أبيه، قبل تأسيس الكهنوت الهاروني. بل إن الرب قال لموسى النبي فيما بعد "قدس لي كل بكر، فاتح رحم.. إنه لي" (خر 13: 2). كما كان البكر في زمن آبائنا إبراهيم واسحق، هو الذي سيأتي منه المسيح حسب وعد الرب لأبينا إبراهيم "ويتبارك في نسلك جميع أمم الأرض" (تك 22: 18). ونفس هذه البركة أعطاها الرب لاسحق (تك 26: 4) سعي يعقوب إلي البكورية كان سعيًا مقدسًا. ولكنه لم يستخدم فيه أسلوبًا روحيًا، بل أسلوبًا انتهازيًا. استخدم يعقوب أسلوبا خاليًا تمامًا من المحبة الأخوية، وخاليًا من روح العطاء والبذل. وعجيبة هذه العلاقة بينه وبين عيسو. أنهما أخوان. وليسا فقط أخوين، بل هما شقيقان، بل هما توأمان. ولكن الموقف كانت تسوده بلا شك روح المصلحة الذاتية واستغل الشيطان الموقف فاستخدم وسيلتين متناقضتين: فكان أسلوبه مع عيسو، عكس أسلوبه مع يعقوب: فبالنسبة إلي عيسو، قال له الشيطان: بماذا تنفعك البكورية أن كنت علي وشك الموت جوعًا وإعياء. وأطاع عيسو هذا الفكر فقال: أنا ماض إلي الموت، فلماذا لي بكورية؟!" (تك 25: 32). أما بالنسبة إلي يعقوب، فقال له شيطان: أحرص علي البكورية بكافة الطرق. خذها بأي ثمن، ولو بطريقة استغلالية.. وقد كان. لم يستطيع يعقوب أن يحصل علي البكورية عند الخروج من بطن أمه، إذا سبقه عيسو لم يستطيع يعقوب أن يحصل علي البكورية عند الخروج من بطن أمه، إذا سبقه عيسو فتعقب عيسو ليأخذ منه هذه البكورية بعد خروجهما من بطن أمهما بسنوات طويلة. نلاحظ أن البكورية قد تغيرت نعمها بعد يعقوب: لم يعد البكر هو الذي يأتي من نسله المسيح. فبكر يعقوب هو رأوبين الذي لم يأت السيد المسيح من نسله، إنما من نسل يهوذا ولم يكن هو البكر. كما أن الكهنوت الهاروني جاء من نسل لاوي هو البكر.. لم يعد هناك داع بعد يعقوب وعيسو للصراع علي البكورية. فحتى بالنسبة إلي يهوذا الذي جاء السيد المسيح من نسله: جاء السيد المسيح من نسل داود. ولم يكن داود هو البكر بين أبناء يسي، بل كان أصغرهم (1 صم 16: 11). بقت إذن البركة التي تصارع عليها يعقوب وعيسو.. البركة و البركة شيء مقدس. وينبغي أن يكون الحصول عليها بطريقة مقدسة، وليس بأسلوب الخداع والغش..!! ولكن لعل يعقوب يعتذر بأن هذا الغش قد دفعته إليه أمه، وطاعة الأم أمر واجب ولكننا نقول: حدود طاعة الأم ليس من الجائز أطاعة الأم بعصيان الله.. نعم، ليس من الجائز إطاعة الأم في الخطية.. فكل طاعة ينبغي أن تكون داخل طاعة الله.. فإن أمرته أمه بذلك اللون من الكذب والخداع، ما كان يجب عليه أن يطيع. أما الذي جعله يطيع أمه، فهو شهوة قلبه داخله! هو كان يشتهي أن يحصل علي بركة أبيه. فلما دفعته أمه في تلك الوسيلة من الغش والخداع، تلقف نصيحتها كمعين له علي تحقيق رغبته التي ظهرت من قبل في موضوع البكورية. فاستغلاله لجوع أخيه وشراء البكورية منه بأكلة عدس، لم يكن ذلك بسبب نصيحته من الأم، بل كان عملًا تلقائيًا لشهوته الداخلية. كذلك كيف يطيع أمه بخداع لأبيه؟! هنا ونتعرض لمشكلة عائلية كانت قائمة: وهي اختلاف اتجاه كل من الأب والأم. كان استحق قديسًا، وكانت رفقة قديسة. ولكن مشاعرهما تجاه الابنين كانت في طريقين عكسيين. كان اسحق يجب عيسو، ورفقة تحب يعقوب. فهل تسير البركة تبعًا لمشاعر الأب، أم مشاعر الأم. وما السبب؟ كان عيسو صيادًا، ومن صيده كان يأتي إلي فم أبيه بما يطعمه. وهنا يقول الكتاب "أحب أسحق عيسو، لأن في فمه صيدًا" (تك 25: 28). وهكذا نجد اسحق يقول لعيسو "الآن خذ عدتك، جعبتك وقوسك. وأخرج إلى البرية، وتصيدًا لي صيدًا. وأصنع لي أطعمة كما أحب، ائتني بها لآكل، حتى تباركك نفسي قبل أن أموت" (تك 27: 3، 4). أما يعقوب، فكان ينطبق عليه المثل القائل إنه إبن أمه.. كانت أمه تحبه.. لم يكن صيادًا، وأنما كان "يسكن الخيام". يجلس إلي أمه، ويتعلم منها طريقة الطبخ الجيد. وهو الذي قد طبخ العدس الأحمر الذي اشتهاه عيسو، وبه باع له بكوريته (تك 25: 29-34). وكان يعقوب يحب أمه، ويسمع مشورتها، وهي التي تدبر له حياته. إن نصحته أن يخدع أباه، يخدعه. وأن قالت له أهرب إلي خالك لابان، وأقم عنده حتى يرتد سخط أخيك (تك 27: 43، 44). فإن يسمع نصيحتها ويطيعها. كما تقول له، هكذا يفعل.. ومن هنا بدأت حيلة، تدبرها رفقة، وينقذها يعقوب. عيسو يخرج ليصيد صيدًا يأتي به إلي أبيه. ورفقة تدبر كيف تصيد البركة وتأتي بها إلي يعقوب.. وكل من رفقة واسحق، كانت له دوافعه الروحية: بالنسبة إلي إسحق، كان من الطبيعي أن تعطي البركة لعيسو، لأنه أبنه الأكبر. وبالنسبة إلي رفقة، يجب أن تعطي البركة ليعقوب لأنه هكذا قال لها الرب "من أحشائك يفترق شعبان: شعب يقوي علي شعب، وكبير يستعد لصغير" (تك 25: 33). إذن ينبغي أن تكون السيادة ليعقوب الصغير، حسب إرادة الله وتدبيره، وإعلانه من قبل ولادتهما،عيب رفقة الأساسي، أنها لم تنتظر الرب.. ظنت أن الرب قد تأخر، فلجأت إلي الطرق البشرية، لتحقق بها الإرادة الإلهية!! كان يجب أن تثق بالله وصدق مواعيده، وتنتظر الرب. ولكنها وجدت أن الساعة الحرجة قد حلت. وإسحق أرسل عيسو ليحضر الصيد ويباركه. لذلك يجب أن تتصرف بسرعة.. هل كان الحل أن تذكر إسحق بكلمات الرب، كي يؤجل مبارك بسرعة.. هل كان الحل أن تذكر إسحق بكلمات الرب، لكي يؤجل مباركته لعيسو ريثما يتضح الأمر بالأكثر؟.. إنها لم تفعل هكذا.. وبدأ ذكاؤها البشري يتصرف. فرأت أن ينتحل يعقوب شخصية عيسو، ويأخذ البركة من أبية بأسلوب الخداع.. وبخطية فيها كذب وغش! خِداعه لأبيه ويعقوب لم يكن رافضًا للخطية، إنما كان متخوفًا من نتائجها، ومن صعوبتها ومن انكشافها! لم يقل "كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ؟!" كما قال أبنه يوسف بعد عشرات السنوات (تك 39: 9). إنما قال "عيسو أخي رجل أشعر، وأنا رجل أملس. ربما يجسني أبي فأكون في عينيه كمتهاون، وأجلب علي نفسي لعنه لا بركة" (تك 27: 11، 12). هنا لا يرفض الخطية. إنما يتخوف من صعوبة تنفيذها، ومن خطورة انكشافها. فلما شرحت له أمه الوسيلة التي لا تجعله التي لا تجعله ينكشف، وافق، ونفذ، وتقدم ليخدع أباه.. ما أصعب أن تأتي حرب الخطية من الخارج، حين يكون القلب مشتاقًا إلي الخطية في الداخل!! وكما سمعت رفقه حديث إسحق مع عيسو، وأخذت تتدبر الموقف، كذلك سمع الشيطان حديثها مع يعقوب، واقترب ليقدم لها الخطة المسكوبة.. "أخذت رفقة ثياب الأكبر التي كانت عندها في البيت، وألبستها ليعقوب. وألبست يديه وملاسة عنقه جلود جدي الماعز".. وكانت تعرف بالخبرة نوع الطعام الذي يحبه إسحق، فصنعته، وأعطته ليعقوب ليقدمه لأبيه.. وتقدم يعقوب إلي أبيه، وبدأ الموقف المخرج. أسئلة سألها إسحق، تدل علي شك في قلبه: تعجب أولًا كيف أتي هكذا مسرعًا. وأجاب يعقوب أن الرب إلهك قد يسر لي!! وقال إسحق: تقدم لأجسك يا أبني. أأنت عيسو أم لا؟ وجسه وقال "الصوت صوت يعقوب، ولكن اليدين يدا عيسو" ولم يعرفه لأن اليدين كانتا مشعرتين. وعاد ليسأل: هل أنت هو أبني عيسو؟ فأجاب: أنا هو.. لحظات حرجة جدًا. وخطايا كذب كثيرة وقع فيها يعقوب. ومع ذلك فإن الله ستر، ولم يكشفه.. أعجب حنان الرب تلك اللحظات!! بينما كان يعقوب يغش ويخدع ويكذب وينتحل شخصية أخري. ولا يحترم أباه الضرير.. ومع ذلك نري ستر الرب عليه وهو في عمق الخطية، فلم ينكشف علي الرغم من كل شكوك أبيه التي تدل عليها أسئلته.. وعلي الرغم من كل حرص إسحق، في أنه يجسه ويشمه، ويبدي ملاحظته أن الصوت صوت يعقوب!! ربما ما كان يتصور ذلك البار أن ابنه يخدعه. وأخيرًا باركه.. نوعية البركة "فليعطيك الله من ندي السماء ومن دسم الأرض. وكثيرة حنطة وخمر..". إنه كلام جميل لنتأمله.. فليعطك من ندي السماء من فوق.. ومن دسم الأرض.. من الله ومن البشر.. من الروح ومن المادة أينما سرت تجد خيرًا.. تصوروا الإنسان الذي يسير في طريق الروح.. إن ندي السماء بالنسبة إليه هو عمل النعمة فيه.. ندي السماء هو صلوات الملائكة وتشفعاتهم.. ندي السماء هو مواهب الروح القدس التي يسكبها الله عليه من السماء. أنها زيارات النعمة.. عمل الله.. ومن دسم الأرض.. الأرض هي الطبيعة البشرية لأن الله خلق الإنسان من دسم الأرض.. من تراب.. يعطيك الله من دسم الأرض، أي أن عمل الروح الذي يعمل فيك يستجيب له إنسانك الداخلي أيضًا.. يعطيك محبة للتوبة وقبولًا للنعمة.. استسلامًا لعمل الروح القدس.. يعطيك رغبة في الخير وحبًا في الله. الأرض لا تتمرد عليك.. والسماء تحنو عليك.. وبالنسبة لقايين وآدم الأمر كان عكسيًا، فبالنسبة لقايين الله.. عندما تعمل في الأرض لا تعود تعطيك قوتها.. الأرض تتمرد عليك.. وبالنسبة لآدم قال ملعونة الأرض بسببك، الأرض تنبت لك شوكًا وحسكًا. نحن نحتاج إلي بركة السماء والأرض.. نحتاج إلي.. نحتاج إلي عمل النعمة وإلي نقاوة طبيعتنا.. نحتاج إلي قوة من الروح القدس، وألي عدم مقاومة من المادة.. يعطيك الله من ندي السماء ومن دسم الأرض.. يعطيك الله من الخيرات الروحية والمادية أيضًا.. كل ما تمتد إليه يدك ينجح. الودعاء والمساكين بالروح، لهم ملكوت السموات، ويرثون الأرض. مسكين الإنسان الذي لم يحصل علي الأرض ولا علي السماء.. تصوروا أنه عندما خرجت الكلمة من فمك إسحق كانت أمر للسماء وأمر للأرض.. وضع إسحق يده علي يعقوب وأمر صدر للسماء أن تنزل نداها عليه، وأمر صدر للأرض أن تعطي دسمها لهذا الإنسان.. وحقًا كما قال السيد المسيح "وأعطيكم مفاتيح السماء والأرض".. هنا إسحق أخذ مفاتيح السماء والأرض، يفتحها لتعطي نداها ودسمها وكلاهما في طاعته انه يمنح البركات كوكيل لله استؤمن علي خيرات يوزعها كما يشاء.. أنها بركة عجيبة تعطي. أما بالنسبة لعيسو فبلا دسم الأرض ندي السماء.. بالنسبة إليه عملية إغلاق، لقد أعطي الله إسحق المفاتيح يفتح بها ويغلق في السماء والأرض.. إنها بركة الأبوة بركة وكيل الله الذي استؤمن علي السماء والأرض.. ليعطك الله ندي السماء ودسم الأرض وكثرة حنطة وخمر.. أن الحنطة والخمر يرمزان إلي سر الإفخارستيا في العهد الجديد. وهكذا فإن أعطاه خيرات العهد القديم وما فيها من رموز للعهد الجديد في الحنطة والخمر اللذين يشيران أيضًا إلي كهنوت العهد الجديد.. وأبونا إسحق عندما تحدث عن هذه البركة في حديثة مع عيسو، قال عن يعقوب "وعضدته بحنطة وخمر" (تك 27: 37). وقال أبونا إسحق في مباركته يعقوب أيضًا: "ليستعبد لك شعوب، ولتسجد لك شعوب، ولتسجد لك قبائل". "كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك". إن الإنسان الذي يسير في طريق الله يعطيه الله موهبة السيادة.. الله يعطي من سلطانه للناس.. عندما خلق آدم جعله سيدًا علي كل الكائنات الموجودة طيور السماء وحيوانات الأرض وسمك البحر.. جعله الأرض.. وعندما أخطأ الإنسان بدأت السيادة تتزعزع، وبدأت الكائنات تتمرد عليه.. الحية تلدغ عقبه، والأرض تنبت شوكًا وحسكًا.. لقد تمردت الأرض والنبات.. السيادة ضاعت.. المرأة قال لها إن الرجل يسود عليها. في يعقوب.. بدأت البركة تعود ثانية.. تستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل.. كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك". عجيب أن يسمح الله لإنسان أن يسجد له الناس. يسجدون لوكيل الله علي الأرض، للشخص الذي يمثل الله، أو يكون مسيحًا له إنها موهبة السيادة أو كرامة يسبغها الله علي أولاده. وأيضًا يقول له: "ليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين". من يلعنك، ألعنه أنا. ومن يباركك أباركه. أنت سوف لا تدافع عن نفسك، أنا سأدافع عنك.. أنت سوف لا ترد الإساءة بالإساءة، لكنني أنا من السماء سأدافع عنك.. الذي يلعنك، ترتد اللعنة إلي نفسه.. والذي يباركك، يأخذ البركة لنفسه ويصير مباركًا. حماية من الله عجيبة لكل واحد من أولاده.. يقف بجواره، يدافع عنه ويعمل من أجله كل شيء حتى لو كان صامتًا.. يقاتل عنكم وأنتم تصمتون (خر 14: 14) أنها عبارات معزية سمعها يعقوب الضعيف المسكين الخائف من عيسو الجبار الصياد.. كان يعقوب راكعًا عند قدمي أبية، وكانت فاتحة أبوابها والنعم تنزل علي رأسه أمينة صادقة من فم أبيه ومن عند الله نفسه. |
||||
15 - 02 - 2014, 12:40 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يعقوب أبو الآباء ومتاعب بعد البركة البركة استطاع يعقوب أن يحصل علي بركة أبية. وكانت بركة الآباء كنزًا عظيمًا يسعى أليه الأبناء.. البركة في تاريخ البشرية صدرت من الله مباشرة، ومن الله وحده. كما بارك الله آدم وحواء (تك 1: 28). وكما بارك نوحًا وبنيه (تك 9: 1). وكما بارك أيضًا أبانا إبراهيم (تك 12). وهو أول إنسان قال له الله "وتكون بركة" (تك 12: 2). وهكذا صار الآباء مصدرًا للبركة.. لم يكونوا بالنسبة إلي أبنائهم مجرد آباء جسديين، بل كانوا لهم آباء روحيين أيضًا في ذلك الزمان كان الكهنوت للأب رئيس العائلة. وهكذا كان أبونا نوح يقدم محرقات للرب (تك 8: 20). وأبونا إبراهيم كان كذلك: بني مذابح ودعا باسم الرب (تك 12: 7، 8). وإسحق أيضًا بني مذبحًا ودعا باسم الرب (تك 26: 25). كان هؤلاء الآباء كهنة يقدمون علي المذابح محرقات. وكانت في أيديهم البركة واللعنة. من يباركونه يصبح مباركًا. ومن يلعنونه يصبح ملعونًا، كما فعل أبونا نوح (تك 9: 25- 27) لعن كنعان فصار كذلك. لم يكن إسحق إذن مجرد أب جسدي لعيسو ويعقوب. بل كان أيضًا أبًا روحيًا لهما، كاهنًا له سلطان، ويمكن أن يمنح البركة. كان وكيلًا لله علي الأرض. وكل منهما كان بكل قوته يسعي لنوال بركته.. الخدعة يعقوب سعي إلي البركة بطريقة الغش والخداع. لقد أطاع نصيحة أمه. وفي الواقع لقد أطاع شهوات قلبه التي كانت تتفق مع هذه النصيحة. والعجيب أن أمه لم تقدم له حيلتها كنصيحة، بل كأمر. وهكذا قالت له: "الأن يا ابني، اسمع لقولي في ما أنا أمرك به" (تك 27: 8). ويعقوب لم يرفض. لم يقل لها في حزم "لا أقدر أن أخدع أبي، محتقرًا عمي بصره". بل انه كان يخشي فقط انكشاف الخدعة. ولم يكن يعقوب جريئًا وشجاعًا مثل سليمان الذي رفض طلب أمه في أن تعطي أبيشج الشونمية امرأة أبيه زوجة لأدونيا أخيه، بل أمر بقتل أدونيا الذي توسطت له أمه، عقابًا له علي جرأته في أن يطلب امرأة أبية زوجة له (1مل 2: 17- 25). وهكذا لم يطاوع سليمان أمه، محترمًا أباه حتى بعد موته. أما يعقوب فتقدم ليخدع أباه، مرتكبًا خطايا عديدة.. قال له "أنا عيسو بكرك، قد فعلت كما كلمتني. قم أجلس وكل من صيدي، لكي تباركني" (تك 27: 19). كم كذبة كذبها يعقوب في هذه العبارة؟ لا هو عيسو البكر، ولا لأبوه كلمه عن صنع أطعمة له، ولا هو اصطاد شيئًا..! ولما تعجب أبوه من السرعة في الصيد وإعداد الطعام، أجابه يعقوب "الرب إلهك يسر لي"!! كل هذا أدخل الشك في نفس إسحق. وبخاصة لأن "الصوت صوت يعقوب". فقال له تقدم لأجسك يا أبني. أأنت هو أبني عيسو أم لا". وعاد إسحق يسأله مرة أخري "هل أنت هو أبني عيسو؟" فقال "أنا هو (تك 27: 21، 24). ولم يكتف إسحق بهذا،بل أمره أن يتقدم، وشم رائحة ثيابه.. إنها ثياب عيسو التي ألبستها رفقة لأبنها يعقوب.. أن رفقة كانت ذكية. فلم تطبخ الطعام فقط لاسحق، بل طبخت العملية كلها. كانت رواية: ألفها الشيطان، وأخرجتها رفقة، ومثلها يعقوب، وخدع بها أباه. هل كان قلبه مضطربًا وخائفًا خلال ذلك؟ خلال أسئلة أبيه المتكررة المرتابة، وهو يجسه ويشمه ويقول له: هل أنت هو؟ عجبًا إن هذا الضعيف كانت له وقتذاك قوة، أمكنه بها أن يصمد وأن يحتمل شك أبيه. بل أن يقبل أباه فيما كان يخدعه) (تك 27: 26، 26). والعجيب أن البعض دافع عن يعقوب في خدعته!! فقال أنه لما اشتري البكورية من عيسو، أشتري شخصية عيسو!! وهذا رأي غير مقبول من نواح عديدة: فيعقوب من نواح عديدة: فيعقوب كان يعرف أنه يخدع أباه، بدليل أنه خاف من ذلك أولًا وقال لأمه "أجلب لنفسي لعنة لا بركة" (تك 27: 12). وبدليل أنه لبس ملابس عيسو كما أن أمه "ألبسته في يديه وملابسة عنقه جلود جدي الماعز "وأيضًا كذبه علي أبيه في قوله "قم أجلس وكُل من صيدي" وقوله من جهة السرعة "الرب إلهك يسر لي! "ولو كان يعني مجرد شراء البكورية، لكان يقول لأبيه: أنا بكرك عيسو.. كما أنه كذب علي أبيه مرة أخرى، حينما سأله أبوه "هل أنت هو أبني عيسو؟" فقال: أنا هو. وهنا السؤال عن الشخص وليس عن البكورية.. انكشاف الخدعة الخلاصة أنه نال البركة بالخدعة، وبقي أن يواجه نتائجها. وأولي النتائج هو انكشاف الخدعة بعودة عيسو.. ولا شك أن يعقوب ورفقة كانا يعلمان أن عيسو سيعود من صيده، ويقدم طعامًا لأبية ويطلب بركته، وتنكشف اللعبة.. ولكن لابد أنهما كانا يعلمان أيضًا أن البركة حينما تعطي، لا يمكن أن تسحب "لأن هبات الله ودعوته، هي بلا ندامة" (رو 11: 29).. حتى "إن كنا غير أمناء، فهو يبقي أمينًا" (2تي 2: 13). وهو قد قال منذ الحبل بيعقوب وعيسو: "وكبير يستعبد لصغير" (تك 25: 23). فلابد أن هذا يتم.. كانت إرادة الله تنفذ، حتى من خلال خطأ يعقوب! وحتى من خلال حيلة رفقة واللجوء إلي طرق بشرية.. إن الله يستطيع أن يجعل كل شيء يؤؤل إلي إرادته المقدسة. حتى الخطاء يحاول نتيجتها إلي خير! لقد أخطأ يهوذا الإسخريوطي وباع سيده بثلاثين من الفضة. وأخطأ مجمع السنهدريم، وحكم علي المسيح ظلمًا، واستخدم شهود زور (مت 26: 60). واخطأ بيلاطس أيضًا في أن سلمه لليهود ليصلبوه.. ومع ذلك فقد آلت كل هذه الأخطاء إلي تنفيذ إرادة الله في قضية الفداء! آلت من جهة نتيجتها. أما سوء فعل أولئك فهو مدان.. عاد عيسو، وصنع أطعمة لأبيه، وطلب بركته. فسأله إسحق من أنت؟ فأجاب "أنا"، "فأرتعد إسحق ارتعادا عظيمًا جدًا" (تك 27: 33). اكتشف انه وقع في خدعة، وأن يعقوب"أتي بمكر وأخذ البركة".. ولكن كيف يمكن أن يحدث هذا؟! هل من المعقول أن يسمح الله بأن تعطي البركة لمن لا يستحقها؟! وهل ستثبت البركة التي أخذها يعقوب؟ طبعًا سوف تثبت. ولكن كيف؟! وهنا بدأ ذهن إسحق يجول في أعماق بعيدة.. ويقينًا أنه تذكر في تلك اللحظات الكلام الذي قال الله لرفقة في وقت حبلها "في بطنك أمتان، ومن أحشائك يفترق شعبان شعب يقوي علي شعب. وكبير يستعبد لصغير" (تك 25: 23). كان قد نسي هذه النبوءة في شيخوخته.. وعاد ليتذكر الآن.. أذن فقد كان علي وشك أن يعطي البركة لعيسو،.ولكن الله صحح له هذا الخطأ، ولم يسمح لاسحق أن يقع فيه. فالبركة هي ليعقوب. هنا وقال إسحق "نعم مباركً" (تك 27: 33). وهنا أيضًا نضع أمامنا حقيقة هامة وهي: أخطاء عيسو أن عيسو لم يكن أمينًا لنفسه، ولا لأخيه، ولا لله: لم يكن أمينًا لنفسه، لأنه باع بكوريته.. وباعها بثمن رخيص، بأكله عدس (تك 25: 32). وهكذا باع الروحيات، وأخذ بدلًا منها الماديات "واحتقر البكورية "! وعندما باع البكورية، بم يكن أمينًا لله. ذلك لأن البكورية وقتذاك كانت تحمل في بركاتها الكهنوت، أي خدمة الله ومذبحه. بل كانت تحمل شيئًا أهم، وهو أنه من نسل هذا البكر سيأتي المسيح، وبنسله تتبارك جميع قبائل الأرض.. فكيف باع كل هذا بأكله عدس؟! ولم يكن عيسو أمينًا لأخيه أيضًا.. إذ كيف ينقض اتفاقاته معه. كيف بعد أن باع البكورية، يأتي إلي أبيه ويقول له "أنا بكرك عيسو" (تك 27: 32)؟! ويطالب ببركة هذه البكورية! أما كان الأجدر أن يقول لأبيه: لست أستحق هذه البكورية، لأني بعتها. وهو لم يبع البكورية فقط، وإنما حلف لأخيه علي ذلك (تك 25: 33). أي أشهد الله علي ذلك. لذلك فهو يطالب بحق ليس له.. فلما سمع ان أباه بارك أخاه يعقوب يقول الكتاب: أن عيسو صرخ صرخة عظيمة ومرة جدًا، وبكي.. وقال: أما أبقيت لي بركة؟! "آلك بركة واحدة فقط يا أبي. باركني أنا أيضًا يا أبي".. ورفع صوته وبكي (تك 27: 34، 38). ويجيبة أبوه: ماذا أصنع لك يا أبني؟! جاء أخوك واخذ البركة. قد جعلته سيدًا لك. ولك يكن إسحق قاسيًا أمام دموع أبنه عيسو.. إنما لقد أخطأ عيسو فهم البركة والبكورية. أهم ما فيها أن يأتي المسيح من نسل من ينال هذه البركة. فمادامت البركة قد أعطيت ليعقوب، وصار له أن يأتي المسيح من نسله، فلا يمكن أن يأتي إذن من نسل عيسو.. ما معني إذن: ألك بركة واحدة فقط يا أبي؟! هل من المعقول أن يعطي نفس البركة لعيسو، فيأتي المسيح من نسل يعقوب ومن نسل عيسو؟! وهذا محال.. لم يكن تفكير عيسو هنا تفكيرًا روحيًا. وكان الأجدر به أن يذهب إلي أخيه يعقوب ويسجد أمامه، ويطلب بركته، وليس بركة البكورية. ولكنه صرخ مرة وبكي، حيث لا ينفع البكاء.. وصدق في عيسو، ما قاله عنه القديس بولس الرسول: قال إنه "لما أراد أن يرث البركة، إذ لم يجد للتوبة مكانًا، مع أنه طلبها بدموع" (عب 12: 17). لقد جاء بعد فوات الفرصة، بعد أن اغلق الباب، مثل الخمس العذارى الجاهلات.. اللائي قلن "يا ربنا، أفتح لنا" فأجبهن الرب "الحق أقول لكن إني لا أعرفكن" (مت 25: 10، 12). لم يكن بكاء عيسو بكاء توبة. أنما كان بكاء حسرة وغيظ وحقد. بكاء من فقد شيئًا لا يمكن أن يرجع. بكاء ليس فيه تذلل ولا انسحاق.. بل يقول الكتاب عن هذا الباكي "فحقد عيسو علي يعقوب، من أجل البركة التي باركه بها أبوه وقال عيسو في قبله: قربت أيام مناحة أبي. فأقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). وطبيعي أن الذي يحقد علي أخيه، ويفكر في قتله، لا يمكن أن يكون إنسانًا تائبًا. لقد بكي وطلب من أبيه بركة. فقال له أبوه "هوذا بلا دسم الأرض يكون مسكنك، وبلا ندي السماء من فوق. وبسيفك تعيش، ولأخيك تستعبد، ولكن يكون حينما تجمح، أنك تكسر نيره عن عنقك" (تك 27: 39، 40). وكان مشاعر عيسو الحاقد تقول: بسيفي أعيش؟ ليكن. ولكن بسيفي لن اجعله يعيش.. أقوم واقتل يعقوب أخي.. أن كانت النتيجة الأولي في خداع يعقوب لأبيه، هي انكشاف الخدعة بعودة عيسو من صيده، فأن النتيجة الثانية كانت عزم عيسو علي قتله. ونتيجة لذلك إن رفقة نصيحته بالهروب من أخيه قائلة له: الآن يا أبني اسمع لقولي. وقم أهرب إلى أخي لابان، إلي حاران.. حتى يرتد سخط أخيك عنك، وينسي ما صنعت به.. لماذا اعدم إثنيكما في يوم واحد؟" (تك 27: 42-45). إلى بيت لابان وكانت رفقة امرأة ذكية. فأقنعت إسحق بذلك.. أقنعته بذهاب يعقوب ليقيم عند أخيها لابان في حاران. فكيف فعلت ذلك؟ كان عيسو قد اتخذ لنفسه زوجتين من بنات الحيثيين "فكانتا مرارة نفس لاسحق ورفقة" (تك 26: 34، 35). فضربت علي هذا الوتر، وقالت لزوجها إسحق "ملكت حياتي بسبب بنات حث. إن كان يعقوب يأخذ زوجة من بنات حث، مثل هؤلاء من بنات الأرض، فلماذا لي حياة؟!" (تك 27: 46). ومال إسحق إلي كلام رفقة، ودعا يعقوب وباركه وقال له نفس النصيحة: قم اذهب إلي فدان آرام، إلي بيت بتوئيل إبي أمك، وخذ لنفسك زوجة من هناك، من بنات لابان أخي أمك.. لا تأخذ لك زوجة من بنات كنعان" (تك 217: 1، 2). وهنا نري إسحق يبارك يعقوب بركة ثانية، من قلبه وليس كالأولي التي كانت بالخدعة.. لم يلمه علي خدعته، ولم يعاقبه علي أخذه البركة بالمكر، لأنه تذكر الوعد الإلهي. بل دعاه وباركه.. وقال له "الله القدير يباركك ويجعلك مثمرًا".. ويعطيك بركة إبراهيم لك ولنسلك.." (تك 28: 1، 3، 4). ومضي يعقوب هاربًا من وجه أخيه، بعيدًا عن بيت أبيه وعن حنان أمه، فماذا حدث له؟ |
||||
15 - 02 - 2014, 12:43 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يعقوب أبو الآباء هارب وخائف ولكن الله معه حقد يعقوب وجهله خرج يعقوب من بيت أبيه، هاربًا من وجه أخيه عيسو، الذي عزم علي قتله. وقد أوله الحقد إلي هذا المستوي "أقوم وأقتل يعقوب أخي". إن كان يعقوب قد أخذ البركة، فكيف يمكن لعيسو أن يتحدى هذه البركة ويمنع نفاذها؟! البركة التي تقول "كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك. ليستعبد لك شعوب، ولتسجد لك قبائل" (تك 27: 29). هل يمنع عيسو إتمام هذه النبوة؟! وهل يمنع القول الإلهي عنه وعن أخيه "وكبير يستعبد لصغير" (تك 25: 23). كان عيسو يتحدى التدبير الإلهي، بعكس أبيه. لقد كان في نية أبية أن يبارك عيسو. ولكنه استسلم لمشيئة الله، لما تذكر وعده وعاد إسحق فبارك يعقوب، وقال "نعم ويكون مباركًا" (تك 27: 33) أما عيسو فقد تمرد علي مشئية الله. ودل بذلك علي جهله أيضًا. لأنه إن كان من ضمن البركة التي أخذها يعقوب، أن يأتي من نسله المسيح، فكيف يستطيع عيسو أن يقتله قبل أن ينجب النسل الذي منه يأتي المسيح؟! بل كيف يقف عيسو ضد بركة أخري قالها أبوه إسحق ليعقوب "الله القدير يباركك. ويجعلك مثمرًا، ويكثرك فتكون جمهورًا من الشعوب" (تك 28: 3). فهل يموت يعقوب، قبل أن يثمر؟! ولكن علي الرغم من جهالة عيسو وتمرده علي التدبير الإلهي، هرب يعقوب من وجهه.. سار في البرية وحيدًا خائفًا، ينتظر وعود الرب. وهو باستمرار كان يخاف من عيسو، رجل الصيد والنبال، الذي كان أقو منه جسديًا حتى وهما في بطن أمهما: ركنه عيسو جانبًا، وخرج قلبه "أحمر كله كفروة شعر" (تك 25: 25). وتزاحم الاثنان أيضًا حول البكورية والبركة، فلما كانت من نصيب عيسو، دخلت مشاعر الانتقام في قلب عيسو، كما دخل الخوف من الانتقام في قلب يعقوب. وهرب وهو لا يدري هل ستنتصر بركة إسحق أم حقد عيسو..! وقت الرحمة لا العقوبة وعلي الرغم من أخطاء يعقوب في حصوله علي البركة، إلا أن الله لم يعاقبه في وقتها.. ليس من المعقول أن يعاقبه الله وهو في هربه وخوفه. يكفيه حاليًا ما هو فيه العقوبة سوف تحل عليه فيما بعد. أما الآن فهو في حاجة إلي عناية الله ورعياته، وليس الوقت وقت عدل الله وعقوبته. إن الله يكون دائمًا إلي جوار الضعفاء المحتاجين إليه لعله باهتمامه بهم في ضيقتهم، يمكن أن يجذبهم إليه.. صدق داود النبي حينما قال: "أقع في يد الله، ولا أقع في يد إنسان، لأن مراحم الله واسعة" (2 صم 24: 14). فليقع يعقوب إذن في يد الله، يعاقبه كما يشاء، ومتي يشاء. ولا يقع في يد أخيه عيسو.. وهكذا سار يعقوب في البرية وحيدًا وخائفًا، وبلا أية معونة.. بلا رعاية الأب ولا حنان الأم، وليس أمامه مجال لاستخدام ذكائه البشري. رآه الله في خوفه وهربه. وكأن الله يقول: لا أترك يعقوب ابني وحده. لا أتركه معذبًا وقلقًا.. حقًا أنه تسبب في هذا الهرب الذي جلبه علي نفسه.. ولكن الله لا يتركه ليقاسي بسبب أعماله.. الله "الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا، ولم يجازنا حسب آثامنا" (مز 103: 10). ودبر الله الوقت الذي يعمل فيه. هوذا يعقوب الآن في البرية، في وحشة النهار وظلمة الليل، خوف الجبل وما فيه من وحش ودبيب وحشرات. يضاف إلي ذلك خوفه من انتقام أخيه. ولعله يفكر: أين إذن البركة التي نالها: "ندي السماء، ودسم الأرض" (تك 27: 8)!! حقًا إن البركة ليس معناها الطريق الواسع..! لقد حصل داود النبي علي بركة المسحة التي أخذها علي يد صموئيل النبي وحل عليه روح الرب (1صم 16: 13). وعلي الرغم من ذلك حلت ضيقات كثيرة علي داود، واضطهادات ومطاردات من شاول الملك.. وفي الوقت المناسب، نال داود بركة المسحة المقدسة. إذن علي يعقوب أن ينتظر الرب، الذي يعمل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة لتدبيره الإلهي. كان علي يعقوب أن يجتاز مرحلة فطام. فطام عن كل معونة بشرية. أولها الفطام من حنان أمه وإرشادها.. هذه التي قالت لها أكثر من مرة "الآن يا أبني أسمع لقولي" (تك 27: 8، 13).. قالت له ذلك عندما نصحته أن يخدع أباه. وأيضًا حينما نصحته أن يهرب ويقيم عند خاله لابان (تك 27: 43).. وكان عليه أيضًا أن يفطم ذاته عن حيله البشرية. ويكون في موقف يشعر فيه أنه لا حل أمامه ولا وسيلة. وحينئذ يتدخل الله لينقذه من ضيقته.. وفي الضيقة لمس يعقوب عمليًا يد الله في حياته. لقاؤه مع الله كان من قبل لا يعرف عن الله، إلا أنه أبيه إسحق وإله جده إبراهيم، هذين اللذين كانا يقدمان له الذبائح. وحتى حينما كلمه الله، كلمه بهذه الصفة قائلًا له "أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق" (تك 28: 13). وهكذا بدأ الله يكون علاقة شخصية معه.. وكان الله هو البادئ بهذه العلاقة. فكيف حدث ذلك؟ حدث ذلك في البرية، حينما تعب يعقوب من السير، وكانت الشمس قد غابت". وصادف مكانًا وبات هناك". لم يكن هناك فراش، ولا وسادة يسند عليه رأسه. "فأخذ حجرًا من حجارة المكان، ووضعه تحت رأسه. وأضطجع في ذلك المكان". (تك 28: 10، 11). وهنا بدأ الله يعمل. بدأ يكون علاقة مع يعقوب.. لم يحتمل أنه أن يراه هكذا ملقي علي الأرض ومتوسدًا حجرًا.. ربما يعقوب كان يظن وقتذاك أنه وحده في الجبل. فأراد الله أن يثبت له أنه ليس وحده. وأنه وأن كان راقدًا علي الأرض، فهناك ما يمكن أن يصل بين الأرض والسماء.. وكيف ذلك؟ إذا بيعقوب في نومه يري حلمًا عجيبًا.. سلم يعقوب رأي سلمًا منصوبة علي الأرض، ورأسها يمس السماء، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. هوذا الرب واقف عليها يخاطبه. يعرفه بنفسه ويباركه.. وكان هذا هو اللقاء الأول بينه وبين الله، حيث أعلن له الله ذاته، وأعقبت ذلك لقاءات أخري.. وبعد أن كان يعقوب مؤمنًا بالوراثة.. أصبح مؤمنًا بالعشرة والخبرة. كان مؤمنًا لأنه ابن إسحق المؤمن. إلهه هو إله إسحق. أما الآن فقد دخل في طور آخر من الأيمان. يتحدث فيه الله إليه، ويتحدث هو مع الله. وبعد أن كان قد أخذ البركة من أبيه إسحق، هوذا الآن يسمعها من فم الله ذاته، الذي قال له "يكون نسلك كتراب الأرض، وتمتد غربًا وشرقًا وشمالًا وجنوبًا.. ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض" (تك 28: 14). بل أن الله يعطيه أيضًا وعدًا آخر بالحفظ، فيقول له "وها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأراك إلي هذه الأرض.." (تك 28: 15). فما هذا كله أنه الآن أمام الله، وملائكته، وسمائه.. ثلاثة تمثل حياته الروحية الجديدة. ومن قبل كان يتعامل مع ثلاثة هم أب وأم وأخ. لقد دخل تغيير إذن في حياته. فصل جديد قد بدأ.. وقد ترك هذا المنظر "السلم والسماء والملائكة" (أثرًا كبيرًا في نفس يعقوب. وأعمق منه بلا شك حديث الله معه، فلما استيقظ من نومه، قال: ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله، هذا باب السماء" (تك 28: 17)،ولأول مرة، يرد في الكتاب المقدس هذا التعبير "بيت الله". وقد تسمي به ذلك المكان، فصار أسمه "بيت أيل "أي بيت الله... ولأول مرة أيضًا نقرأ في الكتاب عن ملائكة ظهروا لإنسان. وتكرر هذا في حياة يعقوب. قرأنا من قبل إن الرب ظهر مع ملاكين لأبينا إبراهيم، وعن ذهاب الملاكين إلي سادوم وإنقاذهما للوط وأسرته (تك 18، 19). قرأنا عن ملاك منع أبينا إبراهيم من ذبح أبنه إسحق (تك 22: 11، 12). ولكننا هنا نقرأ عن ملائكة صاعدين ونازلين.. كان يعقوب أول إنسان رأي مجموعة من الملائكة. ربما أن حالته النفسية القلقة، كان فيها يحتاج إلي الشعور بأن له أسرة كبيرة من فوق ينتقل بها إلي عالم سمائي كذلك وهو ذاهب في طريقه خائفًا من ملاقاه عيسو، لاقاه عدد كبير من الملائكة قال عنهم: "هذا جيش الله" (تك 32: 1، 2).. في كل رحلة يعقوب ذهابًا وإيابًا، كان محتاجًا إلي عزاء. وكان في ظهور الملائكة عزاء له.. وأيضًا كان له عزاء في السلم التي رآها.. كانت السلم بين السماء والأرض، توحي بأن السماء لا تقطع صلتها بالأرض، مهما أخرجت الأرض شوكًا وحسكًا..ّ! كانت ترمز إلي المصالحة، وعودة الحب. بل ترمز أيضًا إلي السيد المسيح الذي قام بهذه المصالحة، وأعلن للأرض حب السماء. وكانت ترمز كذلك إلي أمنا العذراء التي ولدت للعالم هذا المخلص. لهذا ندعو العذراء في صلوات التسبحة "سلم يعقوب".. علي أن يعقوب فيما رأي كان له عزاء أعظم من السلم ومن الملائكة ومن السماء: إنه الله.. كان الله واقفًا علي السلم يتحدث إليه (يع 28: 13). حقًا إن الله عجيب في ظهوره ليعقوب علي الرغم من خداعه لأبيه، واستغلاله لجوع أخيه. وعلي الرغم من كذبه وحيله. وعجيب هو الرب بالأكثر في كل وعوده ليعقوب، ومباركة له ولنسله. وهكذا أكد الله ليعقوب البركة التي سمعها مرتين من أبيه إسحق (تك 27: 27) (تك 28: 1). فيكون قد نال حتى اللحظة البركة ثلاث مرات.. حقًا إن بركات الله بلا حساب، وننالها بلا استحقاق! "لأنه ليس بكيل يعطي الله" (يو 3: 34). وأن كال لنا فإنما يعطي في أحضاننا "كيلًا جيدًا، ملبدًا، مهزوزًا فائضًا.." (لو 6: 38). وهو في عطائه، ينظر دومًا إلي احتياجنا، وليس إلي استحقاقنا.. وهكذا فعل مع يعقوب الخائف الهارب. لقد أعطاه الله بركة ووعودًا، وليس عقوبة وتأديبًا.. وكان لهذا كله تأثيرًا في قلب يعقوب، فقال: "حقًا إن الله في هذا المكان، وأنا لم أعلم" (تك 28: 16). قال الله له "أنا معك حيثما تذهب". ولكنه لم يكن يعلم أن الله معه، وما أكثر ما يكون الله معنا، ونحن لا نعلم..! مثلما حدث لتلميذي عمواس في لقاء الرب لهما (لو 24: 15، 16). وكثيرًا ما يكون الله معنا، ولكن الضيقات لا تتركنا نشعر بوجوده. كما قال جدعون لملاك الرب "إذا كان الرب معنا فلماذا كل هذه؟! وأين هي عجائبه التي أخبرنا بها آبؤنا!" (قض 6: 13).. هكذا كان يعقوب لا يعلم بوجود الرب معه..! كان هذا أول ظهور إلهي له، وكان ما سمعه من الرب أول كلمات من الله تمس أذنيه. لقد شعر كيف يكون الرب قريبًا في وقت الضيقة.. لذلك مباركة هي الضيقات حينما تقربنا إلي الله. ولهذا فإن الله يسمح بالضيقات، لكي ندعوه فينقذنا، علي أنه هنا لم يحدث أن يعقوب دعاه. إنما لاشك أن احتياج يعقوب كان يصرخ إلي الله دون أن يتكلم كما قال الرب لموسى "إني رأيت مذلة شعبي.. علمت أوجاعهم. فنزلت لإنقاذهم" (خر 3: 7، 8). مع أنهم لم يصرخوا إليه، بل صرخوا بسبب مسخريهم.. "الله هنا، وأنا لم أكن أعلم". وكيف عرفت إذن؟ بالضيقة. لا تحزن يا يعقوب إذا فكر عيسو في أن يقتلك.. ثق أن حياتك في يد الله، وليست في يد عيسو. إذن لا تركز فكرك في أخطار تهددك من أخيك، أنما فكر في الله. فكر في باب السماء المفتوح.. ولتكن كلمة الله في أذنك "ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب". وماذا عن عيسو وقوته وتهديده، والقتل والموت؟ لا تفكر في كل هذا.. لقد أطمأن يعقوب لما سمع وعود الرب. ونذر يعقوب نذرًا إن كان الرب معه وحفظه.. كان وعد الله له في حلم. وهو لا يريد أن يكون حفظ الله هو مجرد أحلام يحملها ووعود يسمعها في حلم.. أنما متي تحققت "يكون الرب لي إلهًا.. وكل ما تعطيني فإني أعشره لك "إبراهيم جده قدم العشور مرة لملكي صادق (تك 14: 20). أما يعقوب حفيده فيقول للرب: "كل ما تعطيني، فإني أعشره لك" (تك 28: 22). ليكن هذا درسًا لكل إنسان.. فلا يدفع العشور من مرتبه فقط، وإنما من كل ما يصل إلي يده، عملًا بقول أبينا يعقوب: كل ما تعطيني فإني أعشره لك.. وصيه العشور أخذها -بالتقليد- من جده إبراهيم، وطبقها علي كل شيء كتعبير في العرفان بالجميل للرب. ولكن لا ينسي ظهور الرب له في ذلك المكان، دشنه بيتًا للرب. |
||||
15 - 02 - 2014, 12:45 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يعقوب أبو الآباء وعهد مع الله في بيت إيل دخل يعقوب في عهد مع الله.. وفي الكتاب المقدس ما أكثر العهود التي نراها بين الله والإنسان. وهنا نري العهد يقول فيه الله ليعقوب"نسلك يكون كتراب الأرض. ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض. وها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض" (تك 28: 13-15). ومن جانب يعقوب نذرًا، بشروط.. وفي هذا يسجل الكتاب"ونذر يعقوب نذرًا قائلًا: أن كان الله معي، وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه، وأعطاني خبزًا لأكل وثيابًا لألبس، ورجعت بسلام بيت أبي، يكون الرب لي إلهًا، وهذا الحجر الذي أقمته يكون بيت الله، وكل ما تعطيني فإني أعشره لك" (تك 28: 20- 22). الله قدم هنا وعودًا بلا شروط، ويعقوب قدم نذرًا لله بشروط. ولعل سبب شروط يعقوب، أنه لم يكن قد دخل في عمق الإيمان بعد. أنه الآن في بدء علاقته الشخصية مع الله، ويريد أن يتحقق من وعود الله له!! هوذا الله يقول له "ها أما معك، وأحفظك حيثما تذهب". وهو يقول في شروطه "إن كان الله معي، وحفظي في الطريق الذي سائر فيه".. والله يقول له "وأردك إلي هذه الأرض". وهو يقول: "إن رجعت بسلام إلي بيت أبي".. ومع ذلك كان نذر يعقوب هو أول نذر سجله الكتاب المقدس. أنها أول مرة نقرأ في الكتاب كلمة (نذر).. وكان نذرًا مثلثًا: أن يكون الرب له إلهًا، أن يقيم بيتًا لله، أن يعشر كل ما يعطيه الله".. عبارة "يكون الرب لي ألهًا"، قالها في عصر وثني. وكان يعني بها أن يكون الرب إلهه من الناحية العملية في حياته، وليس بمجرد الوراثة. كما تشمل هذه العبارة أيضًا معني العبادة الحقيقية. وهكذا نسمع فيما بعد، أنه عندما رجع سالمًا إلي مدينة شكيم التي في أرض كنعان "أبتاع قطعة أرض.. وأقام هناك مذبحًا. ودعاه أيل إله إسرائيل" (تك 33: 19، 20). وكان يعقوب أول من استخدم عبارة "بيت الله".. وقد قالها في هذه المناسبة مرتين: الأولي حينما استيقظ وقال "ما أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله، وهذا باب السماء". والثانية حينما قال في نذره "أقمته عمودًا يكون بيت الله "تك 28: 17، 22). وجميل حقًا أن يكون أول نذر قد نذره أحد رجال الله، يشمل أقامه بيت لله.. ونذكر في هذه المناسبة أن أبانا يعقوب، كان أول من دشن مكانًا لله. واستخدم في هذا التدشين زيتًا.. إذ يقول الكتاب "وبكر يعقوب في الصباح. وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه. وأقامه عمودًا، وصب زيتًا علي رأسه. ودعا ذلك المكان بيت أيل".." (تك 28: 18، 19). عبارة بيت أيل معناها بيت الله ونحن نذكر هذا الفصل من الكتاب، حينما نحتفل بوضع أساس كنيسة جديدة كما نذكره أيضًا في طقس تدشين الكنيسة، وتدشين المذبح. صدقوني، أنني أعجب كيف عرف أبونا يعقوب فكرة تدشين بيت لله، وكيف استخدم لذلك زيتًا. فيما بعد في أيام موسى النبي، بعد تدشين أبينا يعقوب لبيت أيل بمئات السنين، أمر الرب موسي النبي أن يصنع زيت المسحة الذي يمسح فيه خيمة الاجتماع ويقدسها، ويمسح به المذابح وأواني الخدمة ويقدسها، بل ويسمح به أيضًا هرون وبنيه ويقدسهم ليصروا كهنة للرب (خر 30: 22- 30) لاشك أن يعقوب أبانا، قد عرف هذا الأمر بوحي إلهي، باعتباره رجل الله، وكان هذا عربونًا لمواهبه.. وهنا أحب أن أضيف ملاحظة بسيطة عن بيت أيل: حينما كتب موسى النبي سفر التكوين، وذكر أولي رحلات أبينا إبراهيم بعد دعوة الله له، وقال عنه "فبني مذبحًا للرب الذي ظهر له. ثم نقل من هناك إلي الجبل شرقي بيت إيل ونصب خيمته. وله بيت إيل من المغرب، وعاي من المشرق" (تك 12: 7، 8)،إنما كان يقصد مدينة بيت إيل، كما كانت معروفة في أيامه بهذا الاسم. ولكنها قبل أبينا يعقوب لم يكن إسمها هكذا. بل يقول الكتاب حينما سماها أبونا يعقوب (بيت إيل) "ولكن أسم المدينة كانت لوز" (28: 19). المهم أن أبانا يعقوب كان الأول في عدة أمور منها:
تحصينه للمستقبل: وقد أعد له الله رؤية السلم الواصلة بين السماء والأرض، ورؤية الملاك، وسماع الوعد الإلهي، وما قدمه هو من نذر لسببين يتعلقان بالحاضر والمستقبل.. أما عن ذلك الوقت الحاضر، فلكي يطمئنه في خوفه وهربه، وأيضًا لكي يقيم علاقة خاصة معه... وأما عن المستقبل، فلكي يكون له الإيمان الذي لا يتأثر بعبادة الأصنام التي كانت في بيت لابان خاله. فالكتاب يذكر أنه عند هروبه من بيت لابان ليرجع إلى بيت أبيه إسحق، أن "راحيل سرقت أصنام أبيها" (تك31: 19). ولم يكن يعقوب يعرف ذلك (تك31: 32) وذكر أيضًا أن لابان في مطاردته ليعقوب قال له "لماذا سرقت آلهتي" (تك31: 30). ونفسر ذلك بتقسيم الناس في عبادتهم إلى ثلاثة أقسام: · النوع الأول الذي يعبد الله وحده، ويمثله أبونا إبراهيم وأبونا إسحق في أيام أبينا يعقوب. ويمثله قبل ذلك أبونا نوح، وسلسلة رؤساء الآباء التي وردت في (تك5). مثل آدم وشيث وأنوش وأخنوخ ومتوشالح... · نوع آخر كان بعيدًا كلية عن الله، ويعبد الأصنام، مثل شعوب الأرض كالكنعانيين والحيثيين والأدوميين وغيرهم. · نوع ثالث كان يعبد الله الإله الحقيقي، مع تأثره بعبادة الأصنام أيضًا، فكأنه يعبد الله ومعه آلهة أخرى. ومن أمثلة هؤلاء لابان. ولذلك قال حينما عقد اتفاقية مع يعقوب في انفصاله عنه "إله إبراهيم، وآلهة ناحور آلهة أبيهما يقضون بيننا" (تك 31: 53). ولعله وقع في هذا النوع أيضًا سليمان بن داود في أيام شيخوخته حينما حدث "أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملًا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه. فذهب سليمان وراء عشتاروت إلهة الصيدونيين، وملكوم رجس العمونيين.." (1مل11: 4، 5). لذلك أراد الله بظهوره ليعقوب وكلامه معه أن يحصنه أيضًا ضد العبادة المنحرفة التي كانت في بيت لابان، والتي ربما تكون قد تأثرت بها أيضًا راحيل التي صارت زوجة ليعقوب، وهي ابنة لابان. على أية الحالات لقد سرّ الرب بنذر يعقوب، وأيضًا بتدشينه ذلك العمود، وتسميته للمكان بيت إيل. لذلك نرى أن الرب لما سمح لأبينا يعقوب بأن يترك لابان، ويرجع إلى بيت أبيه، قال له "أنا إله بيت إيل حيث مسحت لي عمودًا، حيث نذرت لي نذرًا. الآن قم اخرج من هذه الأرض، وارجع إلى أرض ميلادك" (تك31: 13). إذًا كان ظهور الرب لأبينا يعقوب في حلم، والعهد الذي تم بينهما في بيت إيل. كل ذلك كان نقطة تحول أساسية في حياة يعقوب، وبالتالي في نسله... تشجع بعد ذلك يعقوب "ورفع رجليه، وذهب إلى أرض بني المشرق" (تك29: 1). في هذه المرة، سار بإيمان قوي. وكان الله يعدّ الطريق قدامه ويسهل سبله.. أعدّ له كيف يلتقي براحيل ثم بأبيها لابان، بطريقة تشبه إلى حد بعيد كيف يسرّ الرب طريق اليعازر الدمشقي عبد أبينا إبراهيم ليختار زوجة لاسحق إبنه، من نفس هذا البيت، بيت بتوئيل ولابان... هذا الذي قال له أبونا إبراهيم "إن الرب الذي سرت أمامه، يرسل ملاكه معك وينجح طريقك" (تك24: 40) إنه نفس الملاك الذي أرسله الرب ليهدي يعقوب إلى بيت خاله لابان - هذا الذي تذكره يعقوب وهو يبارك افرايم ومنسى (تك48: 16). هناك عند البئر التقى براحيل، كما التقى اليعازر الدمشقي برفقة أمه. وهناك "قبّل يعقوب راحيل، ورفع صوته وبكى. وأخبرها بأنه أخو أبيها وأنه إبن رفقة" (تك29: 11، 12) |
||||
15 - 02 - 2014, 12:47 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يعقوب أبو الآباء وملاحظات على قصة زواجه التقي يعقوب براحيل أبنه خاله عند البئر. إنه البئر الذي كان الرعاة يستقون منه لغنمهم. وكان علي فم البئر حجر كبير فينتظر الرعاة إلي أن يجتمعوا، فيدحرجوا الحجر عن فم البئر. فلما رأي يعقوبراحيل ابنه خاله قادمة مع غنمها، تقدم ودحرج الحجر عن فم البئر، وسقي غنم لابان خاله" (تك 29: 3، 10). لقد ذكرت المرأة السامرية بئر أبينا يعقوب في حديثها مع السيد المسيح(يو 4: 12) إذن فهو بئر له تاريخ وشهرة، ولا شك أن أبانا يعقوب ظهرت قوته حينما زحزح الحجر عم فم البئر وسقي الغنم. وهناك قبل يعقوبراحيل، ورفع صوته وبكي وأخبرها انه أخو أبيها، وأبن رفقة (تك 29: 11). الحجر أحجار هامة في حياة يعقوب يذكرها لنا الكتاب: الحجر الذي كان تحت رأسه، ومنه ارتفع سلم إلي السماء، وقد صب علي هذا الحجر زيتًا، ودعا المكان بيت إيل، أي بيت الله (تك 28: 18، 19). وهو يذكرنا بحجر الأساس الذي نضعه لكل كنيسة. وهذا الحجر كان في بدء علاقته بالله. والحجر الثاني هو الحجر الكبير الذي دحرجه عن فم البئر، وكان بدء العلاقة بينه وبين راحيل وأبيها لابان (تك 29: 10). والحجر الثالث هو الذي أوقفه عمودًا، ليكون شاهدًا بينه وبين لابان، فلا يتجاوز أحدهما هذا الحد الآخر، وذلك عندما فارق يعقوبلابان (تك 31: 45- 52). أما الحجر الرابع، فهو تأكيد للحجر الأول، بعد أن ظهر له الله في بيت إيل. "فنصب يعقوب عمودًا من حجر، وسكب عليه سكيبًا، وصب زيتًا. ودعا أسم المكان الذي فيه تكلم الله معه بيت إيل" (تك 35: 14، 15). ولعل هذا يعني التصاقه ببيت الله في ذهابه وفي عودته. أخو أبيها قال يعقوب لراحيل أنه أخو أبيها (تك 29: 12) بينما أبوها لابان كان خاله (تك 29: 10). فماذا يعني ذلك؟ لقد كانوا يستعملون عبارة (أخ) للدلالة علي صله القرابة الشديدة القرب كالعم والخال. ولذلك نري أن لابان بعد قابل يعقوب، وقبله في بيته، وصار يعقوب يرعي غنمه، أن لابان قال له "ألانك أخي تخدمني مجانًا؟! أخبرني ما أجرتك؟" (تك 29: 15)، بينما لم يكن أخاه، وإنما إبن أخته رفقه.. ونفس التعبير قيل عن العلاقة بين إبرآم ولوط. قيل فيسبي سادوم"وأخذوا لوطًا أبن أخي إبرآم" (تك 14: 12). وقيل بعد ذلك "فلما سمع إبرآم أن أخاه قد سبي، جمع رجاله المدربين" (تك 14: 14). بينما أن لوطًا كان ابن هاران أخيه (تك 11: 31). بنفس التعبير ذكرت الأناجيل عبارة: أخوة المسيح. ولم يكونوا أخوته، وإنما كانوا أولاد خالته (مريم زوجة كلوبا). وانظر في ذلك كتابنا (اللاهوت المقارن هنا في موقع الأنبا تكلا ص 100 إلي ص 102). زواج يعقوب أولًا كان زواجًا مبنيًا علي حب. وهذه الحقيقة تكررت كثيرًا في قصة يعقوب وزواجه. فقيل "وأما راحيل فكانت حسنة الصورة وحسنة المنظر. وأحب يعقوبراحيل" (تك 29: 17، 18). وأيضًا قيل عنه إنه "أحب راحيل أكثر من ليئة" (تك 29: 30). ولأنه أحبها، طلبها من أبيها أن تكون له زوجة. فقال له أبوها "أعطيتك أياها، أحسن من أن أعطيها لرجل آخر. اقم عندي" (تك 29: 19). أن الزواج المبني علي الحب والمودة، أعمق بنياتًا وأكثر دوامًا. ولا نعني بالحب علاقة شهوه جسدية، بل نعني به تعلق القلب بالقلب، في مودة وتفاهم وفي توافق فكر وأسلوب، كما يقول المثل "من شروط المرافقة الموافقة؟ فإثنان يترافقان معًا طول الحياة، لابد أن تكون بينهما هذه الموافقة. لذلك فإن الأب الكاهن قبل إجراء سر الزواج، لابد أن يتأكد انه بموافقة كل من الطرفين. أما الضغط والإرغام لإتمام الزواج، فإن من الأسباب التي تدعو إلي بطلان الزواج. ملاحظة أخري نذكرها، وهي أن أبانا يعقوب خدم لابان سبع سنوات بزواجه من لبنته.. فهل كانت هذه هي (الشبكة)، أو ما يسمونه المهر؟ المعروف أن الشبكة تعطي للخطيبة وليس لأبيها.. مثل هذه الشبكة قدمها لعازر الدمشقي لرفقة في خطبتها لاسحق ابن سيده "أخذ خزامة ذهب وزنها نصف شاقل، وسواؤين علي يديها وزنها عشرة شواقل ذهب" (تك 24: 22، 30). "وأخرج آنية فضة وآنية ذهب وثياب وأعطاها لرفقه، وأعطي تحفًا لأخيها وامها" (تك 524: 53). ولكن ماذا أخذت راحيل، وماذا آخذت ليئة، في زواجهما من يعقوب؟ لا شئ!! الكل أخذه لابان أبوهما، كل ما في الأمر أنه قدم لكل منهما جارية: زلفة جارية لليئة وبلهة جارية لراحيل (تك 29: 24، 29). ولم يكن كريمًا معهما.. ولذلك نري انه فيما بعد، لما هرب يعقوب من بيت لابان، انضمت إليه زوجتاه، أذ لم يكن لهما مشاعر نحو أبيهما. وقد قالتا في ذلك: "ألنا أيضًا نصيب وميراث في بيت أبينا؟! ألم نحسب منه أجنبيتين! لأنه باعنا وقد أكل أيضًا ثمننًا!! (تك 31: 14، 15) فما هو الثمن الذي دفعه أبونا يعقوب في زواجه؟ خدم لابان سبع سنوات بأبنته راحيل. فلما خدعه وأزوجه ليئة، خدم سبع سنين أخرى بتلك الأخرى (تك 29: 18، 30)،أي أنه اشتغل عنده بلا أخري 14 سنة راعيًا لغنمه. ثم اشتغل ست سنوات أخر بغنم أعطاها له (تك 31: 41). ما الذي أخذته البنتان من خدمة 14 سنه مجانًا، خدمها يعقوب لأبيهما لابان؟ لا شيء طبعًا. سبع سنوات خدمها براحيل بسبب محبته لها خدعه لابان وأزوجه ليئة خدمه بتلك سبع سنوات أخري، علي الرغم من أنه لم يطلبها، وقد أقحمها لابان في حياته غشًا.. وقد قيل عن محبة يعقوب لراحيل: "فخدم يعقوب براحيل سبع سنين. وكانت في عينيه كأيام قليلة بسبب محبته لها" (تك 29: 20). تعطينا القصة فكرة عن فترة الخطوبة. لقد خطب يعقوب راحيل. ولكنه لم يأخذها زوجة إلا بعد أن أكمل السبع سنوات خدمة. وبعد السبع سنوات خدمة. وبعد السبع سنوات قال للابان "أعطني آمراتي لأن أيامي قد كملت" (تك 29: 21) فاعلها أطول فترة خطوبة سمعنا عنها. أضيف إليها أسبوع بعد زواجه بليئة. إذ قال له لابان "أكمل أسبوع هذه، فتعطيك تلك.. فأكمل أسبوع هذه، فأعطاه راحيل ابنته زوجه له" (تك 29: 27، 28). الكبيرة والصغيرة ملاحظة رابعة نقولها في قصة زواج أبينا يعقوب وهي: عادة زواج الأخت الكبيرة قبل الصغيرة.. كانت راحيل الصغيرة أجمل من أختها الكبيرة ليئة "كانت حسنة الصورة وحسنه المنظر. وكانت عينا ليئه ضعيفتين" (تك 29: 17). فماذا يحدث أن أحب طالب الزواج الأخت الصغيرة وأرادها زوجة؟ هل تقف الكبيرة عقبة أمامها؟ وطبيعي أن كل من ياتي ليطلب الزواج -سواء يعقوب أو غيره- سيطلب الصغيرة الجميلة!! وتبقي عبارة التي قالها لابان وهي "لا يفعل هكذا في مكاننا أن تعطي الصغيرة قبل الكبيرة" (تك 29: 26). فماذا كان الحل إذن؟ الحل هو الخداع الذي قام به لابان، أنه أعطي ليئة علي اعتبار إنها راحيل. فخدع يعقوب. ولم يطلب يعقوب بطلان الزواج، وقبل. وعلي الرغم من أنه واجه لابان وقال له "لماذا خدعتني "إلا أنه لعله تذكر أن البركة كان سيقدمها أبوه إسحق لأخيه عيسو، ولكنه بالخدعة أخذ البركة منه. فكانت هذه العقوبة نالها لخديعته لأبيه.. ولو أنها جاءت متأخرة.. أما طريقة الخداع في الزواج، فربما كانت هكذا.. كانت الزوجة تزف إلي زوجها منقبة، بحيث لا يري من وجهها شيئًا. ثم يرفع نقابها عندما يدخل بها إلي خيمته. وقد أعطاه لابان أبنته ليئة بعد أن صنع وليمة "وكان في المساء، أنه أخذ ليئة وأتي بها إليه" (تك 29: 23). ولعل النور لم يكن كافيًا في ذلك الزمان "وفي الصباح إذا هي ليئة "!! صراع الأختين الضُرّة هي الضرة، حتى لو كانت أختًا وشقيقة. وحسنًا أسموها ضرة، ولعلها مشتقة من الضرر. وهذا يرينا بلا شك حكمة التزوج بامرأة واحدة، التي صارت شريعة العهد الجديد، بعد أن تأكد للكل عمليًا مشاكل تعدد الزوجات. فماذا حدث لزوجتي يعقوب؟ تصارعت الزوجتان، حول محبة الرجل وإنجاب البنين. من جهة محبة الرجل قيل أن يعقوب "أحب راحيل أكثر من ليئة" (تك 29: 30). في الواقع لست أدري في أسبوع ليئة، أي خلال الأسبوع الأول لزواجها، كيف كان شعورها وهي تعلم أنها مكروهة، وإنها دخلت بخدعة في حياة هذا الرجل، وأنه يقضي معها هذا الأسبوع لكي تعطي له أختها الجميل راحيل..؟ وكيف كان شعور راحيل خلال ذلك الأسبوع، وهي تشعر أنه كان من حقها، وقد ظلمها أبوها، وقدم أختها بدلًا منها فاغتصبت منها خطيبها؟! وماذا كان شعور يعقوب، وهو مضطر أن يقضي ذلك الأسبوع مع ليئة علي الرغم منه، وبخاصة بعد أن أكتشف الخديعة في صباح اليوم الأول؟! أكان ذلك أسبوعًا طبيعيًا بين زوجتين؟! لست؟أعلم. المهم أن هذا الأسبوع الأول الغريب قد أنتهي. وعاد يعقوب، فأخذ راحيل زوجه له، وجمع بين الزوجتين الأختين، الأمر الذي نهت عنه الشريعة أيام موسى النبي، فأمرت بأنه "لا تأخذ امرأة علي أختها للضر" (لا 18: 18). وهنا تدخل الرب لعمل توزان بين الزوجتين. إن كان لراحيل فضل محبة الزوج، فليكن لليئة فضل إنجاب البنين. وهكذا قيل "ورأي الرب أن ليئة مكروهة، ففتح رحمها. وأما راحيل فكانت عاقرًا" (تك 29: 31). وكانت ليئة تعتقد أن كثرة إنجابها سوف تجذب محبة زوجها لها. كما قالت بعد إنجاب إبنها الأول: "الآن يحبني رجلي" (تك 29: 32). |
||||
15 - 02 - 2014, 12:49 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يعقوب أبو الآباء وصراع بين زوجتين خضع أبونا يعقوب للأمر الواقع، وقبل ليئة زوجة له، ثم تزوج بأختها راحيل، وجمع بين الاثنين. وهكذا عاش مع الزوجة التي يحبها (راحيل). والزوجة التي تحبه وتتمني أن تحظي بمحبته (ليئة). وعاشت الاثنتان في صراع.. لقد ابتعد أبونا يعقوب عن الزواج بالغريبات غير المؤمنات، لئلا يملن قلبه بعيدًا عن الله،، كما حدث لسليمان الحكيمفيما بعد (1مل 11: 3). وذهب ليتزوج من أسرة مقدسة من أقارب أبيه وامه. ولم يكن يدري أن هناك مشاكل يمكن أن تلحقه من هؤلاء (القديسين) أيضًا، من خاله الذي خدعه، ومن أبنتي خاله في صراعهما معًا. ليئة الضعيفة العينين وراحيل الجميلة! وهنا نري حنان الله العجيب في تدخله بينهما: "رأي الرب أن ليئة مكروهة، ففتح رحمها. واما راحيل فكانت عاقرًا" (تك 29: 31). لقد وقف الله إلي جوار ليئة الضعيفة المكروهة، كما وقف إلي جوار يعقوب الضعيف أمام أخيه عيسو. كانت راحيل شبعانة حبًا، لها العزاء البشري من محبة زوجها لها. أما ليئة فلم يكن لها سوي الله. لذلك عزاها الله بكثرة البنين. ورأت هي أن إنجابها للبنين سوف يجعل زوجها يحبها. وظاهر هذا من تسميتها لأبنائها.. تصوروا أن الأولاد الأربعة الأول الذين رزق بهم يعقوب، كلم قد ولدتهم له ليئة.. "حبلت ليئة وولدت إبنًا، ودعي اسمه روأبين، لأنها قالت إن الرب قد نظر إلي مذلتي. إنه الآن يحبني رجلي" (تك 39: 32).. حقًا إن شعورها بالذل، وأن زوجها لا يحبها لأنها فرضت عليه.. كان هذا أمرًا مؤثرًا. "وحبلت أيضًا وولدت إبنًا. وقالت عن الرب قد سمع أني مكروهة، فأعطاني هذا أيضًا" (تك 29: 33). "ودعت اسمه شمعون "وهو إسم معناه (سماع) أي سماع الله لطلبتها. وواضح من كل ذلك إن البنين ميراث من عند الرب، حسبما ورد في المزمور (مز 127: 3). أنها تقول في الولادة الأولي "الرب قد نظر إلي مذلتي "وتقول في الولادة الثانية "الرب قد سمع أني مكروهة فأعطاني هذا أيضًا "وكل هذا يؤيد قول الوحي الألهي أن الرب "فتح رحمها "ونفس هذا الكلام سنسمعه أيضًا فيما بعد عن أختها راحيل، إذ يقول الكتاب "وذكر الله راحيل، وسمع لها الله وفتح رحمها فحبلت وولدت" (تك 30: 22). واستمرت ليئة في سلسلة الولادة.. فحبلت للمرة الثالثة "وولدت إبنًا،وقالت الآن هذه المرة يقترن بي رجلي، لأني ولدت له ثلاثة بنين. لذلك دعي أسمه لاوي" (تك 29: 34). وهو معناه (مقترن). "وحبلت أيضًا وولدت إبنًا. وقال هذه المرة احمد الرب لذلك دعي اسمه يهوذا" (تك 29: 35). ومعني الأسم هو حمد أو مدح. ونلاحظ أن ليئة المكروهة ولدت (لأوي) الذي صار سبط الكهنوت. كما ولدت يهوذا الذي صار سبط الملك، ومنه أيضًا جاء المسيح له المجد. ولما وصلت إلي هذا الحد، قال الكتاب مباشرة إنها "ثم توقفت عن الولادة (تك 29: 35). لقد أعظم رسالة. ولو أنها لم تلد بعد ذلك، لكان هذا يكفي. ويبدو أنه كان ينبغي أن يوجد فاصل بين السبط الذي يأتي منه المسيح وباقي الأسباط. ثم كان ينبغي أيضًا ان تتوقف لكي تعطي فرصة لأختها راحيل التي لم تعد تحتمل.. كانت راحيل في حاجة إلي نظرة عطف من عيني ليئة الضعيفتين. هنا نقرأ في الكتاب أن "راحيل غارت من أختها، وقالت ليعقوب: هب لي بنين. وإلا فأنا أموت" (تك 30: 1).. مهما كان حب يعقوب لها فإن حرمانها من البنين أتعبها إلي حد إشتهاء الموت.. إن حب الأمومة غريزة عند المرأة. وأيضًا إن المرأة العاقر كانت تشعر بالعار وقتذاك (تك 30: 23). ولكن ما الذي يستطيع أن يفعله يعقوب من أجل راحيل، مادام البنون ميراثًا من عند الرب؟! وهنا نري يعقوب الهادئ، لأول مرة يحتد علي راحيل التي يحبها. فيقول الكتاب "فحمي غضب يعقوب علي راحيل. وقال "العلي مكان الله الذي منع عنك ثمرة البطن؟! "تك 30: 2). وهنا تتذكر راحيل قصة جدتنا سارة، وفكرة التبني، بأن تحصل علي إبن عن طريق جاريتها.. فقالت ليعقوب"هوذا جاريتي بلهة. أدخل عليها فتلد علي ركبتي، وأرزق أنا أيضًا منها بنين" (تك 30: 3). أنه نفس كلام سارة مع أبينا إبراهيم عن جاريتها هاجر "أرزق منها بنين" (تك 16: 2)..! إن الزوجة لا تستريح إطلاقًا أن يدخل علي امرأة أخري. ولكن يبدو أن هذه كانت حالة إستثنائية، للحصول علي ابن عن طريق التبني. وهي حالة لم تكن سارة وراحيل فقط ترضاها، وإنما بالأكثر تطلبها..!! و العجيب أن هذه الوسيلة البشرية كانت نتيجتها سريعة!! وولدت بلهة إبنًا ليعقوب، فرحت راحيل جدًا. وقالت: قد قضي لي الله. وسمع أيضًا لصوتي وأعطاني إبنًا.لذلك دعت أسمه دان (تك 30: 5، 6). وكلمة دان معناها يقضي (ومنها كلمة الدينونة). وعادت بلهة فحبلت أبنًا ثانيًا ليعقوب. فقالت راحيل "مصارعات الله قد صارعت أختي وغلبت. فدعت اسمه نفتالي". تك 30: 7، 8). وهو إسم معناه مصارعتي) وعجيب أن راحيل اعتبرت نفسها صارعت وغلبت، بالتبني عن طريق إبن تلده جاريتها. وحينئذ اضطرت أختها ليئة، أن تدخل معها في نفس ميدان التبني، بابن تلده جاريتها. لم تكتف بالأبناء الأربعة الذين ولدتهم هي من رحمها.وإنما أخذت جاريتها زلفة وأعطتها ليعقوب زوجة". فولدت له إبنين: الأول أسمته (جاد)، والثاني أسمته (أشير). علي أن ليئة لم تكتف بكل ما صار لها من بنين، سواء من ولدتهم أو من تبنتهم من جاريتها. وأخيرًا استأجرت يعقوب من راحيل يعقوب من راحيل بلفاح إبنها. و اللفاح نبات له رائحة طيبة. وكان قد وجد رأوبين في الحقل وأعطاه لأمه ليئة فطلبته منها راحيل فإعطتها إياه في مقابل أن تترك لها يعقوب تلك الليلة. فكان أن أنجبت إبنها الخامس، ودعت اسمه (يساكر) ومعني الاسم (يعمل بأجرته) (تك 30: 14، 18)،ثم عادت ليئة فولدت إبنًا سادسًا ليعقوب أسمته (زبولون). ومعني هذا الاسم سكن أو إقامة. وقالت "الآن يساكنني رجلي، لأني ولدت له ستة بنين" (تك 30: 21). وهكذا كانت ليئة الزوجة المكروهة هي الأكثر إنجابًا، ولدت ليعقوب أولادة بقدر ما ولدته الجاريتان وراحيل. واخيرًا أفتقد الله راحيل في مذلتها، وفتح رحمها. وولدت يوسف، قائلة: قد نزع الله عاري (تك 30: 22-24). ومعني اسمه (يزيد). لأن راحيل قالت في ذلك "يزيدني الرب أبنًا آخر". وصارت ليوسف محبة كبيرة جدًا في قلب راحيل وفي قلب أبيه يعقوب، هذا الذي جاء أخيرًا بعد فترة طويلة من العقم، تعلمنا أنه لا يأس. فالله قادر أن يمنح العاقر إبنًا مهما طالت المدة.. وما اكثر ما كانت لأبناء العواقر أهمية خاصة أو عظيمة خاصة في التاريخ. مثل ذلك صموئيل ابن حنة وكانت عاقرًا، وكانت ضرتها الولود (فننة) تغيظها (1صم 1: 2- 6). وقد صار صموئيل نبيًا عظيمًا، وهو الذي مسح داود ملكًا (اصم 16: 13). ومن قبل داود مسح شاول ملكًا (1صم 10: 1). ومن أبناء العواقر يوحنا المعمدان. وكانت أليصابات أمه عاقرًا (لو 1: 7). وقد قال السيد المسيح عن يوحنا إنه اعظم من ولدته النساء (مت 11: 1). يكفي أنه عمد المسيح. شمشون الجبار أيضًا كانت أمه عاقرًا (قض 13: 2). وقد منحه الله قوة عظيمة. وصنع به خلاصًا عظيمًا لشعبة. علي أن راحيل في رحلة العودة، زادها الله إبنًا ثانينًا. وكانت ولادة متعسرة ولدت وماتت. ذلك هو (بنيامين) أصغر أبناء يعقوب (تك 35: 16- 19). وقد أحبة يعقوب جدًا، وبخاصة بعد أن حرم من يوسف زمنًا طويلًا. هو طويلًا. وهو ويوسف إبنًا راحيل المحبوبة. ويبدو ان أبناء الزوجة المحبوبة يكونون محبوبين من زوجها. أنه صراع طويل بين زوجتي يعقوب، أحتمله هو في هدوء. وكانت نتيجته 12 ابنًا، ثم ابنة. وفي إنجاب البنين تساوت راحيل مع الجاريتين! ليئة أنجبت ستة بنين وابنة. وكل جارية أنجبت ابنين، وراحيل أيضًا أنجبت ابنين وماتت. ودفنت راحيل في طريق افراثة التي هي بيت لحم. ونصب يعقوب عمودًا علي قبرها (تك 35: 19، 20). كانت حياة يعقوب كلها صراعًا.. انتهي الصراع مع أخيه عيسو، ليدخل صراع بين زوجتيه، وصراع مع خاله لابان، ثم دخل في صراع مع الله ليعينه علي مقابلة عيسو في رحلة العودة. ثم صراع بين أولاده وشكيم، وصراع آخر بين أولاده وأخيهم يوسف ولهذا كان يتكلم من قلبه، ومن خبرات حياته، حينما قال لفرعون: "أيام سني غربتي مئة وثلاثون سنة، قليلة وردية، كانت أيام سني حياتي" (تك 47: 9). |
||||
15 - 02 - 2014, 12:51 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يعقوب أبو الآباء: رحلة العودة إلى بيت أبيه، وصراعه مع خاله لابان متى؟ وكيف؟ قبل أن يبدأ الرحلة إلي بيت خاله لابان، وعده الله "ها أنا معك، أحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي هذه الأرض" (تك 28: 15). فماذا كان معني ذلك المعد "أحفظك؟ ليس المعني: أحفظك من التجارب، وإنما أحفظك في التجارب. فقد تعرض أبونا يعقوب لبعض التجارب، ولكن الله كان معه في التجارب وأنقذه: لقد تعرض لصراع بين زوجتيه. ولكنه خرج من هذا الصراع سليمًا، ولم يخسر محبة أية واحدة منهما، بل انضمت الاثنتان إليه ضد أبيهما حينما انفصل عنه (تك 31: 14، 15). وكان الله معه، حينما فتح رحم راحيل فولدت له إبنًا (تك 30: 22). وصار هذا الإبن أحب أبنائه إليه. كما منحه أيضًا أبناء من باقي نسائه. وتعرض يعقوب أيضًا لصراع مع خاله لابان، كما تعرض لخوف شديد من ملاقاة أخيه عيسو. وكان الله معه في كلا الأمرين، كما سنري فيما بعد.. الأمر الثاني: وعده الله بأن يعيده إلي أرضه. ولكن متي حدث هذا؟ لقد قضي عشرين بعيدًا عن بيت أبيه: منها سنوات اشتغل أثناءها كأجرة للحصول علي زوجتيه. والباقي منها فترة إنجاب البنين، وكانت العشرون سنه كلها فترة تعب، قال عنها: "كنت في النهار ياكلني الحر، وفي الليل الجليد. وطار نومي من عيني" (تك 31: 41). وفي كل هذا التعب كان الله معه. وخلال الست سنوات التي اشتغل فيها للحصول علي غنم، تدخل الله وساعده كثيرًا، فصار غنيًا جدًا "أتسع كثيرًا جدًا. وكان له غنم كثير، وجوار وعبيد وجمال وحمير" (تك 30: 43). لدرجة أن هذا الغني أثار عليه خاله لابان "ونظر يعقوب وجه لابان، وأذا هو ليس معه كأمس وأول من أمس" (تك 31: 2). وأيضًا كان الله معه. موضوع الغنم المخططة وغير المخططة، يبدو أنه أسلوب بشري لجأ إليه يعقوب. ولكن الله وافق عليه، ليرد إليه ما سلبه منه لابان (تك 30: 32- 40). أنه الله الذي يحكم للمظلومين. كما سنراه فيما بعد يحكم لبني يعقوب ضد فرعون وشعبه، هذا الذي سخرهم في العمل بدون أجر (خر 12: 35، 36). وأمام هذا الغني، انطبقت علي يعقوب ولابان تلك العبارة المؤثرة التي قيلت عن إبرآم ولوط من قبل إنه "لم تحتملها الأرض أن يسكنًا معًا" (تك 13: 6). فكان لابد أن يعتزل أحدهما عن الآخر.. العودة "وقال الرب ليعقوب: ارجع إلي أرض آبائك وإلي عشيرتك، فاكون معك". أخيرًا بعد عشرين سنة، حقق الله وعده الذي قال له فيه "وأردك إلي هذه الأرض (تك 28: 15). حقًا "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه" (أع 1: 8). وكانت لله حكمة معينة في تحديد وقت رجوع يعقوب إلي بيت أبيه، فماذا كانت؟ أولًا: لكي لا يرجع إلي بيت أبيه فارغًا. وإنما يكون معه أولاده ونساؤه وجواريه، وكل غناه.. وثانيًا يكون الله قد هيأ قلب عيسو من نحوه، فلا يؤذيه. وبدأ يعقوب يخطط لرحلة العودة. ونلاحظ في ذلك: 2 اتفاقه مع زوجتيه، والحصول علي رضاهما: جميعهما وكلمهما في صراحة، وشرح لهما الأمر: كيف أنه بكل قوته قد خدم أباهم الذي غيرت أجرته عشر مرات، وغدر به، وتغير وجهه من نحوه. ولكن الله كان معه، وقال له ملاك الله في حلم "قد رأيت كل ما يصنع بك لابان (تك 31: 4- 12). ووافقت ليئة وراحيل وقالتا له "ليس لنا نصيب وميراث في بيت أبينا.. الآن كل ما قاله لك الله أفعل" (تك 31: 14، 16) 4 وحسب طبيعة يعقوب وخوف، رأي أن يكون رحيلة سرًا. أخذت مغادرته بيت خاله لابان شكل الهروب.." وخدع يعقوب قلب لابان الأرامي، إذ لم يخبره أنه هارب" (تك 31: 20). صراع مع لابان لم يكن لابان مخلصًا في علاقته مع يعقوب. علي الرغم من أنه قبله فرحًا في بادئ الأمر باعتباره ابن أخته، إذ "ركض للقائه وعانقه، وأتي به إلي بيته.. وقال له "أنما أنت عظمي ولحمي" (تك 29: 13، 14). وعلي الرغم من أنه لما اشتغل يعقوب في رعي غنم لابان، قال لابان "ألانك آخى تخدمني مجانًا؟! أخبرني ما هي أجرتك؟! (تك 29: 15). إلا أن لابان لم يكن مخلصًا ليعقوب كما قلنا. والأدلة كثيرة منها: 1 خدعه في زواجه من راحيل. فبعد ان خدمه بها سبع سنوات، أدخل إليه ليئة بدلًا منها. ولما احتج علي ذلك يعقوب وقال له "لماذا خدعتني؟! أجابه "لا يفعل هكذا في مكاننا أن تعطي الصغيرة قبل البكر". وألزمه أن يخدمه سبع سنوات آخر، في مقابل الابنة الثانية (تك 29: 27، 30) أي أن لابان قام بالخداع، وقام يعقوب بدفع الثمن. 2 ولم يكن مخلصًا من جهة الأجرة وطبيعة العمل. فمن جهة الأجرة قال عنه يعقوب "غدر بي، وغير أجرتي عشر مرات" (تك 31: 7، 41). ومن جهة العمل، كان يحسب علي يعقوب وحده كل خسارة مشتركة. فعلي الرغم من أن غنم الاثنين كانت ترعي معًا، إلا أنه كان يحسب علي يعقوب كل الأغنام المسروقة التي افترستها الوحوش. وهكذا قال له يعقوب في عتابه معه "نعاجك وعنازك لم تسقط.. فريسة لم أحضر إليك. أنا كنت أخسرها. من يدي كنت تطلبها: مسروقة النهار، ومسروقة الليل.. لولا أن إله أبي إله إبراهيم وهيبة إسحق، كان معي، لكنت الآن قد صرفتني فارغًا" (تك 31: 38- 42). 3 وكان لابان أنانيًا في معاملته ليعقوب. يكفي أنه قال له، وهو مزمع علي العودة إلي بيت أبيه "البنات بناتي، والبنون بني وكل ما أنت تري فيهو لي (تك 31: 43). عجيب أن يصدر هذا من خال نحو ابن أخته. من شخص قال له قبلًا "إنما أنت عظمي ولحمي" (تك 29: 14). ولكن يبدو أنه حينما تتدخل الذات ومحبة المال والقنية تسقط القيم والمبادئ، وحتى رابطة القرابة أيضًا.. 4 ولم يكن لابان مخلصًا في مطاردته ليعقوب. " أخذ أخوته (أي أقرباءه) معه، وسعي وراءه مسيرة سبعة أيام. فأدركه في جبل جلعاد" (تك 31: 23). لحق به وقد ضرب يعقوب خيامه في الجبل. فضرب لابان خيامه في جلعاد، وواجهه واتهمه.. اتهمه بالخداع وبالغباوة، وبأنه ساق بناته كسبايا السيف، وبأن حرمه من توديعه بنيه وبناته وتقبيلهم، وتشييعه هو أيضًا بالفرح والأغاني، وبالدف والعود!!(تك 31: 26- 28). ولم يكن صادقًا في كل ذلك علي أن الرب الإله تدخل لإنقاذ يعقوب من لابان: نعم الله الذي ينقذ الضعيف ممن هو أقوي منه. "أتي الله إلي لابان الأرامي في حلم الليل. وقال له: احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر" (تك 31: 24). وأحدث هذا الإنذار تأثيره، إذ أن لابان -في مواجهته ليعقوب- قال له "في قدرة يدي أن أصنع بكم شرًا. ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلًا: احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر" (تك 31: 29). نلاحظ هنا انه يقول "إله أبيكم كلمني". ولم يقل "الله "أو إلهنا "!! هل عجيب أن الله يكلم لابان، علي الرغم من شره وعبادته للأصنام؟ كلا. فإن الله قد يكلم الخطاة والأشرار: يعاقبهم أو ينذرهم أو ينصحهم لكي يتركوا ما هم فيه.. لقد كلم آدم وحواء في خطيئتهما، كما كلم الحية أيضًا: وفي كلامه عاقبهم جميعًا (تك 3: 9- 19). وكلم الرب قايين مرتين: قبل قتله لأخيه لكي ينذره، وبعد قتله لكي يعاقبه (تك 24: 6- 12). بل إن الله قد تكلم مع الشيطان نفسه في قصة تجربة أيوب الصديق (أي 1: 2). ليس العجيب إذن في أن يكلم الله مخلوقًا شريرًا،إنما المهم هو نوعية الكلام وهدفة ما أكثر الذين كلمهم الله وهلكوا. أو كلمهم ثم سقطوا. سرقت آلهتي! العجيب أن لابان-بعد أن كلمه الله- قال ليعقوب "لماذا سرقت آلهتي"؟! (تك 31: 20) أذن كانت له آلهة أخري. كانت له أصنام سبق أن سرقتها راحيل (تك 31: 19). كيف أمكن لهذا الرجل أن يعبد آلهة يمكن أن تسرق؟! ولكن يبدو أن لابان كان يؤمن بتعدد الآلهة. واضح هذا من قوله (آلهتي)، ومن قوله في اتفاقيته مع يعقوب "إله إبراهيم، وإلهة ناحور، آلهة أبيهما، يقضون بيننا" (تك 31: 53). وقد ثار يعقوب علي خاله لابان، اتهامه بسرقة أصنامه. لأن اتهامه بالسرقة عمومًا أمر مشين لكرامته. واتهامه بسرقة الأصنام أمر ضد كرامة الله، وضد علاقته الشخصية بالله التي كان يحرص عليها. لذلك قال له "الذي تجد آلهتك معه، لا يعيش. قدام أخوتنا (أي أقاربنا) أنظر ماذا معي وخذه لنفسك "ولم يكن يعقوب يعلم أن راحيل سرقتها" (تك 31: 32). ففتش لابان كل الأمتعة ولم يجد شيئًا. وخدعته راحيل بأن وضعت الأصنام في حداجه الجمل وجلست عليها "وقالت لأبيها: لا يغتظ سيدي أني لا أستطيع أن أقوم أمامك لأن علي عادة النساء. ففتش ولم يجد الأصنام" (تك 31: 35). لا تعيش! علي أن حكم يعقوب أبي الآباء -كنبي لله- لم يضع عبثًا. لقد قال للابان "الذي تجد آلهتك معه لا يعيش". ومع ان لابان لم يجدها مع أحد، لكنها كانت موجودة مع راحيل.. ومع أن يعقوب لم يحكم علي راحيل بالذات، إذ أنه لم يكن يعلم أنها سرقت أصنام أبيها.. إلا أن حكمه وصل إلي سمع الله فاستجاب. وهكذا ماتت راحيل في طريق افراثه التي هي بيت لحم (تك 35: 19). ولم تكمل معهم الرحلة. ما كان ممكنًا أن تدخل الأصنام إلي أرض الموعد. وبخاصة عند بيت لحم التي كان سيولد فيها المسيح.. هذه الأصنام تدل علي أن راحيل قد تأثرت بالوثنية التي كانت في بيت أبيها. وكان لابد أن يخلص الله يعقوب منها عودته إلي بيت أبيه.. علي أن يعقوب عاتب خاله لابان، وقال له: إنك قد جسست جميع أثاثي. ماذا وجدت من جميع أثاث بيتك؟! ضعه هنا بين أخوتي واخوتك لينصفوا بيننا" (تك 31: 37). ولم يكن ليعقوب اخوة في تلك المناسبة. ولم تكن له أخوة أيضًا في وقت إقامة شاهد بينهما من الحجارة، حينما "قال يعقوب لأخوته التقطوا حجارة" (تك 31: 45). ولكن عبارة أخوته كانت تعني الأقرباء ذوي القرابة الشديدة.. وإبرام يعقوب ولابان اتفاقية بينهما وعهدًا: جمعوا حجارة وأقاموها رجمة وعمودًا. وقال لابان ليعقوب "شاهدة هذه الرجمة وشاهد العمود: أني لا أتجاوز هذه الرجمة إليك، وأنك لا تتجاوز هذه الرجمة، وهذا العمود إلي للشر" (تك 31: 52). وحلف يعقوب علي ذلك بهيبة أبيه إسحق. وتم هذا الفصل، الذي هو صراع يعقوب مع خاله لابان. وبقي أن ندخل في فصل آخر من صراعه في اللقاء مع أخيه عيسو ذلك من صراعه مع الله. |
||||
15 - 02 - 2014, 12:53 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في حياة القديسين يعقوب ويوسف - البابا شنوده الثالث
يعقوب أبو الآباء في رحلة العودة: خوف من أخيه عيسو انتهي أبونا يعقوب من مشاكله العائلية، من جهة صراعات زوجتيه، ومن مطاردة خاله لابان، وسار في طريق عودته إلي بيت أبيه. رعبه من عيسو لا أقول كان خائفًا من عيسو، بل كان مرتعبًا ومرتعدًا.. كان مرتعبًا منه، علي الرغم من كل وعود الله ومساندته له. لعل عبارة عيسو كانت لا تزال ترن في أذنيه "أقوم واقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). ولعله كان يذكر كيف أخذ من أخيه البكورية. كيف استغل جوعه في ذلك اليوم،وقال له: بعني بكوريتك.. واحلف لي (تك 25: 31: 33). ولعله تذكر أيضًا كيف أخذ منه البركة بالخداع. كيف قال لأبيه "أنا بكرك عيسو". وكيف قال أبوه لعيسو "قد جاء اخوك بمكر، وأخذ بركتك" (تك 27: 19، 35). كانت خطايا ارتكابها منذ عشرين عامًا، لا تزال تطارده وتزعجه.. لقد أخطأ منذ عشرين عامًا، أتري قد جاء الآن وقت الحساب..؟ أترى هل سيلتقي به عيسو في البرية -بعيدًا عن أبيه وأمه- وينتقم منه؟ لاشك أنه مذنب أمامه. والسنوات الطويلة التي مضت لم تمح الذنب بعد.. إن الله أن يغفر الذنوب. أما عيسو، فهل يستطيع أن يغفر؟! إنه صياد يعرف كيف يضرب بالنبال من بعد. ولا يتحرك قلبه حينما يجد فريسته تتلوي قدامه من الألم.. أتراه سوف يصيدني أنا أيضًا؟ هكذا كانت الأفكار تتعب يعقوب.. كان يدفع ثمن خطيئته خوفًا. الخوف يتعقبه مثلما تعقب هو عيسو أخاه(تك 27: 36) (تك 25: 26) كان الخوف جزء من طبيعته، وكان يزيده آمران: شعوره بالذنب الذي اقترفه تجاه أخيه، ويقينه من شده أخيه وقسوته.. والمعروف أن البشرية لم تعرف الخوف إلا بعد الخطية ونتيجة لها، فأبونا آدم بعد أن أخطأ، خاف واختبأ وراء الأشجار (تك 3: 8). وخوف يعقوب أنساه وعود الله! أو لم تكن الوعود تطفي لطمأنته!! كان الوعد الأول الذي سمعه من فم الله، هو: "ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلي الأرض. لأني لا أتركك، حوتي افعل ما كلمتك به" (تك 28: 15). وكان الوعد الثاني هو قول الرب له "أرجع إلي أرض آبائك وإلي عشيرتك،، فأكون معك (تك 31: 3). وفي المرة الثالثة قال له الله "أنا إله بيت إيل حيث مسحت عمودًا..الآن قم أخرج من هذه الأرض، وارجع إلي أرض ميلادك" (تك 31: 13).. ومادام الله هو الذي أمره بالرجوع، فهو الذي سيحفظه في رجوعه، حسب وعده الإلهي "أحفظك حيثما تذهب". ومع ذلك بقي يعقوب خائفًا!! وكان لابد أن يعمل الله عملًا آخر ليزيل عنه الخوف: ففيما كان يعقوب سائرًا في الطريق "لاقاه ملائكة الله. وقال يعقوب إذ رآهم: هذا جيش الله.." (تك 32: 1، 2). أن ملاكًا واحدًا يكفي لطمانه الخائف. ولكن يبدو أن خوف يعقوب كان بدرجة يحتاج فيها إلي ملاقاة جيش من ملائكة! هذا من جهة الإيمان. أما من جهة العمل فقد تصرف يعقوب هكذا: إجراءات اللقاء أرسل أولًا رسلًا قدامه إلي عيسو أخيه لاسترضائه. "وأمرهم هكذا تقولون لسيدي عيسو: هكذا قال عبدك يعقوب: تغربت عند لابان: "ولبثت إلي الآن. وقد صار لي بقر وحمير، وغنم وعبيد وأماء. وأرسلت لأخبر سيدي لأجد نعمة في عينيك" (32: 3- 5). وسنري أن عبارتي "سيدي وعبدك" ستتكرر أن كثيرًا منه. بهاتين العبارتين سوف يسترضي قلب عيسو. لماذا؟ لأن البركة التي أخذها يعقوب هي "كن سيدًا لأخوتك. وليسجد لك بنو أمك" (تك 27: 29). وحينما طلب عيسو البركة من أبيه إسحق، قال له أبوه عن يعقوب "إني قد جعلته سيدًا لك. ودفعت إليه جميع أخوته عبيدًا.. فماذا اصنع لك؟!" (تك 27: 37). فكان يعقوب يقول لعيسو: أن كانت بركتي هذه تتعبك، فمن الآن سأقول لك (سيدي) وسوف أصير أنا (عبدك يعقوب). أما عن عبارة "يسجد لك بنو أمك "التي قيلت لي. فسوف تراني ساجدًا لك مرات عديدة، لتستريح..! واستمر يعقوب في خوفه لما رجع رسله إيه.. عادوا إليه وقالوا له عن عيسو"هو أيضا قادم للقائك، ومعه اربع مائه رجل" (تك 32: 6). أربعمائة رجل؟! يا للهول. أن عيسو وحده مخيف ومرعب فكم يكون إذن، ومعه أربعمائة رجل؟! هنا ويقول الكتاب "فخاف يعقوب جدًا، وضاق به الأمر". فماذا فعل في خوفه وشعوره بالخطر القادم؟ "قسم القوم الذين معه، والغنم والبقر والجمال، إلي جيشين. وقال: أن جاء عيسو إلي الجيش الواحد وضربه، يكون الجيش الباقي ناجيًا" (تك 32: 7، 89. إذن أين إيمانك يا يعقوب بالوعود الإلهية المتكررة؟! وما مدي تأثرك بما رأيته من جيش الملائكة الذي ظهر لك؟! أن الخوف قد احدث شللًا في مشاعره.. وهنا صلي يعقوب صلاه مؤثرة، قال فيها: " يا إله أبى إبراهيم، وإله أبي إسحق، الذي قال لي: أرجع إلي أرضك وإلي عشيرتك، فأحسن إليك. صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلي عبدك. فإني بعصاي عبرت هذا الأردن. والآن قد صرت جيشين. نجني من يد أخي، من يد عيسو. لأني خائف منه أن يأتي ويضربني الأم مع البنين. وأنت قد قلت: أني أحسن إليك، واجعل نسلك كرمل البحر الذي لا يعد من الكثرة" (تك 32: 9- 12). وبات هناك في تلك الليلة. ونلاحظ في صلاة أبينا يعقوب: إنه ضعيف، ويعترف لله بضعفه. وهو خائف، ويعترف إمام الله بخوفه، وهو أيضًا يعترف بإحسانات الله إليه،ويعترف بأنه صغير عنها أي لا يستحقها. كذلك هو يذكر الله بوعوده له أنه سيجعل نسله كرمل البحر في الكثرة. فكيف يتحقق هذا الوعد، إن جاء عيسو فضرب الأم مع البنين. وهو في كل ذلك يطلب المعونة قائلًا من يد آخى.. لأني منه". ما أعجب هذا المر، أن يطلب أخ النجاة من أخيه. ولكن الطبيعة البشرية هي هكذا: إن دخلها الشر، يمكن أن يؤذي الأخ أخاه: حدث هذا حينما قام قايين علي هابيل فقتله (تك 4: 8). وحينما قال عيسو "أقتل يعقوب أخي" (تك 27: 41). وهكذا فعل فيما بعد أخوة يوسف الذين "احتالوا عليه ليميتوه" (تك 37: 18). لولا أن أنقذه من القتل، فباعه أخوته لقافلة من الإسماعليين (تك 37: 26، 28).. وأمر أبشالوم غلمانه فقتلوا أمنون أخاه (2صم 13: 28، 29). وفي الكتاب المقدس أمثله أخري لا داعي لذكرها الآن. نرجع إلي قصة أبينا يعقوب في خوفه من أخيه عيسو. فنقول كما أنه أرسل إليه رسلًا، وحاول استرضاءه بعبارتي (سيدي، وعبدك). واستئذانه في المجيء، وإخباره بما له من غنم وبقر وأبناء وجوار، حتى لا يفاجأ بهذا.. فإنه أيضًا: حاول استرضاء أخيه بالهدايا. وكان كريمًا في هداياه. أرسل إليه "مئتي عنز وعشرين تيسًا. مئتي نعجة وعشرين كبشًا. ثلاثين ناقه مرضعة وأولادها. أربعين بقرة وعشرة ثيران. وعشرين أتانًا وعشرة حمير. ودفعها إلي أيدي عبيده قطيعًا علي حده "ليجتازوا أمامه، جاعلين بين قطيع وقطيع (تك 32: 14-16). وقال "استعطف وجهه بالهدية السائرة أمامي، وبعد ذلك انظر وجهه" (تك 32: 20). الظاهر أن الله أراد أن ينقي أملاك يعقوب مما أخذه من لابان. والعجيب ان يعقوب لم يخف عن أحد احترامه (لسيده) عيسو، وخوفه منه. فعل هذا كما قلنا مع الرسل الذين أرسلهم إليه. وفعل كذلك مع العبيد الذين حملوا الهدايا "أمر الأول قائلًا: إذا صادفك عيسو أخي، وسألك قائلًا: لمن أنت؟ وإلي أين تذهب؟ ولمن هذا الذي قدامك؟ تقول: لعبدك يعقوب. هو هدية مرسلة لسيدي عيسو وهاهو وراءنا "وبمثل هذا الكلام أمر الثاني والثالث وجميع السائرين وراء القطعان (تك 32: 17-19). مباركة الله له كان لابد من بركة قوية تصحبه، قبل المرحلة الخيرة إلي اللقاء. عبر بأولاده وزوجتيه وجاريته وكل ماله عبر مخاضه يبوق، ثم بقي وحده، منتظرًا عمل الله.. أراد الله أن يرفع معنويات هذا الخائف، بأن يريه أنه يمكن أن يصارع ويغلب. فظهر له في هيئة إنسان، يمكن ليعقوب أن يصارعه ويغلبه. تمامًا كأب يداعب طفله، ويظهر لهذا الطفل أنه يغلبه فيفرح..! وبدا أن يعقوب كان قويًا في مصارعته. وطلب منه صاحب الرؤيا أن يطلقه، ويعقوب يجيب: لا أطلقك حتى تباركني. فباركه. ولكن ضربه علي حق فخذه، فصار يخمع عليه كان الله يريده أن يفرح بانتصاره، ولكن لا يكون انتصار سبب كبرياء له.. لذلك سمح له أن ينتصر، وغير أسمه إلي إسرائيل، قائلًا له "لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت" (تك 32: 22-28). ثم ضربه علي حق فخذه.. ودعا يعقوب أسم المكان "فنيئيل" قائلًا "لأني نظرت الله وجهًا لوجه، ونجيت نفسي" (تك 32: 30). كم مرة ظهر الله لهذا الله لهذا الضعيف ليقويه وينقذه من خوفه. لقاء عجيب للأخوين لا الرؤيا التي رآها يعقوب أفقدته تواضعه، ولا البركة التي نالها من الله. فلما رأي عيسو مقبلًا ومعه أربعمائة رجل، قسم أسرته إلي ثلاثة أقسام: الجاريتين وأولادهما أولًا، ليكونوا في مقدمة المواجهة. ثم ليئة وأولادها وراءهم، ثم راحيل ويوسف أخيرًا.. لكي تسجد كل مجموعة منهم أمام عيسو أخيه. "أما هو فاجتاز قدامهم، وسجد إلي الأرض سبع مرات حتى اقترب إلي أخيه" (تك 33: 3). وهنا حدث أمر عجيب غير متوقع، انتصر فيه تواضع يعقوب علي قسوة عيسو!! "فركض عيسو للقائه، وعانقه، ووقع علي عنقه وقبله، وبكيا" (تك 33: 4). لاشك أن يعقوب كان يحسب ألف حساب لهذا اللقاء، ويتصور أخطارًا مخيفة تحيط به. أما أن يركض عيسو للقائه ويقبله، فذلك أمر عجيب ما كان يتصوره..! أما بكاء عيسو الجبار، علي عنق أخيه يعقوب الذي أخذ منه البكورية والبركة، فهذا هو العجب العجاب..!! كان الله يعمل في قلب عيسو أمام عيسو، فسأل يعقوب:ماذا منك كل هذا الجيش الذي صادفته؟ فأجاب باتضاع "لأجد نعمة في عيني سيدي". وحاول عيسو أن يمتنع عن قبول هدية يعقوب. فأجابه ذاك "إن وجدت نعمة في عينيك، تأخذ هديتك من يدي لأني رأيت وجهك كما يري وجه الله، فرضيت علي" (تك 33: 10). وألح عليه فأخذ.. حقًا، أن "الجواب اللين يصرف الغضب" (أم 15: 1). وهكذا كانت كلمات يعقوب. لقد استخدم يعقوب مع عيسو كل الوسائل الممكنة: أرسل رسلًا، وأرسل هدايا كثيرة، وأستخدم التواضع العميق، في عبارتي سيدي وعبدك، وفي السجود إمامه هو وكل أسرته، وفي كلمات الاستعطاف "لأجد نعمة في عيني سيدي "رأيت وجهك كما يروي وجه الله".. أمران لم يشأ يعقوب أن يستخدمهما أبدًا، وهما الكبرياء ومقابلة العنف بالعنف. لم يذكر إطلاقًا أنه صاحب البركة والمواعيد الإلهية. ولم يضع أمامه عبارة: "كن سيدًا لأخوتك، وليسجد لك بنو أمك" (تك 27: 29). ولم يغتر بما رآه من رؤى، وما سمعه من عبارات الحفظ. ولم يضع في ذهنه إطلاقًا أن يستعد لمقابلة العنف بالعنف فقد كان باستمرار يشعر بضعفه كما أنه استخدم أسلوب الحكمة في استعداده للقاء أخيه. ولما دعاه عيسو أن يذهبا معًا، فضل أن يسير وراءه، معتذرًا بالغنم المرضعة، وبأنه لابد أن يسير علي مهل. لأن سيره وراء أخيه، علي مهله، أكثر آمنا.. ومرَّ ذلك اليوم الرهيب العجيب على خير. |
||||
|