الرسالة الثالثة
اكتب إليكم كأناس محبين لله ويطلبونه من كل قلوبهم، لأن الله سيسمع لمثل هؤلاء عندما يصلون، وسيباركهم في كل شيء، وسيهبهم كل سؤالات نفوسهم عندما يتضرعون إليه.
أما هؤلاء الذين أتوا إليه، ولكن ليس بكل قلوبهم، بل بذهنين (أي بفكرين) والذين يتممون أعمالهم كي يمجدهم الناس، هؤلاء لن يستمع الله لهم في أي شيء يطلبونه منه، بل يغضب من أعمالهم، لأنه مكتوب "اللهَ قَدْ بَدَّدَ عِظَامَ مُحَاصِرِكَ" (مز53: 5).
ترون إذاً كيف يغضب الله من أعمال هؤلاء الناس ويعطيهم أياً من السؤالات التي يطلبونها منه، بل انه يقاومهم، لأنهم لا يتممون أعمالهم بإيمان، بل بتظاهر، لذلك لا تسكن فيهم القوة الإلهية، بل يتعبون في كل أعمالهم، وفي كل ما تمتد إليه أيديهم.
لذلك لم يعرفوا قوة النعمة ولا تحريرها (للإنسان) من الهم، ولا عرفوا فرحها، لكن نفوسهم مثقلة (بالهم) في جميع أعمالهم، والجانب الأعظم في جيلنا هو هكذا: لم ينالوا القوة الإلهية التي تشبع النفس وتعدها لتفرح وتهب لها يوماً بعد يوم المسرة التي تلهب القلب في الله، لأن العمل الذي يتممونه، يعملونه كما لو كان من أجل الناس، ولهذا لا تحل عليهم هذه القوة، لأنه مكروه أمام قوة الله ذاك الإنسان الذي يعمل أعماله كما لو كانت من أجل الناس.
لذا جاهدوا يا أحبائي، الذين ثمرهم مُعتبر في الله، في كل أعمالكم ضد روح المجد الباطل، كي تنتصروا في جميع الأمور، ويصير جسدكم كله مقبولاً، ويسكن حياً مع خالقه، وكي تنالوا القوة الإلهية التي هي أفضل من سائر هذه الأمور.
لأني مقتنع يا أحبائي، أنه طالما أنكم تبذلون كل ما في قدرتكم في محاربة روح المجد الباطل، وتجاهدون ضده دوماً، سوف يكون جسدكم حياً، لأن هذا الروح الشرير يهاجم الإنسان في كل عمل بر تمتد إليه يده، لكي يجعله بلا ثمر ويضيعه، وهكذا يمنع النفس -بقدر ما يستطيع- عم أعمال البر.
وهو يصارع كل من يريد أن يحيا بأمانة، ومتى مُدح أي منهم لأمانته أو اتضاعه أو احتماله للإهانة، يسرع الروح الشرير ويشن في الحال حرباً عليهم، ويهزم البعض منهم ويمزق أجسادهم ويخمدها (من الحرارة الإلهية)، وفي عمل الروح الشرير هذا، يحثهم على ترك درب حياة الفضيلة، وعلى أن ينشغلوا بإرضاء الناس، وهكذا يهلكون "جسدهم" رغم أن الناس يظنون أنهم قد ربحوا شيئاً، لذا لا يمنحهم (الله) القوة، بل يتركهم فارغين لأنه لم يجد جسدهم صالحاً، ويحرمهم من الحلاوة العظيمة التي للنعمة.
لكن جاهدوا أنتم يا أحبائي ضد روح المجد الباطل في كل وقت، كي تهزموه في كل شيء، فترافقكم القوة الإلهية في كل وقت، وسوف أتضرع إلى الله من أجلكم، كي يُعطى لكم هذا الفرح على الدوام، لأنه لا يوجد شيء أكثر من تحرراً من الهم.
وإذا رأيتم بعد نوال هذا الفرح أن حرارتكم تركتكم وتغادركم، أطلبوها ثانية وسوف تعوم، لأن هذه الحرارة مثل النار التي تحول البرودة إلى مثل قوتها، وإذا رأيتم قلوبكم مثقلة وقتياً، استجمعوا ذواتكم أمامكم، واسألوها إلى أن تستعيد حرارتها ثانية وتلتهب في الله، لأن داود النبي أيضاً، إذ رأى قلبه مثقل، قال "فَأَسْكُبُ نَفْسِي عَلَيَّ" (مز42: 4)،و"تَذَكَّرْتُ أَيَّامَ الْقِدَمِ. لَهِجْتُ بِكُلِّ أَعْمَالِكَ. بِصَنَائِعِ يَدَيْكَ أَتَأَمَّلُ. بَسَطْتُ إِلَيْكَ يَدَيَّ، نَفْسِي نَحْوَكَ كَأَرْضٍ يَابِسَةٍ" (مز143: 5،6). هذا ما فعله داود عندما رأى أن نفسه تبرد وتفتر، حتى استعاد لها حرارتها مرة أخرى، ونال الحلاوة الإلهية في النهار والليل، افعلوا هذا إذاً يا أحبائي كي تنمو، وسوف يعلن الله لكم أسراراً عظيمة.
الله يحفظكم في صحة الروح والنفس والجسد، حتى يأخذكم إلى الملكوت مع آبائكم الذين عاشوا حياة صالحة، إلى دهر الدهور آمين.