![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() كان الابن الأصغر متجاسرًا، إذ طلب نصيبه من الميراث ووالده لا يزال حيًا، أراد أن يتمتع بنصيبه بخروجه خارج بيت أبيه، حاسبًا الارتباط ببيت أبيه هو مذلة وعبوديَّة وقيد، يجب التحرَّر منه، ليعيش حسب إرادته الذاتيَّة وهواه، فإذا به ينفق ماله في عيش مسرف. يا للعجب فإن الإنسان الذي وهبه الله، أبوه السماوي، عطيَّة الإرادة الحرة، كأعظم هبة يستخدمها ضد الله نفسه، فيحسب هذه الحريَّة لن تتحقَّق إلا بالعصيان والخروج عن دائرة طاعة الله ومحبَّته والتمثل بإرادته! النصيب الذي بدده الأممي في عيش مسرف هو الناموس الطبيعي الذي أساء استخدامه، إذ يقول الرسول بولس عن الأمم: "لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله، بل حمقوا في أفكارهم، وأظلم قلبهم الغبي، وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء" (رو 1: 21-22). أما اليهودي فنال نصيبًا أعظم ليبدده، إذ لم يسئ استخدام الناموس الطبيعي فحسب، وإنما أيضًا الناموس الموسوي، فعوض أن يقوده للتوبة والاشتياق نحو المخلِّص للتمتع بالخلاص الأبدي سقط في الكبرياء وحسب نفسه أفضل من غيره فلم يدخل الملكوت ولا ترك الآخرين يدخلون. وأما المسيحي الساقط في البر الذاتي فهو أبشع من الاثنين لأنه إذ يتمتع ببركات جديدة وعطايا إلهيَّة فائقة يستغلها للشر. وكما يقول القدِّيس أمبروسيوس: [قد بددنا ميراث كرامتنا الروحيَّة التي نلناها في الملذّات الأرضية.] على أي الأحوال، يفتح ربَّنا يسوع خلال هذا المثل أبواب الرجاء للجميع، فإن كنا قد بددنا العطايا الطبيعيَّة أو أخطأنا في حق الوصيَّة أو النعمة المجانية، لا يزال الله ينتظرنا فاتحًا ذراعيه ليتقبلنا كأولاد له نعود إلى بيت أبينا. في شيء من التوضيح نقول إن كان الإنسان قبل الناموس تمتع أيضًا ببعض الدوافع والغرائز الطبيعيَّة كالحب والخوف والغضب والأبوة أو الأمومة، إنما لتعمل لبنيان الإنسان في الرب، فيكون قادرًا على محبَّة الله والخوف من الشر والغضب ضد الإثم وممارسة الوالديَّة لبنيان أبنائنا روحياُ واجتماعيًا ونفسانيًا. فإذ ينحرف الإنسان، عوض حب الله يحب ملذّاته الجسديَّة، ويتحول الحب إلى شهوة جسديَّة. حتى في محبَّته للغير يتقوقع حول "الأنا"، فيطلب ما لجسده أو لذاته تحت ستار الحب، كما فعلت امرأة فوطيفار التي ظنت أنها أحبت يوسف جدّا. فأسلمته للسجن حين رفض تقديم الملذّات لجسدها. وأيضًا ما فعله أمنون بأخته التي مرض جدّا بسبب حبه لها، وإذ سقط معها، أذلها وطردها، إذ أبغضها للغاية. وما نقول عن الحب ينطبق على كل الدوافع الطبيعيَّة، كأن يتحول خوفنا من الشر إلى خوف من الناس وجبن من أحداث المستقبل وقلق وارتباك الخ. ونحن إذ قبلنا الإيمان وصارت لنا عطايا إلهيَّة فائقة، صارت إمكانياتنا أعظم. لكن أن أهملناها يكون السقوط أبشع! لذا فسقوط المؤمن في الخطيَّة غالبًا ما يكون أكثر خطرًا من سقوط غير المؤمن، لأنه يسيء استخدام العطايا التي للبنيان، محولاً إيَّاها للهدم. نعود إلى هذا الابن لنراه هاربًا من بيت أبيه، حاسبًا في هذا تمتعًا بالحريَّة، وكما يقول القدِّيس أمبروسيوس: [من يبتعد عن الكنيسة يبدد ميراثه.] ويقول الشهيد كبريانوس: [من يبقى خارج الكنيسة فهو خارج معسكر المسيح.] [من ليس له الكنيسة أمًا، لا يقدر أن يكون الله أباه!] |
|