الحاكم بأمر الله (996-1020م)
شوه هذا العصر "الحاكم بأمر الله" الذي عرف بعنفه الشديد مع الجميع؛ حتى مع المسلمين، وبتصرفاته الشاذة... فقد عاش السبع سنوات الأولى من حكمه بالعدالة، لكن شخصيته اتسمت بالغموض والهوس. فكان يركب حمارًا رمادي اللون ويتسلق به جبل المقطم في الظلام بدعوى أنه يرقب النجوم ويتعرف على أسرارها. بدأ يمارس العنف على الجميع فأمر بمصادرة كل أحذية النساء ليمنعهن من الخروج، كما حرم عليهن التطلع من النوافذ أو الجلوس على أسطح المنازل. أمر بقتل الكلاب، وعدم ذبح الماشية في غير عيد الأضحى، منع بيع البيرة والخمر، وأمر بترك الكروم حتى تجف وصب العسل في النيل.
بعد ثلاث سنوات ركز عنفه على الأقباط:
1- أمرهم بلبس ثياب سوداء وعدم ارتداء ثياب زاهية أو ناعمة.
2- منع تشغيل أي مسلم في بيت قبطي، أو "مراكبي" في سفينة قبطي.
3- يعلق كل قبطي صليبًا من خشب وزنه خمسة أرطال.
4- قطع رأس وزيره القبطي فهد بن إبراهيم، وطرد الأقباط من الوظائف الحكومية، وأمر بهدم الكنائس ومصادرة أوقافها، وأثار العامة على الأقباط، فكانوا يغتصبون ممتلكاتهم ويهينونهم ويقتلونهم.
5- استدعى أحد أراخنة الأقباط "غبريال بن نجاح" وسأله أن ينكر مسيحه فيجعله وزيرا له، وإذ رفض أمر بجلده ألف جلدة، وقد أسلم الروح عندما بلغوا نصف عدد الجلدات.
6- استدعى عشرة من كبار الأقباط وأمرهم بإنكار إيمانهم واعتناقهم الإسلام، وإذ رفضوا انهال عليهم جنوده بالجلد فاستشهد ستة منهم، ومات واحد بعد إنكاره الإيمان، أما الثلاثة فعادوا تائبين بعد موت الحاكم بأمر الله.
7- سجن البابا زكريا، ثم أمر بإلقائه أمام أسود جائعة فلم تمسه. فقام بنفسه بالإشراف على تجويع الأسود وتلطيخ ثياب البابا بدم شاه وتقديمه للأسود للمرة الثانية، وإذ لم تمسه أطلق سراحه.
8- أمر كاتبه القبطي ابن عبدون أن يوقع بالنيابة عنه الأمر بحرق كنيسة القيامة، فجبن ووقع القرار، لكنه بعد أيام استغنى عنه وقتله وصادر ممتلكاته.
9- لم يحتمل الكاتب القبطي "بقيرة" أن يرى كل هذه الأحداث، فترك مكان عمله ديوان الخليفة وجاء بصليب يحمله ليدخل قصر الخليفة، عند الباب صار يصرخ: "المسيح ابن الله"، فاستحضره الحاكم بأمر الله وأمره بإنكار إيمانه، وإذ رفض أمر بسجنه مع تطويق عنقه بسلسلة حديدية. وقف بغيرة يصلى بحرارة عجيبة، وكان متهللًا بالروح. وإذ جاءه صديق له يدعى مينا يسأله أية رسالة يقدمها لأهله، قال له: "قل لهم طيبوا نفوسكم لأنني سأكون معكم الليلة". وبالفعل أفرج عنه الحاكم، فكان يجول يشجع المتضايقين، وبعد ثلاثة أيام تغير الحال، وسمح الحاكم بأمر الله للأقباط أن يباشروا أعمالهم بكل حرية.
جاء الظاهر لإعزاز دين الله (1020-1036م) يحمل روح المودة. فسمح لمن أنكر الإيمان المسيحي تحت ضغوط أن يرجع إن أراد، إذ قال أن الدخول في دين الإسلام يجب أن يكون اختياريا لا تحت تأثير القوة... ويعتبر هذا أهم حدث في عهده، وهو حدث فريد.
أما في عهد المنتصر بالله (1036-1101) حيث ضعفت الدولة الفاطمية، ونهب المرتزقة الأتراك قصر الخليفة، فاحتاج إلى المال، وتعرض البابا خرستودولوس للسجن.
اتسم الأمر بحكم الله (1102-1131) بالسماحة مع الأقباط، وكان يزور الأديرة... غير أنه أصدر أمرا بالتزام جميع النصارى بالجزية مهما كان مركزه.
في عهد الحافظ لدين الله (1131م.-1149م) عين بهرام الأرمني وزيرًا، لكن إذ أخذ رضوان السلطة من بهرام أوقع بالأقباط وأذلهم.
هكذا بوجه عام عرف الفاطميون بسماحتهم، لولا انهيار مملكتهم في نهاية عصرهم، ودخولهم في حرب مع الأفرنج في سوريا مما كلفهم مصاريف باهظة، وكان ذلك سببا في الضغط على الأقباط.