أواه كم كانت مرائر الحزن تجرح قلب هذه الأم الرأوفة منذ ذلك اليوم فصاعداً، أي مدة حياة يسوع المسيح على الأرض. بتذكرها على الدوام، وبتصورها أمام عينيها الآلام والأهانات التي كان البشر عتيدين أن يعاملوا بها هذا الابن الإلهي. فالحب الوالدي كان دائماً يصور لديها يسوع غائصاً في بحر الحزن في بستان الزيتون، قاطراً من جسده عرقٌ دمويّ، مجلوداً في دار بيلاطس، ممزقاً جسمه من شدة الضرب، مكللاً بأكليل الشوك، متردياً بثوب الأرجوان للأستهزاء. وأخيراً معلقاً على خشبة العار فيما بين لصين على جبل الجلجلة. فهوذا أيتها الأم (كان يقول نحوها الحب) الأبن الحبيب البار الذي أنتِ تقدمينه ضحيةً ليحتمل أعظم آلاماً هذه صفتها وشدة مرارتها. فترى ماذا يفيدكِ أن تهربي به الى مصر لتخلصيه من يدي هيرودس، وتحفظيه لميتةٍ ذات حزنٍ أعظم وآلامٍ أمر.*