إلى أين ذهبوا..؟
لجرجس ميخائيل
تلقفتهم الملائكة..إقتنصتهم بألحان شجية تطرب وتأخذ النفوس إلى أعلى و كأنها موجة رقيقة ناعمة.. منظر الملائكة البهى كان أول ما إستقبلهم، انساهم مشاهد الدم والأطراف المقطعة و المتناثرة، فى لحظة ملأ قلبهم سلام عجيب و محبة صافية بعد أن ضاقت الأرض بهم، ملأ الحقد بعضهم فسهروا يتربصون بهم بعد أن أمضوا ليلتهم فى الصلاة من أجل الرئيس و الجند و المشيرين من أجل إثمار الأرض كل الأرض بما فيها أرض هؤلاء..
إرتفعت الملائكة بهم أكثر عن الأرض فتاقت أنفسهم للقاء من أحبته أنفسهم، فالمحبة قويه كالموت، يا ترى كيف هو جماله و هو الابرع جمالا من كل بنى البشر؟...و آه من هؤلاء البشر الذين ماصاروا بشرا بل فقدوا بشريتهم و عقولهم بل مشاعرهم، وقلوبهم فصاروا هياكل حجريه... أدوات شريرة فى يد الشرير الذى كان قتالا للناس منذ البدء.
فتاة رائعة الجمال وجهها يشع حنان ورحمة، لم يألفوها من قبل متسربلة بالشمس و القمر ثوبها موشى بالذهب الاصفر ومطرزة بانواع كثيرة كحمامة وديعة بل ملكة متوجة...إنها الملكة.. صرخوا إنها الملكة... إقشعرت أجسامهم، بل أرواحهم...إكتشفوا كم هى أجساد لطيفة خفيفة، عندما نظروها تذكروا طلباتهم، و عند مفارقة روحى من جسدى إحضرى عندى و هاقد أتت ..سبيت ارواحهم بجمالها و كرامتها أمام الجميع... و حلقت ارواحهم من محبتها و حنانها الذى نفذ اليهم، وأحسوها بدون أن تقول كلمة شعروا بكل الكلام، أطياف تاتى من بعيد لتستقبلهم من خلف الملكة عذارى فى إثرها إقتنتهم لله بطهارتها ..هاهم يتعرفون عليهم واحدة تلو الأخرى ...القديسة دميانة وحولها عذارى عددهم اربعون.... و فرسان فى بهاء الملوك و الامراء فها هو البطل الرومانى القديس جرجس الذى اذاق دقلديانوس الأمرين بثباته فى الإيمان حتى كاد أن يفقده عقلة بعد أن فقد كرامته كملك امام هذا البطل...بطولة الثبات على الإيمان لا بطولة الخسة وقتل الأبرياء، جهاد الحق لا جهاد البؤساء فى جحور الحق.
و هاهو الشهيد مرقوريوس مستقبلا إياهم باسما يعلن عن بهاء الشهداء ونبل الإمراء و قادة جيوش الحق...ما هذا الوجه الملائكى؟...، وأيضا القديس مينا بوجهه اللطيف الطفولى الطاهر يعدهم ان يهتم بأجسادهم المقدسة كذخائر تتبارك منها الأجيال، بديره العامر كطلب رب المجد منه، وان يحضر فرح تجنيزهم بنفسه... سألوا أنفسهم هل صرنا فى مرتبة الشهداء؟ وقبل ان يجيبهم أحد ظهرت جوقة أخرى من الملائكة بأكاليل ...طاروا فوقهم ..كللوهم بأكليل كشبه الألماس صنعت بدقة متناهية و ألبسوهم ثيابا بيض و أعطوهم علامة إبن الله ...صلبان ذهبية مرصعة بالألماظ...صوت جلبة... فرحة غامرة ..تسبيحات تعلو... اصوات لم يألفوها لكنهم يسبحون معهم ترنيمة وألحان بديعة لم يعرفوها قبلا تسبيحة رائعة فى افواههم ..فرح قلبى غامر، صوت كصوت مياه كثيرة إنه صوت إبن الله يناديهم، الملائكة و جموع القديسين يسجدون لله الواحد و هاهم يشاركوهم فى السجود يرفعون وجوههم فيرون إبن الله مكللا بالمجد و العظمة و البهاء تأخذهم رعدة تقع أعينهم على عينيه، فتغمرهم بالسلام تستقر أرواحهم ..يشعرون بحنانه العجيب لم يقل كلمة، يدعوهم لعرس مجده فلم يشاهدوا قبلا مجدا مثل هذا، فلا صورة رأوها على الأرض تفيه حقه، تاهوا فى جماله سبيت انفسهم، طفقوا يشكروه بل يسبحوه، لم يقدروا ان يحتملوا لحظة دون ان يسبحوه ما هذا الإحساس الرائع... ينسون خسارتهم فلم يخسروا شيئا بل كسبوا الأبدية عاينوا السماء، حتى أهلهم.. صاروا شفعاء أمام الله من أجلهم...خطت ارجلهم أخيرا مكان الراحة، تذكروا أوشية الراقدين..موضع خضرة و ماء الراحة، تأكدوا أنهم أخيرا وصلوا.. تذكروا كم هى مؤلمة هذه الأرض فلم يكن فيها حب، بل كره و مرض..خطية تعذب يوما فيوما أنفسهم البارة و وجع و ألم و ظلم و بغضاء، يقتل الناس بعضهم من أجل ماذا لا شىء...لاشىء يساوى لحظة من الوجود فى حضرة ذاك البهى كامل البهاء إنه الحب ...وجهه يشع حنان لا يوصف حبيبهم الذى احبوه من كل أنفسهم من كل قلوبهم و من كل قدرتهم، و محبته الفياضة هذه انستهم كيف وصلوا الى الفردوس أرض السلام الذى يفوق كل عقل و الحب غير المحدود غير المتناهى... حتى أنهم أحبوا قاتليهم مّن أعطوهم تذكرة الشهادة من أجل هذا الملك المحبوب، ملك الملوك و رب الأرباب الذى ذاق الموت قبلهم و من أجلهم لكى يهبهم هذه الحياه.... نظروهم من السماء يتباهون فى جحورهم... بخسة عملهم و كيف انهم أنفذوا قنابلهم القذرة فى صدور هؤلاء العزل الخارجين من الكنيسة بعد قضاء اول دقائق السنة الجديدة مع الله يشكروه و يسبحوه من أجل عظيم عمله معهم، يطلبون من أجل مصر وم أجل كل البشر كانوا يعتقدون أنهم أرضوا الله بهذه المجزرة، إى إله هذا الذى يرضى بسفك الدماء... هم مع الله الآن، الله الذى لايشاء موت الخاطىء لكنه يحب رجوعه إليه، الله الذى يريد رحمة لا ذبيحة، الله المملوء بأحشاء الرأفة و الرحمة. سألوه من أجلهم و عن مصيرهم و هل من الممكن أن يصلوا الى هنا هم أيضا فأجابهم بلاصوت، حزنوا من أجلهم ، تضرعوا كثيرا من أجلهم.. لكن نهايتهم محتومة... قد عرفوا مصيرهم المحتوم لأنهم صاروا بأعمالهم مرفوضى الذهن، لهم آذان لكنهم لايسمعون، قلبهم أقسى من قلب فرعون، لهم حالة أصعب من صور و صيدا التى صنعت امامهم المعجزات فلم يتوبوا، صاروا أبار بلا ماء، غيوم يسوقها النوء وقد حفظ لهم قتام الظلام إلى الأبد و مصيرهم فى البحيرة المتقدة بنار و كبريت المعدة لإبليس وملائكته...فى نهاية الأمر هناك ذهبوا.
جرجس ميخائيل