العقوبات الرهبانية
يُعرِّف الأدب الرَّهباني بوضوح شديد غاية وهدف العقوبات وأيضًا الطريقة التي ينبغي بها استخدامها، وفي سيرة باخوميوس يُذكر أنه وبّخ أحد الإخوة ”لأجل خلاصه“ (68).
وهكذا استُخدِمت العقوبات لمنفعة المُخطِئ وكانت تهدِف إلى إعادته إلى رُشده كما يذكُر يوحنَّا الدَّرجي.
ويُضيف القديس باخوميوس أيضًا أنَّ الأب لابد أن ينصح المُخطِئ أولًا وبعد ذلك يُوبخه (69)، كذلك قدَّم القديس باسيليوس في قانونه درجات مُتنوعة من العقوبات، مثل الحِرمان من البركة، الحِرمان من الطعام، العزل (70)، ويذكُر أيضًا أنَّ هذه العقوبات لابد أن تكون علاجية ومُتناسبة مع الخطأ.
وفي البند الواحد والخمسين من قانونه الطويل، يعكِس القديس باسيليوس فِكْر القرن الذي يعيش فيه بدقة ووضوح، فيكتُب:
”... التقويم لابد أن يُستخدم مع المُخطِئ بنفس طريقة الأطباء الذين لا يغضبون من المرضى بل يُجاهدون ضد المرض، وهكذا يجب أن تُهاجم الرذيلة، وضعف النَّفْس لابد أن يُعالج – إذا كان هناك ضرورة – بقانون أكثر قسوة:
فمثلًا الكبرياء لابد أن يُعالج بتدريب مُمارسة الاتضاع.
الحديث البطَّال بالصمت.
النوم الكثير باليقظة والصحو في الصلاة.
الكسل بالعمل.
الطمع بالصوم عن الطعام“ (71).
ومن الأهمية بمكان أن نذكُر أنَّ نظام العقوبات الباسيلي كان يبغى استبدال الخطية بالفضيلة المُضادَّة لها، ونجد أساسًا نظريًا لهذه المُمارسات التربوية في كِتابات إغريغوريوس النيصي الذي كتب قائلًا أنَّ الخطية ليس لها جوهر خاص بها، بل هي غياب الفضيلة (72)، وبالتالي فإنَّ غرس وإنماء الفضيلة هو أفضل وسيلة لمُحاربة الشر والخطية الموجودة فعلًا.
وكان على الرئيس أن يأخذ في اعتباره مَنْ هو المُخطِئ وشخصيته وقامته ثم يُوقّع عليه العقوبة وِفقًا لذلك (73)، وهكذا يفرِض النظام الباخومي 80 ميطانية للراهب المُتقدم في الرهبنة، و50 ميطانية للراهب الصغير لأجل نفس الخطية (74)، والقديس يوحنَّا الدَّرجي يُنبِه الرئيس إلى أهمية وضع شخصية المُخطِئ في الاعتبار من حيث قامته وقانونه وقِدَمُه في الحياة الرَّهبانية.