وكانوا يَشَهدونَ لَه بِأَجمَعِهِم، ويَعجَبونَ مِن كَلامِ النِّعمَةِ الَّذي يَخرُجُ مِن فَمِه فيَقولون: أَما هذا ابنُ يوسُف؟
" كَلامِ النِّعمَةِ" فتشير إلى كلمات يسوع التي تنبع من النعمة وتحمل النعمة (أعمال الرسل 14: 3)، والنعمة هي إظهار محبة الله وحنانه ورحمته للخطأة بتسليم ابنه لنا، إذ أنَّ نعمة الله تُخلصنا من الخطيئة دون أن نستحق ذلك، كما يؤكده بولس الرسول في رسالته إلى تلميذه إِلى طيموتاوُسَ قائلا "يا ابنِيَ المُخلِصِ في الإيمان. علَيكَ النِّعمَةُ والرَّحْمَةُ والسَّلامُ مِن لَدُنِ اللهِ الآب والمسيحِ يسوعَ ربِّنا."(1 طيموتاوس 1: 2). ومن هنا جاءت تسمية الإنجيل "بشارة نعمة الله" (أعمال الرسل 13: 43). وكان بولس يبدأ رسالته بنعمة الله (1 قورنتس 1: 3). وتقابل لفظة نعمة في الأصل اليوناني χάρις، في العهد الجديد اللفظة العبرية חֵן وتعني تطلّع وهو ينحني، وفي المعنى الأدبي: تنازل، تعطّف، كما ورد مع نوح الذي نالَ حُظوَةً في عَينَيِ الرَّبّ " (التكوين 6 :8). وبما أن الناس في هذه الأيام مُضَّطربون وضائعون؛ نرى أنفسنا ملزمين أن نُريهم يسوع الذي فينا ووسطنا. أمَّا عبارة "أَما هذا ابنُ يوسُف؟" فتشير إلى سؤال أهل النَّاصِرة الذي يدلُّ على شيء من الحسد للمسيح والاستخفاف وعدم الإيمان به، لأنهم اعتقدوا انه ابن يوسف، وانه فقير، ابن نجار فأنكروا دعواه. ويعلق البابا الطوباوي بيّوس التاسع " فقد تزوّج يوسف من البتول مريم العذراء التي منها، وبقوّة الرُّوح القدس، وُلِدَ الرّب يسوع المسيح الذي أرادَ اعتبار نفسه ابن يوسف أمام الجميع" (مرسوم "للمدينة وللعالم" الصادر بتاريخ 8 كانون الأوّل 1870). ومن هذا المنطلق، سعي أهل النَّاصِرة بروح الشك والغموض حول يسوع، وفي ذلك تحقَّقت فيهم نبوءة ارميا " اسمعوا هَذا أَيُّها الأَغبياء الشَّعبُ الفاقِدُ اللُّبّ الَّذي لَه عُيونٌ ولا يُبصِر ولَه آذانٌ ولا يَسمعَ"(ارميا 5: 21). ولِمَا كان يسوع هو من أبناء النَّاصِرة وعامل مثل سائر العمال، صار الناس يتساءلون من أين له هذه الحكمة؟ كيف يُمكن أن يَدّعي أنَّه المسيح، أليس هو ابن يوسف؟ كيف لهذا الّذي نشأ فيما بيننا أن يتكلّم بكلام النعمة؟ من أين له الحكمة أنّ يُتمّم آيات الأنبياء؟ وذلك أنَّ أهل النَّاصِرة يعرفون يسوع على مستوى المعيشة العائلية، انه مواطنهم ونجَّار بلدهم، ويعرفون نَسبَه وسلالته البشرية، ويعرفون أنّه كان يُفسر التوراة بأسلوب شيّق جديد ومبتكر، ويجترح العجائب، ولكنَّهم لم يتمكنوا أن يتخطوا الظواهر البشرية للوصول إلى سر طبيعته الإلهية. إذ إنهم لم يؤمنوا بيسوع بل استهانوا به، رغم ما سمعوه، بحجّة أنهم يعرفونه. ويُعلق القديس أوغسطينوس" الويل، ثم الويل، لمن يحتفظون بالصمت تجاهك، لأنهم ثرثارون وهم خاسرون! قل لي، بحق مراحمك، قل لي، من أنت أيها الرب إلهي؟ من أنت لي؟ قل لنفسي:" أنا خلاصك".