|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تصدمك أورشليم بإثمها، كيف يتخالط النور والظلام على أرضها؟ "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء والمرسَلين إليها"، كم عظيم وفظيع إثمك بنبذ المسيح وقتله لأنّه شاء أن يجمع بنيك فيك فلم تقبلي. يدخلها السيّد كالحمل الوديع، وهو عارف أن صليبه مغروس فيها منذ كون العالم. لماذا شاء أبوه السماويّ أن يموت ظلمًا وذبحًا؟ لماذا وحده الفداء يكشف أنّ الله محبة أى يمكن كشف ذلك بلا دماء؟ غرس الصليب في أرض التاريخ في لحمه وعظامه، لأنه كان "لا بدّ من أن يموت واحد عن الأمّة"، وعلى الرغم من ذلك لم تتبرّر الأمة بموت المخلّص، لم تدرك أنها قتلت رجلاً بارًّا كما قالت زوجة بيلاطس البنطيّ الواليّ له إياك وذاك الرجل فهو بارّ، أو كما اعترف قائد المئة فيما بعد بأنّ هذا بالحقيقة كان ابن الله، هل فهمت تلك الأمة أنها ذبحت إبن الله بمعنى أنها ذبحت الله نفسه في اللحظة التي علق فيها ابنه على خشبة؟ على جنبات أورشليم وفي داخلها احتشد الناس ليروه مقتحمًا لها. معظم الملوك في التاريخ اقتحموا المدن بالسيف ممتطين جيادًا فاخرة، وعلى رؤوسهم تيجان المجد. خرج المسيح من بيت عنيا بعد أن أقام ألعازر من القبر محقّقًا فيه قيامته قبل أن يفجرها طاقة من ضياء في اليوم الثالث. كان المشهد في هذه البلدة عظيمًا وفاتنًا في بهائه، جاء الناس ليروا ألعازر كيف أقامه يسوع من الموت وكان قد أنتن لأربعة أيام في القبر، فاشتدت المؤامرة أكثر ليس على يسوع ولكن أيضًا على ألعازر نفسه، فقد تشاور اليهود فيما بينهم على طريقة لقتله وإعادته إلى القبر من جديد. بعد هذا عاش ألعازر وذهب بعد قيامة المسيح إلى قبرص وقضى حياته فيها وهناك بنيت كنيسة على اسمه سيضيء عليها في برنامج سلّم إلى السماء الصديق عبدو حلو. دخل المسيح اورشليم قبل ستّة أيّام للفصح بهذا النصر المبين، لم يكن هذا النصر وحيدًا في مسيرة الناصريّ، بل استهلّ بشفاء الأعمى والأبرص والمخلّع وأقام ميتة، مسيرة يسوع قبل دخوله الأخير أورشليم كانت حافلة بمواجهة المرض وإبراء الناس منه ومن كلّ استرخاء. تلك التمتمات إذا جاز التعبير كانت المقدمات المتدرّجة للبلوغ نحو حدث إقامة ألعازر، وكان ذروة الأحداث لكونه صديقه، والقمّة في المواجهة أنّه قال لمرتا "أنا هو القيامة والحياة من آمن بي وإن مات فسيحيا، وكلّ من كان حيًّا وىمن بي فلن يموت أبدًا" وأعلن نفسه حياة وقيامة للناس، وهذا ما كان رائجًا في عقل اليهود، حقّق المسيح قيامته مسبقًا بصديقه ومكث في كورة اسمها أفرايم تمهيدًا للدخول الكبير إلى أورشليم. إلى هناك مضى، إلى أورشليم دخل وقد علم أنّ ساعته قد دنت. استبق موته العاري بدخول متواضع، راكبًا على جحش أتّان أي كحمل وديع يعدّ حاله للموت، ظهر أمام قتلته ببراءة كاملة وهم قد بدأوا يحضرون انفسهم للقضاء عليه منذ أن أقام ألعازر وحتى من قبل، بل حتّى حين ولد في مغارة بيت لحم قتل هيرودس صبية بيت لحم من أجل قتل المسيح بينهم فيما أبواه حملاه وأخذاه إلى مصر. الصليب كان رفيقه منذ ذلك الزمن بالسيف، هو معدّ لذلك ليكتب الخلاص للناس، "يا شعبي ماذا فعلت بك ألم أفعم اليهوديّة من العجائب ألم انهض الأموات بكلمة فقط، ألم أشف كلّ مرض واسترخاء فبماذا تكافأني ولماذا تنساني عوض الأشفية وضعت فيّ جراحات وبدل إحياء الموتى تميتني معلّقًا على خشبة أنا المحسن كفاعل شرّ"، إنّهه الوجع الكونيّ المتداخل في عمق المواجهة الكونيّة مع أورشليم، ومن ناحية اليهود في ذلك الوقت المسألة سياسيّة وعقيديّة حتى لا يتم سلب ملكهم وأرضهم من الرومان، ولم يروه المسيّ الآتي بل احتسبوه دجّالاً طامحًا ليسلب وجههم وحضورهم السياسيّ، هكذا قرأوه وفهموه. قضيتهم معه غير قضيته معهم. لقد أتى من سبطهم، من داود جاء ناسوتًا، ولوقا نسبه إلى آدم، حتمًا بناسوته جاء من هذا السبط، لم يكن طارئًا عليهم البتّة، لكنّه لم يأت لتنفيذ رؤيتهم ومشروعهم السياسيّ، ليسوع مشروع آخر مختلف عن قراءة تلك الأمّة، هنا حصل الاصطدام إذ إن مشروع يسوع أزليّ من حيث ألوهيّته، وكونيّ من حيث اندراجه في التاريخ، وأبديّ في سكب الحياة الأبديّة داخل الحياة البشريّة في اللحظة التي قرّر فيها أن يكسر جسده حياة لشعبه ويجعل دمه يسري في عروقهم، لم يأت لينقض بل ليكمّل أي ليقود الشريعة على صورته هو إلى العالم كلّه. لقد أوضح ذلك في قمّة المواجهة مع بيلاطس الوالي حين ساله أأنت ملك اليهود؟ فكان جوابه أنت قلت" يكفي هذا الجاب في العمق لتنفجر ثورة اليهود والكهنة والكتبة المتعيّشين من السلطة والمتباهين في القيادة، الحروفيين في تفسير الشريعة، أن يكون المسيح على صورة أبيه ملكًا على اليهود شيئًا وأن يكون على صورتهم ملكًا عليهم شيئًا آخر، التضاد في المفهومين عمّم الصراع معه فكان لا بد من القضاء عليه وقتله حتى لا يزداد البلبال. الرؤية اللاهوتيّة الأساسيّة أنّ المسيح ذبيح الله قبل كون العالم، مذبوحيّة الإبن ليست لأن الله يستلذّ بالدم المهراق، وهو ما كان قد أعد للموت بل قد أعد للقيامة، الإله الوحيد في الدنيا الذي كشف الله محبّة هو مسيحه، لقد أرسل ابنه ليعلّق على الخشبة، ليلده هناك حتى لا يموت البشر. بل حتى يقوموا معه في قيامته. القيامة هي اللغة الوحيدة الظاهرة في محبة الله بالابن يسوع، وليس من بعدها كلام آخر. الرؤية التاريخيّة-السياسيّة، وهي غدت قوميّة وعقيديّة، بان حراك المسيح وتجواله وشفاءه للمرضى وإحياءه الموتى في اليهوديّة كلّها وصولاً إلى صور وصيدا، كما جاء في الكتاب العزيز، سرق الأضواء من هذه الأمّة، وخطابه المحتدم وصولاً إلى قلب مناضد الصيارفة وطرد أصحابها من الهيكل حتّم المواجهة مع قوم وأمة تعتبر نفسها وكيلة لله، وتعتبر الله إلهًا حصريًّا لها، والأرض التي عليها تظلّ وعدًا منه لهم فيعيشون فيها ويتمدّدون ويتناسلون. خطاب المسيح نفسه المحتدم بقوله الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون، أعد لمواجهة كشفت في جوانب كثيرة منها بأنّ زعم اليهود مارق في العمق اللاهوتيّ، كسر مفهوم السبت وحرّر الإنسان منه وجعله خاضعًا للإنسان، أعاد للمراة قيمتها وبهاءها في وقت كان ينظر إليها على أنّها فقط زانية ويجب ان ترجم، فقال لهم من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر. واجه الحاكم ونعته بالثعلب... قوّة يسوع أنّه أظهر نفسه الشريعة وكشف الله لجميع الشعوب وليس لشعب واحد كما قال بولس الرسول، "ليس ذكر ولا أنثلا ليس عبد ولا حرّ"، من هنا كان انتفض الشعب العبريّ عليه، فقرروا قتله، القتل بحدّ ذاته سياسيّ، ألم يقل بأنه سينقض الهيكل ويبنيه في ثلاثة أيّام؟ لم يشر إلى هيكل أورشليم علمًا أن هذا الهيكل قد آل إلى الخراب، بالنسبة إليه الهيكل هو جسده وقد أمسى الكنيسة بامتداد عميق. فتحققت النبوّة بموته وقيامته من بين الأموات. أورشليم آثمة ليس لأنها قتلت المسيح ولكن لأنّها لا تزال تقتله في شعبه، تقتله في سوريا والعراق وفلسطين والقدس، تقتله بالظلم والحروب، تمزّق الله بصراعات متنقلة، أورشليم آثمة ومجرمة لأنها تأبى أنها أن تصدق انه أتى وموجود وحيّ، وكنيسته راسخة ولن تقوى عليها أبواب الجحيم، لم يستطع قيافا وبيلاطس القضاء عليه، بل قضى عليهم، لقد أدرك بطرس جحوده فبكى وتاب فعاد واهتدى ومات على صورة معلمه، دخل السيد أورشليم، فتحها بالحبّ المضيء وحوله براءة الأطفال وصوت الناس هوشعنا يا اين داوود، قمّة الحبّ خلال هذا الأسبوع العظيم أنّ نعطيه قلبنا أن نسلم له حياتنا، من كان متخاصمًا مع الآخر، مع زوجته مع أخيه مع صديقه، الزوجة المتخاصمة مع زوجها، من كان على صراع مع جاره عليه أن يدخل مع يسوع إلى الأعماق، إذهبوا إلى الأعماق وتصالحوا، إجعلوا المسيح وحده بحبّه يحرّك قلوبكم وينطق بلسانكم، حطّموا كبرياءكم واغفروا لبعضكم بعضًا، تصالحوا مع بعضكم، صلّوا من كلّ قلوبكم، واجعلوا من هذا الأسبوع العظيم وهو أسبوع آلام الرب أسبوعًا لكلّ غفران والتماسًا لحضوره فيكم. تذكّروا أنّ العمر يتجدّد في هذا البهاء المنكشف أمامكم بآلام المحلّص وموته وقيامته. لن تنتفعوا شيئًا إذا لم تحبوا وتغفروا وتذوبوا بهذا الذي احبكم منذ الابتداء وقال الحبّ دمًا على الصليب. أدخلوا مع يسوع في أسبوع هو الأعظم من حيث قدسيّته وعظمته، أبعدوا الخصومات والخيانات أدفنوها، حتّى ترثوا القيامة وأنتم مصالحون ومتصالحون. أهّلنا يا مخلّص أن لا يبتلعنا إثمنا كما ابتلع الإثم أورشليم، بل أعطنا أن نتنقّى بما تكرمنا به خلال هذا الأسبوع، يكفي أنّ فداءك هو قمّة الكرم، فاسمح لنا أن نعبر معك ونميت الخطايا، حتّى إذا بلغنا القيامة يكون ضياؤك هو الحياة. آمين |
10 - 04 - 2017, 09:44 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: الدخول إلى أورشليم قاتلة الأنبياء والمرسلين إليها
مشاركة جميلة جدا ربنا يبارك حياتك |
||||
10 - 04 - 2017, 03:09 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
..::| الإدارة العامة |::..
|
رد: الدخول إلى أورشليم قاتلة الأنبياء والمرسلين إليها
ميرسى على مرورك الغالى مرمر |
||||
|