رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
عمق قراءات أحاد الصوم الكبير(3) إعداد الراهب القس بطرس البراموسي الأحد الثالث من الصوم الكبير - أحد (الإبن الشاطر) إرتباط قراءات الفصول قبول التوبة تدور فصول هذا اليوم جميعها حول موضوع واحد هو " قبول التوبة " ، ففى إنجيل العشية يحذر المخلص المؤمنين مما يخرج من الفم فينجس الإنسان ، وفى إنجيل باكر يبين لهم أن الذين يختارون منهم قليلون ، ويصرح فى إنجيل القداس أنه يقبل توبة التائبين ، ويقرر فى إنجيل المساء أنه يصعد أنفسهم من الجحيم . ويوصيهم الرسول فى البولس أن يكونوا متسعين لقبول التائبين والصفح عنهم ، وينبههم يعقوب فى الكاثوليكون إلى ضرورة ضبط لسانهم حين يرشدون هؤلاء التائبين ، ويحضهم الأبركسيس على ألا يثيروا بتعليمهم الشغب كما دافع بولس بذلك عن نفسه أمام الوالى . البولس من 2 كو 6 : 2 – 13 2 لأنه يقول في وقت مقبول سمعتك و في يوم خلاص أعنتك هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص 3 و لسنا نجعل عثرة في شيء لئلا تلام الخدمة 4 بل في كل شيء نظهر انفسنا كخدام الله في صبر كثير في شدائد في ضرورات في ضيقات 5 في ضربات في سجون في اضطرابات في اتعاب في اسهار في اصوام 6 في طهارة في علم في اناة في لطف في الروح القدس في محبة بلا رياء 7 في كلام الحق في قوة الله بسلاح البر لليمين و لليسار 8 بمجد و هوان بصيت رديء و صيت حسن كمضلين و نحن صادقون 9 كمجهولين و نحن معروفون كمائتين و ها نحن نحيا كمؤدبين و نحن غير مقتولين 10 كحزانى و نحن دائماً فرحون كفقراء و نحن نغني كثيرين كان لا شيء لنا و نحن نملك كل شيء 11 فمنا مفتوح اليكم أيها الكورنثيون قلبنا متسع 12 لستم متضيقين فينا بل متضيقين في أحشائكم 13 فجزاء لذلك اقول كما لاولادي كونوا انتم أيضا متسعين "لأنه يقول في وقت مقبول سمعتك، وفي يوم خلاص أعنتك. هوذا الآن وقت مقبول.هوذا الآن يوم خلاص"[ 2 ] يقول اللَّه في إشعياء النبي: "في وقت القبول استحيتك، وفي يوم الخلاص أعدتك، فأحفظك، وأجعلك عهدًا للشعب لإقامة الأرض، لتمليك أملاك البراري" (إش ٨:٤٩). وقد إقتبسها الرسول عن الترجمة السبعينية. ما هو الوقت المقبول؟ مجىء المسيا هو وقت مسرة اللَّه ومراحمه الذي يتوقعه كل المؤمنين. ويوم الخلاص هو اليوم الذي فيه يقبل الإنسان خلاص اللَّه بالصليب ويتجاوب معه. كأن الرسول يقول ما قد تنبأ عنه إشعياء النبي وإشتهاه مؤمنو العهد القديم قد تحقق الآن. لقد صالحنا مع الآب، وسلم التلاميذ والرسل كلمة المصالحة خلال ذبيحة المسيح، إذ به تمت المغفرة عن الخطايا ونلنا فيضًا من النعمة الإلهية. بهذا صار الرسل يعملون معًا مع اللَّه، ويقبلون نعمة اللَّه ليس باطلاً. "الآن" هو ملكنا، هو وقت مقبول ويوم خلاص، أما "غدًا" فليس في أيدينا ولسنا ندرك ما سنكون عليه إن أجّلنا قبول عمل اللَّه الخلاصي. اليوم وقت لقبول الروح القدس الذي يكشف جراحاتنا الخفية، وينير أعيننا لإدراك خطورة مرضنا الروحي، لكي يحملنا إلى الطبيب السماوي، فيهبنا غنى نعمته المجّانية الواهبة برّه الإلهي العجيب عِوض ضعفنا. ويقدم لنا خبرة عربون عدم الفساد، ونتمتع بقيامة النفس لكي يشاركها الجسد فيما بعد قيامتها ومجدها الأبدي. هذا هو يوم الخلاص، الوقت المقبول قبل أن تعبر من هذه الحياة فنجد الباب مغلقًا. + يقول الرسول: "الآن وقت مقبول، الآن يوم الخلاص". عن ذلك اليوم يقول القديس باسيليوس الكبير [هذا هو وقت التوبة، أما الحياة المقبلة فهي للمكافأة. الآن هو وقت للإحتمال، وعندئذ سيكون يوم التعزية. الآن اللَّه هو المعين للرجوع عن الطريق الشرير، عندئذ سيسأل بمهابة دون أن يخطئ عن الأفكار والكلمات والأعمال التي للبشرية. الآن نتمتع بطول أناة، عندئذ سنعرف قضاءه العادل عندما نقوم، البعض في عقوبة لا تنتهي، والآخرون إلى حياة أبدية، فيتقبل كل واحدٍ جزاءً حسب أعماله. إذ يلتقي الإنسان باللَّه مخلصه يتأسف على الزمن الذي ضاع منه.] بلا عثرة "ولسنا نجعل عثرة في شيء لئلا تُلام الخدمة" [ 3 ] فإيمان الرسول بولس وغيرته المتقدة وعمله الدائم من أجل خلاص نفسه والآخرين لم تدع مجالاً قط للعثرة. فقد كان الرسول بولس حريصًا كل الحرص ألا يعثر اليهود أو الأمم، فقد مات المسيح من أجل الكل. حينما يتحدث عن الناموس يحرص على تأكيد إنه صالح، وأنه لا يأخذ موقف المقاومة للناموس وإنما للحرف القاتل. وفي نفس الوقت لكي يربح الأمم يؤكد إنه لا حاجة للفرائض والتطهيرات الحرفية والرمزية. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم + لقد تركنا (الرب) هنا لنكون أنوارًا، لنعلم الآخرين، لنكون خميرة، نسلك كملائكة بين البشر، كرجالٍ مع أولادهم، كروحيين مع أناس طبيعيين فينتفعون منا، ونكون بذار تخرج ثمارًا. لا حاجة للكلمات مادامت حياتنا تضئ! لا حاجة للمعلمين ما دمنا نظهر أعمالاً! ما كان يوجد وثني لو كنا مسيحيين بحق! لو أننا نحفظ وصايا المسيح، ونحتمل الألم، ونسمح للغير أن يستفيدوا منا، إذ نُشتم فنُبَارك، نعامل معاملة سيئة فنصنع خيرًا، لما بقي أحد بعد متوحشًا ولا يرجع إلى الصلاح. + ما أسوأ أن نكون فلاسفة في الكلمات لا في الأعمال! + لماذا هذا الكبرياء؟ لأنك تعلم بالكلام! ما أسهل ترديد الكلمات! علمني بحياتك هذا أفضل. + نحن محتاجون الي سلوك حسن لا إلي لغة منمقة الي الفضيلة لا الي الخطابة الفذة، الي الأعمال لا إلي الكلام! جهاده "بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام اللَّه، في صبر كثير، في شدائد، في ضرورات، في ضيقات" [ 4 ] يكمل الرسول حديثه مظهرًا أنه هو وشركاءه في الخدمة يبذلون كل الجهد من أجل تحقيق خدمة المصالحة، مهما كلفتهم من ثمنٍ أو جهدٍ. ليس فقط يتحاشون أية عثرة، وإنما يعملون كي يظهروا خدامًا حقيقيين للَّه. يمدح القديس يوحنا الذهبي الفم الرسول بولس فيقول: [آه لو أعطيت أن ألقى بنفسي على جسد بولس، والتصق بقبره وأتطلع إلى تراب ذلك الجسد الذي أكمل نقائص (شدائد) المسيح، وحمل السمات وبذر الانجيل في كل موضع؟! نعم! تراب ذلك الجسد الذي تكلم المسيح خلاله! يا لسرورى أن أنظر تراب العينين اللتين عميتا بالمجد ثم استردتا بصيرتهما مرة أخري من أجل خلاص العالم ! هاتان العينان اللتان وهما بعد في الجسد استحقتا معاينة المسيح! رأتا الأمور الأرضية وفي نفسي لم تنظراها رأتا الأمور التي لا ترى... أود لو أتطلع إلى تراب قدميه اللتين جابتا المسكونة بلا كلل.] ويقول مار اسحق السرياني: + دعى الرسول الطوباوي ذلك عطية علانية متى كان الإنسان مستعدًا في الإيمان أن يتألم من أجل رجائه في اللَّه. إنه يقول: "لقد وُهب لكم من اللَّه لا أن تؤمنوا بالمسيح فحسب، وإنما أن تتألموا أيضًا من أجله" (في 29:1).كما كتب القديس بطرس في رسالته: "إن كنتم تتألمون من أجل البر فطوباكم فإنكم تصيرون شركاء في آلام المسيح" (1 بط 14:3؛ 13:4). لذلك عندما تكون في طريق سهل ومتعة لا تفرح، وعندما تحل ضيقة عليك لا تكن متجهّم الوجه، ولا تحسب هذا كأمرٍ غريب عن طريق اللَّه. لأن طريق اللَّه قد طُرق بواسطة كل الأعمار وخلال كل الأجيال، خلال الصليب والموت. من أين أتيت بفكرة أن الأحزان التي بالطريق لا تخص الطريق؟ ألا ترغب في أن تتبع خطوات القديسين؟ أتودّ أن تسافر بطريق خاص من عندك ليس فيه ألم؟ الطريق إلى اللَّه هو صليب يومي. لا يصعد أحد إلى السماء بالطريق السهل. نحن نعلم إلى أين يقود الطريق السهل. ويستكمل القديس بولس الرسول كلامة فيقول : "كمجهولين ونحن معروفون، كمائتين وها نحن نحيا، كمؤدَّبين ونحن غير مقتولين" [ 9 ] كان الذين يَبغضون الرسول بولس ومن معه يحسبون أن ما يحل بهم من ضيقات يومية هو ثمرة شرورهم، لكن هؤلاء الخدام إذ يكرزون بالكلمة يختبرون كل يوم قوة قيامة المسيح المبهجة في الضيقات. "كمجهولين ونحن معروفون": وهنا كأن بولس الرسول يريد أن يقول لنا : قد يستخف الناس بالكارز ويحسبونه مجهولاً لا كيان له. بلا مركز مرموق في المجتمع، بينما السماء عينها تمجده. كان الرسول بولس ورفقاؤه غير معروفين للأشرار بينما كانوا معروفين تمامًا للمؤمنين المقدسين في الرب. كأننا نكرز خفية في خوف وخجل بينما نحن نشهد لخلاصنا علانية أينما وُجدنا، لا نفعل شيئًا في الخفاء. "كمائتين وها نحن نحيا" وذلك خلال المخاطر المستمرة والإضطهادات والأتعاب حيث نعاني من ميتات كثيرة، لكننا في هذا كله نختبر الحياة الجديدة المقامة كعطية توهب لنا خلال الشركة مع المسيح غالب الموت. ويستكمل الرسول بولس حديثه فيقول: "كحزانى، ونحن دائمًا فرحون، كفقراء، ونحن نُغني كثيرين، كأن لا شيء لنا، ونحن نملك كل شيء" [ 10 ] + "كحزانى ونحن دائما فرحون": في كل الظروف وبالرغم من كل الإضطهادات والشدائد نبدو كحزانى لكن الفرح لا يفارقنا، لأننا نتمتع بتهليل الغلبة والنصرة: فقد غلبنا ونغلب ونبقى بالنعمة الإلهية غالبون. تعزيات الروح القدس وسط الضيق لا تفارقنا. + "كفقراء ونحن نغني كثيرين": يُحتقر الكارز كفقيرٍ لا يقتني شيئًا من هذا العالم بينما يقدم للقلوب الفارغة من فيض غنى مخازن المسيح. ليس له فضة ولا ذهب، ولا بيوت وأراضٍ لكنه يقدم ملك السماء والأرض الذي في أعماقه ليتمتع الكثيرون به ويشبعون. + "كأن لا شئ لنا، ونحن نملك كل شئ": في المظهر لا نملك شيئًا، في الأعماق نتمتع بكنوز النعمة الفائقة، وشركة المجد الداخلي، وعربون ميراث الملكوت الأبدي! الإنجيل من لو 15 : 11 – 32 11 و قال انسان كان له ابنان 12 فقال اصغرهما لابيه يا ابي اعطني القسم الذي يصيبني من المال فقسم لهما معيشته 13 و بعد ايام ليست بكثيرة جمع الابن الاصغر كل شيء و سافر الى كورة بعيدة و هناك بذر ماله بعيش مسرف 14 فلما انفق كل شيء حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدا يحتاج 15 فمضى و التصق بواحد من اهل تلك الكورة فارسله الى حقوله ليرعى خنازير 16 و كان يشتهي ان يملا بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تاكله فلم يعطه احد 17 فرجع الى نفسه و قال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز و انا اهلك جوعا 18 اقوم و اذهب الى ابي و اقول له يا ابي اخطات الى السماء و قدامك 19 و لست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا اجعلني كاحد اجراك 20 فقام و جاء الى ابيه و اذ كان لم يزل بعيدا راه ابوه فتحنن و ركض و وقع على عنقه و قبله 21 فقال له الابن يا ابي اخطات الى السماء و قدامك و لست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا 22 فقال الاب لعبيده اخرجوا الحلة الاولى و البسوه و اجعلوا خاتما في يده و حذاء في رجليه 23 و قدموا العجل المسمن و اذبحوه فناكل و نفرح 24 لان ابني هذا كان ميتا فعاش و كان ضالا فوجد فابتداوا يفرحون 25 و كان ابنه الاكبر في الحقل فلما جاء و قرب من البيت سمع صوت الات طرب و رقصا 26 فدعا واحدا من الغلمان و ساله ما عسى ان يكون هذا 27 فقال له اخوك جاء فذبح ابوك العجل المسمن لانه قبله سالما 28 فغضب و لم يرد ان يدخل فخرج ابوه يطلب اليه 29 فاجاب و قال لابيه ها انا اخدمك سنين هذا عددها و قط لم اتجاوز وصيتك و جديا لم تعطني قط لافرح مع اصدقائي 30 و لكن لما جاء ابنك هذا الذي اكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمن 31 فقال له يا بني انت معي في كل حين و كل ما لي فهو لك 32 و لكن كان ينبغي ان نفرح و نسر لان اخاك هذا كان ميتا فعاش و كان ضالا فوجد مثل الأبن الضال (الشاطر) ( لو 15 : 11 – 32 ) . يدعى " مثل الإبن الضال " أو " مثل الإبن الشاطر " أو " مثل الأب المحب " لأنه بقدر ما يكشف عن جفاف قلب الإبن الهارب من وجه أبيه المحب يشتاق الأب إلى عودته ليستقبله بالقبلات دون عتاب أو جرح لمشاعره ، بينما وقف أخوه خارجاً فى تذمر من أجل محبة الأب له . " إنسان كان له إبنان ، فقال أصغرهما لأبيه ياأبى أعطنى القسم الذى يصيبنى من المال ، فقسم لهما معيشته ، وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الإبن الأصغر كل شىء وسافر إلى كورة بعيدة ، وهناك بذر ماله بعيش مسرف " ( لو 15 : 11 – 13 ) . المثل الذى بين أيدينا يقدم صورة مرة لعلاقة الإنسان بأخيه فيظهر الأخ الأكبر رغم ما يبدو عليه من تعقل وأمانة فى العمل لكنه لا يستطيع بسهولة أن يتقبل أخاه الراجع إلى بيت الآب ، بل يقف موقف الناقد لأبيه على إتساع قلبه للإبن الراجع إليه . إن ظهور إبنين فى المثل يكشف عن أمور كثيرة منها : لا يمكن الحكم على أحد ما دام لا يزال فى طريق الجهاد ، فقد ظهر الأصغر فى بدء حياته إنساناً محبا للملذات ، .... لكنه يرجع بالتوبة إلى الأحضان الأبوية ليظهر لابساً الثوب الجديد وخاتم البنوة وحذاء فى قدميه ومتمتعاً بالوليمة فى بيت أبيه ، أما الآخر فقد بدأ حياته إنساناً لطيفاً فى معاملاته ، ...... لكنه يختم حياته بالوقوف خارجاً ينتقد أباه على حبه ويغلق قلبه نحو أخيه فيفقد سلامه الداخلى وفرحه ليعيش بقلب مناقض لقلب أبيه . كان الإبن الأصغر متجاسراً إذ طلب نصيبه من الميراث ووالده لا يزال حيا ، أراد أن يتمتع بنصيبه بخروجه خارج بيت أبيه ، حاسباً الإرتباط ببيت أبيه هو مذلة وعبودية وقيد يجب التحرر منه ليعيش حسب إرادته الذاتية وهواه ، فإذا به ينفق ماله فى عيش مسرف . إن الشخص المسيحى الساقط فى البر الذاتى هو أبشع من الأممى ( غير المؤمنين ) ومن اليهودى الذى بسبب كبرياءه لم يتمتع بالخلاص الأبدى ، لأن المسيحى يتمتع ببركات جديدة وعطايا إلهية فائقة يستغلها للشر ، على أى الأحوال يفتح ربنا يسوع خلال هذا المثل أبواب الرجاء للجميع ، لا يزال الله ينتظرنا فاتحاً ذراعيه ليتقبلنا كأولاد له نعود إلى بيت أبينا . نعود إلى الإبن الضال لنراه هارباً من بيت أبيه ، حاسباً فى هذا تمتعاً بالحرية ، إن من يبتعد عن الكنيسة يبدد ميراثه ، وما هذه الكورة البعيدة التى سافر إليها سوى " الأنا " ، فينطلق الإنسان فى كمال حريته بغباوة من الحياة السماوية ، التى هى " الحب " إلى الأنانية حيث يتقوقع الإنسان حول ذاته ، فيصير كمن هو فى كورة بعيدة . " فلما أنفق كل شىء حدث جوع شديد فى تلك الكورة فإبتدأ يحتاج " ع 14 إذ تهرب النفس من الله مصدر الشبع وكنز الحكمة تجد نفسها قد دخلت إلى حالة فراغ داخلى فتكون كمن فى " مجاعة " . خلقت النفس البشرية على صورة الله ومثاله ، لن تشبع إلا به بكونه الأصل ، العالم كله بإغراءاته والجسد بشهواته والحياة الزمنية بكل أحداثها لن تملأ فراغ النفس التى تتطلب ذاك اللانهائى يملأها . " فمضى وألتصق بواحد من أهل تلك الكورة فأرسله إلى حقوله ، ليرعى خنازير ، وكان يشتهى أن يملأ بطنه من الرنوب الذى كانت الخنازير تأكله ، فلم يعطه أحد " ع 15 ، 16 يبدو أن هذا الرجل يشير إلى رئيس هذا العالم ، وقد ذهب هذا الإبن إلى حقوله ( حقول الخنازير ) ، وفيها يرعى الخنازير التى طلبت الشياطين أن تدخل فيها فإندفعت إلى جرف هذا العالم ( مت 8 : 32 ) هذه الخنازير تعيش على النفايات والنتانة . الخاطىء لا هم له سوى أن يملأ بطنه ، الطعام المناسب لهم هو الخرنوب الفارغ فى الداخل ولين فى الخارج ، " فلم يعطه أحد " إذ لا يمكن لأحد غير الله أن يهب الحياة . " فرجع إلى نفسه ، وقال : كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعا ؟ ! أقوم وأذهب إلى أبى .... " ع 17 ، 18 هذا هو طريق التوبة : " رجع إلى نفسه " ، ماذا يعنى هذا ؟ ليتنا نميز بين" الذات "وحب الإنسان لنفسه بمعنى حبه لخلاصها ، هذا ما أكده السيد المسيح حين أعلن من يهلك نفسه يخلصها . فرجوع الإنسان إلى نفسه يحتاج إلى عمل إلهى ينير بصيرة الإنسان الداخلية ليكتشف فقره التام بل وموته وفى نفس الوقت يدرك عمل الله الخلاصى ومحبته له فيمتلىء رجاء . " وأقول له : ياأبى أخطأت إلى السماء وقدامك ، ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك أبنا ، إجعلنى كأحد أجراءك .. " ع 18 ، 19 ونلاحظ هنا أن الروح القدس الذى يعمل فينا للتوبة يفتح قلبنا بالرجاء فى الله واهب القيامة من الأموات ، لكن بروح الإتضاع يهبنا أن نعترف بخطايانا ، فالإبن الضال بثقة يقول " يا أبى " ، وبروح الإتضاع يعلن أنه مخطىء وغير مستحق للبنوة طالباً قبوله كأجير . " أخطأت إلى السماء وقدامك " .... هذا هو الإعتراف الأول .... قدام سيد الرحمة ، أمام ديان الخطية . عندما يلوم الإنسان نفسه يخفف ثقل ضلاله ، ويقطع عنه حدة الإتهام ... إننا لا نخسر شيئاً عندما نعترف بما معروف لديه . " فقام وجــاء إلى أبيه " ع 20 إذ رجع الإبن الشارد بذهنه إلى بيت أبيه أدرك أن المسافة مهما طالت بينه وبين أبيه لا تمثل عائقا . جذبته أبوة أبيه وسحبت ذهنه ليجد طريق العودة ليس طويلاً ولا مستحيلاً ، فقام منطلقاً أيضاً بالعمل ، سائراً نحو أبيه ، وكأنه يسمع صوت النبى زكريا هكذا قال رب الجنود : إرجعوا إلى يقول رب الجنود فأرجع إليكم يقول رب الجنود " زك 1 : 3 " وإذ كان لم يزل بعيداً رآه أبوه فتحنن ، وركض ، ووقع على عنقه وقبله ، فقال له الإبن : يا أبى أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك إبناً ، فقال أبوه : إخرجوا الحلة الأولى .... " ع 20 – 22 يكشف هذا المثل عن أبوة الله الحانية ، فإنه وإن كان لا يلزم الإنسان بالرجوع إليه ، لكنه إذ يراه من بعيد منطلقاً نحوه يركض هو مسرعاً لا ليعاتبه أو يوبخه وإنما ليقع على عنقه ويقبله .... إنه ينصت لإعتراف إبنه المخطىء لكنه لا يسمح له بالمذلة ، فلا يتركه يقول : " إجعلنى كأحد أجراءك " ، إنما يطلب له ثوب الإبن وخاتمه ، مكرماً إياه فى بيته ! " فقال الأب لعبيده : أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه ، وأجعلوا خاتماً فى يده ، وحذاء فى رجليه ، وقدموا العجل المسمن وإذبحوه فنأكل ونفرح ، لأن إبنى هذا كان ميتاً فعاش ، وكان ضالاً فوجد ، فإبتدأوا يفرحون " ع 22 – 24 أن الأب لا يوجه حديثه لإبنه الراجع بل لعبيده ، أو وكلائه ، فإن كان التائب هو الذى جاء متوسلاً لكنه ينال الإجابة لا خلال كلمات موجهة إليه ، وإنما خلال أعمال الرحمة التى تقدم له . إن هؤلاء العبيد هم الأرواح الخادمة ، والملائكة ، فالحلة الأولى هى الكرامة التى فقدها آدم ، وهى ثوب الحكمة التى بها غطى الرسل عرى جسدهم ، وبها يكتسى كل إنسان . الخاتم الذى فى اليد هو عربون الروح القدس ،وهو صك الإيمان الصادق وختم الحق . الحذاء فى القدمين هما الإستعداد للبشارة بالإنجيل كى لا تمس الأرضيات ... هذه الأمور الثلاثة ( الثوب ، الخاتم ، الحذاء ) قدمها السيد المسيح للبشرية الخاطئة ، ليقيم منها أبناء الله الحى ، الذين يرتدون ثوب العرس اللائق بالوليمة السماوية ، ويحملون خاتم البنوة ، ويسترون أرجلهم ويحفظونها من أتربة هذا العالم ودنسه أثناء عبورهم خلال كلمة الكرازة . ما هو العجل المثمن الذى قدم فى الوليمة ليأكل الكل ويشبعوا ويفرحوا سوى الرب يسوع ، الذى دعى هكذا مقدماً جسده الذى بلا عيب ذبيحة ، وسمى " المسمن " بسبب غناه وتكلفته إذ قادر على خلاص العالم كله ... إن كان الإبن قد أسلم جسده ذبيحة من أجل خلاص البشرية ، والآب قد فرح وتهلل من أجل هذا العمل المفرح وطالب السمائيين أن يتقدموا لينظروا ويفرحوا بالإنسان القائم إلى الحياة السماوية بعد موته إلا أن الإبن الأكبر الذى يشير إلى المتكبرين من اليهود قد وقف خارجاً لا يريد أن يدخل ويفرح مع الكل ، إذ يقول السيد المسيح . " وكان إبنه الأكبر فى الحقل ، فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت الآت طرب ورقصا ، فدعا واحدا من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا فقال له : أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن لأنه قبله سالما . فغضب ولم يرد أن يدخل ، فخرج أبوه يطلب إليه . فأجاب وقال لأبيه : ها أنا أخدمك سنين هذا عددها ، وقط لم أتجاوز وصيتك ، وجديا لم تعطنى قط لأفرح مع أصدقائى ، ولكن لما جاء إبنك هذا الذى أكل معيشتك مع الزوانى ذبحت له العجل المسمن . فقال له : يا بنى أنت معى فى كل حين ، وكل ما لى فهو لك ، ولكن كان ينبغى أن نفرح ونسر لأن أخاك هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد " ع 25 – 32 يُعلِّق القدِّيس أمبروسيوس على تصرف هذا الابن الأكبر، قائلاً: [دين الإبن الأكبر، لأنه جاء من الحقل. هنا الحقل يشير إلى الإهتمام بأعمال الأرض والجهل بأعمال روح الله (1 كو 2: 11). إشتكى لأنه لم يُعط جديًا ليذبحه، مع أن حمل الله قد ذُبح لغفران الخطايا، لا لذة الجسد. يطلب الحاسد جديًا ليذبحه، بينما يشتهي البار أن يُذبح من أجل حمل الله! بسبب الحسد أصيب الأكبر بشيخوخة (روحيَّة) مبكرة، وقد ظل خارجًا بسبب عدم محبَّته. الغيرة (الشرِّيرة) التي فاض بها قلبه طردته خارجًا! إنه أحد الذين لا يبصرون الخشبة التي في أعينهم، بينما ينتقدون القذى التي في الآخرين. إنه يغضب، لأن الغير ينال غفرانًا ونعمة! يا لعدم إحتمال جنود الشر الروحيَّة، إذ لا تطيق أن تسمع ترانيم الفرح وتلاوة المزامير!... وهنا يشير الإبنان إلى شعبين، الأصغر يمثل الأمم، والأكبر إسرائيل الذي يحسد الآخر من أجل تمتعه بالبركات الأبديَّة. إحتج اليهود عندما دخل المسيح ليأكل عند الأمم، لذا طلبوا جديًا كتقدَّمة أثيمة مكروهة. يطلب اليهودي الجدي (باراباس)، والمسيحي يطلب حملاً (المسيح)، لذلك أطلق لليهود بارباس وقدَّم لنا المسيح ذبيحة. حل بهم منذ ذلك الحين فساد الإثم بينما نلنا نحن غفران الخطايا... يشير الإبن الأكبر للفرِّيسي الذي برر ذاته في صلاته المملوءة غرورًا، هذا الذي حسب نفسه أنه لم يكسر وصيَّة الله مطلقًا، بممارسته لحرف الناموس (18: 11). بقسوة إتهم أخاه أنه بدد ميراث أبيه مع الزواني، مع أنه كان يجب أن يحترس في كلماته لأن الرب يسوع جاء لأجل العشارين والزواني. لم يُطرد الإبن الأكبر، إنما وقف على الباب ولم يرد أن يدخل، إذ لم يقبل إرادة الله التي دعت الأمم للإيمان، بهذا صار الإبن عبدًا، "لأن العبد لا يعرف إرادة سيِّده" (يو 10: 14)، وعندما عرفها غار وصار معذبًا من أجل سعادة الكنيسة، وبقي هو خارجًا. مع هذا أراد الأب المحب أن يخلصه، إذ قال له: "أنت معي في كل حين"... يا حبذا لو أبطلت حسدك، "كل ما هو لي فهو لك"، فإذ لك أسرار العهد القديم كيهودي، وتنال أسرار العهد الجديد إن إعتمدت أيضًا.] + الآن إذ كان أخوه الأكبر في الحقل وقد جاء إلى البيت سمع صوت موسيقى ورقصًا، فدعى أحد العبيد وسأله ما عسى أن يكون هذا. الإبن الأكبر يُفهم بكونه الشعب اليهودي الذي كان في الحقل يخدم الله لأجل التمتع بممتلكات أرضية. ففي العهد القديم على وجه الخصوص كانت السعادة الأرضية وعدًا لمن يعبد الله. جاء إلى البيت وسمع موسيقى. الصوت المتناغم معًا يُسمى موسيقى، لأنه حينما يتفق كل الذين يخدمون الله في محبَّة يتممون قول الرسول: "أطلب إليكم أن تقولوا جميعكم قولاً واحدًا" (1 كو 1: 10) حينما يصير المسيحيون هكذا يبعثون موسيقى، أي صوتًا متناغمًا يسرّ الله، ويتحقَّق فيهم المكتوب: "كان لهم قلب واحد ونفس واحدة" (راجع أع 4: 32). لقد سأل أحد العبيد، أي قرأ أحد الأنبياء... إشعياء أو إرميا أو دانيال، إذ كرز الكل بمجيء المسيح وبالفرح من أجل مصالحة الأمم. قال له العبد: "أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن" [27]، فغضب ولم يرد أن يدخل [28]. غضبه هذا يعني مقاومة الشعب اليهودي لخلاص الأمم. حقًا فإنهم إلى هذا اليوم في غيرة من الكنيسة يقاومونها. أما الحقيقة التاليَّة هي أن الأب "خرج يطلب إليه" [28] ربَّما تعني أنه في نهاية العالم سيقبل كل اليهود الإيمان خلال رحمة الله، كقول الرسول بولس: "إلى أن يخلص ملئ الأمم وهكذا سيخلص جميع إسرائيل" (رو 11: 25-26)... بقوله: "قط لم أتجاوز وصيتك" [29] عني أن اليهود بدوا كمن عبدوا الله الواحد، وعندما إشتكى: "وجديًا لم تعطني قط" تُفهم عن المسيح. فإن المسيح وهو حمل الله دين كجدي بواسطة اليهود، أي دين كخاطئ. لهذا فالمسيح بالنسبة لنا هو حمل، وبالنسبة لهم هو جدي. الذين إعتقدوا أنه خاطئ وليس بارًا لم يستحقوا التمتع بوليمة جدي مذبوح أو حمل كذبيحة. عندما قال الأب: "أنت معي في كل حين وكل ما لي فهو لك" [31] يعني بذلك عبادة الله الواحد وكتابات العهد القديم والأنبياء الأمور التي بالتأكيد تخص الله وقد بقيت مع اليهود على الدوام. فليعطنا الله أن نحيا حياة التوبه لنرجع إلي حضن أبونا السماوي قائلين له "أخطأت في السماء وقدامك ولست مستحقاً أن أدعي لك إبناً بل إجعلني كأحد أجرائك أمين . عمق قراءات أحاد الصوم الكبير(3) إعداد الراهب القس بطرس البراموسي الأحد الثالث من الصوم الكبير - أحد (الإبن الشاطر) إرتباط قراءات الفصول قبول التوبة تدور فصول هذا اليوم جميعها حول موضوع واحد هو " قبول التوبة " ، ففى إنجيل العشية يحذر المخلص المؤمنين مما يخرج من الفم فينجس الإنسان ، وفى إنجيل باكر يبين لهم أن الذين يختارون منهم قليلون ، ويصرح فى إنجيل القداس أنه يقبل توبة التائبين ، ويقرر فى إنجيل المساء أنه يصعد أنفسهم من الجحيم . ويوصيهم الرسول فى البولس أن يكونوا متسعين لقبول التائبين والصفح عنهم ، وينبههم يعقوب فى الكاثوليكون إلى ضرورة ضبط لسانهم حين يرشدون هؤلاء التائبين ، ويحضهم الأبركسيس على ألا يثيروا بتعليمهم الشغب كما دافع بولس بذلك عن نفسه أمام الوالى . البولس من 2 كو 6 : 2 – 13 2 لأنه يقول في وقت مقبول سمعتك و في يوم خلاص أعنتك هوذا الآن وقت مقبول هوذا الآن يوم خلاص 3 و لسنا نجعل عثرة في شيء لئلا تلام الخدمة 4 بل في كل شيء نظهر انفسنا كخدام الله في صبر كثير في شدائد في ضرورات في ضيقات 5 في ضربات في سجون في اضطرابات في اتعاب في اسهار في اصوام 6 في طهارة في علم في اناة في لطف في الروح القدس في محبة بلا رياء 7 في كلام الحق في قوة الله بسلاح البر لليمين و لليسار 8 بمجد و هوان بصيت رديء و صيت حسن كمضلين و نحن صادقون 9 كمجهولين و نحن معروفون كمائتين و ها نحن نحيا كمؤدبين و نحن غير مقتولين 10 كحزانى و نحن دائماً فرحون كفقراء و نحن نغني كثيرين كان لا شيء لنا و نحن نملك كل شيء 11 فمنا مفتوح اليكم أيها الكورنثيون قلبنا متسع 12 لستم متضيقين فينا بل متضيقين في أحشائكم 13 فجزاء لذلك اقول كما لاولادي كونوا انتم أيضا متسعين "لأنه يقول في وقت مقبول سمعتك، وفي يوم خلاص أعنتك. هوذا الآن وقت مقبول.هوذا الآن يوم خلاص"[ 2 ] يقول اللَّه في إشعياء النبي: "في وقت القبول استحيتك، وفي يوم الخلاص أعدتك، فأحفظك، وأجعلك عهدًا للشعب لإقامة الأرض، لتمليك أملاك البراري" (إش ٨:٤٩). وقد إقتبسها الرسول عن الترجمة السبعينية. ما هو الوقت المقبول؟ مجىء المسيا هو وقت مسرة اللَّه ومراحمه الذي يتوقعه كل المؤمنين. ويوم الخلاص هو اليوم الذي فيه يقبل الإنسان خلاص اللَّه بالصليب ويتجاوب معه. كأن الرسول يقول ما قد تنبأ عنه إشعياء النبي وإشتهاه مؤمنو العهد القديم قد تحقق الآن. لقد صالحنا مع الآب، وسلم التلاميذ والرسل كلمة المصالحة خلال ذبيحة المسيح، إذ به تمت المغفرة عن الخطايا ونلنا فيضًا من النعمة الإلهية. بهذا صار الرسل يعملون معًا مع اللَّه، ويقبلون نعمة اللَّه ليس باطلاً. "الآن" هو ملكنا، هو وقت مقبول ويوم خلاص، أما "غدًا" فليس في أيدينا ولسنا ندرك ما سنكون عليه إن أجّلنا قبول عمل اللَّه الخلاصي. اليوم وقت لقبول الروح القدس الذي يكشف جراحاتنا الخفية، وينير أعيننا لإدراك خطورة مرضنا الروحي، لكي يحملنا إلى الطبيب السماوي، فيهبنا غنى نعمته المجّانية الواهبة برّه الإلهي العجيب عِوض ضعفنا. ويقدم لنا خبرة عربون عدم الفساد، ونتمتع بقيامة النفس لكي يشاركها الجسد فيما بعد قيامتها ومجدها الأبدي. هذا هو يوم الخلاص، الوقت المقبول قبل أن تعبر من هذه الحياة فنجد الباب مغلقًا. + يقول الرسول: "الآن وقت مقبول، الآن يوم الخلاص". عن ذلك اليوم يقول القديس باسيليوس الكبير [هذا هو وقت التوبة، أما الحياة المقبلة فهي للمكافأة. الآن هو وقت للإحتمال، وعندئذ سيكون يوم التعزية. الآن اللَّه هو المعين للرجوع عن الطريق الشرير، عندئذ سيسأل بمهابة دون أن يخطئ عن الأفكار والكلمات والأعمال التي للبشرية. الآن نتمتع بطول أناة، عندئذ سنعرف قضاءه العادل عندما نقوم، البعض في عقوبة لا تنتهي، والآخرون إلى حياة أبدية، فيتقبل كل واحدٍ جزاءً حسب أعماله. إذ يلتقي الإنسان باللَّه مخلصه يتأسف على الزمن الذي ضاع منه.] بلا عثرة "ولسنا نجعل عثرة في شيء لئلا تُلام الخدمة" [ 3 ] فإيمان الرسول بولس وغيرته المتقدة وعمله الدائم من أجل خلاص نفسه والآخرين لم تدع مجالاً قط للعثرة. فقد كان الرسول بولس حريصًا كل الحرص ألا يعثر اليهود أو الأمم، فقد مات المسيح من أجل الكل. حينما يتحدث عن الناموس يحرص على تأكيد إنه صالح، وأنه لا يأخذ موقف المقاومة للناموس وإنما للحرف القاتل. وفي نفس الوقت لكي يربح الأمم يؤكد إنه لا حاجة للفرائض والتطهيرات الحرفية والرمزية. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم + لقد تركنا (الرب) هنا لنكون أنوارًا، لنعلم الآخرين، لنكون خميرة، نسلك كملائكة بين البشر، كرجالٍ مع أولادهم، كروحيين مع أناس طبيعيين فينتفعون منا، ونكون بذار تخرج ثمارًا. لا حاجة للكلمات مادامت حياتنا تضئ! لا حاجة للمعلمين ما دمنا نظهر أعمالاً! ما كان يوجد وثني لو كنا مسيحيين بحق! لو أننا نحفظ وصايا المسيح، ونحتمل الألم، ونسمح للغير أن يستفيدوا منا، إذ نُشتم فنُبَارك، نعامل معاملة سيئة فنصنع خيرًا، لما بقي أحد بعد متوحشًا ولا يرجع إلى الصلاح. + ما أسوأ أن نكون فلاسفة في الكلمات لا في الأعمال! + لماذا هذا الكبرياء؟ لأنك تعلم بالكلام! ما أسهل ترديد الكلمات! علمني بحياتك هذا أفضل. + نحن محتاجون الي سلوك حسن لا إلي لغة منمقة الي الفضيلة لا الي الخطابة الفذة، الي الأعمال لا إلي الكلام! جهاده "بل في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام اللَّه، في صبر كثير، في شدائد، في ضرورات، في ضيقات" [ 4 ] يكمل الرسول حديثه مظهرًا أنه هو وشركاءه في الخدمة يبذلون كل الجهد من أجل تحقيق خدمة المصالحة، مهما كلفتهم من ثمنٍ أو جهدٍ. ليس فقط يتحاشون أية عثرة، وإنما يعملون كي يظهروا خدامًا حقيقيين للَّه. يمدح القديس يوحنا الذهبي الفم الرسول بولس فيقول: [آه لو أعطيت أن ألقى بنفسي على جسد بولس، والتصق بقبره وأتطلع إلى تراب ذلك الجسد الذي أكمل نقائص (شدائد) المسيح، وحمل السمات وبذر الانجيل في كل موضع؟! نعم! تراب ذلك الجسد الذي تكلم المسيح خلاله! يا لسرورى أن أنظر تراب العينين اللتين عميتا بالمجد ثم استردتا بصيرتهما مرة أخري من أجل خلاص العالم ! هاتان العينان اللتان وهما بعد في الجسد استحقتا معاينة المسيح! رأتا الأمور الأرضية وفي نفسي لم تنظراها رأتا الأمور التي لا ترى... أود لو أتطلع إلى تراب قدميه اللتين جابتا المسكونة بلا كلل.] ويقول مار اسحق السرياني: + دعى الرسول الطوباوي ذلك عطية علانية متى كان الإنسان مستعدًا في الإيمان أن يتألم من أجل رجائه في اللَّه. إنه يقول: "لقد وُهب لكم من اللَّه لا أن تؤمنوا بالمسيح فحسب، وإنما أن تتألموا أيضًا من أجله" (في 29:1).كما كتب القديس بطرس في رسالته: "إن كنتم تتألمون من أجل البر فطوباكم فإنكم تصيرون شركاء في آلام المسيح" (1 بط 14:3؛ 13:4). لذلك عندما تكون في طريق سهل ومتعة لا تفرح، وعندما تحل ضيقة عليك لا تكن متجهّم الوجه، ولا تحسب هذا كأمرٍ غريب عن طريق اللَّه. لأن طريق اللَّه قد طُرق بواسطة كل الأعمار وخلال كل الأجيال، خلال الصليب والموت. من أين أتيت بفكرة أن الأحزان التي بالطريق لا تخص الطريق؟ ألا ترغب في أن تتبع خطوات القديسين؟ أتودّ أن تسافر بطريق خاص من عندك ليس فيه ألم؟ الطريق إلى اللَّه هو صليب يومي. لا يصعد أحد إلى السماء بالطريق السهل. نحن نعلم إلى أين يقود الطريق السهل. ويستكمل القديس بولس الرسول كلامة فيقول : "كمجهولين ونحن معروفون، كمائتين وها نحن نحيا، كمؤدَّبين ونحن غير مقتولين" [ 9 ] كان الذين يَبغضون الرسول بولس ومن معه يحسبون أن ما يحل بهم من ضيقات يومية هو ثمرة شرورهم، لكن هؤلاء الخدام إذ يكرزون بالكلمة يختبرون كل يوم قوة قيامة المسيح المبهجة في الضيقات. "كمجهولين ونحن معروفون": وهنا كأن بولس الرسول يريد أن يقول لنا : قد يستخف الناس بالكارز ويحسبونه مجهولاً لا كيان له. بلا مركز مرموق في المجتمع، بينما السماء عينها تمجده. كان الرسول بولس ورفقاؤه غير معروفين للأشرار بينما كانوا معروفين تمامًا للمؤمنين المقدسين في الرب. كأننا نكرز خفية في خوف وخجل بينما نحن نشهد لخلاصنا علانية أينما وُجدنا، لا نفعل شيئًا في الخفاء. "كمائتين وها نحن نحيا" وذلك خلال المخاطر المستمرة والإضطهادات والأتعاب حيث نعاني من ميتات كثيرة، لكننا في هذا كله نختبر الحياة الجديدة المقامة كعطية توهب لنا خلال الشركة مع المسيح غالب الموت. ويستكمل الرسول بولس حديثه فيقول: "كحزانى، ونحن دائمًا فرحون، كفقراء، ونحن نُغني كثيرين، كأن لا شيء لنا، ونحن نملك كل شيء" [ 10 ] + "كحزانى ونحن دائما فرحون": في كل الظروف وبالرغم من كل الإضطهادات والشدائد نبدو كحزانى لكن الفرح لا يفارقنا، لأننا نتمتع بتهليل الغلبة والنصرة: فقد غلبنا ونغلب ونبقى بالنعمة الإلهية غالبون. تعزيات الروح القدس وسط الضيق لا تفارقنا. + "كفقراء ونحن نغني كثيرين": يُحتقر الكارز كفقيرٍ لا يقتني شيئًا من هذا العالم بينما يقدم للقلوب الفارغة من فيض غنى مخازن المسيح. ليس له فضة ولا ذهب، ولا بيوت وأراضٍ لكنه يقدم ملك السماء والأرض الذي في أعماقه ليتمتع الكثيرون به ويشبعون. + "كأن لا شئ لنا، ونحن نملك كل شئ": في المظهر لا نملك شيئًا، في الأعماق نتمتع بكنوز النعمة الفائقة، وشركة المجد الداخلي، وعربون ميراث الملكوت الأبدي! الإنجيل من لو 15 : 11 – 32 11 و قال انسان كان له ابنان 12 فقال اصغرهما لابيه يا ابي اعطني القسم الذي يصيبني من المال فقسم لهما معيشته 13 و بعد ايام ليست بكثيرة جمع الابن الاصغر كل شيء و سافر الى كورة بعيدة و هناك بذر ماله بعيش مسرف 14 فلما انفق كل شيء حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدا يحتاج 15 فمضى و التصق بواحد من اهل تلك الكورة فارسله الى حقوله ليرعى خنازير 16 و كان يشتهي ان يملا بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تاكله فلم يعطه احد 17 فرجع الى نفسه و قال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز و انا اهلك جوعا 18 اقوم و اذهب الى ابي و اقول له يا ابي اخطات الى السماء و قدامك 19 و لست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا اجعلني كاحد اجراك 20 فقام و جاء الى ابيه و اذ كان لم يزل بعيدا راه ابوه فتحنن و ركض و وقع على عنقه و قبله 21 فقال له الابن يا ابي اخطات الى السماء و قدامك و لست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا 22 فقال الاب لعبيده اخرجوا الحلة الاولى و البسوه و اجعلوا خاتما في يده و حذاء في رجليه 23 و قدموا العجل المسمن و اذبحوه فناكل و نفرح 24 لان ابني هذا كان ميتا فعاش و كان ضالا فوجد فابتداوا يفرحون 25 و كان ابنه الاكبر في الحقل فلما جاء و قرب من البيت سمع صوت الات طرب و رقصا 26 فدعا واحدا من الغلمان و ساله ما عسى ان يكون هذا 27 فقال له اخوك جاء فذبح ابوك العجل المسمن لانه قبله سالما 28 فغضب و لم يرد ان يدخل فخرج ابوه يطلب اليه 29 فاجاب و قال لابيه ها انا اخدمك سنين هذا عددها و قط لم اتجاوز وصيتك و جديا لم تعطني قط لافرح مع اصدقائي 30 و لكن لما جاء ابنك هذا الذي اكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمن 31 فقال له يا بني انت معي في كل حين و كل ما لي فهو لك 32 و لكن كان ينبغي ان نفرح و نسر لان اخاك هذا كان ميتا فعاش و كان ضالا فوجد مثل الأبن الضال (الشاطر) ( لو 15 : 11 – 32 ) . يدعى " مثل الإبن الضال " أو " مثل الإبن الشاطر " أو " مثل الأب المحب " لأنه بقدر ما يكشف عن جفاف قلب الإبن الهارب من وجه أبيه المحب يشتاق الأب إلى عودته ليستقبله بالقبلات دون عتاب أو جرح لمشاعره ، بينما وقف أخوه خارجاً فى تذمر من أجل محبة الأب له . " إنسان كان له إبنان ، فقال أصغرهما لأبيه ياأبى أعطنى القسم الذى يصيبنى من المال ، فقسم لهما معيشته ، وبعد أيام ليست بكثيرة جمع الإبن الأصغر كل شىء وسافر إلى كورة بعيدة ، وهناك بذر ماله بعيش مسرف " ( لو 15 : 11 – 13 ) . المثل الذى بين أيدينا يقدم صورة مرة لعلاقة الإنسان بأخيه فيظهر الأخ الأكبر رغم ما يبدو عليه من تعقل وأمانة فى العمل لكنه لا يستطيع بسهولة أن يتقبل أخاه الراجع إلى بيت الآب ، بل يقف موقف الناقد لأبيه على إتساع قلبه للإبن الراجع إليه . إن ظهور إبنين فى المثل يكشف عن أمور كثيرة منها : لا يمكن الحكم على أحد ما دام لا يزال فى طريق الجهاد ، فقد ظهر الأصغر فى بدء حياته إنساناً محبا للملذات ، .... لكنه يرجع بالتوبة إلى الأحضان الأبوية ليظهر لابساً الثوب الجديد وخاتم البنوة وحذاء فى قدميه ومتمتعاً بالوليمة فى بيت أبيه ، أما الآخر فقد بدأ حياته إنساناً لطيفاً فى معاملاته ، ...... لكنه يختم حياته بالوقوف خارجاً ينتقد أباه على حبه ويغلق قلبه نحو أخيه فيفقد سلامه الداخلى وفرحه ليعيش بقلب مناقض لقلب أبيه . كان الإبن الأصغر متجاسراً إذ طلب نصيبه من الميراث ووالده لا يزال حيا ، أراد أن يتمتع بنصيبه بخروجه خارج بيت أبيه ، حاسباً الإرتباط ببيت أبيه هو مذلة وعبودية وقيد يجب التحرر منه ليعيش حسب إرادته الذاتية وهواه ، فإذا به ينفق ماله فى عيش مسرف . إن الشخص المسيحى الساقط فى البر الذاتى هو أبشع من الأممى ( غير المؤمنين ) ومن اليهودى الذى بسبب كبرياءه لم يتمتع بالخلاص الأبدى ، لأن المسيحى يتمتع ببركات جديدة وعطايا إلهية فائقة يستغلها للشر ، على أى الأحوال يفتح ربنا يسوع خلال هذا المثل أبواب الرجاء للجميع ، لا يزال الله ينتظرنا فاتحاً ذراعيه ليتقبلنا كأولاد له نعود إلى بيت أبينا . نعود إلى الإبن الضال لنراه هارباً من بيت أبيه ، حاسباً فى هذا تمتعاً بالحرية ، إن من يبتعد عن الكنيسة يبدد ميراثه ، وما هذه الكورة البعيدة التى سافر إليها سوى " الأنا " ، فينطلق الإنسان فى كمال حريته بغباوة من الحياة السماوية ، التى هى " الحب " إلى الأنانية حيث يتقوقع الإنسان حول ذاته ، فيصير كمن هو فى كورة بعيدة . " فلما أنفق كل شىء حدث جوع شديد فى تلك الكورة فإبتدأ يحتاج " ع 14 إذ تهرب النفس من الله مصدر الشبع وكنز الحكمة تجد نفسها قد دخلت إلى حالة فراغ داخلى فتكون كمن فى " مجاعة " . خلقت النفس البشرية على صورة الله ومثاله ، لن تشبع إلا به بكونه الأصل ، العالم كله بإغراءاته والجسد بشهواته والحياة الزمنية بكل أحداثها لن تملأ فراغ النفس التى تتطلب ذاك اللانهائى يملأها . " فمضى وألتصق بواحد من أهل تلك الكورة فأرسله إلى حقوله ، ليرعى خنازير ، وكان يشتهى أن يملأ بطنه من الرنوب الذى كانت الخنازير تأكله ، فلم يعطه أحد " ع 15 ، 16 يبدو أن هذا الرجل يشير إلى رئيس هذا العالم ، وقد ذهب هذا الإبن إلى حقوله ( حقول الخنازير ) ، وفيها يرعى الخنازير التى طلبت الشياطين أن تدخل فيها فإندفعت إلى جرف هذا العالم ( مت 8 : 32 ) هذه الخنازير تعيش على النفايات والنتانة . الخاطىء لا هم له سوى أن يملأ بطنه ، الطعام المناسب لهم هو الخرنوب الفارغ فى الداخل ولين فى الخارج ، " فلم يعطه أحد " إذ لا يمكن لأحد غير الله أن يهب الحياة . " فرجع إلى نفسه ، وقال : كم من أجير لأبى يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعا ؟ ! أقوم وأذهب إلى أبى .... " ع 17 ، 18 هذا هو طريق التوبة : " رجع إلى نفسه " ، ماذا يعنى هذا ؟ ليتنا نميز بين" الذات "وحب الإنسان لنفسه بمعنى حبه لخلاصها ، هذا ما أكده السيد المسيح حين أعلن من يهلك نفسه يخلصها . فرجوع الإنسان إلى نفسه يحتاج إلى عمل إلهى ينير بصيرة الإنسان الداخلية ليكتشف فقره التام بل وموته وفى نفس الوقت يدرك عمل الله الخلاصى ومحبته له فيمتلىء رجاء . " وأقول له : ياأبى أخطأت إلى السماء وقدامك ، ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك أبنا ، إجعلنى كأحد أجراءك .. " ع 18 ، 19 ونلاحظ هنا أن الروح القدس الذى يعمل فينا للتوبة يفتح قلبنا بالرجاء فى الله واهب القيامة من الأموات ، لكن بروح الإتضاع يهبنا أن نعترف بخطايانا ، فالإبن الضال بثقة يقول " يا أبى " ، وبروح الإتضاع يعلن أنه مخطىء وغير مستحق للبنوة طالباً قبوله كأجير . " أخطأت إلى السماء وقدامك " .... هذا هو الإعتراف الأول .... قدام سيد الرحمة ، أمام ديان الخطية . عندما يلوم الإنسان نفسه يخفف ثقل ضلاله ، ويقطع عنه حدة الإتهام ... إننا لا نخسر شيئاً عندما نعترف بما معروف لديه . " فقام وجــاء إلى أبيه " ع 20 إذ رجع الإبن الشارد بذهنه إلى بيت أبيه أدرك أن المسافة مهما طالت بينه وبين أبيه لا تمثل عائقا . جذبته أبوة أبيه وسحبت ذهنه ليجد طريق العودة ليس طويلاً ولا مستحيلاً ، فقام منطلقاً أيضاً بالعمل ، سائراً نحو أبيه ، وكأنه يسمع صوت النبى زكريا هكذا قال رب الجنود : إرجعوا إلى يقول رب الجنود فأرجع إليكم يقول رب الجنود " زك 1 : 3 " وإذ كان لم يزل بعيداً رآه أبوه فتحنن ، وركض ، ووقع على عنقه وقبله ، فقال له الإبن : يا أبى أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك إبناً ، فقال أبوه : إخرجوا الحلة الأولى .... " ع 20 – 22 يكشف هذا المثل عن أبوة الله الحانية ، فإنه وإن كان لا يلزم الإنسان بالرجوع إليه ، لكنه إذ يراه من بعيد منطلقاً نحوه يركض هو مسرعاً لا ليعاتبه أو يوبخه وإنما ليقع على عنقه ويقبله .... إنه ينصت لإعتراف إبنه المخطىء لكنه لا يسمح له بالمذلة ، فلا يتركه يقول : " إجعلنى كأحد أجراءك " ، إنما يطلب له ثوب الإبن وخاتمه ، مكرماً إياه فى بيته ! " فقال الأب لعبيده : أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه ، وأجعلوا خاتماً فى يده ، وحذاء فى رجليه ، وقدموا العجل المسمن وإذبحوه فنأكل ونفرح ، لأن إبنى هذا كان ميتاً فعاش ، وكان ضالاً فوجد ، فإبتدأوا يفرحون " ع 22 – 24 أن الأب لا يوجه حديثه لإبنه الراجع بل لعبيده ، أو وكلائه ، فإن كان التائب هو الذى جاء متوسلاً لكنه ينال الإجابة لا خلال كلمات موجهة إليه ، وإنما خلال أعمال الرحمة التى تقدم له . إن هؤلاء العبيد هم الأرواح الخادمة ، والملائكة ، فالحلة الأولى هى الكرامة التى فقدها آدم ، وهى ثوب الحكمة التى بها غطى الرسل عرى جسدهم ، وبها يكتسى كل إنسان . الخاتم الذى فى اليد هو عربون الروح القدس ،وهو صك الإيمان الصادق وختم الحق . الحذاء فى القدمين هما الإستعداد للبشارة بالإنجيل كى لا تمس الأرضيات ... هذه الأمور الثلاثة ( الثوب ، الخاتم ، الحذاء ) قدمها السيد المسيح للبشرية الخاطئة ، ليقيم منها أبناء الله الحى ، الذين يرتدون ثوب العرس اللائق بالوليمة السماوية ، ويحملون خاتم البنوة ، ويسترون أرجلهم ويحفظونها من أتربة هذا العالم ودنسه أثناء عبورهم خلال كلمة الكرازة . ما هو العجل المثمن الذى قدم فى الوليمة ليأكل الكل ويشبعوا ويفرحوا سوى الرب يسوع ، الذى دعى هكذا مقدماً جسده الذى بلا عيب ذبيحة ، وسمى " المسمن " بسبب غناه وتكلفته إذ قادر على خلاص العالم كله ... إن كان الإبن قد أسلم جسده ذبيحة من أجل خلاص البشرية ، والآب قد فرح وتهلل من أجل هذا العمل المفرح وطالب السمائيين أن يتقدموا لينظروا ويفرحوا بالإنسان القائم إلى الحياة السماوية بعد موته إلا أن الإبن الأكبر الذى يشير إلى المتكبرين من اليهود قد وقف خارجاً لا يريد أن يدخل ويفرح مع الكل ، إذ يقول السيد المسيح . " وكان إبنه الأكبر فى الحقل ، فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت الآت طرب ورقصا ، فدعا واحدا من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا فقال له : أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن لأنه قبله سالما . فغضب ولم يرد أن يدخل ، فخرج أبوه يطلب إليه . فأجاب وقال لأبيه : ها أنا أخدمك سنين هذا عددها ، وقط لم أتجاوز وصيتك ، وجديا لم تعطنى قط لأفرح مع أصدقائى ، ولكن لما جاء إبنك هذا الذى أكل معيشتك مع الزوانى ذبحت له العجل المسمن . فقال له : يا بنى أنت معى فى كل حين ، وكل ما لى فهو لك ، ولكن كان ينبغى أن نفرح ونسر لأن أخاك هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد " ع 25 – 32 يُعلِّق القدِّيس أمبروسيوس على تصرف هذا الابن الأكبر، قائلاً: [دين الإبن الأكبر، لأنه جاء من الحقل. هنا الحقل يشير إلى الإهتمام بأعمال الأرض والجهل بأعمال روح الله (1 كو 2: 11). إشتكى لأنه لم يُعط جديًا ليذبحه، مع أن حمل الله قد ذُبح لغفران الخطايا، لا لذة الجسد. يطلب الحاسد جديًا ليذبحه، بينما يشتهي البار أن يُذبح من أجل حمل الله! بسبب الحسد أصيب الأكبر بشيخوخة (روحيَّة) مبكرة، وقد ظل خارجًا بسبب عدم محبَّته. الغيرة (الشرِّيرة) التي فاض بها قلبه طردته خارجًا! إنه أحد الذين لا يبصرون الخشبة التي في أعينهم، بينما ينتقدون القذى التي في الآخرين. إنه يغضب، لأن الغير ينال غفرانًا ونعمة! يا لعدم إحتمال جنود الشر الروحيَّة، إذ لا تطيق أن تسمع ترانيم الفرح وتلاوة المزامير!... وهنا يشير الإبنان إلى شعبين، الأصغر يمثل الأمم، والأكبر إسرائيل الذي يحسد الآخر من أجل تمتعه بالبركات الأبديَّة. إحتج اليهود عندما دخل المسيح ليأكل عند الأمم، لذا طلبوا جديًا كتقدَّمة أثيمة مكروهة. يطلب اليهودي الجدي (باراباس)، والمسيحي يطلب حملاً (المسيح)، لذلك أطلق لليهود بارباس وقدَّم لنا المسيح ذبيحة. حل بهم منذ ذلك الحين فساد الإثم بينما نلنا نحن غفران الخطايا... يشير الإبن الأكبر للفرِّيسي الذي برر ذاته في صلاته المملوءة غرورًا، هذا الذي حسب نفسه أنه لم يكسر وصيَّة الله مطلقًا، بممارسته لحرف الناموس (18: 11). بقسوة إتهم أخاه أنه بدد ميراث أبيه مع الزواني، مع أنه كان يجب أن يحترس في كلماته لأن الرب يسوع جاء لأجل العشارين والزواني. لم يُطرد الإبن الأكبر، إنما وقف على الباب ولم يرد أن يدخل، إذ لم يقبل إرادة الله التي دعت الأمم للإيمان، بهذا صار الإبن عبدًا، "لأن العبد لا يعرف إرادة سيِّده" (يو 10: 14)، وعندما عرفها غار وصار معذبًا من أجل سعادة الكنيسة، وبقي هو خارجًا. مع هذا أراد الأب المحب أن يخلصه، إذ قال له: "أنت معي في كل حين"... يا حبذا لو أبطلت حسدك، "كل ما هو لي فهو لك"، فإذ لك أسرار العهد القديم كيهودي، وتنال أسرار العهد الجديد إن إعتمدت أيضًا.] + الآن إذ كان أخوه الأكبر في الحقل وقد جاء إلى البيت سمع صوت موسيقى ورقصًا، فدعى أحد العبيد وسأله ما عسى أن يكون هذا. الإبن الأكبر يُفهم بكونه الشعب اليهودي الذي كان في الحقل يخدم الله لأجل التمتع بممتلكات أرضية. ففي العهد القديم على وجه الخصوص كانت السعادة الأرضية وعدًا لمن يعبد الله. جاء إلى البيت وسمع موسيقى. الصوت المتناغم معًا يُسمى موسيقى، لأنه حينما يتفق كل الذين يخدمون الله في محبَّة يتممون قول الرسول: "أطلب إليكم أن تقولوا جميعكم قولاً واحدًا" (1 كو 1: 10) حينما يصير المسيحيون هكذا يبعثون موسيقى، أي صوتًا متناغمًا يسرّ الله، ويتحقَّق فيهم المكتوب: "كان لهم قلب واحد ونفس واحدة" (راجع أع 4: 32). لقد سأل أحد العبيد، أي قرأ أحد الأنبياء... إشعياء أو إرميا أو دانيال، إذ كرز الكل بمجيء المسيح وبالفرح من أجل مصالحة الأمم. قال له العبد: "أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن" [27]، فغضب ولم يرد أن يدخل [28]. غضبه هذا يعني مقاومة الشعب اليهودي لخلاص الأمم. حقًا فإنهم إلى هذا اليوم في غيرة من الكنيسة يقاومونها. أما الحقيقة التاليَّة هي أن الأب "خرج يطلب إليه" [28] ربَّما تعني أنه في نهاية العالم سيقبل كل اليهود الإيمان خلال رحمة الله، كقول الرسول بولس: "إلى أن يخلص ملئ الأمم وهكذا سيخلص جميع إسرائيل" (رو 11: 25-26)... بقوله: "قط لم أتجاوز وصيتك" [29] عني أن اليهود بدوا كمن عبدوا الله الواحد، وعندما إشتكى: "وجديًا لم تعطني قط" تُفهم عن المسيح. فإن المسيح وهو حمل الله دين كجدي بواسطة اليهود، أي دين كخاطئ. لهذا فالمسيح بالنسبة لنا هو حمل، وبالنسبة لهم هو جدي. الذين إعتقدوا أنه خاطئ وليس بارًا لم يستحقوا التمتع بوليمة جدي مذبوح أو حمل كذبيحة. عندما قال الأب: "أنت معي في كل حين وكل ما لي فهو لك" [31] يعني بذلك عبادة الله الواحد وكتابات العهد القديم والأنبياء الأمور التي بالتأكيد تخص الله وقد بقيت مع اليهود على الدوام. فليعطنا الله أن نحيا حياة التوبه لنرجع إلي حضن أبونا السماوي قائلين له "أخطأت في السماء وقدامك ولست مستحقاً أن أدعي لك إبناً بل إجعلني كأحد أجرائك أمين . |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
قراءات آحاد برمهات وبرمودة ونصف بشنس في الصوم الكبير |
قراءات آحاد الصوم الكبير |
عمق قراءات أحاد الصوم الكبير [4] |
عمق قراءات أحاد الصوم الكبير [2] |
عمق قراءات أحاد الصوم الكبير (1) |