وإِنِّي أُرسِلُ إِلَيكم ما وَعَدَ بهِ أَبي. فَامكُثوا أَنتُم في المَدينَة إلى أَن تُلبَسوا قُوَّةً مِنَ العُلى
تشير عبارة " وإِنِّي أُرسِلُ إِلَيكم ما وَعَدَ بهِ أَبي" إلى إنباء بالرُّوح القُدُس الذي يُعطى في يوم العنصرة (الرُّسل 1: 8). وهنا يعلن يسوع مساواته للآب في إرسال الرُّوح القُدُس. أمَّا عبارة "ما وَعَدَ بهِ أَبي" فتشير إلى كلمات يسوع الوداعيَّة في العُلِّيَّةِ "وَأَنا سأَسأَلُ الآب فيَهَبُ لَكم مُؤَيِّدًا آخَرَ يَكونُ معَكم لِلأَبَد رُوحَ الحَقِّ " (يوحنا 14: 16-17)، وقد تنبا أنبياء العهد القديم بفيض الرُّوح القُدُس، كما جاء في نبوءة أشعيا "أُفيضُ روحي على ذُرِّيَّتِكَ وبَرَكَتي على سُلالَتِكَ" (أشعيا 44: 3). أمّا عبارة "امكُثوا أَنتُم في المَدينَة" فتشير إلى مدة المُكوث التي تُقارب العشرة أيام بين صعود المسيح وحلول الرُّوح القُدُس على التَّلاميذ يوم العَنْصرة، "اليَومُ الخَمْسون" (أعمال الرُّسل 2: 1)، إذ أنَّ يسوع المسيح أمضى أربعين يومًا مع تلاميذه ما بين قيامة المسيح وصعوده (أعمال الرُّسل) وعشرة أيام بين الصُّعود والعنصرة؛ ويطلب يسوع من تلاميذه أن لا يخرجوا للتبشير بالإنجيل قبل أن يَحلَّ عليهم الرُّوح القُدُس في اليوم الخَمسين (أعمال الرُّسل 1: 8). أمَّا عبارة "المَدينَة" فتشير إلى اورشليم المكان الذي منه انطلقت رسالة الخلاص (لوقا 1: 5-25). إذ منها انطلقت رسالته وكانت اورشليم مركز انتشار رسالة الرُّسل أيضًا (أعمال الرُّسل 1: 8)، وفي اورشليم أنتهى، فأورشليم هي غاية رسالة يسوع (لوقا 9: 51). أمَّا بحسب إنجيل متى ومرقس فالشَّهَادة الرَّسوليَّة انطلقت من الجليل (متى 28: 16، مرقس (16: 7). أمَّا عبارة "أَن تُلبَسوا قُوَّةً مِنَ العُلى" فتشير إلى الصِّلة بين الرُّوح والقوة كما نستنتج ذلك من كلمات بشارة الملاك جبرائيل لمريم العذراء "إنَّ الرُّوحَ القُدُسَ سَينزِلُ عَليكِ وقُدرَةَ العَلِيِّ تُظَلِّلَكِ" (لوقا 1: 35)، ونجد هذه الصِّلة بين الرُّوح والقوة في وعد أنبياء العهد القديم خاصة نبوءة أشعيا "أُفيضُ روحي على ذُرِّيَّتِكَ" (أشعيا 44: 3)، ونبوءة يوئيل "وَيَكُونُ بَعْدَ ذلِكَ أَنِّي أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ" (يوئيل 2: 28). ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم: "كما أن القائد لا يسمح لجنوده أن يواجهوا كثيرين ما لم يتسلحوا أولًا، هكذا لم يسمح الرَّبّ لتلاميذه أن ينزلوا للصراع ما لم يحلَّ الرُّوح أولًا". أمَّا عبارة " قُوَّةً " فتشير إلى قوة روحيَّة، وهي نتيجة حلول الرُّوح القُدُس (أعمال الرُّسل 1: 8) وهي تُمكنهم من إدراك الحقِّ، وتأثير كلامهم في قلب النَّاس وضمائرهم، والتَّكلم بالسّنة غريبة وصنع المُعجزات إثباتًا لتعليمهم. فالقوة الداخليَّة المُحرِّكة التي تبعث بالمُرسَلين حول كل العَالَم، إنَّما هي الإيمان النَّابع من قيامة الرَّبّ. مضى أربعين يوماً مع تلاميذه في الفترة ما بين قيامته وصعوده ووعشرةايام بين صعوده و يومالعتصرة .
أمَّا عبارة "العُلى" فتشير إلى السّماء، مسكن الله ومصدر كل بركة روحيَّة، وهي في اعلى مراكز القوة حيث يجري الفداء.