لقد وهبتني عدالة أحكامك
"قد علمت يا رب أن أحكامك عادلة،
وبحق أذللتني" [75].
ثقتي في كلامك تثير الأشرار وتفرح خائفيك [74]، أما من جهة نفسي فإنني أدرك عدالة أحكامك وأن ما تسمح به لي من تأديبات أو ضيقات أو ظلم الأشرار إنما عن استحقاق، فأنا خاطئ ومحتاج إلى المذلة كسندٍ لي. إنني خلال المصاعب أتمتع بعونك دون أن أفقد رجائي فيك؛ وخلالها أتدرب على الجهاد الروحي فأتمتع بسلسلة من النصرات. بنعمتك التمس عنايتك وسط الآلام فأثبت بالأكثر فيك.
* كل ما يحدث هو بحكمة الله. والمؤمن يعتقد بأن "أحكام الله عادلة"، لكنه ما لم يحصل على "علم" فإنه لا يعرفها. أما غير المؤمن، فعلى العكس، ليس فقط ليس لديه هذا الإيمان وإنما يتجنى أيضًا على العناية الإلهية بخصوص هذه الأحكام.
إذن يوجد من يؤمن بها وأيضًا من لا يؤمن بها. من يبلغ إلى حالة أفضل لا يقف عند الإيمان فقط بل و"يعلم"، أي تصير له معرفة أحكام الله وكل ما يحدث للإنسان، فقد قبل النبي هذه المعرفة.
"قد علمت" تختلف عن "قد آمنت" [66]. فإن من يؤمن قد لا تكون له المعرفة بذات القدر. قال يسوع للذين آمنوا به: "إن ثبتم في كلامي فإنكم تعرفون الحق والحق يحرركم" يو 32:8. قال "تعرفون" للذين آمنوا، حيث لا يُعطى الإيمان بالضرورة المعرفة؛ لذلك يميز الرسول بولس بين الإيمان والمعرفة، وبين الإيمان والحكمة، وذلك في قائمة مواهب الروح (1كو 8:12،9).
"قد علمت يا رب أن أحكامك عادلة، وبحق أذللتني"، تعني أذللتني حسب الحق وحسب حكمك.
كثيرًا ما أُلاحظ في كثير من المواضع في الكتاب المقدس، خاصة في المزامير، إن كلمة "أذللتني" تشير إلى "طرحتني في التجارب".
العلامة أوريجينوس
عجيب هو الله أبونا في محبته لنا، فإنه ليس مثل عالي الكاهن الذي لم يردع ابناءه عندما أخطأوا (1صم 13:3)، إنما يؤدب ومع تأديبه يعطينا "معرفة" و"علمًا" إن سألناه. قد يسبب التأديب مذلة مؤقتة، لكن المعرفة واكتشاف حكمة الله تحول المذلة إلي شكر وفرح وتسبيح مع تعزيات سماوية فائقة.