الرسل شهود المسيح للبشرية
عاش الرسل بالقرب من السيد المسيح. وتتلمذوا على يديه واقتربوا منه ودخل إليهم وخرج أو كما يقول بطرس الرسول "دخل إلينا الرب يسوع وخرج منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي أرتفع فيه" (217)، وأكلوا معه وشربوا سواء قبل الصلب والقيامة أو بعد القيامة "نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات" (218)، وتعلموا منه "تعلموا منى" وحفظوا كلامه "حفظوا كلامك.. الذي أعطيتني" (219) وشاهدوا كل أعماله التي أظهر فيها مجده "وأظهر مجده فآمن به تلاميذه" (220)، وأظهر لهم مجده على جبل التجلي عندما كشف لهم عن لمحه من عظمته ولاهوته "وتغيرت هيئته قدامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور. وإذا موسى وإيليا قد ظهرا يتكلمان معه.. وصوت من السحابة قائلًا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (221)، "فلما استيقظوا (التلاميذ الثلاثة) رأوا مجده.." (222)، كما رأوه بعد قيامته مرات عديدة"، "الذين أراهم أيضًا نفسه حيًا ببراهين كثيرة بعدما تألم وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (223)، وشرح، وفسر لهم، في هذه الفترة، كل ما يختص به وما سبق أن تنبأ به عنه جميع أنبياء العهد القديم. وقبل صعوده إلى السماء كلفهم بالبشارة به في العالم أجمع.
أعدهم ليكونوا شهودًا له لكل البشرية في العالم أجمع، ليكونوا شهود عيان يهدون بما شاهدوه بأعينهم وسمعوه بآذانهم ولمسوه بأيديهم، ووعدهم بإرسال الروح القدس ليذكرهم بكل ما قاله لهم وبكل ما سمعوه ولمسوه، ويعلمهم كل شيء ويرشدهم إلى جميع الحق، ويشهد للمسيح من خلالهم "فهو يشهد لي. وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم معي من الابتداء" (224).
أعدهم ليكونوا شهودًا عيانًا له، أو كما وصفهم القديس لوقا الإنجيلي بالوحي "الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة" (225)، "الذين كانوا منذ البدء شهود عيان للكلمة"، لكي يكرزوا للعالم أجمع كشهود عيان لما يكرزون به، ويحملوا الأخبار السارة التي عاشوا أحداثها بأنفسهم وكانوا شهود عيانًا لها. ولذلك فقد كانت كرازتهم للبشرية لها بالخلاص والحياة الأبدية هي بما شاهدوه وسمعوه ولمسوه:
"والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا" (226)،
"الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة. فإن الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضًا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (227).
"ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصًا للعالم" (228)،
"لأننا لم نتبع خرافات وضعه إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع ومجيئه بل كنا معاينين عظمته لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسمى هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت به. ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس" (229)،
"أطلب إلى الشيوخ الذين أنا الشيخ (بطرس الرسول) توفيقهم والشاهد لآلام المسيح وشريك المجد العتيد أن يعلن" (230).
كانت الفترة التي قضاها الرسل مع الرب يسوع المسيح سواء قبل القيامة أو بعد القيامة هي أعظم وأروع خبرة اكتسبوها في حياتهم، وكانت أثمن وأروع ما لديهم ليقدموه للبشرية، الشهادة للمسيح، ابن الله النازل من السماء والذي بذل ذاته لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية وكان الروح القدس الساكن فيهم يعمل فيهم وبهم ويرشدهم ويقودهم ويذكرهم بكل ما اختبروه في حياتهم مع الرب الحي إلى أبد الآبدين.
كانت شهادة الرسل كشهود عيان للمسيح تقوم على أسا معرفتهم الخاصة به وبأحداث حياته في كل تفاصيلها، خاصة آلامه وصلبه وقيامته، واختيارهم منه شخصيًا ليشهدوا له ويشهدوا عنه:
"وتشهدون أنتم أيضًا لأنكم كنتم معي من الابتداء" (231)،
"وقال لهم (بعد قيامته) هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموسموسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب وقال هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث. وأن يكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم. وأنتم شهود لذلك (232)".
وفى أول خطاب له بعد حلول الروح القدس مباشرة شهد القديس بطرس الرسول وبقية الرسل أمام جموع غفيرة من رؤساء وعامة اليهود:
"أيها الرجال الإسرائيليون أسمعوا هذا الأقوال. يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم تعلمون. هذا أخذتموه مسلمًا بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق وبأيدي آثمة صلبتموه وقتلتموه. الذي أقامه الله ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسك منهُ.. فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعًا شهود لذلك.. فيعلم يقينًا جميع سكان بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم ربًا ومسيحًا.. وبأقوال كثيرة كان يشهد لهم ويعظمهم.. فقبلوا كلامه بفرح وأنضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس (233)".
وفى عظته التالية في الهيكل قال لهم:
"إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب إله آبائنا مجد فتاه يسوع الذي أسلمتموه أنتم وأنكرتموه أمام وجه بيلاطس وهو حاكم بإطلاقه. ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتلو رئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك (234)".
ويعلق الوحي الإلهي على كرازة الرسل قائلًا: "وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ونعمة عظيمة كانت على جميعهم (235)". وفى كرازة القديس بطرس الرسول للقائد الروماني كرنيليوس و"أنسبائه وأصدقائه الأقربين"، قال لهم بالروح القدس "أنتم تعلمون الأمر الذي صار في كل اليهودية مبتدئًا من الجليل بعد المعمودية التي كرز بها يوحنا. يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيرًا ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس لأن الله كان معه. ونحن شهود بكل ما فعل في كورة اليهودية وفى أورشليم. الذي أيضا قتلوه معلقين إياه على خشبة. هذا أقامه الله في اليوم الثالث وأعطى أن يصير ظاهرًا ليس لجميع الشعب بل لشهود سبق الله فأنتخبهم. لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه بعد قيامته من الأموات. وأوصانا أن نكرز ونشهد بأن هذا هو المعين من الله ديانًا للأحياء والأموات (236)"،وفى عظة القديس بولس أمام مجمع اليهود في إنطاكية بيسيدية قال لهم:
أن المسيح بعد صلبه وقيامته من الموت "ظهر أيامًا كثيرة للذين صعدوا معه من الجليل إلى أورشليم الذين هم شهوده عند الشعب (237)".
كرز الرسل وبشروا البشرية في كل المسكونة بما شاهدوه بأنفسهم كشهود عيان أو كما يقول بطرس الرسول بالروح "كنا معاينين (رأينا بعيوننا) عظمته"، "تكلمنا باعتبارنا شهود عيان لعظمته". وكان الرب يؤيد شهادتهم بالآيات والقوات والمعجزات. يقول الروح القدس عن مؤازرته لكرازة بولس وبرنابا:
"فأقاما زمانًا طويلًا يجاهران بالرب الذي كان يشهد لكلمة نعمته ويعطى أن تجرى آيات وعجائب على أيديهم (238)". ويقول عن كرازة الرسل جميعًا "الذين سمعوا شاهدًا الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب إرادته (239)".
كان الرسل دائمًا يؤكدون على أنهم، بالدرجة الأولى، شهود عيان، وأكثر من استخدم كلمات "شهد" و"شاهد" و"شهادة" عن نفسه هو القديس يوحنا الحبيب، التلميذ الذي ألتصق بالرب أكثر من بقية التلاميذ والذي لُقب ب "التلميذ الذي كان يسوع يحبه (240)"، والذي "كان متكئًا في حضن يسوع241)" وقت العشاء الربانى؛ ويقول في الإنجيل الذي دونه بالروح القدس:
"ولكن واحدًا من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء. والذي عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم"،
"هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا. ونحن نعلم أن شهادته حق (243)"،
ويقول في سفر الرؤيا:
"يوحنا الذي شهد بكلمة الله وبشهادة يسوع المسيح بكل ما رآه (244)"،
"أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة وفى ملكوت يسوع المسيح وصبره كنت في الجزيرة التي تُدعى بطمُس (منفيا) من أجل كلمة الله ومن أجل شهادة يسوع المسيح (245)". وعن شهادة الشهداء للمسيح يقول:
"رأيت تحت المذبح نفوس الذين قُتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم (246)". وعن انتصار المؤمنون على إبليس يقول:
"وهم غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت (247)"،
"وذهب ليصنع حربًا مع باقى نسلها (الكنيسة) الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح (248)".
أخيرًا يختم الروح هذه الشهادة بقول الملاك ليوحنا "أنا عبد معك ومع أخوتك الذين عندهم شهادة يسوع.. فإن شهادة يسوع هي روح النبوة (249)".