|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فأَعْطى أَحَدَهم خَمسَ وَزَنات والثَّانيَ وَزْنَتَين والآخَرَ وَزْنَة واحدة، كُلاًّ مِنهم على قَدْرِ طاقَتِه، وسافَر. تشير عبارة "فأَعْطى" في الأصل اليوناني ἔδωκεν إلى تقديم السَّيد لخَدَمه دَيْنا لا هبة، وكل من زاد قدرة زاد مَسْؤوُلِيَّة، كما جاء في أقوال يسوع " مَن أُعطِيَ كثيرًا يُطلَبُ مِنهُ الكَثير، ومَن أُودِعَ كثيراَ يُطالَبُ بِأَكثَرَ مِنه" (لوقا 12: 48). أمَّا عبارة "وَزَنات" في الأصل اليوناني τάλαντα (معناها الموهبة والطاقة) فتشير إلى المواهب، فمنها الجَسديَّة والنَّفسيَّة: كالصحَّة، والذَّكاء، وقوَّة الإرادة، ومنها الاجتماعيَّة: كالقدرة على الإداريّة، وتحمُّل المَسْؤوُلِيَّة، ومنها الرُّوحيَّة، كالنِّعْمَة المقدِّسة، وفضائل الإيمَان والمحبَّة والعَدل والشَّجاعة، وفرص العمل الخَير التي يهبها الله بسخاء لشعبه. ويذكر المثل ثماني وَزَنات تُمثل القيم النَّقديَّة حيث كانت قيمة الوَزْنَة الواحدة نحو 25 كلغم من الذَّهب أو 30 كلغم من الفِضَّة، وفي الحِسابات النَّقدية تُساوي نحو 60000 دِرهم، وبالتَّالي تمثل الوَزْنَة في الإنجيل نحو 30 سنةٍ من شغل عامل يومي. وأمَّا لوقا الإنجيلي فأعطى السَّيد خَدَمه "أمْناء" في الأصل اليوناني μνᾶ، وهي وزن سامي يُساوي 1/60 من الوَزْنَة، والوَزْنَة تعادل 60 منة أي 60000 دينار؛ وفي الحسابات النَّقدية تساوي 100 درهم (لوقا 7: 41)، بما يعادل اجر عامل في 3 شهور. كل واحد نال الكميَّة عينها "دَعا عَشرَةَ خَدَم له، وأَعْطاهم عَشرَةَ أَمْناء"(لوقا 19: 13). ومن هنا نستنتج أنَّ الوَزْنَة في ذلك الزمان لم تكن قطعة نقد واحدة بل مبلغًا كبيرًا من المال. والوزنات ترمز هنا إلى موارد للحياة، مثل الوقت والمال والقدرات والسُّلطة وقتنا وإمكانياتنا العقلية والجسدية. أمَّا عبارة "خَمسَ وَزَنات" فتساوي 30000 دينارًا فإذا كان الدِّينار يشكّل أساسًا أجرة العامل في يوم عمل، وهذا المبلغ يدلُّ على ثقة السَّيد في الخَادِم. والوَزَنات الخَمس تذكّرنا بالعهد القديم، بالتَّوراة ذات الكتب الخَمسة. وهي شريعة موسى التي أُعطيت للإنسان للوصول إلى الخَلاص مع سائر شعب الله. أمَّا عبارة "وَزْنَتَين" فتشير إلى مبلغ يقارب 12000 دينارًا. الوزنتان هما رمز إلى العهدين: القديم والجديد، حيث انه من خلال العهد القديم دخل الله في علاقة مع شعبه في عهد حبّ أبدّي، وأُصبح الله من خلاله إله إسرائيل الأوحد، وأُصبح الشَّعب شعب الله المختار، أي الشَّعب الذي وضعه الله في خدمة خلاص الشَّعوب كلّها وإيصال كلمة الحياة إليهم. وفي العهد الجديد عاد الرَّبّ مرّة ثانية لتجديد عهده مع شعبه وإعادتهم إلى صداقتهم وإلى حبّهم الأوّل معه فأرسل ابنه متجسّدًا من مريم العذراء. أمَّا عبارة " وَزْنَة واحدة " فتشير إلى قيمة طائلة نحو 25 كلغم من الذهب. وما طُلب من الخَدم الثَّلاثة هو الاستمرار بما سَلّم إليهم سيّدُهم من مال. والوَزْنَة هنا تدل على المواهب الجَسدية والنَّفسية والاجتماعية والرُّوحية من أي نوع كانت. وهي ترمز إلى الكنيسة الواحدة، جسد المسيح السَّرّي التي تعطي الخَلاص لبني البشر، لأنّها الأمّ والمعلّمة، التي تحتوي على الأسرار، وتسعى لأن تكون في خدمة الإنسان، وكلّ إنسان. أمَّا عبارة "كُلاًّ مِنهم على قَدْرِ طاقَتِه" فتشير إلى صاحب المال الذي لم يُوزّع أمواله بالتَّساوي على ثلاثة من خَدَمه، لكن لكلِّ واحدٍ الوَزْنَة التي هو قادرٌ على التَّعامل معها بحسب قدراته وكفاءاته وإمكانياته الطبيعية والذهنية، ومواهبه ومحدوديّته ووقته ليستثمرها ويتصرف بها بما له من الحِكْمَة والتَّدبير إلى حين عودته. فلكل واحد أُعطيت وَزْنَة على قدر طاقته كي يُضاعفها. "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا " (البقرة 286). فلا يضيق عليها ولا يجهدها، ولا يريد أن يُرهق الضعيف، ولا أن يُبخس حق القوي، بل قام بمراعاة القدرات الفردية، لأنه يعرف ما يناسب كل عضو للخلاص وخدمة الكنيسة. تؤمِنُ الكنيسة بأنَّ الله أعطى كل واحد منَّا وَزَنات تتكافا تمامًا مع طاقته ومقدرته ومواهبه لخدمة خلاصه وخلاص الآخرين من أجل مَلَكُوته الأبدي، كما جاء في تعليم بولس الرُّسول "كُلُّ واحِدٍ مِنَّا أُعطيَ نَصيبَه مِنَ النِّعْمَة على مِقْدارِ هِبَةِ المسيح"(أفسس 4: 7). ويوكّد ذلك مرقس الإنجيلي "فَوَّضَ الأَمرَ إلى خَدَمِه، كُلُّ واحدٍ وعمَلُه "(مرقس 13: 34). فلم يأخذ أحد منهم أكثر أو أقل مِمَّا يستطيع استثماره. زوَّدهم بمواهب مختلفة حسب إرادته (1قورنتس 12: 11). وفي حالة فشل الخَادِم في المُهمَّة التي أؤكلها إليه سَيِّده، فلن يكون عذره أنه كُلّف بأكثر من طاقته، لكن فشله يأتي بسبب كسله أولا ومبالاته وعدم مسؤوليته أو بغضه لسَيِّده. والله لا يضع على أحد مَسْؤوُلِيَّة فوق طاقته ولا ينتظر من أحد أكثر مما أعطاه ولا يترك أحدًا من شعبه بلا وَزْنَة ولا مَسْؤوُلِيَّة. وطُلب من هؤلاء الثَّلاثة الخَدم استثمار ما سُلَّم إليهم سَيِّدهم من المال. فالوَزَنات ليست لهم بل سُلمت إليهم وديعة في أيديهم: الأموال، الأشخاص، الأحداث. وهكذا تدل الوَزَنات على مواهب الله للنَّاس، وما آتاهم من فضله تعالى. والسَّيد يحاسب على مستوى قدر هذه الطاقة تمامًا. والمنح تختلف في كميتها: "خَمسَ وَزَنات ووَزْنَتَين ووَزْنَة واحدة ". فما قدّمه الله لهم من مواهب لم يقدّمها اعتباطًا، وإنما يعرف ما يناسب كل عضو لخلاصه. وهذا يدفعنا إلى عدم الشَّعور بالتَّكبُّر على أصحاب المواهب الأقل ولا شعور حسد أصحاب المواهب الأكثر، إنّما يتوجب علينا أن نشكر واهب المواهب. القضية ليست كم لنا، إنَّما ماذا نفعل بمالنا أو وَزَناتنا. أما عبارة "سافَر" فتشير إلى غياب السَّيد الذي يدل على استقلالنا ومسؤوليتنا ومبادراتنا او خوفنا. ترك كل واحد بحريته. ذهب السَّيد وترك الخَدم لفترة من الزَّمن ولا بدَّ لهم ان يكونوا أمناء ومُثمرين خلال غيابه عنهم، فيقدموا خدمة بكل ما لديهم من قوة ومحبة، كما قال بولس الرُّسول: "ومَهْما تَفعَلوا فافعَلوه بِنَفْسٍ طَيِّبَةٍ كأَنَّه لِلرَّبِّ لا لِلنَّاس" (قولسي 3: 23). المسألة الحقيقيّة هي غياب السَّيّد. لنستفيد من غيابه ما نستطيع أن نعمل فيه إثمار مواهبنا ووَزَناتنا. ويُعلق القديس باسيليوس " يترك لنا الرب كيفية استخدام الخيرات المُعطى لكل شخص وإلى الوَزَنات الموزَّعة كلٌ حسب طاقته وحسب قدرته على العطاء والعمل لزيادة هذه الوزنات" (الغني والغنى في عظات القديس باسيليوس). |
|