رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب أيوب الصديق، ولماذا كانت تجربته؟ لقداسة البابا شنودة الثالث
|
12 - 02 - 2014, 12:12 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب أيوب الصديق، ولماذا كانت تجربته؟ لقداسة البابا شنودة الثالث
بلد أيوب ورد في أول السفر "كان رجل في أرض عوص اسمه أيوب (أي 1: 1). وأنه "كان أعظم بني المشرق" (أي 1: 3). إذن كان أيوب يعيش في بلاد المشرق. فما هي أرض عوص، موطنه؟ ذكر اسم (عوص) ونسبه مرتين في سفر التكوين: 1- قيل إن عوص هو ابن آرام بن سام بن نوح (تك10: 22، 23). 2- وقيل إن (عوص) هو بكر ناحور (أخي أبينا إبراهيم) من امرأته ملكه (تك 22: 20، 21). وإلى إسم عوص هذا انتمت أرض عوص، سواء كان حفيد سام بن نوح، أو كان ابن أخي إبراهيم. |
||||
12 - 02 - 2014, 12:13 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب أيوب الصديق، ولماذا كانت تجربته؟ لقداسة البابا شنودة الثالث
زمن أيوب قيل إنه عاش في الفترة ما بين نوح وإبراهيم. ولكن لو فحصنا العصر الذي عاش فيه أصحابه: أليفاز التيماني، وبلدد الشوحي، وصوفر النعماتي (أنظر ص 36، 37)، لوجدنا أنه عاش بعد عيسو ويعقوب. وعلى أية الحالات لابد أنه عاش في عصر الآباء البطاركة الأول، قبل موسى وأخيه هارون. فما هي الأدلة على ذلك؟ والتي هي نفس الأدلة التي تبرهن على أن سفر أيوب كان أقدم من أسفار موسى الخمسة؟ ... نذكر من هذه الأدلة: 1- كان أيوب في عصر ما قبل الكهنوت الهاروني. كان قبل العصر الذي انحصر فيه الكهنوت في بني هارون حسب أمر الرب لعبده موسى (خر40: 13- 15) (لا8: 12، 13). ولم يكن أيوب من بني هرون (عد3: 2-4) (1أي6: 3-15) بل كان في العصر الذي كان فيه الأب هو كاهن الأسرة: ذلك أنه كما ورد في الاصحاح الأول من سفره "وكان بنوه يذهبون ويعملون وليمة في بيت كل واحد منهم في يومه.. وكان لما دارت أيام الوليمة، أن أيوب أرسل فقدسهم، وبكر في الغد وأصعد محرقات على عددهم كلهم. لأن أيوب قال: ربما أخطأ بنيّ وجدفوا على الله في قلوبهم. هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام" (أي 1: 4، 5). وهذا هو النظام الذي كان يحدث في أيام الآباء الأول (الآباء البطاركة، رؤساء الآباء) نوح، وإبراهيم، وإسحق، ويعقوب. أولئك الذين كانوا يقدمون الذبائح عن أنفسهم وعن أبنائهم. ومما يثبت هذا أنه كان يقدم محرقات. وكان هذا هو ما يفعله الآباء الأول، كانت ذبائحهم كلها محرقات. أما منذ عهد موسى وهارون، فقد وجدت أيضًا أنواع أخرى من الذبائح يقدمها الناس عن خطاياهم، مثل ذبيحة الخطية وذبيحة الإثم (لا4، 5)، بالإضافة إلى المحرقات، والفصح (خر12)، مع طقوس معينة... 2- لم يرد اسم أيوب في كل قوائم الآباء منذ موسى. لم يرد اسمه في كل سلسلة الأنساب التي سجلت نسل الأسباط الإثنى عشر، سواء في سفر العدد (عد1-4) ولا في القوائم التي وردت في السفر الأول لأخبار الأيام (1 أي 1-9) مما يدل على أنه قبل ذلك العصر كما لم يرد في أية سلسلة أنساب أخرى لذلك الزمان. 3- لم يرد في سفر أيوب أية أشارة عن تلك العصور. فعلى الرغم من أن أليفاز التيماني قال لأيوب "إلى أي القديسين تلتفت؟" (أي5: 1). وقال له بلدد الشوحي "اسأل القرون الأولى، وتأكد مباحث آبائهم (أي 8: 8). وقال له صوفر النعماتي "أما علمت هذا منذ القديم، منذ وُضع الإنسان على الأرض.." (أي20: 4).. إلا أنه لم يذكر واحد من هؤلاء اسم أحد من قديسى العهد القديم ليستشهد به. 4- كذلك في الكلام عن عظمة الله، لم يُذكر شيء في سفر أيوب عن المعجزات العجيبة التي صنعها الله مع شعبه!! لم يذكر أي شيء مثلًا عن شق البحر الأحمر، أو عن العجائب والضربات العشر التي أجراها الله في مصر، ولا عن ضربة الصخرة ففجرت ماء، ولا عن المن والسلوى، ولا عن السحابة التي تظللهم نهارًا، وعمود النار الذي كان يهديهم ليلًا، ولا عن معجزات الله في حروبهم مع الأمم الوثنية. كل ما ذكر في سفر أيوب في اثبات قوة الله، هو قوة الله في الخلق، وفي السيطرة على الطبيعة، وما يخص الحيوانات والطيور العجيبة، والجبال والسماء وكواكب الصبح.. وما أشبه ذلك.. حتى في حديث الله مع أيوب، أو في حديث أليهو معه، لإقناعه بعظمة العليّ القدير. حادثة تاريخية واحدة ذكرها أيوب وهو يشتهي لو كان قد مات بعد ولادته مباشرة. قال "حينئذ كنت قد نمت مستريحًا، مع ملوك ومشيري الأرض الذين بنو أهرامًا لأنفسهم" (أي 3: 13، 14). والمعروف أن الأهرامات العظيمة مثل هرم سقارة المدرج، وهرمي دهشور وميدوم، والأهرامات الثلاثة الكبرى كانت في الفترة من 3500 ق.م.، 3000ق. م. أي قبل موسى النبي بزمان، هذا الذي قهر فرعون في الأسرة التاسعة عشرة لقدماء المصريين..! 5- يستدل على عصر أيوب الصديق، من عامل الأعمار في ذلك الزمان... المعروف أنه حينما حلت التجربة بأيوب كان شيخًا، وكذلك كان أصحابه الثلاثة. ولذلك قال لهم أليهو بن برخئيل البوزي، لما بدأ يتكلم: "أنا صغير في الأيام وأنتم شيوخ، لأجل ذلك خفت وخشيت أن أبدي لكم رأيي. قلت الأيام تتكلم وكثرة السنين تظهر حكمة .." (أي 32: 6، 7). فلو كان عمر أيوب وقت التجربة 70 أو 80 سنة، فماذا كان عمره حينما توفى؟ يقول الكتاب إن أيوب بعد التجربة "عاش مائة وأربعين سنة. ورأى بنيه وبني بنيه إلى أربعة أجيال" (أي 42: 16). هذا بالإضافة إلى عمره أثناء التجربة (70 أو 80). فيكون العمر الذي عاشه أيوب حوالي 210 عامًا أو أكثر. وهو أكبر من عمر كل من إبراهيم وإسحق ويعقوب!. لقد عاش أبونا إبراهيم 175 سنة (تـك: 25: 7). وعاش ابنه إسحق 180سنة (تك 35: 28). وعاش يعقوب 130 سنة حين قابل فرعون (تك47: 9). وعاش بعدها 17 سنة، فتكون كل أيام حياته 147 سنة (تك47: 28). وعاش يوسف 110 سنة (تك 50: 25). أما أيوب فعاش أزيد من 210 سنة. إذن هو من جيل الآباء الأول (حتى موسى عاش 120 سنة) (تث 34: 7)... |
||||
12 - 02 - 2014, 12:15 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب أيوب الصديق، ولماذا كانت تجربته؟ لقداسة البابا شنودة الثالث
لماذا جُرِّب أيوب؟ السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين هو: لماذا جرّب أيوب؟ لم تكن التجربة المزدوجة التي أحاطت به، بسبب خطية ارتكبها.. فقد شهد الله نفسه له مرتين إنه "ليس مثله في الأرض. رجل كامل ومستقيم، يتقي الله، ويحيد عن الشر" (أي 1: 8) (أي 2: 3). بل إن الله في سفر حزقيال النبي، وضع أيوب الصديق ضمن الثلاثة الكبار الذين لهم قدر كبير في شفاعتهم، أعني نوح ودانيال وأيوب (حز 14: 14، 16). فإذا كان أيوب رجلًا كاملًا ومستقيمًا، فلماذا كل المتاعب التي أصابته؟ ماذا كانت مشكلته؟ لم تكن له مشكلة. إذن لماذا حدث ما حدث؟ المشكلة أنه كان رجلًا بارًا، ويعرف عن نفسه أنه بار! كان يثق في داخل نفسه أنه بار.. كان بره أمام عينيه في كل ما حدث له. وكان بره أمام عينيه في كل ما دار بينه وبين أصحابه الثلاثة من حوار ساخن استمر 28 إصحاحًا، واختتم بهذه العبارة "فكفّ هؤلاء الرجال الثلاثة عن مجاوبة أيوب، لكونه بارًا في عيني نفسه"(أي 32: 1). وكان هذا البر الذاتي أيضًا هو سبب العتاب الطويل الذي كان بينه وبين الله، مما سنشرحه بتفصيله... ولقد أراد الله أن ينقذه من هذا البر الذاتي. هذه واحدة. |
||||
12 - 02 - 2014, 12:16 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب أيوب الصديق، ولماذا كانت تجربته؟ لقداسة البابا شنودة الثالث
عظمة أيوب النقطة الثانية هي أن أيوب كان رجلًا عظيمًا محترمًا من الجميع... كانت تحيط به مظاهر الاحترام والتوقير والعظمة من كل ناحية. ويقول عنه الكتاب إنه كان "أعظم كل بني المشرق" (أي 1: 3). وكان غنيًا جدًا: كانت مواشيه سبعة آلاف من الغنم، وثلاثة آلاف جمل، وخمس مائة فدان بقر، وخمس مائة أتان. وكان خدمه كثيرين جدًا" (أي1: 3). وكل هذا يعطينا فكرة أن الغنى لا يتنافى مع البر.. فمن الممكن أن يكون الإنسان غنيًا، وفي نفس الوقت يكون كاملًا ومستقيمًا، مثلما كان أيوب. بالإضافة إلى كل هذا، كان أيوب سعيدًا كربّ أسرة لقد "وُلد له سبعة بنين وثلاث بنات" (أي 1: 2). وقد عاش أيوب في عصر ما قبل أبينا إبراهيم، أبي الآباء والأنبياء، في العصر الذي كان فيه ربّ الأسرة هو كاهن الأسرة، يقدم الذبائح عنها. وهكذا قيل عن أيوب – بالنسبة إلى أولاده – إنه "أرسل فقدّسهم، وبكّر في الغد، وأصعد محرقات على عددهم كلهم، لأن أيوب قال: ربما أخطأ بنيّ، وجدفوا على الله في قلوبهم! هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام" (أي 1: 5). وهنا نلمح نقطة أخرى قد تشير هي أيضًا إلى البر الذاتي! لماذا يا أيوب تقدم محرقات عن خطايا أولادك، ولا تقدم عن نفسك معهم؟! تقول "ربما أخطأ بني".. وأنت ألم تفكر أنك ربما أخطأت في شيء؟! أم تعرف عن نفسك أنك رجل كامل ومستقيم، تتقي الله وتحيد عن الشر!! |
||||
12 - 02 - 2014, 12:17 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب أيوب الصديق، ولماذا كانت تجربته؟ لقداسة البابا شنودة الثالث
غنى أيوب نتابع كلامنا عن عظمة أيوب وغناه، فنقول أيضًا: لقد أعطاه الغنى فرصة للإحسان والكرم، فأصبح محاطًا بمعجبين ومحبين وفقراء كثيرين ينالون الرحمة من يديه... كانت الحياة سهلة أمامه، هينة مبهجة. يعيش في الفردوس، دون أن يدخل مطلقًا إلى بستان جثسيماني.. وكأنه ينصب له خيمة على جبل التجلي! كان يعيش إلى جوار شجرة الحياة، ولم يتعود على حمل الصليب بعد. كان من الذين دخلوا إلى ملكوت الله، والباب واسع والطريق رحب، بدون خطية. ولقد أراد له الله أن يجرّب الطريق الضيق، والصليب والجلجثة.. يجرب الأحزان والضيقات، ليأخذ بركة الضيقات. لقد أخذ بركة الغنى، فليأخذ إذن بركة الفقر أيضًا.. |
||||
12 - 02 - 2014, 12:19 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب أيوب الصديق، ولماذا كانت تجربته؟ لقداسة البابا شنودة الثالث
الشيطان والتجربة عاش في بهجة الحياة زمنًا، إلى أن حان موعد التجربة. وجاء الوقت الذي يواجه فيه الصليب. ولكن كيف ذلك؟ بدأت تجربته بحسد الشيطان له: وكذلك حدث لأبينا آدم وأمنا حواء من قبل. حسدهما الشيطان وعمل على إسقاطهما. وهكذا نقول في القداس الإلهي "الموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس..". ودائمًا يريد الشيطان بنا شرًا، ولكن الله برحمته يحوّل هذا الشرَ إلى خير. وهذا نفس ما حدث لأيوب. أراد الشيطان أن يضره. واستغل الله حسد الشيطان لكي يرفع أيوب إلى درجة أعلى وأسمى. فينجيه وينقيه. الشيطان أراد أن يؤذي أيوب من جهة، لعل هذا الإيذاء من ناحية أخرى، تكون نتيجته أن يجدف أيوب على الله، ويصبح خاسرًا للدنيا والآخرة. أما الله فقد سمح للشيطان أن يجرب أيوب لكي يتمجد أيوب أكثر فأكثر، ويصبح مثالًا يقتدى به (يع5: 11) وتمنحه التجربة شهرة كبيرة، وتقدمه درسًا للأجيال، تكون نهايتها بركة مضاعفة له... عجيب هو موقف الله من الشيطان في سفر أيوب! فيه الكثير من تواضع الله، ومن مبدأ تكافؤ الفرص. سمح الله للشيطان أن يمثل بين يديه، وأن يندس وسط أولاد الله (أي 1: 6). بل أكثر من هذا، سمح له أن يكلمه وأن يجادله، وأن يشتكي أمامه ضد ابن عزيز عليه هو أيوب. بل سمح له أن يأخذ منه سلطانًا ضد هذا الرجل الكامل المستقيم، وأن يخرج ليخرّب ويقتل..! قال له الله "من أين جئت؟ فأجاب "من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها" (أي 1: 7). وكان الشيطان في تلك الإجابة يذكر نصف الحقيقة. فلم يذكر أنه خلال ذلك الجولان في الأرض، كان يضلّ الناس ويسقطهم، ويخرب بيوتًا كثيرة. فتعرض الله لعمل الشيطان، وأراد أن يظهر له ضعفه، فسأله "هل جعلت قلبك على عبدي أيوب؟ لأنه ليس مثله في الأرض" في كل الأرض التي تتمشى فيها... جميل أن الله يفتخر بأولاده ويمتدحهم، ويتحدى الشيطان بهم. إن كان الشيطان قد أسقط كثيرين، فإن أيوب ليس مثلهم لأنه ليس مثله في الأرض. إنه نوعية أخرى، رجل كامل ومستقيم. فهل رأيت أيها الشيطان هذه التحفة الجميلة التي اسمها أيوب؟ هل جرّبت حيلك معه؟ هل قدرت عليه؟ هل صعدت إلى مستوى محاربته؟ وقطعًا كان الشيطان قد مرّ عليه وفشل.. ولكنه لكي يخفي خجله من فشله، حاول أن يبرر ذلك بقوله "هل مجانًا يتقي أيوب الله؟"(أي 1: 9). "أليس أنك سيَّجت حوله وحول بيته من كل ناحية. باركت أعمال يديه، فانتشرت مواشيه في الأرض. ولكن أبسط يدك الآن ومسّ كل ماله، فإنه في وجهك يجدف عليك" (أي 1: 10، 11). وكان الشيطان يكذب في هذا الإدعاء. فقد كان أبونا آدم معه أكثر مما كان مع أيوب، وسقط. إذن بركة الغنى ليست هي التي تحفظ من السقوط. كما أنها لم تحفظ سليمان بعد ذلك بزمن طويل (جا 2). كان الله واثقًا من أيوب وقوة احتماله، فسمح للشيطان أن يجربه. وقال للشيطان "هوذا كل ماله في يدك. ولكن إليه لا تمد يدك".. إنما سماح بشرط، له حدود.. وخرج الشيطان ليعمل في غير رحمة. يضرب بعنف.. لا ضربة واحدة ولا اثنتين ولا ثلاثًا، وإنما بتخريب شامل!! ضربات حاسد حقود. |
||||
12 - 02 - 2014, 12:21 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب أيوب الصديق، ولماذا كانت تجربته؟ لقداسة البابا شنودة الثالث
لماذا وكيف كانت التجربة، وما هي نتائجها وظلت الأخبار تتوالى على أيوب قاسية مريرة. لم يمت له ابن واحد، بل كل الأبناء وكل البنات، مرة واحدة!.. ريح شديدة (أثارها الشيطان).. وصدمت زوايا البيت الأربع، فسقط على الغلمان وماتوا (أي 1: 19). وكل أملاك أيوب ضاعت أيضًا.. البقر والأتن "سقط عليها السبئيون وأخذوها، وضربوا الغلمان بحد السيف. والجمال أخذها الكلدانيون، وضربوا الغلمان بحد السيف. والغنم والرعاة، نزلت نار من السماء وأحرقت الكل (أي1: 14-19) واستطاع الشيطان – لما أخذ إذنًا – أن يفعل كل ذلك... ياللهول. حقًا إن الشيطان – وإن كان قد فقد نقاوته – إلا أنه لم يفقد طبيعته كواحد من الملائكة "المقتدرين قوة" (مز 103: 20). ينزل نارًا من السماء، تحرق الغنم والغلمان. ويثير ريحًا شديدة عبر القفر تصدم البيت فيسقط، ويموت كل الذين فيه. ويسخر السبئيين والكلدانيين لتنفيذ مشيئته، فينهبون ما لغيرهم ويقتلون الغلمان. ويخرب كل بيت أيوب. ولو كان أيوب شخصًا عاديًا لسقط ميتًا أمام كل هذا.. أما أيوب فقد احتمل كل هذا ولم يجدف على الله، بل قال عبارته المشهورة: "الرب أعطى، الرب أخذ. ليكن اسم الرب مباركًا" (أي 1: 21). ما أعمق هذه الروحانية، نتعلمها من أيوب الصديق: كثيرون يقولون "ليكن اسم الرب مباركًا" عندما يعطيهم الله... ولكن قليلون هم الذين يباركون اسم الرب، حينما يأخذ الله منهم ما سبق أن أعطاه...! ولكن أيوب شكر الرب وبارك اسمه، بعد أن أخذ الله منه كل شيء..! ولم يقل السبئيون أخذوا، ولا الكلدانيون أخذوا، بل الرب أخذ! إنه يتعامل مع الله وحده، لا مع السبئيين ولا مع الكلدانيين. وكل ما يفعله الناس ضده، لابد قد مرّ على الله ضابط الكل. فإن كان الله قد سمح بأن يأخذوا كل ماله، فليكن اسم الرب مباركًا. إنني لا أملك كل ما معي، إنما أنا مجرد وكيل على ما أعطانيه الله. هو أعطى، وهو أخذ. بحكمة يعطي، وبحكمة يأخذ. أما أنا فماذا أقول. "عريانًا خرجت من بطن أمي، وعريانًا أعود إلى هناك". إن عبارته هذه، هي التي أوحت أبياتًا من الشعر قيل فيها: قد دخلت الكون عريانًا فلا قنيةَ أملك فيه أو غِنى وسأمضي عاريًا عن كل ما جمع العقل بجهل واقتنى عجبًا هل بعد هذا نشتهي مسكنًا في الأرض أو مستوطنا. وهكذا كانت مشاعر أيوب الصديق. وكأنه يقول: ما كنت أملك شيئًا من كل هذا حينما وُلدت. وسوف أترك كل شيء حينما أغادر هذا العالم عريانًا. الله أودعني وديعة، ثم سمح أن يأخذ الله وديعته، ليكن اسم الرب مباركًا. "في كل هذا لم يخطئ أيوب، ولم ينسب إلى الله جهالة" (أي 1: 22).. ولكن من هول الكارثة يقول الكتاب عن أيوب إنه: "مزق جبته، وجزّ شعر رأسه، وخرّ على الأرض وسجد" (أي 1: 20). "مزق جبته لهذه الكارثة التي تمزق قلب أي إنسان: على الأقل موت أبنائه السبعة وبناته الثلاث في يوم واحد. ولكنه سجد على الأرض إجلالًا للرب الذي أعطى وأخذ.. ولم يقل الكتاب إنه صرخ أو بكى، أو نعى أولاده.. ولكن قسوة الشيطان الم تقف عند حد ولم يكتف بهذا! ولم يخجل من فشله في محاربته لأيوب البار. وعاد يقف أمام الله في غير حياء ويقول له: "جلد بجلد. وكل ما للإنسان يعطيه لأجل نفسه. ولكن أبسط الآن، ومسّ عظمه ولحمه. فإنه في وجهك يجدف عليك" (أي2: 4، 5). قال هذا ردًا على قول الرب عن أيوب".. إلى الآن هو متمسك بكماله، وقد هيجتني عليه لأبتلعه بلا سبب". إن الشيطان لا ييأس في محاربته. فمهما فشل، يعاود الكرة مرة أخرى.. والعجيب أن الله أعطاه فرصة أخرى رغم مكابرته. وقال له عن أيوب "ها هو في يدك، ولكن احفظ نفسه" (أي 2: 6). أي: لا مانع من أن تمس جسده. ولكن لا تمس عقله ولا حياته. نفسه ليست في يدك. وللمرة الثانية يضع الرب حدودًا للشيطان في عمله. وخرج الشيطان من لدن الرب، وبكل قسوة "ضرب أيوب بقرح ردئ من باطن قدمه إلى هامته. فأخذ أيوب لنفسه شقفة ليحتك بها scrape himself، وهو جالس في وسط الرماد" (أي 2: 7، 8).. كانت التجربة قد بلغت قمتها، ولكنها لم تبلغ نهايتها. وإذا بزوجته تسخر منه لأنه لا يزال محتفظًا بكماله وطلبت إليه أن يجدف على الله ويموت. فأجابها بحكمة وصبر: "تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات. هل الخير نقبل من عند الله، والشر لا نقبل"؟! (أي 2: 10). وكلمة الشرّ هنا تعني المتاعب والضيقات. وكلمة الخير تعني الخيرات.. يقول الكتاب "في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه" (أي 2: 10). فهل أخطأ بغير شفتيه؟ بلسانه أظهر كامل التسليم للمشيئة الإلهية. ولكن ماذا كان في قلبه؟ |
||||
12 - 02 - 2014, 12:23 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب أيوب الصديق، ولماذا كانت تجربته؟ لقداسة البابا شنودة الثالث
انفعالات داخل نفسية أيوب قدمت له زوجته اقتراحًا يمس علاقته بالله، فرفضه، ووبخها قائلًا تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات. هل الخير من الله نقبل، والشر لا نقبل؟!"(أي2: 10). في هذا الموقف كان أيوب أحكم من جده آدم، في التعامل مع امرأته. آدم خضع لزوجته في كسر وصية الله. وقال في تبرير كسره للوصية, "المرأة التي جعلتها معي، هي أعطتني من الشجرة فأكلت" (تك3: 12). أما أيوب فرفض أن يستمع لامرأته، بل وقف منها موقف المعلم والمؤدب، وقال لها "تتكلمين كلامًا كإحدى الجاهلات"، كإحدى "العذارى الجاهلات" اللاتي وقفن خارج عرش الله (مت 25: 2، 11). أيقول أحد: هل هذه خطية إدانة لأنه وصفها بإحدى الجاهلات؟ كلا. فهذه حقًا إدانة، ولكنها ليست خطية إدانة. لأنه من حقه – بل من واجبه – أن يدينها باعتباره "رأس المرأة" (1كو11: 3). ولأنها تجاوزت الحد بقولها" إلى الآن أنت متمسك بكمالك؟! (إلعن) الرب ومت" (أي 2: 9) كإحدى الترجمات: Curse God and die. "في كل هذا لم يخطئ أيوب بشفتيه" (أي2: 10). بشفتيه قال كلامًا حكيمًا، يدل على حياة التسليم، وقبول كل ما يفعله الله معه. ولكن هل في داخله كان كذلك؟ هذا ما سنبحثه معًا... قال "هل الخير من الله نقبل، والشر لا نقبل؟!". وكلمة الخير كما تعني الفضيلة، تعني هنا الخيرات الأرضية، أو نعم الله وإحساناته إليه. كذلك كلمة (الشر) كما تعني الخطية، تعني هنا المصائب والضيقات التي حلت به. لهذا قيل عن أصحابه الثلاثة إنهم "لما سمعوا بكل (الشر) الذي أتى عليه، جاءوا.. ليرثوا له ويعزوه"(أي 2: 11). ولما رآه أصحابه هكذا، ظهر ما في قلبه من مرارة وسخط.. قيل إن أصحابه "قعدوا معه سبعة أيام وسبع ليالِ، ولم يكلمه أحد بكلمة، لأنهم رأوا أن كآبته كانت عظيمة جدًا" (أي 2: 13). وقد تبدو الكآبة شيئًا طبيعيًا في حالته بعد التجربة الشديدة التي مرت به. وقد قال القديس بولس الرسول عن متاعبه هو وزملائه في الخدمة "مكتئبين في كل شيء، لكن غير متضايقين" (2كو4: 8). ولكن أيوب كان متضايقًا جدًا من الداخل... كانت التجربة الثانية الخاصة بصحته، قد هزته من الداخل. وهناك فرق ملحوظ في ردود فعله في التجربتين: قال في التجربة الأولى "الرب أعطى، والرب أخذ. فليكن اسم الرب مباركًا" (أي 1: 21). ولكنه لم يقل هكذا بالنسبة إلى صحته في التجربة الثانية. يكفي أنه لم يجدف على الله، ولم يخطئ بشفتيه. ولكنه لم يحتمل أن يراه أصحابه وهو "جالس في وسط الرماد، يمسك شقفة ويحتك بها" (أي 2: 8). حتى أنهم لما رأوه "لم يعرفوه، فرفعوا أصواتهم وبكوا. ومزق كل واحد جبته، وذروا ترابًا فوق رؤوسهم نحو السماء" (أي2: 12). وكان موقفًا مؤثرًا لنفسيته.. نعم، هناك من يحتمل المذلة، ولا يحتمل أن يراه الناس ذليلًا! وهكذا أيوب لم يحتمل أن يكون موضع الإشفاق، بعد أن كان موضع التمجيد. بدأ تعب أيوب، حينما جاءه أصحابه الثلاثة، ورأوه في مذلته. لقد كان محطمًا، ولا أحد من معارفه يدري. فلما جاء أصحابه يعزونه، عزّ عليه أ، أنكشف أمامهم.. حتى أنهم مزقوا ثيابهم رثاءً لحالته. لا شك أن حالته الاجتماعية قد تغيرت العكس تمامًا، من حيث موقف الناس منه، هذا الذي قال عنه فيما بعد "ليتني كما في الشهور السالفة، وكالأيام التي حفظني الله فيها.. حين كنت أخرج إلى الباب في القرية، وأهيئ في الساحة مجلسي. رآني الغلمان فاختبأوا، والشيوخ قاموا ووقفوا. العظماء أمسكوا عن الكلام.. صوت الشرفاء اختفى.." (أي 29: 2- 10). أما الآن فهو جالس على الرماد، يحتك بشقة..! لهذا بعد السبعة أيام لجلوس أصحابه معه، يقول الكتاب: "بعد هذا فتح أيوب فاه، وسبّ يومه.." (أي 3: 1). وقال "ليته هلك اليوم الذي وُلدت فيه، والليل الذي قال: قد حُبل برجل. ليكن ذلك اليوم ظلامًا. لا يعتني به الله من فوق، ولا يشرق عليه نهار.. لا يفرح بين أيام السنة، ولا يدخلن في عداد الشهور.." (أي3: 3-6).. أخذ أيوب يخرج ما في نفسه من مرارة... في بادئ الأمر كانت شفتاه مغلقتين على ما في داخل قلبه من تعب نفسي. وقد سمح الله لأيوب بمجئ أصحابه إليه ليكشف ما في داخله. وإذا بهذا القديس يلعن اليوم الذي وُلد فيه..! لماذا تلعن يوم ولادتك يا أيوب البار؟! في بادئ الأمر كانت شفتاه مغلقتين على ما في داخل قلبه من تعب نفسي. وقد سمح الله لأيوب بمجيء أصحابه إليه ليكشف ما في داخله. وإذا بهذا القديس يلعن اليوم الذي وُلد فيه..! لماذا تلعن يوم ولادتك يا أيوب البار؟! يقول "لأنه لم يغلق أبواب بطن أمي، ولم يستر الشقاوة عن عيني؟ لمَ لمْ أمت من الرحم؟! عندما خرجت من البطن لمَ لم أسلم الروح.."(أي3: 10، 11). أهذه هي حياة التسليم التي قال عنها لزوجته: "هل الخير من الله نقبل، والشر لا نقبل؟!" (أي 2: 10). لقد كان صليبًا ثقيلًا على أيوب. ولكن رحمة الله كانت تريد أن تخرج من هذا المر شيئًا حلوًا. إن الله لا ينظر إلى الحاضر الذي نحن فيه، بقدر ما ينظر إلى المستقبل الذي نصل إليه. إنه ينظر إلى عذابات القديسين في ضوء أكاليل سيأخذونها فيما بعد. نعم، لقد قبلَ أيوب التجربة، ولكن التجربة سببت له تعبًا داخليًا. فقد يقبل إنسان أن تجرى له عملية جراحية. ولكن هذا لا يمنع من أن تسبب له العملية آلامًا، فيصرخ ويقول آه. كانت آلامه فوق الاحتمال، جسديًا ونفسيًا. فمن ذا الذي يستطيع أن يحدث له كل ذلك: أن يموت كل أبنائه وبناته في يوم واحد، وأن يخرب بيته، ويفقد صحته وكرامته، دون سبب يستدعي هذا كله؟! هل يحدث كل هذا لشخص، ولا يتألم ولا يشكو؟ إنه قد يصبر، ولكن الألم شيء طبيعي، فهل لا يشكو في كثرة آلامه؟! هل لا يئن؟! إن الله "يعرف طبيعتنا، يذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 14). لذلك لم يغضب الله من أيوب في كل ما قال. بل إنه – تبارك اسمه – بعد انتهاء التجربة، وبخ أصحاب أيوب الثلاثة قائلًا لهم".. لم تقولوا فيّ الصواب كعبدي أيوب" (أي 42: 7). هل كانت انفعالات أيوب مركزة في لعنة يومه؟ كلا طبعًا. بل ظهرت له انفعالات أخرى كثيرة... منها حديثه مع أصحابه وتضايقه منهم، ووصفهم بأنهم "أطباء بطالون" و "معزون متعبون" كما سنشرح فيما بعد... كما ظهر ذلك في عتابه الطويل مع الله... وأيضًا في افتخاره ببره الذاتي، ردًا على ما قد اتهمه به أصحابه من اتهامات باطلة، أمكنهم بها أن يثيروه ويخرجوه عن هدوئه... لم يذكر الكتاب أخطاء لأيوب قبل التجربة. أما بعدها، فالأمر يحتاج إلى كثير من التأمل. قبل التجربة قال عنه الرب إنه رجل كامل ومستقيم. أما بعد التجربة، فماذا قال عنه أليهو الصديق الرابع؟ (أي 32- 37). وماذا قال عنه الله؟ (أي 38 – 41). هذا ما سوف نراه في آخر هذا الكتاب بمشيئة الرب. |
||||
12 - 02 - 2014, 12:31 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب أيوب الصديق، ولماذا كانت تجربته؟ لقداسة البابا شنودة الثالث
أصحاب أيوب أصحاب أيوب الذين أخطأوا كانوا ثلاثة: أليفاز التيماني، وبلدد الشوحي، وصوفر النعماتي. فمن كان هؤلاء؟ وإلى أي عصر ينتمون؟ وإلى أي بلد؟ وما موقع بلادهم؟ 1- أليفاز التيماني: واضح من اسمه أنه ينتمي إلى تيمان. ويذكر لنا سفر التكوين أن تيمان هو ابن اليفاز، وأن اليفاز هو ابن عيسو من زوجته عدا (تك 36: 10، 11)، (1أي1: 35، 36). ويبدو أن قبيلة تسمت باسم تيمان، إذ يذكر نفس الإصحاح من سفر التكوين أن "اليفاز بكر عيسو أمير تيمان" (تك 36: 15). وواضح أنه على اسمه (على اسم أليفاز الجد) تسمى أليفاز التيماني الصاحب الأول لأيوب الصديق ومكان تيمان -كما يذكر قاموس الكتاب في موقع الأنبا تكلا- هو شمالي آدوم (تك 36: 16). 2- بلدد الشوحي: ربما ينتسب أيضًا إلى شوح ابن أبينا إبراهيم من زوجته قطورة (تك 25: 2). ويبدو أن أبناء شوح كونوا قبيلة ينتمي إليها بلدد الشوحي. وكانت هذه القبيلة قرب أرض عوص (التي منها أيوب الصديق). 3- صوفر النعماتي(1): ويلقب صوفر "بالنعماتي" فلعله كان من قبيلة تسمى "نعمة" أو من بلدة اسمها "نعمة"، ولكن حيث أن أيوب وأصحابه لم يكونوا من فلسطين، فمن غير المحتمل أن يكون من "نعمة" في غربي يهوذا (يش 15: 41). والخلاصة: يكون أصحاب أيوب الثلاثة من نسل أبينا إبراهيم. ولكنهم بلا شك عاشوا قبل عصر موسى وهارون. وذلك لأنهم ما كانوا ضمن الشعب الإسرائيلي الذي عاصر فرعون مصر. ولا سكنوا في أي بلد في أرض الموعد... على أنه قد ظهر صديق رابع، ظل صامتًا طوال الحوار الذي دار بين أيوب وأصحابه الثلاثة. ولم يتكلم إلا في إصحاح 32 وما بعده. ولم يرد عليه أيوب. بل كان الله هو الذي تكلم بعده. إنه أليهو بن برخئيل البوزي من عشيرة رام. فمن هو هذا الصديق الرابع؟ 4- أليهو بن برخئيل البوزي: معنى إسمه (أليهو) هو الله. ولقبه (البوزي). فمن هو بوز؟ يذكر سفر التكوين أن أبانا إبراهيم كان له أخ اسمه ناحور (تك 11: 27). وأن ناحور كان له ابنان من زوجته ملكة هما عوص بكره، وبوز أخوه (تك 22: 20، 21). ربما إلى بوز ينتمي أليهو. من أرض عوص كان أيوب (أي 1: 1). وذكر اسم (عوص) في موضع آخر، هو عوص ابن آرام بن سام بن نوح (تك 10: 22، 23). وأرض (عوص) تقع بين دمشق وآدوم في صحراء سوريا... _____ |
||||
|