رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بماذا يقوم الشاب طريقه؟ خلق الله الإنسان لا ليذله أو يسيطر عليه، وإنما ليمجده بالكرامة والسلطان (مز 5:9)، وها هو يقدم له وصيته كنزًا مخفيًا ليقيم منه "ابنة الملك" التي مجدها من الداخل (مز13:45). الأن إذ يكشف عن الوصية ككنزٍ مخفيٍ يوجه حديثه إلي الشاب، حتى يتفهم الإنسان أن الوصية ليست أمرًا ثانويًا تقدم للطفل البسيط الذي لا يفكر كثيرًا أو للشيخ الذي حطمه الزمن، وإنما يقدمها للشاب الذي يتطلع إلي مستقبله بنظرة تفاؤلية في طموحٍ. فإن كان الشاب طموحًا نحو مجدٍ أو غنى أو علمٍ فليتلامس أولًا مع وصية الرب القادرة أن تقدس أعماقه وتسنده في جهاده الزمني دون انحرافٍ. وصية الرب هي قانون الشباب، قادرة أن تهبهم روح الطهارة والعفة. ذاك الذي صار إنسانًا لأجلنا مرّ بمرحلة الشباب لكي يقدم لكل شاب حياته الطاهرة عاملة فيه، مكرسًا حياة الشباب لحساب ملكوته. * ربما كان هذا نصيحة عن السن الذي فيه بالأكثر نهتم بتصحيح مسارنا، وذلك كما كُتب في موضع آخر: "يا ابني اجمع تعليمًا منذ شبابك لكي تجد الحكمة عندما يشيب شعرك". القديس أغسطينوس تقديم الكتاب المقدس الوصية للشاب أولًا إنما هو تكريم له وإعلأن عن تقدير الله لحياته وقدراته. الأن، من هو هذا الشاب الذي يحتاج إلي تقويم طريقه بحفظه أقوال الله [9]؟ أ. كل الشباب بوجه عام، ففي هذا السن ينتقل الإنسان من مرحلة الطفولة البسيطة إلي المراهقة المجاهدة، خاصة مع أفكار الجسد؛ لذا يحتاج إلي كلمة الله التي تكشف له عن قدسية جسده، وتعلىة عواطفه وإضرام مواهبه دون تطرف أو انحراف. يقول العلامة أوريجينوس: [هذه الأقوال الإلهية التي بُذرت في الكتاب الإلهي، إن حُفظت لا تترك الإنسان يسير في طريق منحرف... يقول إرميا: "جيد للرجل أن يحمل النير في صباه" مرا 27:3. فإن من يحمل النير بعدما يعبر صباه أي بعدما يرتكب الخطايا؛ أي لم يسلك في الصلاح حالًا... مثل هذا يلزمه أن يسلك بتدقيق، لمحو الخطايا السابقة (بالتوبة). أما من يحمل النير منذ صباه، أي يكتسب الصلاح فورًا، إذ لا تجتذبه ثقل الخطايا، لا يُقال له: "ما لم تجمعه في صباك، كيف تجده في شيخوختك؟] لنبدأ حياتنا مع الرب منذ صبانا دون تأجيل فنجمع بروح الرب ما يسندنا في شيخوختنا، أي عندما نتعرض لضعف روحي! ب. يرى العلامة أوريجينوس أن كثيرين من الذين بلغوا سن النضوج لا يزالوا يسلكون كشباب في شهوات بلا ضابط، بينما يُوجد شباب حسب الجسد وهم شيوخ مختبرين ذو حكمة روحية عملية. ج. من هو هذا الشاب الذي يجب تقويم طريقه بحفظ أقوال الله إلا جماعة الأمم الذين قبلوا "كلمة الله" المتجسد، بينما رفض قادة اليهود الذين نالوا معرفة وشرائع ونبوات كأنهم شيخ، لكنهم رفضوا كلمة الله ولم يحملوا نير صليبه. * الشعب الذي كان منتسبًا للأمم في حداثته، وهو الذي كان يسير في طرق معوجة قبل قبوله الإيمان. كيف يمكن لهذا الشعب أن يقوِّم طريقه إلا بحفظه أقوالك، أي كلمات الرب؟! العلامة أوريجينوس * الشاب هو الشعب الأممي الذي آمن بالمسيح، هذا الذي كان سالكًا طريقًا معوجة، لكنه يقومها بحفظه أقوال الله التي أوصى بها تلاميذه كي يعلموها للمؤمنين حين قال لهم: "علموهم حفظ جميع ما أوصيتكم به". أنثيموس أسقف أورشليم يقول يوسابيوس القيصري إن كلمة "يقوِّم" جاءت في ترجمة سيماخوس: "ينير". [بماذا ينير الشاب طريقه؟ هنا يعلمنا المرتل أن الشاب وهو مملوء بالدنس والنجاسة يحتاج إلي تطهير (واستنارة)، إذ يتساءل المرتل: "بماذا ينير الشاب طريقه؟ وجاءت الإجابة: بحفظه أقوالك!"] إن كانت الخطية تفسد القلب أي البصيرة الداخلية، فإننا في حاجة إلي أقوال الرب بكونها النور الذي يبدد الظلمة. يربط القديس أمبروسيوس بين هذه العبارة [9] وبين قول المرتل: "قلت: إني أحفظ طريقي، وضعت على فمي حافظًا" مز1:39، قائلًا: [توجد بعض الطرق التي ينبغي أن نتبعها، وطرق أخري يجب أن نتحفظ منها. يلزمنا أن نتبع طرق الرب، ونتحفظ من طرقنا لئلا تقودنا إلي الخطية. يمكن للشخص أن يتحفظ إن كان غير مسرعٍ في الكلام. يقول الناموس: "اسمع يا إسرائيل، الرب إلهك..." تث 4:6. لم يقل: "تكلم"، بل "اسمع". سقطت حواء لأنها قالت للرجل ما لم تسمعه من الرب إلهها. كلمة الرب الأولى تقول لك: "اسمع!" إن كنت تسمع فإنك تُحفظ من طرقك، وإن سقطت اصلح طرقك سريعًا. لأنه "بماذا يُقوِّم الشاب طريقه إلا بحفظه كلمة الرب؟!" [9]. أول كل شيء كن صامتًا واسمع فلا تسقط بلسانك .] القديس أمبروسيوس إذ يقول المرتل: "لا تبعدني عن وصاياك" [10] يتساءل البعض: هل يبعدنا الله عن وصاياه؟ أو كما يترجمها البعض: "يضلنا" عنها؟ * نتساءل ما إذا كان الرب هو الذي يجعلنا نضل عن الوصايا الإلهية. قد يفكر البعض هكذا... يقول النبي: إنني لم أطلبك ظاهريًا وسطحيًا وإنما: "من كل قلبي طلبتك"، لهذا فلتكافئني بأن لا تبعدني (تُضلني) عن وصاياك. لنفحص هذا النص ونحاول أن نوفق بينه وبين القول: "كل من له يُعطى ويزداد، ومن ليس له - حتى وإن ظن أن له - فالذي عنده يؤخذ منه" (مت 29:25). نقول إن الذي يطلب من كل قلبه، يُعطى له بالعون الإلهي ما ينقصه حسب طبيعته البشرية حتى يتمم كل وصايا الرب. أما من لا يطلب الرب بكل قلبه، ممارسًا أعمال الرب بتراخٍ (إر 10:31)، فسيؤخذ منه ما يظن أنه يعمله كأعمال الله. حقًا لقد أبعد الله شعب الختان عن وصاياه، محطمًا بذلك الأمور المنظورة التي للوصايا؛ حطم الهيكل وكل ما كان خاصًا بالرب لإتمام العبادة حسب الشريعة التي حفظوها حرفيًا. العلامة أوريجينوس يعتمد أبوليناريوس على ترجمة أكيلا: "لا تجعلني أخطئ سهوًا"، فيقول إن المرتل يخشى ألا يفهم وصايا الله جيدًا كما يحدث مع كثيرين خلال نقص الإدراك السليم مما يجعلهم يفهمونها بخلاف ما تعنيه فيسلكون في غير استقامة. وكما يقول الحكيم سليمان: "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة ولكن نهايتها يصل إلي أسفل الهاوية" أم 12:14. |
|