أنواع كثيرة من السرقات
بقلم : البابا شنودة الثالث
السرقة خسة في النفس, لا يقبل أحد من الكبار أن يتصف بها, ربما يقع فيها الفقير بسبب عوزه واحتياجه, ومع ذلك ربما يقع في السرقة كثير من الأغنياء عن قصد أو غير قصد. وربما يكون بخل الغني وحرمان الفقير هما السبب الذي يدفع إليه. وكثيرا ما تكون السرقة نوعا من حقد الفقراء. ومع ذلك السرقة التي يرتكبها الفقراء لا يمكن للاحتياج أن يبررها. وهناك كثير من السرقات يقع فيها( الشرفاء), وربما لا يشعرون بذلك.
** إن غنيا يسخر إنسانا آخر لكي يعمل له عملا من غير أجرة, يكون بذلك قد سرق أجرته. أو أن يستأجره بأجر بخس دون الكفاف, يكون قد سرق تعبه وعرقه. مثال ذلك عامل يشتغل عندك, وتعطيه أجرا لا يكفي سكنه وطعامه ومصروف أولاده. مثل هذا الانسان ألا تكون قد سرقت تعبه, وهو يصرخ إلي الله شاكيا من سرقتك لجهده وتعبه.
وينضم إلي التسخير والأجر البخس التأخر في دفع الأجر, بحيث يكون الأجير محتاجا إلي أجره الذي لم يأخذه في ميعاده. ويدخل في هذا النطاق المدير الذي يؤخر علاوة الموظف, أو يؤخر ترقيته إن كان يستحق تلك العلاوة أو الترقية. مثل هذا المدير يكون قد سرق رزق هذا الموظف, إذ قد سلب حقوقه. وبالمثل الموظف الذي يشتغل ساعات زائدة عن المسار القانوني, ويستحق عليها أجرا إضافياOverTime, ويمنعه عنه رئيسه. هذا أيضا يكون قد سرق تعبه.. وبالمثل يكون المدير الذي يخصم من مرتب أحد موظفيه بدون مبرر, أي يخصم من رزقه. من حق رئيس العمل أن يعاقب موظفيه إن فعلوا ما يستوجب ذلك. أما أن يخصم من استحقاقاتهم ظلما فإنه يكون قد سرق جزءا من رزقهم, وحتي إن كان هذا الخصم لم يوضع في جيبه, لكنه يعتبر ايضا سرقة. فالسرقة ليست فقط أن تسلب ما للناس لنفسك, إنما تشمل أيضا أن سلبت حق إنسان سواء أخذته لنفسك أو لغيرك.
مثال ذلك أيضا ما يفعله مأمور ضرائب غير عادل.. فهو إذا قدر ضرائب علي شخص أكثر مما يجب, يكون قد سلب من هذا الشخص بعض ماله. وإن قدر عليه ضرائب أقل مما يجب, يكون قد سلب من الدولة أموالها. في حين أنه لا يكون قد أخذ شيئا من ذلك لنفسه. وينطبق هذا الكلام ايضا علي موظف الجمارك.
** الرشوة أيضا هي نوع من السرقة, لأنها ابتزاز لأموال الناس بدون وجه حق. فالرشوة التي ياخذها موظف من الجمهور هي سرقة واضحة. فكم بالأولي إن وصلت هذه الرشوة إلي مستوي الاتاوات المفروضة. بحيث لا يقوم مثل هذا الموظف بخدمة فرد من أفراد الشعب دون أن يتسلم منهم إتاوة معينة.
أما الرشوة التي يأخذها موظف لإعفاء مواطن من واجب عليه نحو الدولة, ففيها يكون قد وقع في سرقتين: يكون قد سلب مال هذا المواطن بأخذه رشوة منه. وفي نفس الوقت يكون قد سلب مال الدولة بإضاعة حقوقها نحو هذا الإنسان. ويكون المواطن الذي دفع الرشوة قد وقع هو أيضا في السرقة, إذ سلب الدولة حقوقها التي أعفي منها.
ولا يعفي الرشوة من المسئولية, إن أخذت اسما غير اسمها, كأن تأخذ مثلا صورة هدية. فالهدايا يتبادلها الأحباء والأصدقاء, ولا يشترط فيها القيام بعمل معين في مقابل ذلك.
** العامل أيضا قد يسرق صاحب العمل بطرق كثيرة, منها ان وقت العمل ليس ملكا للموظف, إنما هو ملك لصاحب العمل الذي يعطيه أجرا عنه. فإن استغل العامل وقت العمل من أجل مصالحه الخاصة أو قضي هذا الوقت في سمر مع زملائه, أو أخذ عطلات بدون وجه حق( عرضية أو مرضية).. فإنه يكون بهذا قد سرق وقت العمل, أو سرق الأجر الذي يأخذه مقابل هذا الوقت. كذلك الموظف لا يكون أمينا في عمله, بينما يأخذ أجرا عن هذا العمل. وبالمثل العامل الذي يشتغل بآلات لصاحب العمل إن تهاون في استخدامها وأدي به الأمر لإتلافها, بحيث يضطر صاحب العمل أن يشتري غيرها من ماله, وهذا أيضا يكون قد سرق صاحب العمل بإتلاف آلاته.
أيضا هناك أشخاص يستطيعون بذكائهم وحيلتهم أن يتحايلوا علي القانون, ويجمعون لأنفسهم مالا بغير حق, أو يفلتون من التزاماتهم نحو الدولة. وتكون ضمائرهم قد خدرتها الفرحة بربح زائد.
** هناك أيضا سرقة الأفكار, أي أن يأخذ أحدهم فكرة غيره وينسبها إلي نفسه, أو يقتبس شيئا دون أن ينسبه لصاحبه, كأن له هو!. وهناك في الأدب باب مشهور عن السرقات الشعرية.. من أجل هذا وغيره, ضمنت القوانين حقوق التأليف وحقوق النشر والطباعة, وحقوق الاختراع.
** ايضا الغش في الامتحانات يعتبر لونا من السرقة, يسرق به التلميذ نجاحا لا يستحقه أو شهادة لا يستحقها. وقد يسرق شخص أسرار غيره عن طريق التجسس, بأن يستمع بأذنه ما ليس من حقه أن يسمعه. أو أن يتطفل فيقرأ خطابات غيره أو مذكراته الخاصة, خلسة دون علمه. فهو إذن يسرق أسراره.
** هناك سرقات أخري تبدو طفيفة: مثالها كثير من الموظفين يستخدمون أحيانا بعض الأوراق البيضاء الخاصة بالعمل في استعمالهم الخاص. وهي ليست من حقهم مهما كانت زهيدة. وبعض الموظفين الكبار يستخدمون عربات الدولة في تنقلاتهم الخاصة. أو يستخدمون بعض الخدم والعمال في خدماتهم الخاصة. وفي كل ذلك لا يشعر هؤلاء الكبار الشرفاء بأي إحساس بالإثم.
وأيضا قد يستقل أحدهم الترام أو الأتوبيس دون أن يدفع أجرا محتجا بأن الكمساري من فرط انشغاله لم يمر عليه! وحتي إن أعفاه الكمساري ولم يأخذ منه ثمن التذكرة, فهو ليس صاحب الترام أو الأتوبيس ويعتبر شريكا له في سرقة الأجرة التي يجب أن تدفع.
تاريخ نشر الخبر : 28/11/2009