منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 29 - 08 - 2017, 02:25 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,711

ما بين الغرس الإلهي الأول والغرس الثاني

ما بين الغرس الإلهي الأول والغرس الثاني

ما بين الغرس الإلهي الأول والغرس الثاني

تأمل خاص من وقائع أحداث العهدين في الكتاب المقدس


في الخلق الأول غرس الله في الإنسان طبيعته الخاصة، إذ أعطاه الشبه والمثال حتى يصير الترابي محفوظاً بنعمة خاصة من العودة للأصل الذي أُخذ منه، وحينما عضته الحية وسرى فيها سمها القاتل، وفقد النعمة الأولى وعاد لأصله ودخل في مشكلة الموت بسبب الجرح العديم الشفاء، بكونه سمع ووثق في آخر غير الله، سقط من رتبته الأولى وفقد المجد الذي كان لهُ، حتى أن الأرض صارت ملعونة بسببه، شوكاً وحسكاً تنبت له وبالتعب والمشقة يرعى فيها وبعرق وجهه يأكل خبزه، ولم يعد سيداً كما كان يرعى خليقة الله بل يستهلكها ويدمرها، فدخل في طريق المشقة الصعب، وعاش في عدم راحة، بل قلق واضطراب ولا سلام، وانقلب العالم على بعضه البعض كل واحد يُريد ان يُسيطر ويسود ليكون إله العالم، لأن النفس الجوعانة التائهة عن طريقها تُصاب بالجنون وتطعن أنفسها بأوجاع كثيرة وتحيا في حالة من التشويش والتغرُّب التام في كل شيء وحتى عن نفسها، وبكونها لا تستطيع ان تعود للمجد المفقود، فهي تحاول أن تعوضه بشهوة السيادة والتملك، وبذلك تأصل في العالم كله الموت الذي يتبعه الفساد، ولا رجعة إلا لو استيقظت النفس وعرفت مشكلتها وعادت لأصلها الأول الذي ضلت عنه فتاه معها مشكلتها الحقيقية التي بسببها تخرج كل الشرور والآثام.
وبهذا الحال صار هناك – في أعماق باطن كل إنسان – صرخة أنين عميقة، لا يقوى أحد على أن يسمعها، إذ أنها تنبع من جرح غائر مُتقيح عديم الشفاء، استنزف كل قوى النفس فلم يعد لها القوة على الصراخ.
لكن بالرغم من هذا كله، الإنسان لم يفقد كل الملامح الجديرة بالله في باطنه، لأنها هي التي تشعره بحاجته للعودة للمجد الأول الذي كان له، فضمير كل إنسان مغروس فيه – طبيعياً – الناموس الإلهي الذي يحثه على أن يحيا إنسانيته التي خُلق عليها، وبسبب ذلك قال الرسول: لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ فَهَؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ (رومية 2: 14)، لذلك لا يوجد حجة لإنسان بأن لا يعيش بالصلاح حسب الناموس (القانون الإلهي الطبيعي) في العالم، لأن الضمير يوجه ويرشد ويجعل العقل يُميز ما بين الخطأ والصواب حسب ما يتناسب مع العدل القانوني، والإنسان هو من يختار كيف يعيش ويسلك في العالم، بالرغم من أن طبيعة السقوط دائماً ما تغلبه فيسير في طريق الشر لأنه أسهل وفيه لذة نفسه وسروره الخاص.
وفي هذا المرار والتعب الذي عاشه الإنسان على مر العصور، فأننا نجد أن هناك معونة خاصة ورفقة إلهية هادئة لم يشعرها الأمم الذين لا يعرفون الله، لأنه رافق الإنسان في كل مراحل حياته، لأنه يشعر بتيهه ويعرف احتياجه، وفي تلك المسيرة فهو أحياناً يعلن نفسه بطرق كثيرة مختلفة، ويكلم الإنسان بأشكال متنوعة كثيرة للغاية وعلى كل وجه، وقد أعطاه الناموس عوناً سواء المكتوب أو ما غُرس في الضمير، إذ أنه يُحرك دائماً وجدانه ليشعر بأنه في حاجة لمعونة تفوق كل إمكانياته، وأنه في اشد الحاجة لغرس آخر جديد غير الغرس الأول الذي كان فيه ولم يستطع ان يحفظه ويرعاه ويُنميه داخله.
لذلك في ملء الزمان، بعد زمان التأديب بالناموس المكتوب، والناموس الطبيعي، الذي لم يثبت فيهما إنسان، فالكل وقع تحت سلطان الموت والدينونة، ولم يقوى أحد على أن يفلت من فعل الفساد الذي سرى في النفس، قد أتى ابن الله الحي ليغرس نفسه فينا باتحاد غير قابل للافتراق، فيكون هو بذاته وشخصه ترياق الخلود، لأنه هو الحياة وله سلطان على الموت، وبسلطانه هذا أباد الموت ورفع الدينونة وأشرق علينا بالحياة الأبدية، فبنور وجهه الساطع يبدد ظلمة النفس ويعطيها راحة حقيقة إذ يسكنها في الحضرة الإلهية مكانها الأول التي وجدت وأُنشأت فيه، لأن الله لا يُريح إنسان بمجرد كلمات وألفاظ وتعبيرات، أو يُعطيه معرفة عقلية متسعة جداً، بل يُخلِّص ويُشفي ويُعطي حياة ويُقيم من الموت، لأن أعماله كلها أفعال وليست كلمات، فلو نظرنا لكل أعمال الله عبر التاريخ نجد أن كلها أفعال حقيقية واضحة في صميم الزمن والتاريخ الإنساني، لأن الله لم يتخلى عن الإنسان أو تَرَفَّع عن العالم الذي خلقه، بل رافقه وسار معه خطوة بخطوة (بهدوء دون ضجة)، فآلامه ومشقاته وأنينه وأوجاعه كلها حاضرة أمامه، وبسبب عمى بصيرة الإنسان لم يستطع ان يكتشف الحضور الإلهي وسط هذا كله، والذي فيه أظهر بعض الزيارات الخاصة المعلنة بوضوح، لأنها ملموسة جداً ومرئية للجميع، ومع ذلك لم يُشفى الإنسان أو استطاع ان يقترب بل زاد عناد وابتعد وتاه وصار يتهم الله بأنه لا يبالي، مع أن في الواقع الإنسان هو الذي لم يُبالي بالله ولا اهتم بما يفعل من أجله، وهو الذي أذاع مذمة واخترع حروب طاحنة، وأنشأ كل صراع في بقاع العالم كله، وبسبب ذلك ظهرت المجاعات بسبب أطماع الدول الكبرى في الصغرى، وانقلب العالم على ذاته وهيهات ان تصالح أو صنع سلام حقيقي.
وبالرغم من ذلك كله، فقد ظل الله على محبته، لأنها طبيعته، ولاحق الإنسان عبر الدهور عن طريق الأنبياء والناموس والضمير، ولكن في آخر الأيام بدأ عهد جديد آخر فيه كلمنا في ابنه، الذي غرسه في طبيعتنا الإنسانية المائتة، فأحياها إذ جددها وجعلها خليقة جديدة تحمل إمكانياته هوَّ، فصار للأموات بالخطايا والذنوب حياة في رئيس الحياة وملك الدهور شخص المسيح الكلمة حمل الله رافع خطية العالم، ولم يعد يُعرف الله بمعزل عن الإنسان، ولا الإنسان بمعزل عن الله، والجرح العديم الشفاء شُفي بالتمام لكل من آمن بمسيح الله وحيد الآب، لأن بعدما كنا منعزلين صرنا قريبين بدم المسيح، وكل واحد فينا اصبح هيكلاً مقدساً لله الحي أن تاب وآمن واعترف بأن يسوع المسيح هو بشخصه القيامة والحياة بوجه عام وللجميع، وأيضاً يعترف على وجه خاص، أنه هو قيامته وحياته الخاصة الجديدة، متمسكاً به وسيط عهد جديد، مكرساً قلبه لهُ ليقدسه ويدشنه بروحه ليصير معه واحد حسب قصد الآب المبارك.
يا إخوتي انتبهوا ارجوكم للغرس الجديد الذي صار لنا، اتركوا العهد العتيق بكل ما فيه، لأنه عُتِق وشاخ، انتبهوا لخلاص نفوسكم وانظروا لمسيح القيامة والحياة، لأن هو بذاته صار شفاؤنا وحياتنا وقيامتنا كلنا، وبدونه لن نستطيع شيئاً، فالغرس الأول تشوه وسقطنا من الحالة الأولى، وكل ما كان يتبعها من علاجات من جهة الناموس سواء الطقسي او الطبيعي، لم ينتفع بهما أحد لأنهما كانوا من الخارج فلم يشفى بأحدهما أو كليهما إنسان، الكل صرخ عبر التاريخ نحتاج قوة جديدة من الأعالي، لأن من هو الذي يستطيع أن يثبت في كل أعمال الناموس، ومن هو الذي يستطيع ان يتمم الناموس الطقسي الذي كان يتكرر مراراً وتكراراً والضمير ظل ملوث ومختلط ما بين الغرس الأول وبين تربية تقاليد المجتمعات التي شوشته، فأن عشتم حسب العهد القديم بكل طقوسه أو حتى بعضها ستضلون، أما أن التصقتم بالرب إلهنا مسيح شفاء النفس ورفعتها للعلو المجيد الذي للحضرة الإلهية، فستصعدون معه وترتاح نفوسكم جداً.
ينبغي علينا أن نتمسك بالغرس الجديد الذي صار لنا من الله، لأن هذا هو الذي يفلح طبيعتنا وينفعنا ابد الدهور، أما ان تخلينا عنه وفلسفنا الأمور ودخلنا في متاهات وحوارات العهد الذي لم يقوى من عاشوا فيه أن يثبتوا أو يحتملوه، سنسقط من نعمة الله التي أنعم بها علينا في المحبوب يسوع، وسنظل نلف وندور في حلقات مفرغة ما بين مؤيد ومعارض ومتفلسف وناقض، وهكذا يضيع علينا العمل الإلهي كله، ونتوه نحن أيضاً في كبرياء نفوسنا التي لا تقبل عمل الله وتحاول أن تنشأ عمل جديد منبعه إرادة الإنسان واتكاله على معرفته التي لم تنفعه قط، ولا حتى أعماله ولا جهادة الذي فشل فيه على مر العصور كلها، لأنه لم يستطع أن يرتفع عن الأرض شبراً واحداً، أو حتى استطاع أن يستحضر الله ويقربه منه أو يتواجد في حضرته، لأن الله هو الذي يأتي من ذاته ويقترب منا ويعطينا نعمته، لا بسبب أعمالنا ولا برّ فينا، لكن بسبب رحمته الكثيرة الصادرة من طبيعة محبته الفائقة التي لا نستطيع أن نتكلم عنها لأنها خبرة تذوق ما لا يُعبر عنه او يُنطق به، لأن كل من يحاول أن يشرح ماهية محبة الله، فلن يثبت غير جهله وشقاء نفسه، لأنها لا توصف إنما تُعلن ويدخل الإنسان في دائرتها بعمل روح الله الذي يسكبها في قلوبنا.
فتوبوا وآمنوا بالإنجيل وصدقوا أن المسيح الرب أتى ليغرس نفسه فينا باتحاد حقيقي لا يقبل الافتراق، أحبوه واطلبوه بكل قلبكم ليلاً ونهاراً باستمرار بلا توقف، لا تسكتوا ولا تدعوه بسكت، لأنه لن يعمل فيكم وانتم مهملين سماعه، ولا تصغون للعهد الجديد الذي فيه أُعلن بر الله بالإيمان بيسوع المسيح رأسنا الحقيقي الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا.
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مزمور 103 | العرش الإلهي
شرح وتفسير المزمور الأول الغرس الإلهي
الصليب والعرش الإلهى
الصليب والعرش الإلهي
الصليب والعرش الإلهى


الساعة الآن 03:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024