الآلام النفسية
ذاق الآلام النفسية منذ ولادته فقد أخضع نفسه لكل ما للطبيعة البشرية:
1- لأنه أخلى نفسه من مجده وأخذ صورة العبد "أخلى نفسه آخذاً صورة عبد"(1) "إنه من أجلكم أفتقر وهو غنى لكى تستغنوا أنتم بفقره"(2).
2- "ومن ثم كان ينبغى أن يشبه إخوته فى كل شئ لكى يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً فى ما لله حتى يكفر خطايا الشعب. لأنه فيما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين"(3) لذا يقول الكتاب "كان مجرباً مثلنا فى كل شئ بلا خطية"(4).
ولأنه جاء لكى يتألم فقد ذاق الألم منذ ولادته إذ ولد فى مذود البقر كأفقر طفل(5) ولما كبر لما يكن "له أين يسند رأسه"(6) فوصفه الكتاب بأنه "رجل أوجاع ومختبر الحزن"(7). جاء لكى يتألم، فقد كان محتوماً أن "يتألم مراراً كثيرة منذ تأسس العالم"(8) ودعا الكتاب آلامه ب "الآلام التى للمسيح"(9).
وكانت آلامه النفسية تشمل:
- آلام الرفض من أمته التى رفضته فرفضها:
"جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله"(10).
" يا أورشليم.. كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحها ولم تريدوا. هوذا بينكم يترك لكم خراباً"(11).
ومن فرط حزنه على أمته "بكى عليها"(12).
- آلام بسبب شك تلاميذه فيه ليلة القبض عليه وتركهم له وحيداً(13).
- آلام بسبب خيانة يهوذا له وبيعه بثلاثين من الفضة(14).
- آلام بسبب إنكار بطرس له أمام جارية وبعض الخدم(15).
- وما حدث له منذ لحظة القبض عليه وحتى صلبه ودفنه. كانت آلامه النفسية مرة وقاسية كالموت، فقد ذاق ألم البصق فى الوجه واللطم واللكم والسخرية والاحتقار فحق فيه قول الكتاب: "أما أنا فدودة لا إنسان. عار عند البشر ومحتقر الشعب"(16).
(أ) فقد سخر منه رئيس الكهنة ورؤساء اليهود وبصقوا فى وجهه ولكموه ولطموه ساخرين قائلين "تنبأ لنا أيها المسيح من ضربك"(17) وذلك بعد أن شهدوا عليه زورا(18). وأدعوا عليه أمام بيلاطس أنه "يفسد الأمة ويمنع أن تعطى جزية ليقصر قائلاً أنه مسيح، ملك"(19) مع أنه سبق أن قال لهم "أعطوا ما ليقصر لقيصر وما لله لله"(20) كما أدعوا أنه "فاعل شر"(21).
(ب) سخر منه هيرودس الملك واحتقره مع عسكره "وأستهزأ به وألبسه لباساً لامعاً"(22) سخرية به وإحتقاراً له.
(ج) سخر منه الجنود الرومان وأحتقره وأستهزأوه به وألبسوه أرجواناً وضفروا أكليلاً من شوك ووضعوه عليه" وكانوا يسخرون منه قائلين "السلام يا ملك اليهود. وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه ثم يسجدون له جاثيين على ركبهم. وبعد ما أستهزأوا به نزعوا عنه الأرجوان وألبسوه ثيابه وخرجوا به ليصلب"(23).
(د) جلده بيلاطس كنوع من التأديب "فأنا أؤدبه وأطلقه"(24) ثم أسلمه ليصلب. فذاق المسيح من ظلم اليهود الذين حكموا عليه بالموت زوراً وظلماً، وظلم بيلاطس الذى جلده وصلبه وهو يعلم أنه برئ(25).
(و) لم يشفق عليه قومه لحظة واحده ولما أحسوا أن بيلاطس يمكن أن يطلقه صرخوا قائلين "أصلبه أصلبه"(26) "دمه علينا وعلى أولادنا"(27) مع أنه الذى شفى مرضاهم وأقام موتاهم وكان يجول بينهم " يصنع خيراً ويشفى جميع المتسلط عليهم إبليس"(28). ولم يشفقوا عليه حتى وهو على الصليب يحتمل كل أنواع الآلام فسخروا منه وأستهزأوا به وعيروه(29). فأنطبق عليهم وعليه ما سبق أن تنبأ به داود ورأه بعين الوحى وكأنه كان جالساً تحت الصليب يدون ما يراه قائلاً بلسان المسيح:
"إلهى إلهى لماذا تركتنى... أما أنا فدودة لا إنسان. عار عند البشر ومحتقر الشعب. كل الذين يروننى يستهزئون بى. يفغرون الشفاه وينعصون الرأس قائلين أتكل على الرب فلينجه. لينقذه لأنه سر به... أحاطت بى ثيران كثيرة. أقوياء باشان أكتنفتنى... لأنه أحاط بى كلاب جماعة من الأشرار أكتنفتنى. ثقبوا يدى ورجلى. أحصى كل عظامى. وهم ينظرون ويتفرسون فى. يقسمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون"(30).