إيليا وغضب الله المعلن من السماء على ممالك الشر
- قساوة البشر تجلب عليهم الغضب الإلهي:
إن كثرة الشر والفجور تقسي قلب الإنسان، وتعدمه الحكمة فلا يلتفت للتعليم أو للنصح أو التأديب، كقول سليمان الحكيم: "اَلانْتِهَارُ يُؤَثِّرُ فِي الْحَكِيمِ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ جَلْدَةٍ فِي الْجَاهِلِ" (أم١٧: ١٠). ولهذا يجلب الأشرار على أنفسهم غضب الله الشديد، وعقابه. لقد تأنى الله على فرعون مصر زمن موسى النبي، ولم يشأ أن يهلكه؛ فأتى عليه وعلى شعبه بعشر ضربات تدرجت في شدتها، لكنه قسى قلبه، وأخيرًا تركه لقساوة قلبه؛ فجلب لنفسه قضاء الله العادل كقول الكتاب: "لأَنَّ غَضَبَ اللهِ مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، الَّذِينَ يَحْجِزُونَ الْحَقَّ بِالإِثْمِ" (رو١: ١٨). وأيضًا قوله: "شِدَّةٌ وَضِيقٌ، عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ الشَّرَّ: الْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ الْيُونَانِيِّ. وَمَجْدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلاَمٌ لِكُلِّ مَنْ يَفْعَلُ الصَّلاَحَ: الْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ الْيُونَانِيِّ" (رو٢: ٩- ١٠). لقد أكد سفر الرؤيا قساوة الأشرار، وعنادهم في نهاية الأزمنة قائلًا: "فَاحْتَرَقَ النَّاسُ احْتِرَاقًا عَظِيمًا، وَجَدَّفُوا عَلَى اسْمِ اللهِ الَّذِي لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى هذِهِ الضَّرَبَاتِ، وَلَمْ يَتُوبُوا لِيُعْطُوهُ مَجْدًا" (رؤ١٦: ٩).
- تفشي الشر يستدعي الضربات، والتأديبات الإلهية الموجعة:
قد أكد إشعياء النبي ذلك المفهوم عن خراب الأرض كلها في نهاية الأزمنة بسبب انتشار الشرور، والفجور والقساوة في أنحاء المسكونة قائلًا: "وَالأَرْضُ تَدَنَّسَتْ تَحْتَ سُكَّانِهَا لأَنَّهُمْ تَعَدَّوْا الشَّرَائِعَ، غَيَّرُوا الْفَرِيضَةَ، نَكَثُوا الْعَهْدَ الأَبَدِيَّ. لِذلِكَ لَعْنَةٌ أَكَلَتِ الأَرْضَ وَعُوقِبَ السَّاكِنُونَ فِيهَا. لِذلِكَ احْتَرَقَ سُكَّانُ الأَرْضِ وَبَقِيَ أُنَاسٌ قَلاَئِلُ" (إش٢٤: ٥- ٦).
- بيت آخاب مكدر مملكة إسرائيل:
عم الشر مملكة إسرائيل (مملكة بيت آخاب) في زمن إيليا النبي.. الملك، وحكومته، وشعبه، ولهذا ضرب الرب مملكة إسرائيل في ذلك الزمان بضربات شاملة أصابت المملكة كلها في اقتصادها (الجفاف والمجاعة)، وفي قوتها الحربية ممثلة في حرق مجموعتين من الجنود بصلاة إيليا النبي، وأيضًا في سلطاتها ممثلة في نبوات إيليا النبي بموت آخاب، وأخزيا، وانتهاء ملك عائلتهم. لقد كشف النبي لآخاب الشرير (الذي اتهمه بالمسؤولية عن تلك الضربات) سبب الضربات الموجعة قائلًا له: "وَلَمَّا رَأَى أَخْآبُ إِيلِيَّا قَالَ لَهُ أَخْآبُ: "أَأَنْتَ هُوَ مُكَدِّرُ إِسْرَائِيلَ؟" فَقَالَ: "لَمْ أُكَدِّرْ إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتَ وَبَيْتُ أَبِيكَ بِتَرْكِكُمْ وَصَايَا الرَّبِّ وَبِسَيْرِكَ وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ" (١مل١٨: ١٧- ١٨).
- ضربات السماء في عهد إيليا النبي صورة مبسطة لأحداث نهاية الأزمنة:
هناك شبه كبير بين الضربات التي وقعت في عهد إيليا النبي، وجامات غضب الله، التي سيصبها الله على مملكة الوحش في آخر الأيام "ثُمَّ رَأَيْتُ آيَةً أُخْرَى فِي السَّمَاءِ، عَظِيمَةً وَعَجِيبَةً: سَبْعَةَ مَلاَئِكَةٍ مَعَهُمُ السَّبْعُ الضَّرَبَاتُ الأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ اللهِ" (رؤ١٥: ١). إن السبب في كلتا الحالتين واحد، وهو: قساوة القلب، وعدم التوبة كقول الكتاب: "ثُمَّ سَكَبَ الْمَلاَكُ الخَامِسُ جَامَهُ عَلَى عَرْشِ الْوَحْشِ، فَصَارَتْ مَمْلَكَتُهُ مُظْلِمَةً. وَكَانُوا يَعَضُّونَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْوَجَعِ. وَجَدَّفُوا عَلَى إِلهِ السَّمَاءِ مِنْ أَوْجَاعِهِمْ وَمِنْ قُرُوحِهِمْ، وَلَمْ يَتُوبُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ" (رؤ١٦: ١٠- ١١).