تخيلوا سكان الجحيم وكيف يحسدون الناس على السنوات التي يمرحون فيها، وتلك التي تضيع منهم، ويتعجبون كيف يغفل الناس أمر خلاصهم ولا يفتدون الوقت، لقد طلب الغنى من أبينا إبراهيم أن يرسل من يحذر عائلته في العالم، لئلا يواجهوا المصير ذاته.
وتخيلوا أن واحدًا من سكان الجحيم أتيحت له الفرصة ليعود ويحيا عدة أسابيع هنا؟ ماذا سيصنع فيها وكيف سيسلك، لاشك أنه لن يضيّع ثانية واحدة دون ثمر.
وفي سير الآباء نقرأ أنه عند نياحة أحد الآباء رآه الرهبان الجلوس حوله يبكى وكان شيخًا مجاهدًا، فلما سألوه ثانية كم من الوقت يريد، أجابولو يوم واحد. فقالوا له: وماذا تصنع في ذالك اليوم الواحد أكثر مما فعلت في هذا العمر الطويل .. فقال: وإن لم أستطع صنع شيء فعلى الأقل أبكى!!
كانت أعمار الناس في البداية مئات السنين مثل متوشالحوآدم. أما الآن فهي قليلة ورديئة، وتحتاج إلى مضاعفة الجهاد، ولذلك فعندما أرادت الشياطين خداع أحد القديسين بأن يترفق بنفسه إذ ما يزال أمامه متسع من الوقت (25 سنة) أجابهم شاكرًا إياهم فقد نبهوه ليجاهد أكثر، فقد كان يظن أنه سيحيا خمسون سنة!!
بل أن هناك لحظات في حياة الإنسان تساوى الكثير، مثل لحظة اتخذ فيها قرار رهبنة أو تكريس... أو التخلي عن خطية ما أو عادة ما. أو لحظة قال فيها كلمة جيدة، قد تساوى تلك اللحظة سنوات من التكاسل وتفوقها... كلمة خلدت وخلّدته. بل أنه من الممكن أن تتحدد مصائر شعوبًا بالكامل بكلمة واحدة في لحظات.
إن ما نستطيع تحقيقه اليوم في ساعات قد لا نستطيعه في شهور في مرحلة لاحقة من حياتنا، والذي يتعب في شبابه سيفرح في كبره، بل أن التوقف عن العمل يحسب خطية في حد ذاته، إن صاحب الوزنة الواحدة لم يعاقب لأنه أضاعها بل لأنه لم يستثمرها (مت25) وعلينا أن نتذكر أن أعظم عطية معنا الآن هي أننا لا نزال موجودين، ونصلى كل يوم – في صلاة الشكر- شاكرين الله لأنه أتى بنا إلى هذه الساعة، فكثيرين كانوا معنا العام الماضي وليسوا معنا اليوم، وآخرين كانوا على قيد الحياة منذ ساعات والآن في عداد المنتقلين... إن الوقت الذي نفتديه الآن بالعمل والثمر الروحي يحسب كقطرة ماء إلى جوار محيط، وإذا ما قيس بالأبدية أو حبة رمل في صحراء ...