رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فيلبس المبشر " ففتح فيلبس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع " مقدمة كان هناك شاب فرنسى مسيحى اسمه استفن جريلت ، وقد أحس فى أعماق نفسه، وهو فى كندا ، أنه يلزم أن يذهب إلى غابة هناك ليعظ ، وضغط عليه الصوت فأطاع ، وذهب إلى الغابة، لكنه لم يجد هناك من يعظهم ، وهمَّ أن ينصرف ، ولكن الصوت ألح عليه أن يعظ ، فما كان منه إلا أن استجاب للصوت ، وأخذ يلقى كلمته على الأشجار ، ثم عاد إلى مكانه ، وبعد عدة سنوات التقى جريلت بمن يصافحه بحرارة ، ويقول له إنك لا تعرفنى ، ولكنك لا شك تذكر أنك وعظت يوماً ما فى الغابة دون أن ترى أحداً ، .. لقد كنت هناك مختبئا، أعد نفسى للسرقة وسمعت وأنا فى الخفاء عظتك ، وجاءت بى هذه العظة إلى اللّه ، وإلى خدمة السيد ، بعيداً عن الشر والسرقــــة وخدمة الشيطان !! .. لم يكن يعلم فيلبس وهو يترك خدمته العظيمة فى السامرة ، انصاتاً لصوت اللّه الواضح له ، بالذهاب إلى البرية ، أنه سيلتقى هناك بصيد كبير للمسيح ممثلاً فى وزير كنداكة ملكة الحبشة ، الرجل الذى ذهب فى رحلة إلى أورشليم وعاد منها ، ليقطع ألف ميل ، والذى يقول التقليد أن اسمه " انديك " وأنه عاد إلى بلاده مسيحياً ، وأنه - على ما يذكر يواسبيوس وايرنياوس مؤسس المسيحية فى الحبشة !! .. كان فيلبس قريناً ورفيقاً لاستفانوس ، وذهب استفانوس شهيد الرسالة المسيحية ، وانطلق فيلبس فى وجه الاضطهاد القاسى شاهدا بهذه الرسالة عينها ، .. وقصته من أجمل القصص التى يلزم أن تروى وتذكر ، ونحن نتأملها لأجل ذلك فيما يلى : فيلبس ومن هو !! ؟ كان فيلبس كما نعلم واحداً من السبعة الذين اختيروا لخدمة الشموسية وكل ما ذكرناه عن خلال استفانوس وصفاته ، يصلح أيضاً أن يكون عن فيلبس ، وعلى وجه الخصوص أنه كان الثانى بين الشمامسة السبعة ، الذى لم تقتصر خدمته على مجرد المساندة والمساعدة فى كافة الأمور المالية التى تقع على عاتق الشماس أساساً ، ... ونحن لا نود أن نعود إلى تكرار ما ذكرناه عن استفانوس ، ولكننا نحيل القارئ إلى ما سبق ذكره عن الصفات التى ينبغى أن تتوفر فى الشماس وخدمته ، ونود أن نركز هنا على ما نراه ، من خلال الدراسة الكتابية ، فى شخصية فيلبس ومميزات حياته ، ويبدو أن اللّه وضعه واحداً من أعظم النماذج للفرد الممتاز فى الكنيسة!. لم يكن فيلبس رسولا من الرسل الاثنى عشر ، ولم يكن أسقفاً أو شيخاً مرتسماً للخدمة الرعوية، لقد كان فى الصف الخلفى أو فى مقعد الشعب لا يزيد امتيازه عن أى عضو عادى فى الكنيسة ، ... ولكن فيلبس كان يفهم بعمق معنى العضوية الكنسية ، وإن العضو يستطيع أن يقوم بكافة الأعمال الكنسية ، ولذلك لم يتردد الرجل قط فى أن يتولى معمودية الوزير فى البرية ، فهو شماس ، وهو مبشر ، وهو معمد ، وهو كل شئ فى خدمة سيده حيث ينبغى أن تكون الخدمة ومداها وتأثيرها وعمقها !! .. ولعلنا نستطيع أن نتابع امتيازاته من هذا القبيل فى : فيلبس المؤمن ذو الأذن الصاغية لو أننا قرأنا قصته بإمعان وهو يتحول من نهضة السامرة إلى الذهاب إلى البرية، لأدركنا أن هذا الرجل كان ذا أذن صاغية : " ثم إن ملاك الرب كلم فيلبس " ، " فقال الروح لفيلبس " .. (أع 8 : 26 و 29 ) ومع أن النبوة التى ذكرها إشعياء كانت تتكلم أساساً عن أذن الرب الصاغية : " أعطانى السيد الرب لسان المتعلمين لأعرف أن أغيث المعيى بكلمة ، يوقظ كل صباح ، يوقظ لى أذناً لأسمع كالمتعلمين. السيد الرب فتح لى أذناً وأنا لم أعاند " ( إش 50 : 4 و 5 ) ... إلا أنه لا شبهة فى أن التلميذ يمكن أن يكون كمعلمه ، وأنه ينبغى أن يتدرب على سماع صوت السيد إلى أعماق النفس تحقيقاً لقوله : " والخراف تسمع صوته ... خرافى تسمع صوتى وأنا أعرفها فتتبعنى " ( يو 10 : 3 ، 27 ) ... ومع أننا لا نعلم كيف تكلم الملاك إلى فيلبس ، وهل ظهر له ظهوراً مادياً أم خاطبه فى رؤيا أم أقنعه فى السريرة ، إلا أننا على أية حال نرى رجلاً مدرباً على الإنصات لروح اللّه الذى يتكلم إليه ، ... ومن الواضح أن الروح كان يتكلم إليه بجلاء كما يكلم الرجل صاحبه بتحديد لا يقبل التردد أو الشك ، مما جعله يترك نهضته العظيمة ليذهب إلى البرية، وهو يتوقع أن شيئاً ما لابد سيلاقيه فى الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزة ... لست أعلم هل وعى المؤمنون هذا الدرس ، وهل استطاع الكثيرون أن يستوعبوه فى حياتهم ويعيشوه فى مختلف الظروف التى تمر بهم ، إن سر المأساة التى يعانيها الملايين من أبناء اللّه هو أن صوت اللّه ما يزال لهم بعيداً عن الوضوح ، وقد يختلط فى حياتهم بالأصوات التى تأتى من العالم أو الضجيج البشرى ، وأنهم لم يدربوا أذانهم بالإنصات ، وحياتهم بالطاعة ، لكى يتقدموا يوماً وراء يوم فى الإنصات إلى الصوت الإلهى الذى قد ينقلهم من المدينة إلى البرية أو العكس بشرط أن يحسنوا التأمل والإصغاء .. كان فيلبس المبشر واحداً من العلمانيين المبرزين الذى يعرفون بالتأكيد أين ومتى وكيف يتكلم اللّه إليهم !! فيلبس المؤمن ذو البيت المتعبد إذا كان الإصغاء إلى صوت اللّه يعتبر إحساساً فردياً يتميز به الضمير المتيقظ للمرء على حدة ، فإن فيلبس كان يحمل أيضاً ميزة أخرى أسمى وأروع ، يبدو أن فيلبس كان أصلا من أهل قيصرية ، وأن بولس فى رحلته الأخيرة إلى أورشليم مع رفقائه كان مقامهم فى بيت فيلبس فى قيصرية : " ثم خرجنا فى الغد نحن رفقاء بولس وجئنا إلى قيصرية فدخلنا بيت فيلبس المبشر إذ كان واحـداً من السبعـة أقمنـا عنـده ، وكان لهذا أربع بنـات عـذارى كن يتنبأن " . ( أع 21 : 8، 9).. ولم يكن فيلبس إذاً وحده الذى يملك حاسة الاصغاء ، بل كانت لبناته أيضاً هذه الحاسة المدربة من اللّه ، ... وهذا يكشف لنا عن بيت تميز بسمع الصوت الإلهى بوضوح نادر ، قل أن يكون له نظير فى غيره من البيوت ، ومن المتصور أن هذا البيت الذى يسمع حديث اللّه وإرشاده وأمره ، لابد أنه البيت الذى لا نسمع فيه أصوات العالم أو أغانيه أو ألفاظه أو أسبابه أو ما أشبه من أصوات قبيحة منكرة تغطيها الجــــــدران أو تعجز عن أن تغطيها على حد سواء!!.. فيلبس المؤمن ذو الكتاب المفتوح على أن أوضح هذه الأصوات ولا شك كان صوت كتاب اللّه المفتوح فى بيت الرجل ، ... ومن المؤكد أن الرجل الذى قاد وزير كنداكة إلى المسيح إذ سمعه يقرأ إشعياء ، كان دون أدنى تردد الرجل الذى يشرب ويرتوى من الكلمة الإلهية والتى علمها أيضاً لبيته ، والتى يستطيع أن يفسرها للقاصى والدانى ، ... كان صديقاً محباً للكتاب المقدس ، وكان الرجل الذى يعرف كتابه ليقول : " وجد كلامك فأكلته فكان كلامك لى للفرح ولبهجة قلبى !! .. ( إر 15 : 16 ) والحقيقة التى لا شبهة فيها هى أن أعظم ما يؤثر فى حياة العلمانى كفرد أو كبيت هو ارتباطه بكلمة اللّه على النحو الثابت والعظيم ، وهذا هو السر وراء الترجمات المختلفة لكتاب اللّه ، .. فإذا كان العهد القديم قد ظهر باللغة العبرانية ، إلا أن اليهود الذين عاشوا فى الإسكندرية وكانوا يتكلمون اليونانية ، كانوا فى حاجة إليه ، ومن ثم اشترك سبعون عالماً فى ترجمته إلى اليونانية وهى الترجمة المعروفة بالسبعينية ، وكان وزير كنداكه ، كما هو واضح يقرأ فى الترجمة السبعينية عندما التقى به فيلبس ، إذ أن الاقتباس المأخوذ من إشعياء كان قد جاء مترجماً فى السبعينية ... واجتهد جيروم فى ترجمة الكتاب للرومان إلى اللغة اللاتينية وهى الترجمة المعروفة بالفولجاتا ، وقضى فى سبيل ذلك خمسة وثلاثين عاماً فى مغارة فى بيت لحم ، وبعد قرون أخذ الراهب الإنجليزى بيد يترجم بعض الأجزاء إلى اللغة الإنجليزية ، ثم ظهرت ترجمة جون ويكلف عام 1383 وهى أول ترجمة كاملة بالإنجليزية ، وكان الكتاب ينسخ بسعر عال بخط اليد . وفى عام 1534 ترجم مارتن لوثر الكتاب إلى اللغة الألمانية ، وظهرت ترجمة الملك جيمس الإنجليزية فى عام 1611، وهكذا توالت الترجمات للكتاب الذى ترك ، ومايزال إلى اليوم ، أعظم الاثار فى حياة الأفراد والبيوت ، بل الجنس البشرى بأكمله . فيلبس المؤمن الذى يكرز بسيده على أن امتياز الرجل الأعظم أنه كان يعرف سيده الذى يبشر به ، وينادى باسمه، لقد أطلقوا عليه " المبشر " ، لأنه تمتع بالسيد وكرز به للآخرين . كان المسيح قبلة نظر فيلبس ومركز الدائرة فى حياته !! .. لما كان نابليون شاباً كان ينام فى غرفة فى كورسيكا معلق على جدرانها رسوم وقصص أبطال اليونان ، كان مفتوناً بقوة أخيل وعظمة أجاممنون وبالكثيرين من الأبطال القدماء الذين وضعهم نصب عينيه ، ... والمسيحى الحقيقى مهما يظهر أمامه من أبطال ، .. فإن سيده ، الأعظم من الكل ، هو الذى ينبغى أن يتجه إليه بكل قلبه ومشاعره وحياته ، مهما تلونت الظروف والأحوال ، فى النجاح أو الفشل على حد سواء !! .. خسر تاجر مسيحى ثروته فحزن حزناً شديداً وكان الرجل مؤمناً وعائلته مؤمنة أيضاً ، فاجتمع أفراد العائلة حوله يواسونه ويشددونه . قالت الزوجة : كيف تقول إنك خسرت كل شئ، أنسيتنا!!؟ والدتك وأنا .. وقاطعتها طفلتهما الصغيرة الجميلة وهى تقول : وأنا يا أبى !! .. وقالت زوجته : وصحتك أنها ثروة كبيرة ... وهنا قالت والدته : ويسوع يا ابنى!!.. وهنا رفع الرجل وكأنما يستفيق من الدوامة القاسية ، وصاح : أجل!! لقد بقى لى يسوع ، وإذ يبقى يسوع ، فإن لنا فيه ومعه كل شئ ... لا أعلم ماذا كان لفيلبس وماذا أصابه من نجاح أو فشل مادى !! .. ولكنى أعلم أنه كان غنياً بالسيد الذى عاش يبشر به !! فيلبس المبشر الناجح إذا كان فيلبس ( رغم أنه لم يكن كاهناً أو أسقفاً ) يعتبر من أنجح المبشرين فإن نجاحه يرجع كما هو واضح لأسباب كثيرة لعل أشهرها : فيلبس المبشر غير المرتسم لم يعتذر فيلبس قط بأن رسالته داخل الكنيسة التى خصصت له الاهتمام بالأمور المادية التى يمكن أن تستحوذ على كل وقته ، ولم يحمل الإنجيل الاجتماعى كرسالته الوحيدة بين الناس ، ولم يقل على الإطلاق ، لقد وزعت الخدمة فى الكنيسة فترك للرسل الخدمة المختصة بإنجيل الخلاص ، والمناداة بالكلمة الإلهية،.. إن فيلبس يوبخ إلى اليوم آلاف الخدام الذين هربوا ، عن قصد وعن غير قصد بعيداً عن مشقة الخدمة وعارها وتعبها ، إلى الغرف الوثيرة المكيفة ، والعمل الإدارى الواسع بحجة أنه من صميم الخدمة التى عليهم أن يقوموا بها ، لقد أدرك أن الخدمة أولا وأخيراً ينبغى أن تكون خدمة التبشير ، ... وأن الكنيسة يقاس نجاحها لا بعبقرية وعاظها ورعاتها الذين قد يهزون المنابر هزاً ، ويرفعون أصواتهم بالبلاغة والفصاحة ، بل أنها تقاس فى الواقع بكل عضو فيها يعلم أنه مدعو لخدمة الإنجيل ، وأينما ينتقل ويذهب ، فهو الإنجيل المتحرك لمجد يسوع المسيح !! .. ولا حاجة إلى القول إنه كلما تقلص دور العضو فى رسالة الخلاص ، كلما ضعفت الكنيسة ، وكلما وهن أثرها ، وكلما تساقطت النفوس الهالكة من حولها يوماً وراء يوم ، لأن الراعى أو القسيس ، مهما كانت قوته ، لا يستطيع أن يصل إلى كل نفس فى دائرة رعويته بدون مساندة الرعية ومعاونتها وخدمتهم !! فيلبس المبشر الذى لم يسكته الاضطهاد القاسى بعد موت استفانوس حدث أعنف اضطهاد وقع على الكنيسة ، وكان بطله الظاهر شاول الطرسوسى الذى كان كالوحش الزائر ينفث تهدداً وقتلا على جميع تلاميذ الرب ، وكانت الفرصة مؤاتية للمضطهدين بعد دعوة بيلاطس البنطى إلى روما ، وقبل أن يحل محله وال آخر، وإذا كان من السهل فى العادة أن نفهم غضب الشيطان الذى يريد أن يبيد الكنيسة بالاضطهاد ، فمن الصعب أن نفهم حكمة الله فى السماح بالاضطهاد ، ولكن المعجزة العجيبة هى أن الاضطهاد يغير المواقع ، ويأتى بعكس ما يتصور الشيطان والناس ، ... والدليل هنا واضح .. ظل التلاميذ فى مدينة أورشليم ما يقرب من ستة أعوام ما بين يوم الخمسين وموت استفانوس دون أن يتحركوا للتبشير والخدمة والشهادة خارجها ، وأغلب الظن أنهم كانوا سيظلون هكذا حتى تأتى قوة دافعة تخرجهم عن نطاقهم الضيق ، وجاءت هذه القوة بالاضطهاد الذى شتتهم فى كور اليهودية والسامرة ، قصد الشيطان بالاضطهاد قتل الكنيسة فى مهدها ، وقصد اللّه بالاضطهاد دفعها إلى الأمام بقـوة عارمة ، " فالذيـن تشتتـوا جالوا مبشريـن بالكلمة ، ( أع 8 : 4 ).. وكان يمكن لفيلبس أن يقول لقد فتح استفانوس فمه فدفع حياته ثمناً لما تكلم به ، والحكمة فى وقت الاضطهاد تقتضى عدم الكلام ، ... لكن فيلبس على العكس ، وهو هارب من مدينة أورشليم ينتهى إلى مدينة من السامرة يرجح البعض أنهـا " سبست " التى أعطاها أغسطس قيصر لهيرودس الكبير ، وربما كان فى طريقه إلى مدينة قيصرية حيث موطنه ومسكنه ، ( أع 12 :8) وهنا فى السامرة ينادى برسالة الخلاص !! ... وقبلت السامرة الكلمة الإلهية ، وجاء الاضطهاد بعكس ما كان يحلم الشيطان !! .. قال مارتن لوثر على قبر اثنين من الشهـداء ماتا من أجــــــــل المســــــيح : " ادفعهما للرياح العاتية . واطرحهما فى أعماق البحار .. فإن رمادهما سيتجمع مرة أخرى ، وفى تربة هذا الرماد سيقوم زرع يثمر بالشهادة لمجد اللّه ، استلم المسيح روحيهما ، ولا يستطيع الشيطان أن يفتخر بالانتصار على الموتى . فمازالا ومازالا ، وإن ماتا ، يتكلمان ، والألسنة المبوقة ستعلن لبلاد كثيرة عن مجد المسيح المظفر " ... إن الاضطهاد لا ينبغى أن يوقف المبشر الناجح عن خدمة الإنجيل !! . فيلبس المبشر الناجح فى العمل الفردى بعض الناس يظنون أن النجاح يتم فقط فى النهضات العارمة ، وكلما أبصروا الجماهير تقدم على اجتماعات النهضة ، كلما أيقنوا أن نجاحهم عظيم ، وربحهم مغر على البقاء فى المكان ،... على أن فيلبس كان يعلم تماماً أن صيد النفوس يمكن أن يكون بالشبكة التى تجمع الكثير داخلها ، ويمكن أن يكون بالصنارة التى تمسك سمكة واحدة ، وإذا كان فيلبس فى السامرة قد استخدم الشبكة، فإنه فى البرية قد استخدم الصنارة ، ... جاءه صوت اللّه أن يترك النهضة الشاملة التى يقوم بها ، ويترك السامرة ، ويذهب إلى الصحراء ، ... وشخص آخر غير هذا الرجل كان يتردد فى القبول ، هل يترك الجماهير المقبلة عليه ، والتى تسمعه يوماً وراء آخر بنفس واحدة وإصغاء عظيم ، ويذهب إلى البرية حيث لا يوجد أحد ، وحيث لا يرى الآلاف المؤلفة التى تستمع إلى خدمته كل صباح وكل مساء ، ... إنها تجربة عظيمة للواعظ ، ... ولكن فيلبس لم يتردد فى تغيير الموقع لأنه كان شديد اليقين بأن عمل اللّه ينتظره فى المكان المهجور ، كما فى المكان العظيم سواء بسواء !! .. إن هذا الدرس لا يعرفه كما قلنا سوى الممتلئين من روح اللّه ، والخاضعين فى طاعة كاملة لصوته الإلهى ، وهم على استعداد لأن يتعاملون مع عشرات الألوف من الناس ، كما يتعاملون مع الفرد الواحد بالتمام ، ماداموا يتأكدون أنهم لا يتخطون فى الخدمة خبط عشواء ، بل يخضعون لتخطيط إلهى يسيرون عليه ويتقدمون بموجبه !! .. فيلبس المبشر الذى يبذل ذاته بالتمام فى الخدمة كان فيلبس يحمل سمة المبشر العظيم الذى لا يخدم بجزء من كيانه ، أو بعض قلبه ، بل الذى يحيا الخدمة بكل قدراته ومشاعره ، فهو الذى يصب ثقله الكامل فيها ، إذا جاز التعبير ، إن الخدمة عند بعض الخدام نوع من الواجب ، يقومون به، كمهنة لابد منها ، أو كعمل يحتمه ما ألف الناس من تقاليد أو منفعة ، دون أن تكون عصير قلوبهم ، وسكيب حبهم لسيدهم وربهم ، لكنها لم تكن كذلك عند فيلبس ، إنك إذ تلاحظ خدمته فى السامرة : " وكان الجموع يصغون بنفس واحدة إلى ما يقوله فيلبس عند استماعهم ونظرهم الآيات التى صنعها . لأن كثيرين من الذين بهم أرواح نجسة كانت تخرج صارخة بصوت عظيم . وكثيرون من المفلوجين والعرج شفـــوا " ... وفى البرية : " فبادر إليه فيلبس " وتعنى فى الأصل ركض ليقترب من مركبة الوزير ، ... إنه الرجل الراكض الملتهب فى الخدمة المقدسة !! .. كانت الخدمة من جانب فيلبس تحمل ذات الإحساس الذى ملأ يوحنا نوكس وهو يصرخ إلى اللّه قائلا : هبنى اسكتلندا وإلا فأنا أموت !! .. وعندما يشعر الخادم بأن الخدمة التى يقدمها تعنى تماماً الحياة أو الموت بالنسبة له ، فنحن بصدد الخادم الذى لابد أن يجد ثمراً متكاثراً فى الخدمة !!.. فيلبس المبشر الذى كان سلاحه الكلمة الإلهية كانت قوة فيلبس فى اعتماده على كلمة اللّه ، والتى هى سيف الروح الذى يخترق القلوب ، ويدخل إلى النخاع فى أعماق الإنسان . والمشهد العظيم لسلطان هذه الكلمة، نجده فى ذلك الحوار الرائع الذى دار بينه وبين وزير كنداكة ، ومن واجبنا أن نحيى الوزير هنا الذى لم يكن يقرأ الكلمة فحسب ، بل يقرؤها بصوت عال مسموع ، وهنا نسأل السؤال الذى وجهه ألكسندر هوايت للكثيرين فى رحلاتهم : هل يحملون الكتاب المقدس معهم فى الرحلة ، وهل يهتمون بقراءتها وهم على سفر فى مركباتهم أو فى قطارات السكك الحديدية أو ما أشبه من وسائل المواصلات ،... أم يصحبون غيره من الكتب والمجلات والصحف وغيرها مما " يقتلون " به وقتهم!! .. لكن وزير كنداكة كان يحمل كتاب الكتب ، كان يحمل العهد القديم معه، فى سفرته وعودته إلى بلاده ، وكان يقرأ بصوت مسموع كتاباً مغلقاً بالنسبة له ، .. ولكنه مفتوح بالنسبة لفيلبس الواعظ المبشر . هل يدرك المبشرون والوعاظ كم فى الكلمة الإلهية من قوة وفاعلية وحياة : " لأن كلمة اللّه حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته " ( عب 4 : 12 ) .. وإذا كان هناك من أمل فى أى عصر من العصور ، فإن هذا الأمل مرتبط بالكتاب المقدس ، ويسرنا أن الاتجاه فى الكنائس التقليدية الآن سواء كان فى الكنيسة الكاثوليكية أو الأرثوذكسية هو نحو دراسة الكتاب المقدس ، ... ونحن نذكر خادماً كاثوليكياً آمن برسالة الكتاب قبل أن تفتح الكنيسة فى ذلك العهد الباب أمام الشعب لدراسته ، وكان اسمه بدراجون ونفته الكنيسة الكاثوليكية إلى جزيرة بنايا إحدى جزر الفلبين ولكنه كان يعتمد هناك على كلمة اللّه فى تبشير أهل الجزيرة ، .. وعندما اقترب من نهاية حياته ، قال لأهل الجزيرة : سيأتى إليكم يوماً من الأيام مرسلون يعلمونكم هذه الكلمة المباركة ، فانصتوا إليهم واستمعوا إلى رسالتهم ، ... وجاء المرسلون ليجدوا بعد تسعة أشهر من ابتداء خدمتهم أن ثلاثة عشر ألفاً من أبناء الجزيرة يطلبون الانضمام إلى عضوية الكنيسة ، وإذ ذهلوا لهذه النتيجة العجيبة ، عرفوا أن خادماً من خدام اللّه السابقين ألقى البذار التى شقت طريقها فى الأرض الجيدة وأتت بمثل هذا المحصول العظيم الهائل !! .. فيلبس المبشر الذى كان المسيح هدفه الوحيد " فانحدر فيلبس إلى مدينة من السامرة وكان يكرز لهم بالمسيح" ، " ففتح فيلبس فاه وابتدأ من هذا الكتاب فبشره بيسوع" ( أع 8 : 5 و 35 ). كانت السامرة فى حاجة إلى المسيح ، وكان وزير كنداكة فى حاجة إلى المسيح ، ... وكانت رسالة فيلبس دائماً " المسيح " ، لا تسألنى عن فصاحة الرجل أو قوة بلاغته أو جمال أدائه كواعظ عظيم ممتاز !! ... مهما يحمل من فم ذهبى أو لسان فضى ، فإن عظمة رسالته كامنة فى شخص المسيح ، فإذا جاء سيمون الساحر بسحره ، فإن فى شخصية المسيح ما هو أروع وأسمى وأكثر جاذبية من كل سحر فى الحياة ، ... وإذا كان الوزير يسير فى رحلته مع الحياة ، وهو يبحث عن شئ أكثر من مال الحبشة الذى هو وزير خزائنها ، وعن عظمة الوزارة التى يجلس على كرسيها ، شئ أسمى وأجل وأعظم وأبهج يأخذه لنفسه ولبلاده التى هو عائد إليها ، ... فلا يمكن أن يشبعه سوى يسوع المسيح - وعلى وجه الخصوص - فى حبه وحنوه وإحسانه وصليبه ، ... لست أعتقد كثيراً فى التقليد الذى يقول إن وزير كنداكة ، وقد تحول من الوثنية إلى اليهودية ، قد قبلته ، اليهودية بتحفظ وعدم ترحيب كامل، لأنه كان خصياً ، ومع ذلك فقد كان إنساناً مجداً يبحث فى الظل عن الحق ، وهو شبه ضائع إلى أن أشرق عليه نور المسيح ، ... وهو صورة لملايين الناس التى قد تملك الكثير ولكنها تعيش بؤسها حتى تعرف فرحها الكامل فى الواحد يسوع المسيح !! .. فى أيام نابليون الثالث ذهب شاب من نبلاء فرنسا إلى لندن ليستشير طبيباً شهيراً تخصص فى الأمراض النفسية لأنه كان يعانى حالة خاصة سببت له آلاماً نفسية مريرة ، وبعد أن فحصه الطبيب رأى أن هناك شيئاً يسيطر على فكره ، فسأله ما الذى يزعجك .. هل لديك آمال كبار أخفقت فى تحقيقها !! ؟ فقال : لا ! إنى فى مركز يلائم رغباتى ... فسأله هل لديك متاعب عائلية تقلقك !! ؟ فأجاب : كلا علاقتى العائلية على ما يرام ! ... فسأله : هل لك أعداء تخافهم !! ؟ أجاب : كلا ! فسأله هل فقدت بعض الشهرة فى بلدك فأجاب بالنفى ... تمهل الطبيب قليلا وسأله السؤال الباقى : أى موضوع يتسلط على فكرك أكثر من غيره !! .. وهنا فزع الشاب وقال : إنك تقترب من الموضوع الذى لا أود أن أتحدث عنه .. وهو موضوع الدين . لقد كان والدى ملحداً وكذلك جدى، وسرت وراءهما ، ولكنى منذ ثلاث سنوات والسؤال الذى يطاردنى هو : أين ستقضى الأبدية !! ؟ وظهر أمامى اللّه وكأنما هو جالس على عرشه ليحاسبنى ، ولا أستطيع التخلص من هذه الفكرة!!... وعندئذ قال الطبيب : هل هذا هو الذى سبب لك الفزع ؟ أخشى أنك أخطأت الطبيب !! .. فصرخ الشاب : ألا تستطيع أن تساعدنى ... فقال له : " اجلس وكن هادئاً لقد كنت منذ سنوات ملحداً ولم أكن أومن بااللّه ، وكنت فى نفس الحالة التى أنت عليها الآن ، . ولكن عندى كتاباً قديماً فيه دواؤك " وفتح الطبيب ليقرأ : " وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا " .. وكوزير كنداكة سأل الشاب : ما معنى هذا يا دكتور ؟ فأجاب : إن الرب يسوع المسيح قد أخذ مكان الناس الخطاة وحمل عقابهم ! ... فسأله : هل هذا ممكن يا دكتور ؟ يا له من جمال إلهى عجيب . البار يموت من أجل الخطاة !! .. هذا مدهش . هل تؤمن بهذا يا دكتور!!؟ فأجابه : نعم ، وهذا ما أخرجنى من الظلام إلى النور . فسأله الشاب : وماذا أفعل إذاً!؟ فأجابه : أن تقبل هذا العمل العظيم لنفسك وتستريح فيما عمله لك اللّه الكريم ، وأنا سأصلى من أجلك على أن تعدنى أن تخبرنى بقبولك هذا الخلاص المجانى العظيم!! وبعد أسبوعين من رحيل الشاب إلى فرنسا أرسل يخبره بأنه قبل المسيح مخلصاً ، وأنه شفى تماماً من كل مرضه !! .. أيها القارئ الكريم لعل فرح فيلبس ووزير كنداكة وفرح هذا الشاب الفرنسى ، وفرحى فى المسيح يكون قد وصلك أنت أيضاً لتشترك مع جميع المخلصين على وجــه الأرض بفرح الخلاص الذى لا ينطق به ومجيد !! .. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
فيلبس المبشر الناجح فى العمل الفردى |
فيلبس المبشر غير المرتسم |
فيلبس المبشر الناجح |
رحلة مع الاباء الرسل (فيلبس المبشر) |
فيلبس -المبشر |