رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قدموا أجسادكم ذبيحة _ أنطونيوس قدموا أجسادكم ذبيحة (الرسالة السادسة) للقديس أنطونيوس الكبير من أنطونيوس إلى جميع الاخوة الأعزاء الذين فى أرسينوى (الفيوم) وما حولها، وإلى أولئك الذين معكم، سلام لكم. إليكم جميعًا يا من أعددتم أنفسكم لتأتوا إلى الله. أحييكم يا أحبائى فى الرب من أصغركم إلى أكبركم، رجالاً ونساءً، أنتم الأبناء الإسرائيليون القديسون فى جوهركم العقلى. حقيقة يا أبنائى أن غبطة عظيمة قد أتت إليكم، فما أعظم النعمة التى حلّت عليكم فى أيامكم هذه. ويليق بكم بسببه هو (المسيح) الذى قد افتقدكم، أن لا تكلّوا فى جهادكم حتى تقدموا أنفسكم ذبيحة لله فى كل قداسة. فإنها بدونها لا يستطيع أحد أن ينال الميراث. حقًا يا أحبائى ـ إن هذا أمر عظيم لكم، أن تطلبوا ما يختص بفهم الجوهر العقلى الذى لا يوجد فيه ذكر أو انثى، لكنه كيان غير مائت له بداية لكن ليس له نهاية. وأن تعلموا أن هذا الجوهر العقلى قد سقط فى الهوان والعار العظيم الذى قد اتى علينا جميعًا لكنه جوهر غير مائت لا يفنى مع الجسد ولذلك رأى الله أن جرحه غير قابل للشفاء. ولأنه كان جرحًا خطيرًا هكذا، فإن الله افتقد البشر برحمته ـ ومن صلاحه بعد مرور عدة أزمنة، سلّم لهم ناموسًا لمساعدتهم بواسطة موسى معطي الناموس، وأسس موسى لهم بيت الحق وأراد أن يشفى ذلك الجرح العظيم ولم يستطع أن يكمل بناء هذا البيت. ومرة أخرى اجتمع معًا جوقات القديسين (الأنبياء) وطلبوا رحمة الآب لكى يرسل ابنه، لكى يأتى إلينا لأجل خلاصنا جميعًا. لأنه هو رئيس كهنتنا والأمين والطبيب الحقيقى الذى يستطيع أن يشفى الجرح العظيم. لذلك حسب إرادة الآب، أخلى نفسه من مجده. لقد كان إلهًا وأخذ صورة عبد (في 2). لقد أخذ جسدنا وبذل نفسه لأجل خطايانا، و آثامنا سحقته، وبجراحاته شفينا جميعًا (إش 53). لذلك يا أبنائى الأعزاء فى الرب أريدكم أن تعرفوا، أنه بسبب جهالتنا أخذ شكل الجهالة، وبسبب ضعفنا أخذ شكل الضعف، وبسبب فقرنا أخذ شكل الفقر، وبسبب موتنا لبس صورة المائت وذاق الموت، واحتمل كل هذا من أجلنا. حقًا يا أحبائى فى الرب يجب ألا نعطى نومًا لعيوننا ولا نعاسًا لأجفاننا، لكن يجب علينا أن نصلي ونطلب بلجاجة إلى صلاح الآب حتى ننال رحمة، وبهذه الطريقة سوف يتجدد حضور المسيح فينا، ونُعطى قوة لخدمة القديسين، الذين يعملون لأجلنا على الأرض فى وقت تراخينا، وسوف نحثهم ليتحركوا إلى مساعدتنا وقت ضيقنا. حينئذ يفرح الزارع والحاصد معًا. أريدكم أن تعلموا يا أبنائى، حزني العظيم الذى اشعر به لأجلكم حينما أرى الاضطراب العظيم الآتى علينا، وأفكر فى تعب القديسين العظيم وتنهداتهم التى ينطقون بها أمام الله من أجلنا، لأنهم يشاهدون كل أتعاب وعمل خالقهم لأجل خلاصنا، وكل المشورات الشريرة التى لأبليس وخدامه والشر الذى يفكرون فيه دائمًا لأجل هلاكنا منذ صار نصيبهم فى جهنم، ولأجل هذا السبب يريدوننا أن نهلك معهم وأن نكون مع جمعهم الكثير. حقًا يا أحبائى فى الرب أتحدث إليكم كما إلى رجال حكماء لكيما تعرفوا تدبيرات خالقنا التى جعلها لأجلنا، والتى تعطى لنا بواسطة البشارة الظاهرة والخفية. لأننا نُدعى عاقلون، لكننا قد لبسنا حالة الكائنات غير العاقلة بسبب ميلنا مع العدو، أم لستم تعلمون كيف تكون حيل الشيطان وفنونه الكثيرة، لأن الأرواح الشريرة تحسدنا منذ أن عرفوا أننا حاولنا أن نرى عارنا وخزينا، وقد بحثنا عن طريقة للهروب من أعمالهم التى يعملونها معنا، ولم نحاول فقط أن نرفض مشوراتهم الشريرة التى يزرعونها فينا بل أن كثيرين منا يهزأون بحيلهم. والشياطين تعرف إحسان خالقنا فى هذا العالم، وانه قد حكم عليهم بالموت وأعدَّ لهم جهنم ليرثوها بسبب غفلتهم وكثرة خبثهم. أريدكم أن تعلموا يا أبنائى أننى لا أكف عن التوسل لله لأجلكم ليلاً ونهارًا لكى يفتح عيون قلوبكم حتى تبصروا كثرة خبث الشياطين الخفى وشرهم الذى يجلبونه علينا كل يوم فى هذا الوقت الحاضر. وأرجو الله أن يمنحكم قلب معرفة وروح تمييز حتى تستطيعوا أن تقدموا قلوبكم كذبيحة نقية أمام الآب فى قداسة عظيمة بلا عيب. حقًا يا أبنائى، إن الشياطين تحسدنا فى كل الأوقات بمشورتهم الشريرة واضطهاداتهم الخفية ومكرهم الخبيث وروح الإغراء، وأفكارهم التجديفية وعصيانهم، وكل الشرور التى يبذرونها فى قلوبنا كل يوم، وقساوة القلب والأحزان الكثيرة التى يجلبونها علينا فى كل ساعة، والمخاوف التى بها يجعلون قلوبنا تضعف يوميًا، وكل غضب وذم بعضنا لبعض الذى يعلموننا إياه، وكل تبرير لذواتنا فى كل ما نفعل، والإدانة التى يدخلونها فى قلوبنا، التى تجعلنا عندما نجلس منفردين، أن ندين اخوتنا بالرغم من عدم سكناهم معنا، والاحتقار الذى يضعوه فى قلوبنا بواسطة الكبرياء ـ عندما نكون قساة القلوب ونحتقر بعضنا البعض، وعندما تكون عندنا مرارة ضد بعضنا البعض بكلماتنا القاسية، وعندما نحزن فى كل ساعة، وعندما نتهم بعضنا البعض، ولا نلوم أنفسنا ظانين أن اخوتنا هم سبب متاعبنا، بينما نحن جالسون نصدر أحكامنا على ما يظهر خارجًا (الأشياء الظاهرة)، بينما السارق موجود بكليته داخل بيتنا، وكل المجادلات والانقسامات (فى الرأى) التى نتجادل بها مع بعضنا البعض إنما تهدف إلى اثبات كلمة ذواتنا لنظهر مبررين أمام بعضنا البعض. إن الأرواح الشريرة تجعلنا نتحمس لأعمال لا نستطيع القيام بها. بينما تتسبب فى أن نفشل ونخور فى المهام التى فى أيدينا والتى هى نافعة لنفوسنا ـ لذلك فإنهم يجعلوننا نضحك فى وقت البكاء ونبكى فى وقت الضحك وهكذا ببساطة، فإنهم يحولوننا كل مرة عن الطريق الصحيح. وتوجد خداعات أخرى كثيرة يجعلوننا بواسطتها عبيدًا لهم، لكن لا يوجد وقت الآن لكى نصف كل هذه. لكنهم عندما يملأون قلوبنا بهذه الحيل فإننا نتغذى بها، فتصير طعامًا لنا، ومع ذلك فإن الله يصبر علينا ويفتقدنا لكى نتركها ونرجع إليه. هذا وإن أعمالنا الشريرة التى ارتكبناها ستظهر لنا فى جسدنا وستلبس نفوسنا هذا الجسد مرة أخرى ـ لأن الله بصبره يسمح بذلك ـ فتصير أواخرنا (فى هذه الحالة) أشر من أوائلنا (مت 45:12). لذلك لا تملوا من التوسل والصلاة إلى صلاح الآب حتى إذا أتتكم معونته، تستطيعون أن تعلّموا نفوسكم ما هو الصواب. حقًا أخبركم يا أبنائى أن هذا الاناء الذى نسكن فيه هو سبب لهلاكنا، وبيت مملوء بالحرب. بالحقيقة يا أبنائى، أخبركم بأن الإنسان الذى يُسر بإرادته الذاتية ويُستعبد لأفكاره ويقبل الأشياء التى زُرعت فى قلبه ويتلذذ بها، ويتصور فى قلبه أن هذه الأفكار هي شئ عظيم ممتاز، ويبرِّر نفسه بأعماله الظاهرة فإن نفس هذا الإنسان تكون مأوى للأرواح الشريرة التى تعلّمه وتقوده إلى الشر، وجسده يمتلئ بنجاسات شريرة يخفيها فى داخله: ويصير للشياطين سلطان عظيم على مثل هذا الإنسان، لأنه لم ينفر منهم ولم يخزهم أمام الناس. ألا تعرفون أن الشياطين ليس لهم طريقة واحدة للاصطياد، حتى يمكننا معرفتها والهروب منها؟ أنتم تعرفون أن شرهم وأثمهم غير ظاهرين بشكل منظور، لأنهم ليسوا أجسامًا منظورة، ولكن ينبغى أن تعرفوا بأننا نصير أجسادًا لهم حينما تقبل نفوسنا أفكارهم المظلمة الشريرة، وعندئذ يصيرون هم ظاهرين بواسطة جسدنا الذى نسكن فيه. فالآن إذن يا أبنائى، دعونا لا نعطيهم مكانًا فينا، لئلا يأتى غضب الله علينا، أما هم فسيمضون إلى موضعهم وهم يضحكون ساخرين بنا. وهم يعلمون أن هلاكنا هو عن طريق بغضة قريبنا، وأن حياتنا أيضًا وخلاصنا هى عن طريق محبة قريبنا. من رأى الله قط، حتى يفرح معه ويحتفظ به داخل نفسه، حتى أن الله لا يمكن أن يفارقه، بل يعينه أثناء سكناه فى هذا الجسد الثقيل؟ أو من رأى قط شيطانًا فى محاربته ضدنا، عندما يمنعنا من عمل الصلاح ويهاجمنا، واقفًا فى مواجهتنا بشكل محسوس، لكى نخاف منه ونهرب منه؟ فإن الشياطين يعملون خفية، ونحن نجعلهم ظاهرين بواسطة أعمالنا. وهم جميعًا من مصدر واحد فى جوهرهم العقلى، ولكنهم عندما ابتعدوا عن الله صاروا أنواعًا متعددة عن طريق تنوع أعمال شرهم. ولذلك أُعطيت لهم (الملائكة الأبراروالأشرار) أسماء مختلفة على حسب نوع عمل كل واحد منهم. فالبعض من الملائكة الأبرار يُسمون رؤساء ملائكة، والبعض منهم كراسى وربوبيات، والبعض رئاسات وسلاطين والشاروبيم، وهذه الأسماء أُعطيت لهم حين حفظوا مشيئة خالقهم. ومن الجهة الأخرى فإن شر الآخرين (الملائكة الساقطين) جعل من الضرورى تسميتهم بأسماء: إبليس والشيطان، بسبب حالتهم الشريرة، والبعض منهم دُعوا شياطين، والبعض أرواح شريرة وأرواح نجسة، والبعض أرواح مُضلّة، والبعض دُعوا باسم رؤساء هذا العالم. وتوجد أيضًا أنواع أخرى كثيرة منهم . ويوجد أيضًا بين البشر الذين سكنوا فى هذا الجسد الثقيل، هذا الذى نسكن فيه، من قد قاوموا الشياطين، والبعض من هؤلاء البشر دعوا رؤساء آباء، والبعض أنبياء وملوك وكهنة وقضاة ورسل، وآخرون كثيرون صاروا مختارين بسبب صلاحهم. وسواء كانوا رجالاً أم نساءً، فقد أُعطيت لهم كل هذه الأسماء على حسب نوع أعمالهم، ولكنهم جميعًا هم من واحد. لذلك فلأجل هذا السبب، إن الذى يُخطئ ضد قريبه يخطئ ضد نفسه، والذى يفعل شرًا بقريبه فإنه يفعل شرًا بنفسه، والذى يصنع خيرًا بقريبه يصنع خيرًا لنفسه. ومن جهة أخرى، من الذى يستطيع أن يفعل شرًا بالله أو من هو الذى يستطيع أن يؤذيه أو من يستطيع أن يغنيه أو من يستطيع قط أن يخدمه أو من يستطيع قط أن يباركه؛ كأن الله محتاج إلى مباركة البشر وشكرهم، أو من الذى يستطيع أن يكرم الله الإكرام الذى يليق به أو أن يمجده بالمجد الذى يستحقه؟ لذلك ففى أثناء غربتنا ونحن لابسون هذا الجسد الثقيل، فلنعط الفرصة لله لكى يكون حيًا وفعالاً وحاضرًا فى نفوسنا عن طريق حث وتحريض بعضنا البعض. ولنبذل ذواتنا حتى الموت لأجل نفوسنا ولأجل بعضنا البعض، فإذا فعلنا هذا فإننا بذلك نظهر طبيعة رحمة الله وحنانه من نحونا. فلا نكن محبين لذولتنا لكي لا نكون مستعبدين لسلطانها المتقلب غير الثابت. لذلك فإن من يعرف نفسه، فهو يعرف جميع الناس. لذلك مكتوب " إن الله دعا كل الأشياء من العدم إلى الوجود" (انظر حكمة 14:1). ومثل هذه الشهادات تشير إلى طبيعتنا العقلية المختفية فى هذا الجسد الفاسد، ولكنها غير منتمية إليه منذ البداية بل سوف تتحرر منه. ولكن من يستطيع أن يحب نفسه يحب كل الناس. يا أبنائى الأعزاء، إننى أصلى لكى لايكون هذا الأمر شاقًا عليكم ومتعبًا لكم، ولكى لا تكلّوا وتضجروا من محبة بعضكم البعض. يا أبنائى ارفعوا وقدموا جسدكم هذا الذى تلبسونه، واجعلوا منه مذبحًا، وضعوا عليه كل أفكاركم واتركوا عليه أمام الرب كل مشورة شريرة، وارفعوا يدىّ قلوبكم إلى الله ـ العقل الخالق ـ متوسلين إليه بالصلاة، أن يرسل عليكم من الأعالى وينعم عليكم بناره غير المرئية العظيمة، لكى تنزل من السماء وتحرق كل ماهو موضوع على المذبح وتُطهّر المذبح، وبذلك فإن كهنة البعل ـ الذين هم أعمال العدو المضادة ـ سيخافون ويهربون من أمام وجوهكم، كهروبهم أمام وجه إيليا، وحينئذ ستبصرون سحابة " قدر كف إنسان" صاعدة من البحر، وهى التى ستأتى إليكم بالمطر الروحانى ليسقط عليكم ، الذى هو تعزية الروح المعزى . يا أبنائى الأعزاء فى الرب، الأبناء الإسرائيليون القديسون، إنه لا توجد حاجة إلى تسمية أسماءكم الجسدية، التى ستمضى وتنتهى. ولكنكم تعرفون مقدار المحبة التى بينى وبينكم، وهى ليست محبة جسدية، بل محبة روحية إلهية. وإنى واثق تمامًا أنكم قد نلتم نعمة وغبطة عظيمة، عن طريق اكتشافكم لخزيكم وعاركم الخاص بكم، واهتمامكم بتقوية وتشديد وثبات جوهركم غير المنظور (إنسانكم الباطن) الذى لا يفنى ولا يضمحل مع الجسد. وبهذه الطريقة أعتقد أنكم تحصلون على النعمة والبركة والغبطة من هذا الزمان الحاضر. لذلك فلتكن هذه الكلمة واضحة دائمًا أمامكم، وهى أن لا تظنوا، فى تقدمكم (فى النعمة) وسيركم فى الطريق (الروحى)، أن هذا هو من فضل أعمالكم، بل افهموا أن الفضل فى هذا يرجع إلى قوة إلهية مقدسة تشترك معكم وتعينكم دائمًا فى كل أعمالكم. اجتهدوا أن تقدموا ذواتكم كذبيحة لله دائمًا. واعطوا فرحًا لتلك القوة التى تعينكم، وابهجوا قلب الله فى مجيئه، وكذلك كل جماعة القديسين، واعطوا فرحًا لي انا أيضًا ـ أنا المسكين البائس ـ الذى أسكن فى هذا المسكن المصنوع من طين وظلمة. من أجل هذا فأنا أخبركم بهذه الأمور، لكى أنعش وأعزى نفوسكم، واصلي، حيث إننا جميعًا من نفس الجوهر غير المنظور ـ الذى له بداية ولكنه بلا نهاية ـ أن نحب بعضنا بعضًا بمحبة واحدة. لأن كل الذين عرفوا أنفسهم، يعرفون أنهم جميعًا من جوهر واحد عديم الموت. وأريدكم أن تعرفوا هذا، أن يسوع المسيح ربنا، هو نفسه عقل الآب الحقيقى وبه قد خُلقت كل الخلائق العاقلة على مثال صورته، وأنه هو نفسه، رأس الخليقة، ورأس جسده أى الكنيسة (كو1). لذلك فإننا جميعًا أعضاء بعضنا البعض ونحن جسد المسيح. والرأس لا تستطيع أن تقول للقدمين، لا حاجة لى إليكما، وإن كان عضو واحد يتألم، فالجسد كله يتألم معه (أف4، 1كو12). أما إذا انفصل عضو وخرج من الجسد ولم يعد له اتصال بالرأس، بل يجد مسرته فى أهواء وشهوات نفسه وجسده، فهذا معناه أن جرحه عديم الشفاء، وقد نسى أصل حياته وبدايتها ونسى نهايتها وغايتها. ولذلك فإن آب الخليقة كلها قد تحرك بالحنو والرحمة نحو جرحنا هذا، الذى لم يستطع أحد من الخلائق أن يشفيه، ولكن شفاءه هو بصلاح الآب وحده، الذى بصلاحه ومحبته، أرسل لنا ابنه الوحيد، الذى من أجل عبوديتنا أخذ صورة العبد (في 2)، وبذل نفسه من أجل خطايانا، مسحوقًا لأجل آثامنا، وبجرحه شفينا جميعًا (إش5:53)؛ وهو جمعنا من كل الجهات لكى يصنع قيامة لقلوبنا من الأرض ويعلّمنا أننا جميعًا من جوهر واحد وأعضاء بعضنا لبعض. لذلك ينبغى علينا أن نحب بعضنا بعضًا بقوة عظيمة. فإن الذى يحب أخاه، يحب الله، والذى يحب الله فإنه يحب نفسه. لتكن هذه الكلمة ظاهرة أمامكم، يا أبنائى الأعزاء فى الرب ـ الأبناء الإسرائيليون القديسون ـ وأعدّوا أنفسكم للمجئ إلى الرب، لتقدموا ذواتكم كذبائح لله بكل نقاوة، تلك التى لا يستطيع أحد أن يحصل عليها بدون تطهير. أم تجهلون يا أحبائى، أن أعداء الصلاح يتآمرون دائمًا، مدبرين شرورًا ضد الحق؟ لأجل هذا أيضًا يا أحبائى، كونوا حريصين، ولاتعطوا عيونكم نومًا، ولا أجفانكم نعاسًا (مز4:132). واصرخوا إلى خالقكم نهارًا وليلاً، لكى تأتيكم القوة والمعونة من الأعالى، وتحيط وتحفظ قلوبكم وأفكاركم فى المسيح. حقًا يا أبنائى إننا متغربون الآن فى بيت السارق، ومربوطون برباطات الموت. أقول لكم بالحقيقة، يا أحبائى، إن إهمالنا وحالتنا الوضيعة وانحرافنا عن طريق الرب، ليست خسارة وهلاك لنفوسنا فقط، ولكنها أيضًا سبب حزن وتعب للملائكة ولجميع القديسين فى المسيح يسوع. حقًا يا أبنائى، إن انحطاطنا واستعبادنا، يسببان حزنًا عظيمًا لهم جميعًا، كما أن خلاصنا وسمونا ومجدنا هى سبب فرح وتهليل لهم جميعًا. اعلموا أن محبة الآب ورأفته لاتتوقف أبدًا، فمنذ بداية تحركه بالمحبة من نحونا وإلى اليوم، وهو لا يكف عن العمل لخيرنا وخلاصنا، لكى لا نجلب الموت على أنفسنا بسبب سوء استعمال الإرادة الحرة التى خلقنا بها. لأجل هذا فإن الملائكة أيضًا يحيطون بنا فى كل الأوقات كما هو مكتوب " ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم" (مز7:34) . والآن يا أحبائى أريدكم أن تعرفوا، أنه منذ بدأت حركة محبة الله نحونا حتى الآن، فإن كل الذين ابتعدوا عن الصلاح وسلكوا فى الشر، يُحسبون أنهم أبناء إبليس، وجنود إبليس يعرفون ذلك ولهذا السبب يحاولون أن يحوّلوا كل واحد منا لنسير فى طريقهم. ولأن الشياطين يعرفون، أن إبليس سقط من السماء عن طريق الكبرياء، لهذا السبب أيضًا فإنهم يهاجمون أولاً، أولئك الذين بلغوا درجة عالية (فى الفضيلة)، محاولين ـ بواسطة الكبرياء والمجد الباطل ـ أن يحركوهم الواحد ضد الآخر. وهم يعرفون ـ أنهم بهذه الطريقة ـ يستطيعون أن يقطعوننا عن الله، لأنهم يعلمون أن من يحب أخاه يحب الله، ولهذا السبب فإن أعداء الصلاح يزرعون روح الانقسام فى قلوبنا، لكى نمتلئ بعداوة وبغضة شديدة ضد بعضنا البعض، لدرجة أن الإنسان فى هذه الحالة لا يستطيع أحيانًا أن يرى أخاه أو أن يحدثه ولو من بعيد. حقًا، يا أبنائى، إنى أريدكم أن تعرفوا أن كثيرين قد سلكوا طريق النسك طوال حياتهم، ولكن نقص التميّيز والإفراز تسبب فى موتهم. حقًا يا أبنائى، إنكم إذا أهملتم نفوسكم، ولم تميّزوا أعمالكم وتمتحنوها فلا أظن أنه يكون أمرًا عجيبًا أن تسقطوا فى يدىّ إبليس بينما أنت تظنون أنكم قريبون من الله، وبينما أنتم تنتظرون النور تستولى عليكم الظلمة. فأى احتياج كان ليسوع حتى يمنطق نفسه بمنشفة ويغسل أرجل من هم أقل منه ـ إلاً لكى يعطينا مثالاً، ولكى يعلّم أولئك الذين سيأتون ويتحوّلون إليه لينالوا منه الحياة من جديد؟ لأن بداية حركة الشر كانت هى الكبرياء التى حدثت أولاً. ولهذا فبدون اتضاع عظيم من كل القلب والعقل والروح والنفس والجسد، لن تستطيعوا أن ترثوا ملكوت الله. حقًا يا أبنائى فى الرب، إنى أصلى نهارًا وليلاً إلى إلهى الذى نلت منه عربون الروح، أن يفتح عيون قلوبكم لتعرفوا المحبة التى عندي من نحوكم، ويفتح آذان نفوسكم لكى تكتشفوا إرتباككم. فإن من يعرف خزيه، فإنه يسعى من جديد لطلب النعمة التى وُهبت له: والذى يعرف موته يعرف أيضًا حياته الأبدية. إنى أكلمكم يا أبنائى، كأناس حكماء: إنى أخاف لئلا يستولى عليكم الجوع فى الطريق، بينما كان من المفروض أن نصير أغنياء. كنت أرجو أن أراكم وجهًا لوجه فى الجسد. ولكننى اتطلع إلى الأمام ، إلى الوقت القريب، الذى فيه سنصير قادرين على أن نرى بعضنا البعض وجهًا لوجه حينما يهرب الألم والحزن والتنهد، ويكون الفرح على رؤوس الجميع (إش 35: 10). وهناك أمور أخرى كثيرة أريد أن أخبركم بها. ولكن " اعطِ فرصة حكمة للحكيم فيزداد حكمة" (أم 9:9). سلامى لكم جميعًا، يا أبنائى الأعزاء كل واحد باسمه. |
|