رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كتاب حياة الرجاء البابا شنوده الثالث قصة هذا الكتاب كثيرون جدًا يحتاجون إي كلمة تعيد إليهم الرجاء.. يحتاجون إلي نافذة من نور، تبدد الظلمة التي تكتنف نفوسهم.. نفوسهم تصغر أمام المشاكل التي تبدو معقدة، وبلا حل.. وتزيد حروب الشيطان من المخاوف في عدم حلها.. كذلك يظنون أنه لا فكاك من الخطايا التي استمرت معهم زمانًا، حتى صارت شبة مسيطرة عليهم، يكررونها في كل اعتراف بلا توبة، مهما حاولوا التوبة.. هؤلاء يقولون مع داود النبي ما ورده في المزمور الثالث: "كثيرون يقولون لنفسي: ليس له خلاص بإلهه" (مز 3). وللأسف لا يكملون باقي المزمور وما فيه من رجاء.. ولأهمية هذا الموضوع، ولحاجة الكثيرين إليه، تكلمت في عظات عديدة جدًا عن الرجاء ودخل الرجاء ضمن عظات أخرى من الصعب أن أحصيها، ولذلك لما أردت أن أجمع كل ما قلته في موضوع الرجاء، بدأ الأمر صعبًا،مما تسبب في تعطيل صدور هذا الكتاب الذي دخلت أجزاء من مقالات في المطبعة وجمعت.. وانتظرت أخواتها، وطال الانتظار... وتحيرت ماذا أقدمه للطبع، وماذا أتركه أو أرجئه؟؟ وأخيرًا اكتفيت بهذه المقالات الخمس عشرة التي ضمها هذا الكتاب، حتى يمكن أن يصدر الآن. علي أن نستبقى المقالات الأخرى الخاصة بالرجاء، لكي تنشر في جزء ثان، أو تضاف إلي هذا الكتاب عند إعادة طبعة بمشيئة الله. والرجاء هو أحد الفضائل الثلاث الكبرى التي ذكرها الرسول في (1 كو13: 13). وأعنى بها: الإيمان والرجاء، والمحبة. ولقد أصدرنا لك كتابًا عن (حياة الإيمان) في بداية الثمانينات، وقد وضعناه هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت. وها هوذا كتاب الرجاء. وبقى كتاب ثالث نصدره عن المحبة.. محاضراته كلها جاهزة، لا تنقصها سوى مراجعة بسيطة وتقدم إلي المطبعة.. بصلواتك. وبهذا تكمل المجموعة إن شاء الله. البابا شنوده الثالث 1991 |
11 - 01 - 2014, 04:58 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
الرجاء الرجاء هو أحدي الفضائل الثلاث الكبرى التي ذكرها معلمنا بولس الرسول في رسالته الأولى إلي كورنثوس حيث قال.. (الإيمان والمحبة هذه الثلاثة) (1كو13:13) وهذه الثلاثة ترتبط بعضها بالبعض الآخر فالإيمان يلد الرجاء، لأن الذي يؤمن بالله، إنما يكون رجاء فيه، والذي يكون له رجاء في الله، يحبه وهكذا يصل إلي قمة العلاقة بالله في المحبة. الرجاء قديم قدم البشرية بل أقد منها، فأول رجاء عرفة البشر هو رجاء في الخلاص، حينما وعد الرب قائلًا لآدم وحواء (إن نسل المرأة يسحق رأس الحية) (تك15:3). وظل هذا الرجاء في قلوبهم آلاف السنين حتى تحقق أخيرًا في تجسد الرب، وفي صلبه عن البشرية. وحتى الذين لم ينالوا هذا الرجاء، عاشوا فيه، وكما قال معلمنا بولس (لم ينالوا المواعيد، ولكنهم نظروها من بعيد وصدقوها) (عب13:11). وهكذا رقدوا علي رجاء، إلي أن افتقدهم الرب وأرجعهم إلي الفردوس مرة أخري. علي أن الرجاء كان موجودًا قبل آدم وحواء، في قصة الخليقة الأولي، ة كان هناك رجاء لتلك الأرض الخربة الخاوية المغمورة بالمياه، وعلي وجه الغمر ظلمة (تك1:1). وحقق الله لها هذا الرجاء حينما قال (ليكن نور فكان نور) ورتب الله هذه الأرض الخربة، فإذا بها في أجمل صورة ممكنة، فيها الأشجار والأثمار والأزهار والأطيار. ورأى الله أن كل شيء فيها حسن جدًا. ولذلك مهما كانت الأرض خربة في يوم من الأيام ومهما كانت خاوية، ومهما كانت مغمورة بالمياه، ومهما كانت مظلمة، فهناك رجاء أن الله يخرج منها هذه الصورة الجميلة من الطبيعة المملوءة بالجمال التي نراها الآن. الرجاء إذن هو شيء هام في الحياة ولو فقد الإنسان الرجاء فقد كل شيء، لأن الإنسان الذي يفقد الرجاء، يقع في اليأس، ويقع في الكآبة، وتنهار معنوياته، ويقع في القلق، والاضطراب ومرارة الانتظار بلا هدف وقد يقع بذلك ألعوبة في يد الشيطان، لذلك نقول إن الشيطان هو الذي يقطع الرجاء. أما أولاد الله فباستمرار عندهم رجاء، يعيشون في الرجاء في كل وقت.. في الضيقة يعيشون في رجاء، ومهما تعقدت الأمور، ومهما بدا أن الله قد تأخر عليهم، مهما بدا كل شيء مظلمًا، هناك رجاء. وأولاد الله عندهم رجاء أيضًا في الحياة الأخرى، في العالم الآخر في تحقق وعد الرب من حيث ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن ولم يخطر علي بال إنسان. هذه هي الحياة الأخرى التي نجاهد على الأرض لكي ننالها. وعلى رأى معلمنا القديس بولس الرسول "إن كان لنا رجاء في هذا العالم فقط، فنحن أشقى جميع الناس" (1 كو 15). وهناك رجاء أيضًا حتى للخطاة في التوبة، بل أشر الخطاة على الأرض لهم رجاء. وهناك رجاء للص وهو علي الصليب في أخطر سعات حياته. وهناك رجاء لزكا رئيس العشارين الذي كان يمثل قمة الظلم في عهده، وهناك رجاء للمجدلية التي كان فيها سبعة شياطين فإذا بها إحدى المريمات القديسات، وقد استحقت أن تكون مبشرة للحد عشر بالقيامة. وهناك رجاء حتى للشجرة التي لم تثمر ثلاث سنوات فقال الرب "أنقب حولها وأضع زبلًا، لعلها تثمر فيها بعد" (لو 13: 8). المسحية تعطي رجاء حتى للقصبة المرضوضة وللفتيلة المدخنة. القصبة المرضوضة قادر الله أن بعصبها، والفتيلة المدخنة قادر الله أن يرسل لها ريحًا فتشعل، ولهذا من جهة الرب "شجعوا صغار النفوس". وأعطى في ذلك رجاء حتى للركب المخلعة، وحتى للأيدي المسترخية. في المسيحية يوجد رجاء للأفراد ويوجد رجاء للهيئات، ويوجد رجاء للكنائس ويوجد رجاء للبلاد ويوجد رجاء للعالم كله. لنا رجاء في افتقاد الرب للبشرية في كل وقت. هذا الرجاء لا يضعف أبدًا عند المؤمنين مهما بدا الأمر صعبًا وكيف ذلك؟ لقد كان هناك رجاء ليونان النبي وهو في بطن الحوت. هل إنسان يكون في جوف الحوت ويكون له رجاء؟ ولكن يونان ركع علي ركبتيه وصلى وهو في جوف الحوت. وقال للرب "أعود فأرى هيكل قدسك". كان له رجاء، وقد تحقق. وكان هناك رجاء حتى للثلاثة فتية وهم في أتون النار، ولدانيال وهو في جب الأسود. وكان هناك رجاء حتى للعاقر التي لم تلد، التي قال لها الرب في سفر إشعياء "ترنمي أيتها العاقر، ووسعي خيامك، لأن نسلك سيرثون أممًا ويعمرون مدنًا خربة" (اش 54). كان هناك رجاء أعطاه لنا الرب في رمز الذين قاموا من بين الأموات. حتى لعازر الذي قالت عنه أخته مرثا أنه قد أنتن (يو 11) قدم لنا الرب رجاء في ان يقوم من الأموات. وهناك رجاء قدمه الرب في شفاء الرب في شفاء الأمراض المستعصية.. في إعطاء البصر للعميان، والصحة للجدع والعرج والمشلولين، وكل ذي عاهة، وصاحب اليد اليابسة، حتى الإنسان الذي قضي ثماني وثلاثين سنة إلي جوار البركة لا يجد من يلقيه فيها، كان له رجاء أن يأتي له المسيح ويقول له "احمل سريرك وامش" (يو 5). مهما كان الأمر مستعصيًا، ومهما بدا للناس معقدًا، هناك رجاء يقدمه الله. ولعل الرب أعطانا مثالًا جميلًا في هذا حينما قال "غير المستطاع عند الله "بل صدقوني هناك آية أعمق من هذه جدًا، وهى قول الكتاب "كل شيء مستطاع للمؤمن". عبارة "كل شيء مستطاع" (مر 9: 23) تعطينا رجاء لا حدود له. وهكذا يقول بولس الرسول في الرجاء "استطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى 14: 13). عبارة كل شيء هي مدى أوسع جدًا يعطينا فكرة أنه لا حدود للرجاء، مادام لا حدود لقدرة الله ولمحبته. إذا لا حدود للرجاء في المسيحية. والإنسان المسيحي يجد اختبارًا لفضيلة الرجاء فيه، حينما يقع في ضيقة أو في تجارب متنوعة، أو في آلام صعبة، أو في مشاكل تبدو لا حلول لها، يعرف بالرجاء أن الرب عنده حلول كثيرة، وان الرب لابد أن يأتي مهما بدا أمام الناس أنه قد تأخر. صدقوني أنني في بعض الأحيان كنت أعاتب أبي ومعلمي القديس داود النبي، حينما كان يقول للرب "أسرع ولا تبطئ". لأن الرب يا أخوتي ليس عنده إسراع ولا إبطاء. الله يعمل، ويعمل في كل حين، وهو لا يتأخر مهما ظن التلاميذ أنه قد مر الهزيع الرابع من الليل ولم يأت بعد الرب لابد سيأتي، إذا كان عندنا إيمان، نؤمن أن الله لابد سيعمل وسيعمل بقوة وسيعمل في الوقت المناسب أما عبارة التأخير، فهي تحمل مفهومًا نسبيًا عند البشر، يظنون أنه قد تأخر، ولكن مواعيد الله هي، تحددها حكمته، وتحددها رؤيته الصادقة للأمور علي حقيقتها، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالله يعمل باستمرار، وإن ظننا في وقت من الأوقات أنه قد تأخر، يقول لنا المرنم في المزمور "أنتظر الرب، تقو ليتشدد قلبك، وأنتظر الرب" (مز 27: 14). وهنا نعرف معني الرجاء على حقيقته.. إن الإنسان يرجوا الرب وينتظر الرب، ليس في قلق، ولا ضجر، ولا في تذمر، ولا في شك. ولكن ينتظر الرب، وقد تشدد قلبه، هو قوي القلب في الداخل، قوى بالإيمان إن الرب يعمل، لا أقول أن الرب سيعمل، فهذا مستوى ضعيف. وإنما أقول أن الإنسان يكون عنده رجاء أن الرب يعمل فعلًا. أنت لا تؤمن أن الله سيعمل في المستقبل، وإنما ينبغي أن تؤمن أن الله يعمل حاليًا. ولذلك يكون عندك رجاء، فيما لا تراه من عمل الله، ولكن توقن تمامًا وتثق أن الله يعمل. إن الطائرة قد تبدو لمن يستخدمها لأول مرة أنها واقفة في الجو، بينما تكون في سرعة أكثر من ثمانمائة كيلو مترا في الساعة، ولكنها تبدو واقفة! وبعض المراوح الشديدة الحركة تبدو متوقفة، وهي تكون في اقوي درجة من السرعة، وكذلك الكثير من الأجهزة. الله يعمل، أنت لا تراه يعمل لكن تؤمن بذلك، ويكون لك رجاء بنتيجة عمله التي ستراها بعد حين. في الضيقات.. الإنسان الذي يرجو الله ينفعه قول المزمور "إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي، وأن قام علي قتال ففي هذا أنا مطمئن". ولماذا هو مطمئن؟ لأنه يرجو عمل الله فيه، ويري كما كان أليشع يري، أن هناك جيوش الرب تحارب حول المدينة "وان الذين معنا أكثر من الذين علينا" (2 مل 6: 16) ويقول مع المرنم "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ أنكسر ونحن نجونا" (مز 124). الإنسان الذي عنده رجاء، لا ينظر إلي الضيقات، إنما ينظر إلي الله الذي ينتصر علي الضيقات. الذي قال "أنا قد غلبت العالم "ويظل فيه هذا الرجاء إلي أخر نسمة، في كل حين، في كل حال، في كل موقف، الرجاء لا يفارقه. وهذا الرجاء لا يعطى الإنسان سلامًا في القلب، طمأنينة في الداخل، فرحًا قلبيًا علي أساس، ولهذا يقول الرسول في الأصحاح الثاني عشر من رسالته إلي رومية "فرحين في الرجاء (رو 12). الرجاء بأن الله لا يعسر أمر عليه وأنه قادر علي كل شيء، الرجاء في محبة الله وفي مواعيد الله، الرجاء في الله الذي قال "لا أهملك ولا أتركك" الله الذي قال "ها أنا معكم كل الأيام وألي انقضاء الدهر" الذي قال "نقشتكم علي كفي" الذي قال "إن أبواب الجحيم لن تقوي عليها.. الرجاء في الله الذي عمل في القديم، والذي يعمل كل حين، الذي نقول له مثلما قالوا في القديم قم أيها الرب الإله وليتبدد جميع أعدائك، وليهرب من قدام وجهك كل مبغضي اسمك القدوس". الله الذي غلب العالم، نرجوه أن يغلب العالم أيضًا مرة أخرى، يغلب الإلحاد الذي في العالم يغلب الإباحية والمادية، ويغلب الحقد والكراهية التي في العالم ويغلب الانقسام والتفكك الذي في العالم ويغلب العنف واستخدامه الذي في العالم. هذا هو الإله الذي نرجوه الذي يعيد الأرض إلي صورتها الأولي. وأيضًا الله الذي يقف إلي جوار أولاده باستمرار، الذي رآه يوحنا في رؤياه وهو "في وسط المنائر السبع، وفي يمينه ملائكة الكنائس السبع" (رؤ 1: 20). فالله ما يزال وسط أولاده، وفي يمينه رعاه الكنائس وقادتها، وهو يقول لنا أغنيته الجميلة "لا يخطف احد من يد أبي شيئًا" (يو 1: 29). لنا رجاء في الله الذي قال عنه يوحنا الحبيب في رؤيا: "أبصرت وإذا باب مفتوح في السماء" (رؤ 4: 1). فالإنسان الذي يعيش في الرجاء باستمرار ينظر بابًا مفتوحًا في السماء ويري الله واقفًا في هذا البابا يقول إنه يفتح ولا احد يغلق" (رؤ3: 7). الله الذي يسعي لخلاصنا دون أن نسعى نحن، والذي يحبنا أكثر مما نعرف الخير لأنفسنا الله ضابط الكل الذي يقود الكون كله والذي حياة العالم كله في يديه. هو يدبر الأمور حسب حكمته التي لا تحد، نحن نرجوا هذا الإله، ونحن نغني مع الرسول قائلين: "كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله" (رؤ 8: 28). ونقصد الخير بالمقاييس الإلهية وليس الخير بمفاهيمنا البشرية. الله هذا صانع الخيرات، هو الذي نرجوه. وهو الذي نعلق كل رجائنا عليه. وهو الذي نقول له في بعض الصلوات القداس الإلهي "يا رجاء من ليس له رجاء. معين من ليس له معين". ونقول في المزمور "الاتكال علي الرب خير من الاتكال علي البشر، الرجاء، بالرب خير من الرجاء بالرؤساء" (مز 118). الرجاء في مواعيد الله الصادقة والرجاء في الحياة الأبدية الجميلة، في القيامة السعيدة، الرجاء الذي نعلقه لا في أمور العالم، وإنما في ذلك الوطن السماوي، "المدين التي لها الأساسات التي صنعها وبارئها الرب" (عب 11). الإيمان في حياة أخري جديدة لا تعرف خطية، ولا تعرف أثمًا، الإيمان في التجديد العجيب الذي نناله في السماء، حيث ترجع إلينا الصورة الإلهية الأولى، وفي وضع لا يخطئ فيما بعد، الرجاء في الحرية التي ننالها من الرب، بحيث تكون حرية تفعل الخير فقط، ولا تعود تعرف الخطية بعد، الإيمان بملكوت الله الذي نعيش فيه في ذلك الأبد، ونعد أنفسنا له من الآن. هذا هو الرجاء الحقيقي الذي نرجوا فيه ما لا يرى. لأن الأشياء التي ترى تدخل في العيان، وليس الرجاء. غنما نحن نرجو ما ننظره بالصبر، وليس ما نراه كما يقول الرسول "هذا الرجاء المفروض أن ندعو الجميع إليه". المفروض أن نقول لكل احد: إن كل باب مغلق له ألف مفتاح، والله يستطيع أن يفتح جميع الأبواب المغلقة ونقول له أن كل ظلمه لابد بعدها نور، وكل مشكلة لها حل أو عشرات الحلول وكل ضيقة لها إله هو إلهنا الصالح الذي يخرج من الجافي حلاوة، ومن الآكل آكلًا. والذي يحول كل الأمور إلي الخير، كل الأمور التي نمر بنا في حياتنا إن كانت خيرًا ستصل إلينا صانع الخيرات يحول الشر إلي الخير. لذلك نحن نعيش في الرجاء فرحين باستمرار يملأ قلوبنا، لأننا لا نعتمد علي ذواتنا ولا علي وسائط عالمية، إنما نعتمد علي الله الذي يعمل كل خير في هذا الرجاء أحب أن نعيش جميعًا، ككنيسة ترجوا ملكوت الله وتنتظره، وترجو عمل الله فيها كل حين، ونؤمن بعمله، وكعالم واسع الأرجاء في كل قاراته، يرجو من الله أن يسود السلام في كل مكان ويسود الخير في كل مكان،، ويرجع الحب إلي قلوب الناس جميعًا، فيرتبطون به، ويعيشون به وكما قال المسيح "بهذا يعرف الناس أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضكم نحو بعض". هذا الرجاء إن لم يكن فينا فلنطلبه كعطية مجانية من الله، الذي يملأ القلوب بسلامه وبرجائه. له المجد الدائم من الآن وإلى الأبد آمين.. |
||||
11 - 01 - 2014, 05:00 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
حياة الرجاء يلزمها الثقة حياة الرجاء يلزمها الثقة في الله، والثقة في مواعيده، وفي عمله وفي محبته لك وللكل، وفي حكمة تدبيره. لكي يمتلئ قلبك بالرجاء، ينبغي أن تثق بأن الله يحبك أكثر مما تحب نفسك وانه تعرف ما هو الخير لك أكثر مما تعرف أنت بما لا يقاس. وأن كل تدابير الله من جهتك هي في عمق الحكمة والخير، مهما غير ذلك من خلال الشك.. ولابد أنك تعلم انك في يد الله وحده، ولست في يد الناس ولا في أيدي التجارب والأحداث، ولا في أيدي الشياطين.. أنت في يد الله وحده. والله قد نقشك علي كفه (إش 49: 16). وقد يظلل عليك بجناحيه (مز 90) ويحرسك الليل والنهار، ويحفظ دخولك وخروجك (مز 120). ومن محبته لك، دعاك أبنًا له (1 يو 3: 1). وهو الراعي الذي يرعاك فلا يعوزك شيء (مز 23: 1). نحن كلنا شعبه وغنم رعيته. ولا يمكن لله كراع صالح أن يغفل عن غنمه. ولا يمكن له كأب أن يغفل عن أولاده. أما إن كان لديك مشكلة، فيريحك جدًا أن تنتظر الرب. ولابد أنه سينقذك منها. فهذه نصيحة مباركة يقدمها لنا أحد مزامير صلاه باكر، يقول فيها المرتل:: "انتظر الرب. تقو وليتشدد قلبك، وانتظر الرب" (مز 26 [27]). و النصيحة التي يقدمها لنا هذا المزمور، ليس مجرد أن ننتظر الرب، وإنما أن ننتظره في قوة، ونحن متشددون في الداخل.. لا ننتظر الرب في ضيقة، أو في ضجر وتذمر واحتجاج: لماذا لم يعمل الرب حتى الآن؟ أين محبته؟ أين عمله؟! ولا ننتظر ونحن نشك في عمل الله، أو نشك في قيمه الصلاة وفاعليتها!! ولا ننتظر الرب في ضعف داخلي، وفي انهيار، وقد فقدنا معنوياتنا!! كلا، فكل هذه المشاعر ضد فضيلة الرجاء، فالإنسان المضطرب أو اليائس أو الخائف أو المنهار، يدل علي انه فاقد الرجاء.. لأن الذي ينتظر الرب في رجاء، إنما يمنحه الرجاء قوة. وكما قال إشعياء النبي: "وأما منتظرو الرب، فيجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون. ويمشون ولا يعيون" (إش 40: 31) فما معني عبارة "يجددون قوة"؟ معناها أنه كلما حاربهم الشيطان بالقلق أو بالضعف والاضطراب، تتجدد القوة فيهم من تذكرهم لمواعيد الله الصادقة، وصفاته الإلهية المحبوبة باعتباره الأب والراعي والحافظ والسائر والمعين.. الله الحنون، المحب، صانع الخيرات، الذي لا يغفل ولا ينام.. فكلما يتذكرون صفه من هذه الصفات تتجدد القوة فيهم، ويرفعون أجنحة كالنسور. إن منتظر الرب يثق ثقة لا تحد بمحبة الله الفائقة للبشر، وبحكمة الله التي هي فوق إدراكنا البشري.. يثق أن الله يعطينا باستمرار دون أن نطلب، وقبل أن نطلب. فكم بالحرى إن طلبنا.. وهو يثق أيضًا أن الله يعطينا ما ينفعنا، وليس حرفية ما نطلبه. لأنه ربما تكون بعض طلباتنا غير نافعة لنا.. وهنا تظهر حكمة الله في محبته.. لذلك في حياة الرجاء، لابد أن تثق بحكمة الله في تدبيره. لا تطلب وتصر. أنما أطلب وقل: لتكن مشيئتك.. وحينما تقول: "لتكن مشيئتك" ليكن ذلك بفرح، بغير ألم ولا حزن. هناك أمور كثيرة لا تدريها. وهي معروفه ومكشوفة أمام الله. ربما الذي تطلبه، لا يكون مناسبًا لك ولا نافعًا لك. وربما الوقت الذي تحدده، يعرف الله تمامًا أنه غير صالح، ويري أن تأجيل الاستجابة أفضل.. لذلك تواضع، وأترك الحكمة الله أن تتصرف. وانتظر الرب في ثقة.. أليس من المخجل أننا نثق بذكائنا وفطنتنا أكثر مما نثق بالله! إننا نضع حلولًا للأمور، واثقين أنها أفضل الحلول، أو أنها الوحيدة النافعة. وربما يكون في ذهن الله حل آخر لم يخطر لنا علي بال، هو أفضل بما لا يقاس من كل تفكيرنا. ليتنا إذن نثق بالله.. وننتظر حله في رجاء. |
||||
11 - 01 - 2014, 05:01 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
أمور تساعد علي الثقة وكما نثق بمحبة الله وحكمته، نثق بمحبة الله وحكمته، نثق أيضًا بمواعيده المليئة بالرجاء.. نثق بموعده الصادق "ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر" (متي 28: 20). نثق بقوله "لا تخف لأني معك" (تك 26: 24) "لا أهملك ولا أتركك. تشدد وتشجع"، "لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك" (يش 1: 5، 6) "تشدد وتشجع. لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب" (يش 1: 9) "لا تخف أيها القطيع الصغير" (لو 12: 32)".. أنا معك، ولا تقطع بك احد ليؤذيك" (أع 18: 10) "يحاربونك ولا يقدرون عليك، لأني أن معك -يقول الرب- لأنقذك" (أر 1: 19). وما أكثر عبارات الرجاء التي تحفل بها المزامير.. ليتك تجمع هذه الآيات وتقرآها أو تتذكرها كلما كنت في حاجة إلي الرجاء في حياتك. يكفي أن تسترجع مثلًا مزمور 90 (91) أو 120 (121) حيث يقول لك الوحي الإلهي: "يسقط عن يسارك ألوف، وعن يمينك ربوات وأما أنت فلا يقتربون إليك،بل بعينيك تتأمل، ومجازاة الخطاة تبصر" (لأنه يوصى ملائكته بل ليحفظوك في سائر طرقك.." "تطأ الأفعى وملك الحيات، وتسحق السد والتنين، لأنه علي اتكل أنجيه. أستره لأنه عرف اسمي" (مز 90) "لا يسلم رجلك للزلل.. الرب يحفظك"، "الرب يحفظك من كل سوء. الرب يحفظ نفسك. الرب يحفظ دخولك وخروجك" (مز 120). كلها آيات تبعث الرجاء في النفس، وتقوي القلب في الداخل. ويزيد الرجاء فيك أيضًا، تذكرك معاملات الله لقديسيه.. إن تذكرت كل هذا، يمتلئ قلبك بالرجاء، وتنتظر الرب في ثقة. |
||||
11 - 01 - 2014, 05:02 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
قصة يوسف الصديق إنسان يقسو عليه إخوته، ويلقونه في بئر، ثم يبيعونه كعبد لتجار من الاسماعيليين. وبعد أن يخلص لسيدة كل الإخلاص، وينجح في عمله جدًا، تلفق ضده تهمة رديئة من امرأة سيدة، ويلقي في السجن. وتطول به الأيام في سجنه.. ولكن كل هذه الأمور، كانت تعمل للخير. فلولا التهمه التي أوصلته إلي السجن، ما كان خبرة يصل إلي فرعون فيجعله وزيره الأول والثاني في المملكة. وطبعًا لولا قسوة إخوته، ما كان قد بيع إلي بيت فوطيفار. ولولا أن امرأة فوطيفار كانت خاطئة، ما كانت تشتهيه، ثم تلفق له التهمة التي أوصلته إلي السجن.. ولولا سجنه ما كان قد تعرف علي رئيس سقاه فرعون الذي أخبر فرعون الذي أخبر فرعون الذي اخبر فرعون بقدرته علي تفسير الأحلام، فاستدعاه فرعون. وخرج من السجن إلي المملكة (تك 39- 41). وبدون كل هذا، ما كان أخوته قد تابوا، وبكوا، واعترفوا بخطيئتهم، وعادت المحبة إلي الأسرة، ونجوا من المجاعة، واجتمعوا كلهم في مصر.. المشكلة أن الناس تحصرهم المشكلة، ولا يكون لهم الرجاء في أنها ستؤول إلي الخير. يقفون عند البداية التي تبدو سيئة أو مؤلمه، ولا يتابعون العمل الإلهي، الذي يحول الشر إلي خير، والذي يخرج من الجافي حلاوة (قض 14: 14). لا شك أن قصة يوسف الصديق، هي درس في الرجاء، وفي أن كل الأشياء تعمل معًا للخير. |
||||
11 - 01 - 2014, 05:42 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
خطية آدم إنها خطية، جرت علي العالم ما لا يحصي من الكوارث. وبها دخلت الخطية إلي العالم، وبالخطية الموت (رو 5: 12). ومع ذلك، فإن الله الذي يخرج من الجافي حلاوة، استطاع أن يجعل كل الأمور تعمل معًا للخير. وكنتيجة لذلك عرفنا عمليًا محبة الله لنا (يو 3: 16). وبركات الكفارة والفداء. ولو كان آدم لم يخطئ، لبقي في الفردوس. في جنة يأكل فيها ويشرب، ويعيش مع الحيوانات والطيور والأسماك.. أما الآن، فقد صار لنا الملكوت بكل ما يحمل من بركات غير مرئية، فيها ما لم تره عين، وما لم تسمع به أذن، وما لا يخطر علي قلب بشر" (1 كو 2: 9).. ولنا فيه عشرة الملائكة القديسين.. |
||||
11 - 01 - 2014, 05:43 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
الموت كل الناس يكرهون الموت، ويرونه سببًا للحزن! ويلبسون لأجله السواد، ويقابلونه بالدموع والبكاء.. ولكنه أيضًا من الأمور التي تعمل للخير.. فالموت هو الطريق إلي حياة أفضل، وإلي مستوي أعلي ستؤول إليه البشرية.. حيث في القيامة، سنقوم بأجساد سماوية يمكنها أن ترث الملكوت (1 كو 15).. ولولا الموت لبقينا في هذا الجسد المادي أليس الموت أيضًا يعمل معًا للخير. فلنتأمل قصة القديس الأنبا أنطونيوس، وموت أبيه. كان موت أبيه درسًا عميقًا له في فناء الحياة الدنيوية وبطلانها،ولقد نظرا الشاب أنطونيوس إلي أبيه الميت، وقال له "أين هي عظمتك وسلطانك؟! لقد خرجت من الدنيا علي الرغم منك. ولكني سأخرج منها بإرادتي، قبل أن يخرجوني مثلك كارهًا".. وكانت بداية الحياة الرهبانية.. |
||||
11 - 01 - 2014, 05:43 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
الأمراض المرض آفة يحاربها الناس ويهربون منها إلي الطب والدواء.. ومع ذلك فإن الأمراض "تعمل معًا للخير، للذين يحبون الرب" (رو 8: 28).. أمراض كثيرة قادت إلي التوبة، وفعلت ما لم تفعله أعمق العظات.. وبخاصة الأمراض الخطيرة والمؤلمة.. كم قد أدخلت كثيرين في عهود مع الله، وفي نذور قدموها إلي الله، وفي حياة جديدة مع الله، أو أدخلتهم في توبة واستعداد للموت.. وهكذا كانت تعمل معًا للخير. وأمراض قادت الناس إلي الصلاة وإلي الصوم. وإلي زيارة الأماكن المقدسة،، والتشفع بالملائكة والقديسين، وإلي إقامة القداسات، والقيام بأعمال الرحمة نحو الفقراء والمساكين. وهكذا كما استفادة المريض نفسه اقترابًا إلي الله، استفاد أيضًا أقاربه ومحبوه فوائد روحية عديدة.. بل الأمراض كانت نافعة للقديسين، لإشعارهم بضعفهم ومنع المجد الباطل عنهم. وفي ذلك يقول القديس الرسول "ولكي لا ارتفع بفرط الإعلانات، أعطيت شوكة في الجسد. ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع" (2 كو 12: 7). وقد صلى بولس ثلاث مرات، ليشفيه الله من ذلك المرض،ولكن الله قال له "تكفيك نعمتي". واستبقي مع بولس هذه الشوكة التي في الجسد،، لأنه -تبارك اسمه- كان يعرف كم تعمل مع قديسه للخير، وكم تجلب له من اتضاع قلب.. وقصة القديس بولس مع المرض، تذكرنا بيعقوب أبي الآباء. لقد صارع مع الله وغلب (تك 32: 28)، ونال البركة. ومع ذلك ضرب الله حق فخذه فانخلع. وظل يخمع علي فخذه (تك 32: 27، 31). وبقي هذا المرض معه، كعطية من الله، يعمل معه للخير، ويهبه الاتضاع إذ يشعر بضعفه، لئلا يرتفع قلبه بسبب أنه نال البركة، وأنه صارع مع الله وغلب.. |
||||
11 - 01 - 2014, 05:44 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
تجربة أيوب لعل إنسانًا يسأل: لماذا هذه التجربة تحل علي إنسان قديس، شهد له الله مرتين بأنه "رجل كامل ومستقيم، وليس مثله في الأرض" (أي 1: 8) (أي 2: 3).. و الحقيقية أن هذه التجربة كانت للخير من عدة نواح: كانت التجربة لخير أيوب، أوصلته إلي الاتضاع. كان محاربًا بشيء من المجد الباطل.. كان بارًا، ويعرف عن نفسه أنه بار. ولهذا قال "لبست البر فكساني. كجبة وعمامة كان عدلي" (أي 29: 9). وقيل عنه أنه "كان بارًا في عيني نفسه" (أي 32: 1).. فكانت التجربة لازمة له، لتعمل معه للخير،، توصله إلي انسحاق القلب، وإلي معرفة الله. ولما وصل إلي عبارة "أندم في التراب والرماد" (أي 42: 6).. رفع الله عند التجربة * وكانت التجربة نافعة لأصحاب أيوب الثلاثة: ذلك لأنهم كانوا "معزين متعبين" (أي 16: 2). وقد استذنبوا أيوب وأساءوا إليه (أي 32: 3). وحتى من جهة الله، لم يتكلموا عنه بالصواب (أي 42: 8). فكانت التجربة لازمه لهم،، لتصحيح مفاهيمهم الروحية.. وقد قادتهم إلي التوبة "واصعدوا محرقات لأجل أنفسهم" (أي 42: 7). · وكانت التجربة نافعة للعالم كله. تلقي بها العالم درسًا في الصبر، كما قال القديس يعقوب الرسول "خذوا يا إخوتي مثالًا لاحتمال المشقات والأناة.. ها نحن نطوب الصابرين. قد سمعتم بصبر أيوب، ورأيتم عاقبة الرب.." (يع 5: 10، 11). · وحتى تجربة أيوب، من الناحيتين العائلية والمادية، كانت نافعة له،فقد "زاد الرب علي كل ما كان لأيوب ضعفًا.. وبارك الرب آخرة أيوب أكثر من أولاه" (أي 42: 10، 12). أعطاه الرب ضعف ما كان له من الخيرات المادية. ووهبه الرب بنين وبنات "ولم توجد نساء جميلات، كبنات أيوب في كل الأرض" (أي 42: 15). ووهب الرب أيوب عمرًا طويلًا، "فعاش بعد التجربة 140 سنة، ورأي بنيه وبني بنيه إلي أربعة أجيال".. · وهكذا كانت التجربة لخيره، لما احتملها. · وكانت تجربة أيوب خجلًا للشيطان. · أو كانت هزيمة جديدة له، لأن الشيطان قد لا يخجل من أخطائه. لذلك نقول كانت هذه التجربة سبب خزي له. فتعبير "خزي "أكثر موافقة للمعني.. وهكذا كانت تجربة تعمل معًا للخير لكل الأطراف.. |
||||
11 - 01 - 2014, 05:47 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب حياة الرجاء - البابا شنوده الثالث
التجارب عمومًا يخاف البعض من التجارب، وقد يضطرب لها. بينما يقول الرسول: "احسبوه كل فرح يا أخوتي، حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2). المسألة تحتاج إلي ثقة في عمل الله معنا أثناء التجربة، وكيف يجعلها تؤول إلي خيرنا. وهنا نري القديس يعقوب الرسول، لا يدعونا فقط إلي الاحتمال والصبر، وإنما بالأكثر يدعونا إلي الفرح بالتجارب. وهكذا ندخل في حياة الفرح الدائم. في. في النعمة نفرح، وفي التجربة أيضًا نفرح. ونقول: المر الذي يختاره الرب لي، خير من الشهد الذي اختاره لنفسي.. نقول كل طرقك يا رب، بحكمة قد صنعتها.. كله للخير.. هيرودس أراد ان يقتل المسيح وهو طفل، فصار هذا خير لمصر جاءها المسيح. بارك الرب أرض مصر، وصارت لنا مقادس فيها. وسقطت كثير من الأصنام (اش 19: 19-22) وكانوا حينما يطردون العائلة المقدسة من بلد بسبب سقوط الأصنام، تذهب إلي بلد مصري آخر. فكثرت البلاد التي تقدست بزيارة العائلة المقدسة لمصرنا، وصار ذلك تمهيدًا لا نتشارك الإيمان المسيحي فيها.. بتذكرنا لكل هذا، نسعد بكل ما يحدث لنا، مؤمنين أنه: إن لم يكن الأمر خيرًا في ذاته، فلابد سيكون خيرًا في نتيجته. خذوا كمثال: متاعب داود من شاول الملك. لقد طارده من مدينة إلي مدينه، ومن برية إلي أخرى. وعاش بسببه هاربًا في البراري والقفار، يترصده الموت في كل خطوة. ولكن كل ذلك التعب أعده لتحمل مسئوليات الملك فيما بعد. إذ نضج داود سنًا وشخصية. وصار جبار بأس، كثير الاحتمال. يعرف كيف ينتظر الرب بإيمان ويؤمن بتدخله. و الضيقات التي أحتملها، صارت نبعًا لمزاميره. يغنيها علي العود والقيثار والمزمار. وصارت ينبوعًا لتأملات روحية وصلوات عميقة، تصليها الأجيال من بعده.. وتري فيها كيف يختلط الطلب بالشكر بالإيمان.. وأعطانا أسلوبًا نصلي به ونحن في وقت ألألم والضيقة،وصار داود رجل صلاة، صقلته التجارب، وصاحب خبرة بالعشرة مع الله. ولو عاش داود مدللًا، ترى ماذا كانت شخصيته ستكون؟! الضيقات لو لم تنته إلي خير علي الأرض، فعلى الأقل ستعد لنا أكاليل يهبها لنا في ذلك اليوم الديان العادل. إن الضيقات هي مدرسة للصلاة. ربما حياة التنعم تبعدنا عن الله. أما حياة الألم فإنها تقربنا إليه. فتصير صلواتنا أعمق وأكثر، وتصير أصوامنا أكثر روحانية. كما نقترب إلي الله بالتوبة والمصالحة معه، فنرجع إليه. إن الضيقة التي وقع فيها أخوه يوسف، جعلتهم يتذكرون خطيئتهم إليه "وقالوا بعضهم لبعض: حقًا إننا مذنبون إلي أخينا، الذي رأينا ضيقة نفسه لما استرحمنا ولم نسمع له. لذلك جاءت علينا هذه الضيقة.. فهوذا دمه يطلب (منا)" (تك 42: 21، 22). حتى سقوط الناس في الخطية كان يؤول بالتوبة إلي خير. عاش أوغسطينوس في الخطية زمنًا طويلًا، بكت عليه فيه أمه القديسة مونيكا.. ثم تاب أغسطينوس، وكان من نتائج حياته الأولي كتابة الرائع عن اعترافاته، وهو كنز روحي، وسبب منفعة روحية للملايين، يعرفنا كيف يعترف الإنسان علنًا، ويعترف حتى بخطاياه وهو طفل رضيع.. و بالمثل يمكن أن نتحدث عن خطية داود النبي. كيف أوصلته الخطية إلي حاله عجيبة من انسحاق النفس، قال فيها "ابلل في كل ليله سريري. بدموعى أبل فراشي" (مز 50). وكيف اعترف إلي الرب قائلًا "لك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت.. قلبًا نقيًا أخلق في يا الله وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي".. إلي ما حواه المزمور الخمسون، مزمور التوبة وما حوته باقي مزاميره من مشاعر الانسحاق.. كان ملكًا عظيمًا، محترمًا ومبجلًا من الكل. ولكن الخطية أذلته، فقال: "خير لي يا رب أنك أذللتني، حتى أتعلم وصاياك" (مز 119). وحينما إهانة شمعي بن جيرا إهانة مؤلمه، وهو هارب من أبشالوم، لم يمسح لأنصاره أن ينتقموا من هذا الإنسان، بل قال في اتضاع "دعوة يسب. لأن الرب قال له: سب داود.. لعل الرب ينظر إلي مذلته" (2 صم 16: 10). و بالمثل ما استفاده خاطئ كورنثوس من خطيئته وعقوبته. كم أوجد فيه ذلك من الحزن والبكاء، حتى أن القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس، أمرهم أن يمكنوا له المحبة "لئلا يُبْتَلَع مثل هذا من الحزن المفروض" (2 كو 52: 7).. وكان دسًا للمدينة كلها في أن "يعزلوا الخبيث من وسطهم" (1 كو 5: 13). سقوط إنسان في خطية، تدعوه إلي الشفقة علي الذين يسقطون. لأنه قد أدرك بالخبرة، قوة حروب الشياطين وسهوله السقوط في الخطية التي "طرحت كثيرين جرحي، وكل قتلاها أقوياء" (أم 7: 26). ولذلك يقول القديس بولس "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم، والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب 13: 3). و السقوط أيضًا يكشف للإنسان ذاته وضعفه. وهذا يؤول إلي الخير، إذ يجعله يكون أكثر حرصًا وتدقيقًا في المستقبل، ويبعد عن التهاون. كما أن اكتشاف ضعفه يعطيه فرصه للرد علي كل فكر كبرياء أو افتخار يحاربه فيما بعد. لذلك عيشوا باستمرار في بشاشة وفرح. "أفرحوا في الرب كل حين" (في 4:4). في كل ما يحدث لكم قولوا: أننا تحت رعاية الله محب البشر، الله الذي يحبنا أكثر مما نحب أنفسنا، والذي يعرف خيرنا أكثر مما نعرفه.. الله الذي يسخر جميع الأمور لكي تعمل من أجل خيرنا.. الذي جعل قوانين الطبيعة تعمل معًا للخير، والذي خلق الحيوانات والطيور والنباتات أيضًا لأجل خيرنا. وخلق الهواء والشمس والقمر والنجوم من اجلنا.. كلها تعمل معًا للخير، من أجل راحتنا وسعادتنا. فلنشكر الله الذي جعل كل الأشياء تعمل معًا للخير، لأجلنا. الله صانع الخيرات، الذي قيل عن ملائكته "أليسوا جميعًا أرواحًا خادمه، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14). ولأجلنا أيضًا عين الرب رتبًا في الكنيسة "أعطي البعض أن يكونوا رسلًا، والبعض أنبياء، والبعض مبشرين، والبعض رعاة ومعلمين. لأجل تكميل القديسين، لعل الخدمة، لبنيان جسد المسيح" (أف 4: 11، 12). عش سعيدًا مهما حدث لك. قل: كله للخير. بهذا يكون إنسان الله خاليًا من كل الأمراض النفسية. خاليًا من الكآبة، والاضطراب، والحزن السيئ، والتعقيد واليأس.. بل باستمرار يملك السلام علي قلبه.. السلام القائم علي الإيمان بالله وعمله.. ولكن كل ذلك علي شروط واضح في الآية، وهو "كل الأشياء تعمل معًا للخير، للذين يحبون الرب" (رو 8: 28). إذن الشرط هو: أن تكون ممن يحبون الرب. لأن هناك أناسًا لا تعمل الضيقات معهم للخير: بل ربما الضيقة تسبب له ألوانًا من التذمر والتعب والتجديف واليأس. هناك أناس لا يحبون الرب المحبة التي تجعلهم يثقون به وبمواعيده وبتدخله وبحلوله. ليس لديهم الإيمان الكافي، لذلك تعصرهم الضيقة، وتجعل نفوسهم متأزمة معقده، تعيش في رعب المشكلة، وليس في حلها. |
||||
|