رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
بعض الأفكار حول تدريب الإرادة
إن إظهار ضرورة تدريب الإرادة هو مثل إثبات أن جائعاً يحتاج الخبز أو أنّ مريضاً يحتاج الدواء: الكلّ يعلم أنَ الإرادة القوية الثابتة في تحقيق الفضيلة تساعد الإنسان في كل خطوة من الحياة. مَن يملك إرادةً قويةً يدخل ملكوت السماء بسرعة أكثر من ضعيف الشخصية المُستَعبد للعواطف والعادات السيئة. الرجل الضعيف، لكونه يُسحَر بسهولة بالشر، ولكونه بلا أسلحة ولا إرادة من نفسه، فهو يقع بلا حول ولا قوة في شباك العدو. الرجل ذو الإرادة الضعيفة غالباً ما يكون على علم تماماً بأنه يخالف ضميره. ومع ذلك، فهو يسمح لسموم الخطيئة التي تعفّن قلبه بأن تقرّبه أكثر من أي وقت مضى إلى التهلكة. لأنه يعلم أن الشيطان الواقف أمام أبواب قلبه يسعى للحصول على مدخل ليغدر به، ولكن لا قوة لديه على المقاومة. لذا يفتح الأبواب، ويقع ضحية تراخيه. إن الأرواح النجسة وقد وضعت العديد من الأفخاخ للإيقاع بنا، ونحن نسمّيها أهواء. إن بذورها مزروعة بالفعل فينا عند الولادة، إذ “بالخطايا ولدتني أمّي”. إنها تبدأ عملها المفسد منذ نعومة الأظفار، وبمجرد الحصول على موطئ قدم، من المستحيل تقريباً هزّها. يجب أن تبدأ المعركة ما أن تظهر الأهواء. إنّ سلاحنا الرئيس في المعركة هو الإرادة القوية الصالحة المتحالفة مع الله، ومن واجب كلّ مسيحي أن يدرّب إرادته لأن تكون هذا السلاح. هذا النوع من التدريب ضروري خصوصاً في مرحلة الطفولة، عندما يكون الحصول على العادات سهلاً، إذ إن الميل نحو اللذة الذي يُكتسب في الشباب يطارد الإنسان كلّ حياته. عندما توجَد المشاعر التي تدمّر النفس لدى الأطفال، تقع الخطيئة على عاتق الآباء والأمهات الذين لا يولون اهتماماً لنشاط أطفالهم ويفشلون في إصلاحهم. على كبار السن أن يوضحوا المشاعر للشباب ويرشدوهم ليكونوا على أهبة الاستعداد.لسوء الحظ، فإن العكس يحدث عادة، ويقع ذنب زرع بذور الخطيئة في السلالة على الجيل الأكبر سناً. على سبيل المثال، غالباً ما يستفيض الأهل في الثناء على أطفالهم ومكافأتهم، وبالتالي تعليمهم المجد الباطل وحب الذات والحسد والمشاكسة.وبالمثل، بدلاً من تشجيع البراءة الطبيعية في الشباب، فإنّ المدارس تعلّم بشكل منهجي الكبرياء والغرور التافه، الذي يتعاون مع الطبيعة البشرية الساقطة على خنق النفس. هنا الخطيئة تخترِق بسهولة كبيرة لأنها مقنَّعة كفضيلة. عند توجيه الاهتمام نحو الروحيات في الجهاد ضد الشرير، يجب أن لا ينسى المرء إلى أي درجة ينبغي عليه أن يكبح جماح نفسه في الماديات من أجل تعزيز إرادته. إن الانضباط الجسدي هو بنفس أهمية الانضباط الروحي في تدريب الإرادة. الرجل الذي يسيطر على نفسه ينهض باكراً، يأكل قليلاً، ويعمل بجد، ويستخدم وقته بحكمة. في غياب ما سبق، فإن المشاعر تتغلّب بسهولة على الإنسان وتصير شيئاً فشيئاً جزءاً من حياته، فيما يصير هو بكليّته فريسة لإرادته الضعيفة. ضارّ جداً أن يتعلّق الإنسان ببعض الأطعمة الشهية منذ شبابه. مَن لم ينمِّ طعمها لن يكون بحاجة لها في ما تبقّى من حياته.أمّا مَن تربّى منذ حداثته على الطيّبات فسوف يسعى جاهداً في شبابه ليؤمّن لحنكه الاكتفاء من الأطعمة والمشروبات الخاصة أو من التدخين. كلّ ما هو مفيد لتقوية الإرادة في الجهاد من أجل الخير ينبغي تثبيته في قلوب الشباب. كلام القديس برلعام لتلميذه الأمير يواصاف تعليمي. فهو يقول له بأنّه هو نفسه عجوز ممتلئ بجميع أنواع الضِعة، لذا فإن تعليم المسيح النقي يُبَثّ في قلب الأمير يواصاف الذي لا يزال شاباً. الأنبا دوروثايوس، صاحب العظة الشهيرة عن الفضيلة، يولي اهتماماً خاصاً بالتفاصيل الصغيرة في عملية تعزيز إرادتنا.هذه التفاصيل الصغيرة على ما يبدو واضحة خصوصاً في مجتمع رهباني. ما من شيء يفسد حياتنا أكثر من الكسل. نحن كسالى جداً عن الوقوف للصلاة، كسالى جداً عن السجدات، كسالى جداً لنشغل أنفسنا بشيء مفيد. أحياناً نكون كسالى جداً حتّى عن رسم إشارة الصليب بشكل صحيح. إنّ غياب رقابتنا يحثّنا على البدء بتناول الطعام أو شرب الشاي قبل المبارَكة.غياب ضبط النفس يلد عادة التدخل في محادثات الآخرين. إذا نادى شخص آخراً، فإن رأسَي الثاني والثالث يدوران باتجاهه لمعرفة ما يجري، ما يجعل مجموعة من الناس تهتم بما يجري الحديث عنه. يأتي الناس إلى اثنين منشغلَين في محادثة خاصة بأسئلة مثل “حسناً، ما الذي يحدث، ما الذي يجري هنا؟” إلخ.. يكتب الأنبا دوروثايوس أن الصراع مع الفضول هو واحد من أساسيات تدريب الإرادة. إن المعركة ضد الإرادة الذاتية هي أيضاً حيوية. هناك أشخاص لديهم هذه الطاقة التي يبدو أنها قادرة على تحريك الجبال، ولكن فقط إذا لم يتعارض هذا مع إرادتهم. أنهم يعجزون عن القيام حتى بمهمة صغيرة إن لم تتناسب مع أفكارهم الخاصة، ولا يتحمّلون أدنى تدخل في ما يريدون. إنهم مغرورون لا يثقون إلا في قدراتهم الخاصة وإرادتهم، بالرغم من أنها تبدو للخارج قوية، إلا إنها في الواقع ضعيفة وعَدَم. إنّهم مثل الشجرة التي تزهر بشكل رائع في الربيع ولكن من ثمّ لا تحمل أيّ ثمر. الشخص المتمحور حول ذاته غالباً ما يؤدّي المهام الكبرى. على سبيل المثال، ينتج الأعمال الفنيّة الضخمة، لكنه يعجز عن التواضع أمام الله، وبالتالي لا يجلب أي ثمرة طيبة. إنّ شجرة بلا ثمر لا تنفع إلا للحطب، كما أن نفساً عقيمة لا تلد إلا روحاً مكتئبة مُثقَلة. إنّ تطوير الإرادة هو علم صعب ولكنه حيوي، ولكن إذا درّب الإنسان إرادته وأرشدها بجدّ فسوف تصبح مساعدةً جيدةً في كلّ الأعمال الحسنة والرفيق المخلص نحو الخلاص. مَن اكتسب إرادة جيدة وقوية يتحمل بسهولة الإهانات ويكون حكيماً في التعامل مع الأحزان التي تأتيه. ضعيف الإرادة يقع في الحزن المفرط والاكتئاب. فهو ينسى أن المساعدة تأتي من الله ويسعى إلى الراحة في أصدقاء مثله ضعفاء ومتخاذلين، كما في أصدقاء خفاف العقل يلقونه في مزيد من الحزن والاكتئاب. إن ملكوت الله يُغتَصَب اغتصاباً والذين يغصبون ذواتهم يدخلونه. الأرشمندريت كبريانوس بيزوف نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي |
|