رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
القديسة فوستينا لمّا تخرج النفس منتصرة من التجارب السابقة، فقد تتعثّر هنا وهناك، ولكن ستتابع الجهاد بضراوة وتواضع متّكلة على الله: نجّني، أكاد أهلك. ولن تفقد استطاعتها على متابعة الجهاد. غير أن النفس، في هذه النقطة بالذات، هي غارقة في ليل مخيف. فلا ترى في داخلها إلا الخطيئة فترتعب. ترى ذاتها، وقد تخلّى عنها الله، وكأنها أصبحت موضوع بغضه، فهي على بُعد باعٍ من اليأس. فتعمل مستطاعها لتحمي ذاتها. تحاول إحياء ثقتها. ولكن تتحوّل الصلاة إلى عذاب أكثر شدّة فيها وكأن هذه الصلاة بالذات تُثير أكثر فأكثر غضب الله. وتجد نفسها متأرجحة على رأس قمّة جبل عالٍ على حافة الهوّة. تميل النفس نحو الله ولكن تشعر أنها منبوذة. كل آلام وعذابات العالم هي لا شيء بالمقارنة مع هذا الشعور المسيطر عليها وهو أن الله قد أهملها. فلا يستطيع أحد أن يُطمئنها وتجدُ نفسها في عزلة تامّة ولا من يحميها. ترفع عينها إلى السماء ولكن على يقين أن السماء ليست لها – لقد فقدت كل شيء. وتزداد غوصاً من ظلمة إلى ظلمة ويبدو لها وكأنها فقدت إلى الأبد الله الذي تعوّدت الشغف به. هذه الفكرة هي مصدر عذاب فوق كل وصف ولكن لا ترتضي به النفس، فتحاول أن ترفع نظرها نحو السماء ولكن عبثّا. ممّا يزيد الألم حدة. إذا أراد الله أن يبقي النفس في ظلمة كهذه فلا يستطيع أحد ان ينيرها، فتختبر آنذاك بشكل حادّ ومخيف، إهمال الله لها، ويتصاعد من قبلها أنّات أليمة، لا يستطيع كاهن، لشدّتها، أن يفهمها، ما لم يكن قد مرّ بذاته في مثل هذه التجارب. في وسط ذلك يزيد الروح الشرير في آلام النفس، ساخرًا منها: «أتثابرين في أمانتك؟ هذه هي مكافأتك، أنتِ في قبضتي». لكن لإبليس تأثير على النفس لا يتجاوز ما سمح به الله له. ويعرف الله كم يمكننا أن نتحمّل. يقول إبليس: «ماذا جَنَيتِ من تضحياتك ومن أمانتك للقوانين؟ وما نفع تلك الجهود؟ لقد نبذك الله». وتتحوّل كلمة «منبوذ» إلى نار تلج كل عرف حتى تبلغ نخاع العظم، وتنفذ إلى كل كيانها ويبلغ التعذيب بالنار ذروته. فتتوقّف النفس عن طلب المساعدة في أي مكان. تتقوقع في ذاتها ويُعمى بصرها عن كل شيء وكأنها ارتضت بعذاب متأتٍ من كونها منبوذة. هذا هو الوقت الذي لا كلام لوصفه. هذا هو نزاع النفس. |
|