|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
من وحي تجسُّد الكلمة : أمَّا نَحنُ فنَسجُدُ لَهُ رَغَم ضَعْفِهِ الظَّاهرِيّ يبدأ القدّيس أثناسيوس الرسوليّ كتابه الأشْهَر بمقدِّمة عن هِزء العالم بتجسُّد المسيح، هؤلاء الذين إستغرقوا في عبادة المصنوعات التي إخترعوها بأنفسهم، الذين خُلقوا على صورته[1] و به كانوا، قبلت عقولهم أن يسجدوا للمصنوعات بالآيدي أما أن يسجدوا لذاك الذي جبلهم و صوَّرهُم فلم تقبل. يقول القدّيس أثناسيوس : "(تجسُّد الكلمة 1 : 1) تعال أيها الطوباوي، يا محبًا للمسيح بالحقيقة لنتتبع الإيمان الحقيقي ونتحدث عن كل ما يتعلق بتأنس الكلمة ونبيّن كل ما يختص بظهوره الإلهي بيننا، ذلك الذي يسخر منه اليهود ويهزأ به اليونانيون، أما نحن فنسجد له رغم ضعفه الظاهري و ذلك حتى تتقوى و تزداد تقواك به". هؤلاء الذين يسخرون من إنجيل تجسُّد المسيح يطلبون آية كاليهود و حكمة كاليونانيين، أما المسيح فقدَّم نفسه متضعاً محتملاً خزي الفقر و العوز للطعام و الشراب، ذاك الذي يُسكن الخليقة في مساكنها و يُقيت كل حي، لم يطلب لنفسه قصراً و مجداً و هو المستحق، بل جال يصنع خيراً معوزاً مطروداً وسط شعبه، كما قال عنه البشيرين لم يكن له أين يسند رأسه. بينما ظهر في الهيئة كإنسان محتملاً إهانات البشر، كانت الملائكة تُسبِّح و تُمجِّد ذاك الذي أخلى ذاته، كما يقول القُدّيس غريغوريوس اللاهوتي في القدَّاس الإلهيّ : "أنت هو القيام حولك الشاروبيم والسيرافيم، ستَّةُ أجنحةِ للواحد، و ستَّةُ أجنحة للأخر، فبجناحين يغطون وجوههم، وبإثنين يسترون أرجلهم و يطيرون بإثنين و يصرخون واحد قبالة واحد منهم، يرسلون تسبيح الغلبة و الخلاص الذي لنا بصوت ممتلئ مجداً يسبحون و ينشدون و يصرخون هاتفين قائلين قدوس قدوس قدوس رب الصاباؤوت، السماء والأرض مملوءتان من مجدك الأقدس". بينما هم يُعيّرونه كان هو يمجِّد طبيعتهم بلبسه جسدهم، و حين كانوا يشتمونه كان يقول "لأجلهم أُقدِّس أنا ذاتي ليكونوا هم مُقدّسين في الحق"، أُنظر كيف تقشعر الملائكة أمام بهاء مجده مُسبلين أجنحتهم أمام هذه العيون الروحيَّة كي لا تتطلع في نور لاهوته، بينما تقف الملائكة الأطهار في إتضاع أمام القدُّوس المرهوب كان العالم يشيح بوجهه عنه، لو علموا من هو لطلبوا أن ينظروه باكين بالدموع، أما هو إذ قد إتضع إحتمل جهالات جنس البشر. و في تدبير تجسُّده وهب لنا نحن غير المُستحقِّين ما لم يخطر بقلب الملائكة أنفسهم، فبينما كان الملائكة يغطّون وجوههم كان يسوع يفتح عيني الأعمي ليراه، و بينما كانت الملائكة يسترون أرجلهم شدَّد يسوع أرجل المُقعد، و بينما يطير الملائكة بجناحين أعطانا نحن أن نطير لا بالأجنحة بل حين حملنا هو في جسدِه[2]. أما نحن المسيحيّون فنسجد له رغم ضعفه الظَّاهريّ، هذا الضعف الذي كان في عيون الجميع عاراً حمل في باطنه المجد، من ذاك الجافي خرجت حلاوة. الذي في صورته كإنسان إحتمل تعيير المُعيّرين سُرّ أن يُخلّصنا نحن بالضعف، لأن الله أراد أن يُعلّمنا و يُركز عيوننا على شخص ذاك المصلوب، لا هيئته الخارجيَّة و مجده بل شخصه، لهذا كان صليبه ألماً و عاراً، نظره أشعياء بروح النبوَّة فرآى لا هيئة له ولا جمال ليُشتهى، بل كل من رآي ضعفه حسبه مضروباً مُعاقباً من الله، أما هو فإحتمل. الذي بنفخة فمه تبيد السماوات و الأرض، لم يفتح فاه، و ذاك الذي يُدين المسكونة بالعدل قبل أن يُدان من قبل الخطاة. تمجَّد يسوع حين أقام الموتى، لكنَّه تمجَّد بالأكثر حين صُلب لأجل صالبيه، و كان إشباعه لجوع الخمسة آلاف إعجازياً، أما إخلاءه لذاته و صيرورته تحت العوز و التجربة كي يُخلّصنا فقد فاق الكل. فإن كان قد إحتمل هذا لأجلنا، لا يجب علينا الآن أن نطلب أن نرى كي نؤمن. إن كنا قد عرفناه في هذا الإتضاع و الإخلاء، لا يجب أن نعود فنطلب أن نرى أعمال مجدٍ، لنؤمن به مُتجسّداً في حياتنا، متضعاً و محتملاً تعيير العالم، لا هذا فقط بل و أيضاً مصلوباً لأجل مُعيّريه، لنعش هذا لأجل الآخر كي ما يهبنا أن نقُوم في هيئة مجده في اليوم الأخير. يجب أن نطلُب منه كي ننال ميلاداً في المذود، أن نُخلي ذواتنا من كل مجد زمني، أن نعود كأطفال في خبرات هذا العالم، و نُقمَّط بالخِرَق أي نتسربل بإتضاع النفس. أن نُعاني الرفض من العالم، لأنه لو كنا من العالم لكان العالم و أهله يقبلوننا، أما من يُحبُّه العالم و يحب هو العالم فهذا لم يتدرَّب مع يسوع في المذود. يقول القدّيس أثناسيوس في مقالته الأولى ضد الآريوسيين (فصل 47) "إنه لما إغتسل الرب في الأردن كإنسان كنَّا نحن فيه و معه الذين نغتسل، و حينما إقتبل الروح نحن الذين كنَّا معه مُقتبلين هذا الرُّوح[3]"، و أيضاً "إن كل ما كُتب فيما يختص بناسوت مُخلّصنا ينبغي أن يُعتبر لكل الجنس البشري[4]". فإن كان قد وُلد فقد ولدنا فيه ثانية، و إعتمدنا له في الأُردن، كما إنتصرنا فيه حينما جُرِّب، هكذا أيضاً ينبغي أن نتألَّم و نُتوَّج بأكاليل الشوك لكي نُعاين مجد القيامة. و هكذا نؤمن به في ضعفه، إن كُنَّا نُصدِّق مجيئه متضعاً في الجسد يجب أن نتضع لأجل الخطاة أيضاً، لأنه لأجل الخطاة قد لبس يسوع الجَسَد، و إن كان البار قد إحتمل خزي الهزء و عار اللطم لأجلي أفلا أُكرم و أترائف أنا على أخي، لعله من تقواه يتألم لأجل خطيَّة واحدة، و أنا لكبريائي لا أفطن لأحمال الخطيَّة على كتفيّ !. جاء يسوع لأجل محبَّته لهؤلاء المدعوّين آخرين، جاء لكي يُشابههم في كُل شئ ما خلا الخطيَّة، لكي يصير واحد معهم في طبيعتهم و يجعلهُم شركاء طبيعته الإلهيَّة، لهذا كي نتشبَّه به يجب أن تضع نفوسنا لأجل آخرين، رحمة الفقير و تعزيَّة البائس و الرأفة بالخُطاة هي أعمال يسوع، و من يشترك فيها يشترك فيه، لأنه إن أهملنا إتضاعه و عمل محبّته يظل يسوع شخصاً نظرياً أما إن أمنا به في ضعفه و إتضاعه، و إن تشبّهنا به مصلوباً، حينئذ نثق أن يسوع صعد إلى أعلى السموات و أرسل لنا الروح المُعزي كي يصير كل منا يسوع، لا بأعمال تُبهر العيون، بل بأعمال تدبير يسوع و إخلاءه لذاته، كي نربح له آخرين كما ربحنا هو لنفسه. |
|