|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكًا، انصرف أيضًا إلى الجبل وحده". [15] أرادت الجماهير أن تخطفه وتقيمه ملكًا أرضيًا حسب هواهم، أما هو فاختفى منهم، وانصرف إلى الجبل وحده. لم يدركوا طبيعة مملكة المسيح، فأرادوا تكريمه حسب تفكيرهم لا حسب فكره الإلهي. كانت الجماهير تريد الخلاص من قيصر ومن الاستعمار الروماني، أما السيد المسيح فلم يرد أن ينشغل تلاميذه بالأمور السياسية، وألا يحملوا عداوة ضد إي إنسان. بانسحابه إلى الجبل وحده يؤكد لنا أهمية انسحابنا من العالم من حين إلى آخر للقاء مع الله في حديث سري والتمتع بالسكون المقدس. خدمتنا للآخرين مهما بلغت أهميتها يلزم ألا تفقدنا عبادتنا الشخصية السرية. *لما امتلأت بطونهم، وكان الطعام عندهم هو أكثر حرصهم، اعتزموا أن يجعلوا المسيح ملكًا، إلا أنه هرب... معلمًا إيانا أن نحتقر مراتب العالم، مظهرًا أنه لا يحتاج إلى المراكز الأرضية، لأن المنح الآتية إليه من السماوات كانت بهية عظيمة، وهي الملائكة والنجم وأبوه هاتفًا، والروح شاهدًا، وأنبياء أنذروا به من زمان بعيد، أما التي من الأرض فكلها حقيرة. جاء ليعلمنا أن نزدري بالأشياء التي هنا وأن نعشق النعم المقبلة. القديس يوحنا الذهبي الفم *هرب من الذين أرادوا أن يعطوه الكرامة التي يستحقها، ورفض مملكة تعتبر أعظم مكافأة أرضية، مع أنها بالنسبة له لم تكن في الحقيقة أمرًا يشتهيه، لأن له الملك مع الآب على الأشياء... يليق بنا أن نتحاشى محبة المجد، الذي هو شقيق الغطرسة وقريبها، وليس ببعيد عنها. يلزمنا أن نتحاشى أيضًا الكرامة البرّاقة في هذه الحياة الحاضرة، فهي ضارة. ولنبحث عن التواضع المقدس، مقدمين بعضنا البعض، كما ينصح الطوباوي بولس أيضًا قائلًا: "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا، الذي إذ كان في صورة الله لم يُحسب خلسة أن يكون معادلًا لله، لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبدٍ، صائرًا في شبه الناس، وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله أيضًا، وأعطاه الاسم الذي هو فوق كل اسم" (في 2: 5 - 9). إن كنا نهتم بالأمور السماوية ونحيا لأجل أمور علوية أكثر من الأرضية، فلنرفض العظمة على الأرض، إن عرضت علينا، فهي والد كل مجدٍ باطلٍ. القديس كيرلس الكبير يرى القديس كيرلس الكبير أن صعوده إلى الجبل وحده حين أرادوا أن يقيموا منه ملكًا يشير إلى رفضه على الأرض، لكنه يصعد إلى السماء، الجبل المقدس (مز 24: 3-4) حتى متى عاد من السماء في مجيئه الأخير يملك بالكامل علينا. *عندما جلس الرب على الجبل مع تلاميذه رأى الجموع قادمة إليه فنزل من الجبل وأشبعهم في الأماكن السفلية للجبل. إذ كيف كان يمكن له أن يهرب إلى هناك مرة أخرى لو لم يكن قد نزل قبلًا من الجبل؟ يحمل ذلك معنى، نزول الرب من العلا ليطعم الجموع ويصعد... لقد جاء الآن لا ليملك في الحال، إذ يملك بالمعنى الذي نصلي من أجله: "ليأتِ ملكوتك" إنه يملك على الدوام مع الآب بكونه ابن اللَّه، الكلمة الذي به كان كل شيء. لكن الأنبياء يخبروننا عن ملكوته الذي فيه هو المسيح الذي صار إنسانًا ويجعل مؤمنيه مسيحيين... ملكوته يمتد ويُعلن عندما يُعلن مجد قديسيه بعد أن تتم الدينونة بواسطته، الدينونة التي تحدث عنها قبلًا، إن ابن الإنسان يتممها. ذلك الذي يقول عنه الرسول: "عندما يُسلم ملكوت اللَّه للآب" (1 كو 15: 24). وقد أشار عليه بنفسه قائلًا: "تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المُعدّ لكم منذ بدء العالم" (مت 25: 34). لكن التلاميذ والجموع التي آمنت به ظنوا أنه قد جاء لكي يملك حالًا، لهذا أرادوا أن يمسكوه ويجعلوه ملكًا. أرادوا أن يسبقوا الزمن الذي أخفاه بنفسه لكي يعلنه في الوقت المناسب(669). القديس أغسطينوس *ماذا يعني: "هرب (انصرف)؟ أن سموه لا يمكن إدراكه! فإن ما لا تستطيع فهمه تقول عنه: "لقد هرب مني". لذلك هرب ثانية إلى الجبل وحده، هذا البكر من الأموات صعد أعلى من السماوات يشفع فينا (كو 1: 18؛ رو 8: 34)(670). القديس أغسطينوس |
|