ذبيحة الحمد والشكر
16 آهِ يَا رَبُّ، لأَنِّي عَبْدُكَ! أَنَا عَبْدُكَ ابْنُ أَمَتِكَ. حَلَلْتَ قُيُودِي. 17 فَلَكَ أَذْبَحُ ذَبِيحَةَ حَمْدٍ، وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو. 18 أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ شَعْبِهِ، 19 فِي دِيَارِ بَيْتِ الرَّبِّ، فِي وَسَطِكِ يَا أُورُشَلِيمُ. هَلِّلُويَا.
آهِ يَا رَبُّ. لأَنِّي عَبْدُكَ.
أَنَا عَبْدُكَ، ابْنُ أَمَتِكَ.
حَلَلْتَ قُيُودِي [16].
يؤكد المرتل مدى التصاقه بالرب، فهو عبد للرب وابن لأمته، يرتبط بالرب الذي يحرره من قيود الحزن.
*في حبٍ أبديٍ لا نهائي يتقدم يسوع ليحمل خطاياي وخطاياك. متَّهمًا بالتجديف وفعل الشر، وفي هذا يُساق للذبح دون أن يفتح فاه!
"فأخذ يهوذا الجند وخدامًا من عند رؤساء الكهنة والفريسيين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح". لقد بحثوا في ثورتهم الجنونية عن يسوع لكي يقتلوه، وهو أيضًا قدم نفسه للموت إذ كان يبحث عنا! لذلك، أظهر سلطانه لأولئك الذين كانوا يريدون قتله دون أن يكون لهم إمكانية القبض عليه، فأعطاهم أن يمسكوه حتى ينفذ إرادته بواسطة الذين لا يعرفون إرادته. "ثم أن الجند والقائد وخدام الهيكل قبضوا على يسوع وأوثقوه" (يو 18: 12). قبضوا على ذاك الذي به يمكنهم أن يتحرروا من رُبطهم. ولعلَّه كان من بينهم من استهزأ به، لكن منهم أيضًا من خلُص بواسطته (إذ ندم البعض وتابوا مؤمنين به)، هؤلاء يقولون: "قد حللت ربطي" (مز 116: 16).
*لنثابر في كل عملٍ صالحٍ. ونرد مع النبي الشكر له، قائلين: "حللت قيودي، أذبح لك ذبيحة الحمد".
*اعتادت محبة الحياة الزمنية أن تضغط على أعناقنا تحت نيرٍ عنيفٍ، وتضع سلاسل وقيود في أقدام النفوس. فلكي نتأهل للتحرر من القيود لنعلن مع النبي: "لنكسر قيودهم وننزع عنا الوثق"؛ وأيضًا "حللت قيودي، فلك أذبح ذبيحة حمد".
*نحن نعلم من هذا التعليم عن ذاك الموت كتحرر للنفس من (قيود) الجسد، كنوعٍ من الانفصال (بين النفس والجسد) في الإنسان، فإننا نتحرر من هذا القيد الذي بين النفس والجسد برحيلنا (من هذا العالم). يقول داود أيضًا: "حللت قيودي، فلك اذبح ذبيحة حمد".
*أيها الأخ أندراوس، قال الرب: "إنّ إيليا قد جاء" (مت 17: 12). وأنا أخبرك أنّ لعازر الذي في قلبك قد أُقيم بالفعل، وحُلَّ من رباطاته، وأنّ الآية "أنت حللت قيودي" (مز 116: 16) تحقّقت فيه. فعليك أيضًا الآن أن تذبح ذبيحة التسبيح لذاك الذي فكّ قيوده حتى لا يسقط مرةً أخرى بالتراخي في قيوده السابقة، وذلك حسب كلمة المخلِّص عندما قال: "ها أنت قد برئتَ، فلا تُخطئ أيضًا لئلاّ يكون لك أشرّ" (يو 5: 14).
فَلَكَ أَذْبَحُ ذَبِيحَةَ حَمْدٍ،
وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو [17].
لن تنقطع الذبائح لا بانتقالنا إلى الفردوس، ولا بدخولنا العرس الأبدي، مقدمين له تسبيحا أبديًا.
وكما يقول الشهيد يوستينوس: [إني أعتبر الصلوات وتقديم الحمد حينما يقدمها أشخاص معتبرون تكون هي وحدها الذبائح الكاملة والمقبولة لدى الله .]
*أي نوع من الذبيحة؟ هل هي ماعز أو ثور؟ لا، هذه كانت ذبائح يهودية، وقد زالت الآن. أقدم لك ذبيحة التسبيح والشكر، شكر الشهداء. كما أن الشهداء يسبحون الرب بطهارة في أرض الأحياء، هكذا يسبح الرهبان نهارًا وليلًا، ويلزمهم أن تكون لهم الطهارة عينها مثل الشهداء، فإنهم بالحق هم شهداء. ما يفعله الملائكة في السماء، يفعله الرهبان على الأرض .
*من يصير بالمحبة على صورة الله ومثاله، يبتهج في الصلاح من أجل الصلاح ذاته، ويكون له مثل هذا الشعور من جهة الصبر والوداعة. فلا يغضب بسبب أخطاء الخطاة، إنما في حنوٍ وترفقٍ يطلب لهم الصفح لأجل ضعفهم، متذكرًا أنه هو نفسه إلى وقت طويل كان مجربًا بأشواك شهوات مشابهة حتى افتقدته مراحم الله. وإذ أُنقذ من الهجوم الجسداني بواسطة عناية الله وليس بمجهوده الذاتي، لهذا لا يظهر بغضًا على الذين ضلوا بل رحمة، مترنمًا بكل سلام عقلي قائلًا: "حللتَ قيودي. فلك أذبح ذبيحة حمدٍ" (مز 16:116، 17). "لولا أن الرب معيني لسكنت نفسيْ سريعًا أرض السكوت" (مز 17:94). وإذ يكون عقله دائم التواضع، يستطيع أن ينفذ الوصية الإنجيلية بكمالها: "أَحِبُّوا أعداءَكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مُبغِضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئُون إليكم ويطردونكم" (مت 44:5). بالتالي ننال الجزاء الذي يلحق بهذه الوصية، إذ لا نكون فقط على صورة الله ومثاله، بل وندعى أبناء الله، إذ يقول الرب: "لكي تكونوا أبناءَ أبيكم الذي في السماوات. فإنهُ يشرق شمسهُ على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين" (مت 45:5). بهذا الإحساس عرف يوحنا المبارك ما ناله، إذ قال: "أن يكون لنا ثقة في يوم الدين، لأنهُ كما هو في هذا العالم هكذا نحن أيضًا" (1 يو 17:4) .
*تظهر أهمية الإرادة من قول الرب: "انحلّي من رُبُط عنقكِ أيتها المسبية ابنة صهيون" (إش 2:52)، ويتغنى النبي بضعفها قائلًا: "الرب يطلق الأسرى" (مز 7:146)، "حللتَ قيودي. فلك أذبح ذبيحة حمدٍ" (مز 16:116، 17).
إننا نسمع في الإنجيل الرب ينصحنا أن نأتي إليه سريعًا بحرية إرادتنا: "تعالوا إليَّ يا جميع المُتعَبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم" (مت 28:11)، ويشهد الرب نفسه عن ضعفها بقوله: "لا يقدر أحد أن يُقبِل إليَّ، إن لم يجتذبهُ الآب الذي أرسلني" (يو 44:6).
يشير الرسول إلى حرية إرادتنا بالقول: "هكذا اركضوا لكي تنالوا" (1 كو 24:9)، ويشهد يوحنا المعمدان عن ضعفها بقوله: "لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئًا إن لم يكن قد أُعطِي من السماءِ" (يو 27:3) .
* بينما يكون الإنسان في انكسار قلب وانسحاق روح، مع استمرار الجهاد والبكاء، إذ بالنعمة الإلهية تلاشي تذكر الخطايا السابقة، وتنزع وخزات الضمير عنها. هنا يكون واضحًا أنه قد نال غاية الرضا ومكافأة العفو، واُنتزعت منه وصمات الخطايا التي ارتكبها. عندئذ يمكننا أن نصل إلى نسيان الخطية، وذلك بإزالة آثار الخطايا والرغبات القديمة مع نقاوة القلب وكماله.
هذه الحالة لا يصل إليها الكسالى والمتهاونون الذين فشلوا في نوال المغفرة عن خطاياهم، إنما يصل إليها من استمروا في التنهد والتأوه بحزن لأجل إبادة كل آثار الخطايا، فبصلاح قلوبهم مع جهادهم يعلن كل منهم للرب: "أعترف لك بخطيتي، ولا أكتم إثمي" (مز 5:32). ويقول: "صارت لي دموعي خبزًا نهارًا وليلًا" (مز 3:42). فيُوهب له في النهاية أن يسمع هذه الكلمات: "امنعي صوتكِ عن البكاءِ، وعينكِ عن الدموع، لأنهُ يُوجَد جزاء لعملكِ يقول الرب" (إر 16:31). ويقول له الرب: "قد محوت كغيمٍ ذنوبك، وكسحابةٍ خطاياك" (إش 22:44)... وهكذا إذ يتحرر من رباطات خطاياه التي ربط الكل بها يشكر الرب مسبحًا: "حللتَ قيودي، فلك أذبح ذبيحة حمدٍ" (مز 16:116، 17) .
بقيامة السيد المسيح وصعوده إلى السماء حلّ قيود قلبي فتحرر ليرتفع معه إلى السماء.
*قيامة الرب هي رجاؤنا، وصعوده هو مجدنا.
أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ شَعْبِه [18].
فِي دِيَارِ بَيْتِ الرَّبِّ فِي وَسَطِكِ يَا أُورُشَلِيمُ. هَلِّلُويَا [19].
عند تمتعه بالخلاص وضع المرتل في قلبه ليس فقط أن يوفي نذوره، وإنما أن يوفيها علانية في الهيكل أمام كل أورشليم [18-19]. حقًا لقد تحول قلبه إلى أشبه بحفلٍ مفرحٍ أو وليمةٍ روحيةٍ. يكرز بهذا الفرح الداخلي في داخل الهيكل في وسط أورشليم كي يتمتع كل المؤمنين بالتهليل الحقيقي.
من وحي المزمور 116
آمنت، فانفتح قلبي بالتسبيح لك بلا انقطاع!
*آمنت أنك أب، تميل بأذنك لتسمع تنهدات قلبية الخفية!
*آمنت أنك عادل، لا تقبل الخطية.
تؤدبني، لأنك تقبلني برحمتك وارثًا لك!
تحوط عدلك بالحنو والرحمة!
*آمنت أنك تحفظ البسطاء،
تقيم منهم أبناء مقدسين لك!
*آمنت أنك تنتظرني، لترحب بي في أحضانك.
أقف أمام عرشك، مختفيًا في برّك.
*آمنت،فانفتح قلبي بالتسبيح لك على إحساناتك بلا انقطاع!
*آمنت أنك بمسرةٍ شربت كأس الألم والموت لأجلي.
لأستلم الكأس من يدك يا كلي الحب،
فالألم من يدك كله عذوبة.
*آمنت أنك قمت من بين الأموات،
لتقيمني معك، وتنحل كل قيود الخطية والعبودية.
*آمنت، فأشهد لحبك ورعايتك،
أوفيك نذور ذبائح التسبيح والشكر أمام الجميع!