شرح الكتاب المقدس - العهد القديم - القس أنطونيوس فكري
راعوث 3 - تفسير سفر راعوث
الآيات (1-5): "وقالت لها نعمي حماتها يا بنتي إلا التمس لك راحة ليكون لك خير. فالان أليس بوعز ذا قرابة لنا الذي كنت مع فتياته ها هو يذري بيدر الشعير الليلة. فاغتسلي وتدهني والبسي ثيابك وانزلي إلى البيدر ولكن لا تعرفي عند الرجل حتى يفرغ من الأكل والشرب. ومتى اضطجع فاعلمي المكان الذي يضطجع فيه وادخلي واكشفي ناحية رجليه واضطجعي وهو يخبرك بما تعملين. فقالت لها كل ما قلت اصنع."
نجد هنا نعمى تطلب راحة راعوث وتعطيها بعض الإرشادات لتحصل على حق الميراث الذي كان لنعمى ولكن نعمى تركته لراعوث. ونلاحظ أن نعمى طلبت الراحة لراعوث ليس الراحة من العمل بل أن يكون لها رجل يحميها. ونعمى فضلت أن يكون الرجل هو الولى الثاني بوعز وليس الأوّل فهي تعرف شهامة بوعز وفضله. إغتسلى وتدهنى.. علامة أن فترة الحداد قد انتهت وهي الآن تطلب أن يكون لها عريس. لا تعرفى عند الرجل حتى يفرغمن الأكل والشرب = أي لاتتكلمى معهُ إلاّ بعد أن يخرج الخدام وليس في وقت العمل وليس أمام الناس. وهذا كله لهُ معناه الروحي:
فالناموس (نعمى) يطلب الكنيسة أن يكون لها راحة وفرح بالمسيح المخلص. ويكون للكنيسة نسلًا أي ثمار ومؤمنين كثيرين يدخلون الإيمان. فالناموس غايته المسيح (رؤ 10: 4). إغتسلى = لا دخول إلى العريس بدون معمودية. تدهنى = بالمعمودية نقبل العضوية في جسد المسيح وبالميرون يسكن الروح القدس فينا ليقدسنا فيهيئنا للعرس الأبدي (2كو1: 21-22). الروح القدس يرفع النفس من مجد إلى مجد حتى تحمل سمة عريسها وتحمل صورته بل تلبس المسيح (غل 3: 27) فبعد أن نخلع الآنسان العتيق بشهواته وملذاته نلبس الجديد وهذا معنى إلبسى ثيابك أي تقبل النفس السيد المسيح كثوب ويستر كل ضعفاتها أو يخفى المسيح النفس فتظهر لدى الآب حاملة سمات المسيح فتكون موضع سروره. وإنزلى إلىالبيدر = في البيدر يذرى المحصول لفرز الحبوب من التبن وبذلك يصير البيدر إشارة إلى يوم الدينونة حين نتقابل مع المسيح كديان. إذًا علينا في تقابلنا مع المسيح المحب أن نخاف دائمًا من ذلك اليوم ونضع أمام أعيننا صورة المسيح كديان "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" لا تعرفى عند الرجل حتى يفرغ.. = اللقاء السرى في المخدع، أي أن تكون علاقة المحبة سرًا. فبعد أن تقابلت مع المسيح في الحقل أي الخدمة، على النفس أن تعود للمخدع في نهاية اليوم لتتقابل مع المسيح سرًا في المخدع. أدخلى = الدخول للرب يعنى أن نخرج من محبة العالم وإغراءاته لندخل في دائرة محبة الله. إكشفى ناحية رجليه = أي نتعرف على أسراره الإلهية قدر ما نتحمل كبشر، أما ّ في الدهر الآتي فنراه وجهًا لوجه وندرك الأمور التي لم نكن نتحملها في هذا العالم. وقارن مع (خر 33: 23) " تنظر ورائى وأماّ وجهي فلا يُرى". وإضطجعى = أي قبول الموت والصليب مع المسيح فلن نستفيد من المسيح المصلوب إلاّ خلال قبولنا للصليب.
لقد أرادت نعمى من بوعز أن يفك لها الأرض وأن يتزوج راعوث. وكانت نعمى واثقة من طهارة بوعز وراعوث لذلك أرشدتها لهذه الطريقة. وربما كان بوعز يفكر في الزواج من راعوث وفك الأرض لكنه خشى أن لا تقبل راعوث الزواج منه لكبر سنه وأنها تفضل الزواج بأحد الشبان.
الآيات (6، 7): "نزلت الى البيدر وعملت حسب كل ما امرتها به حماتها. فأكل بوعز وشرب وطاب قلبه ودخل ليضطجع في طرف العرمة فدخلت سرا وكشفت ناحية رجليه واضطجعت." وطاب قلبه = ليست بمعنى شرب الخمر والسكر بل الشكر لله الذي رفع المجاعة. طرف العرمة =أى عند أطراف أكوام السنابل التي ديست بالنورج في انتظار التذرية. لقد نام بجانب محصوله ليمنع السرقة، والوقت أيضًا وقت عمل فلا وقت لديه للرجوع إلى المنزل في المدينة ثم عودته للحقل مبكرًا في الصباح. كشفت ناحية رجليه = هي فعلت ذلك لتعلن له أنها قريبته وهي تمثل قدميه وقد تعرت وفي حاجة لمن يسترها.
الآيات (8، 9): "وكان عند انتصاف الليل أن الرجل اضطرب والتفت وإذا بامراة مضطجعة عند رجليه. فقال من أنت فقالت أنا راعوث أمتك فابسط ذيل ثوبك على أمتك لأنك ولي." ابسط ذيل ثوبك على أمتك = هذا طلب بالزواج. والآن راعوث تنفذ طقس ديني كيهودية تعرف شريعة اليهود. وهذا نفس ما قيل في (حز 16: 7-8) كنبوة عن المسيح "فبسطت ذيلى عليك وسترت عورتك". والمسيح دائمًا يحاول أن يبسط ذيله علينا ليحمينا تحت جناحيه ولكن هناك من يرفض " يا أورشليم يا أورشليم.... كم مرة أردت.... لكنكم لم تريدوا.... (والنتيجة الطبيعية).. ها بيتكم يترك لكم خرابًا (مت 23: 37 -38). فلنلجأ ليسوعنا وهو يظلل علينا فهو ولينا وفادينا يحمل كل مشاكلنا.
آية (10): "فقال أنك مباركة من الرب يا بنتي لأنك قد أحسنت معروفك في الأخير أكثر من الأول إذ لم تسعي وراء الشبان فقراء كانوا أو أغنياء." أحسنت معروفك = الكلمة في العبرية تعني القداسة التي ظهرت في طاعتها لإله إسرائيل ومحبتها وإخلاصها لنعمى وطاعتها لناموس إله إسرائيل بطلبها الزواج من بوعز الكبير سنًا كولى لها لإقامة نسل للميت. فى الأخير أكثر الأول = فهي الآن فضلت أن ترد ميراث نعمى وتقيم نسلًا للميت أي باسمه عن أن تتزوج بشاب.
الآيات (11-14): "والان يا بنتي لا تخافي كل ما تقولين افعل لك لأن جميع أبواب شعبي تعلم أنك امرأة فاضلة. والان صحيح اني ولي ولكن يوجد ولي اقرب مني. بيتي الليلة ويكون في الصباح أنه أن قضى لك حق الولي فحسنا ليقض وأن لم يشا أن يقضي لك حق الولي فانا اقضي لك حي هو الرب اضطجعي إلى الصباح.فاضطجعت عند رجليه إلى الصباح ثم قامت قبل أن يقدر الواحد على معرفة صاحبه وقال لا يعلم أن المراة جاءت إلى البيدر." جميع أبواب شعبي = أي شيوخ المدينة وقضاتها لأنهم يجتمعون عند الأبواب. امرأة فاضلة = كانت أمينة لزوجها وهو حيّ وظلت أمينة لاسمه بعد موته فلم تطلب شهوتها وزواجها بأحد الشباب بل طلبت إقامة اسم للميت بزواجها من بوعز الكبير سنًا لأنه وليها الثاني إن رفض الولى الأول ذلك.
آية (15): "ثم قال هاتي الرداء الذي عليك وامسكيه فامسكته فاكتال ستة من الشعير ووضعها عليها ثم دخل المدينة." اكتال لها ستة من الشعير = بعد جهادها الشاق حصلت على إيفة وهي تعادل 3 مكاييل ولكن لقاء بعد البيدر أعطاها مجانًا دون جهاد الضعف أي 6 مكاييل. فما نحصل عليه في المخدع أكثر ما نحصل عليه في الخدمة. ولكن لن نحصل على بركات المخدع ما لم نجاهد في الحقل أولًا. فينبغي أن نجاهد لحساب ملكوت الله ثم نلتقي به في المخدع سرًا خلال الصلاة ودراسة كلمة الله. ولنلاحظ أنه لا تمتع بالحياة التأملية ما لم يكن هناك جهاد روحي وعمل روحي.
آية (16): "فجاءت إلى حماتها فقالت من أنت يا بنتي فأخبرتها بكل ما فعل لها الرجل." من أنت يا ابنتي = أي هل أنت راعوث الموآبية الأرملة أم صرت راعوث خطيبة بوعز. هل أنت راعوث. الفقيرة أم عروسة بوعز الغنى.
الآيات (17-18): "وقالت هذه الستة من الشعير أعطاني لأنه قال لا تجيئي فارغة إلى حماتك. فقالت اجلسي يا بنتي حتى تعلمي كيف يقع الأمر لأن الرجل لا يهدا حتى يتمم الأمر اليوم." هذه الستة منالشعير أعطاني.... الرجل لا يهدأ حتى يتمم الأْمر اليهود يفهمون رقم 6 على أنه إكتمال أيام التعب (خلقة العالم في 6 أيام) وبعد ستة الأيام هناك الراحة. ونعمى فهمت من أن بوعز أعطى لراعوث 6 مكاييل أنه يطلب لها الراحة وسيعمل على هذا بل أنه لن يستريح حتى يريح راعوث. هكذا نفهم أن الله استراح في اليوم السابع بالصليب الذي كان فيه راحة لنا.