لا خلاص الا بيسوع
ذاك هو الكلام الذي قاله بطرس لرؤساء اليهود والشيوخ، مبيّناً ان شفاء المخلّع تمّ «باسم يسوع المسيح الناصري» (أع 4: 10). لا، لم تتمّ المعجزة بيدينا، «فلماذا تنظرون إلينا كأننا بقدرتنا أو تقوانا جعلنا هذا الرجل يمشي» (اع 3: 12).
«بفضل الايمان باسم يسوع، عادت القوّة إلى هذا الرجل الذي ترونه وتعرفونه. فالايمان بيسوع هو الذي جعله في كمال الصحّة أمام انظاركم جميعاً» (آ 19). والمبدأ الاول جاء يختم الكلام حول هذه المعجزة: «لا خلاص إلا بيسوع فما من اسم آخر تحت السماء وهبه الله للناس نقدر به أن نخلص» (أع 4: 12).
في هذا الاطار نفهم مخطط الله: جعل الجميع تحت الخطيئة. سمح أن يخضعوا لسلطان الخطيئة (روم 3: 9)، لينالوا كلّهم الخلاص. فالوثنيون خطأة «إذ عرفوا الله فما مجّدوه ولا شكروه كإله، بل زاغت عقولهم وملأ الظلام قلوبهم الغبيّة» (روم 1: 21). واليهود أيضاً خطأة: يفتخرون بالشريعة وفي الوقت عينه يهينون الله حين يعصون الشريعة (روم 2: 23) بحيث يستهين الناس باسم الله بين الأمم بسببهم (آ 24). لا، ما من واحد بار، لا احد (روم 3: 10). والانسان لا يقدر أن يستند إلى برّه الخاصّ إلى البرِّ الآتي من الناموس. إذا أردنا أن نختار الافضل ونصير أنقياء لا لوم علينا في يوم المسيح، يجب أن نمتلىء، لا من ثمر أعمالنا، بل «من ثمر البرّ بيسوع المسيح، لمجد الله وحمده» (فل 1: 10- 11).
أراد العبرانيّون أن يستندوا إلى نوح ودانيال وأيوب (حز 14: 14). فكان جواب النبيّ: «ولو كان في الأرض هؤلاء الرجال الثلاثة، لما تمكّنوا من إنقاذ أنفسهم إلاّ بيدهم». ويريد المؤمن أن يستند إلى برّه السابق، فيحسب أن لا جهاد له بعد الآن. أو هو يحسب أن أعماله كانت كافية وهو يستحقّ الأجر الذي ينتظره. فنوح نفسه ما استطاع أن يستند إلى برّه. ولذا نقول عن الآباء الذين أرضوا الله: هم كلّهم معرّضون للخطيئة، ونحن أيضاً. لهذا يقول لنا بولس الرسول: «من ظنّ انه واقف فليحذر من السقوط» (1 كور 10: 12). من ظنّ انه قويّ تكون آخرته تعيسة. ويحدّثنا الرسول عن أولئك الذين «تعمّدوا لموسى في السحابة وفي البحر، وأكلوا طعاماً روحياً وشربوا شراباً روحياً. ومع ذلك، فما رضي الله عن أكثرهم، فسقطوا أمواتاً في الصحراء» (1 كور 10: 1- 5). ما انتفعوا من رفقة الله في الصحراء. ولكن لماذا كل هذا؟ فيجيب الرسول: «حدث هذا كلّه ليكون لنا مثلاً... بحيث لا نستسلم للزنى مثلما استسلم بعضهم» (آ 6- 8).
أجل، حين يروي لنا الكتاب خبراً، فلكي يقدّم لنا درساً بحيث لا نقع في خطيئة الغرور والاعتداد بالنفس. بحيث لا نوقف الجهاد بعد أن طالت بنا الحياة. ونسمع في هذا الاطار تنبيه النبيّ حزقيال. جاء الناس حوله يقولون: طريق الربّ غير مستقيم. ينظر إلى أعمال الانسان الحاضرة، وكأنه ينسى السابقة. فجاء جواب النبيّ قاطعاً: «إذا ارتدّ (تراجع) البار عن برّه، وفعل الاثم ومات، فبسبب إثمه الذي فعله يموت» (حز 18: 26). لا يمكن للمؤمن أن ينام على الحرير. فأمامه جهاد قد يصل به إلى الدم بإزاء الخطيئة (عب 12: 4). ومقابل هذا الارتداد عن الخير، هناك الاهتداء إلى الخير والابتعاد عن الشرّ: «وإذا تاب الشرّير عن شرّه، وعمل ما هو حقّ وعدل، فهو يُنقذ حياته» (حز 18: 27). ويأتي النداء: «فتوبوا وارجعوا عن جميع معاصيكم، لئلا يكون الاثمُ سبباً لهلاككم» (آ 30).
ولكن الانسان لا يقدر أن يحافظ على البرارة، دون نعمة من لدنه تعالى. لا يقدر ان يغتسل من خطاياه إن لم يحرّره الربّ من الداخل. فمن حسب نفسه باراً، صار خارج الخلاص. أما من اعترف بخطاياه، فالربّ رؤوف عادل. ويبيّن لنا بولس الرسول ان الله أتى إلينا حين كنا لا نستحقّ شيئاً. ساعة لا يضحّي الانسان بنفسه من أجل انسان بريء، ضحّى يسوع بحياته من أجلنا، يوم كنا خطأة. قال: «ولكن الله برهن عن محبّته لنا بأن المسيح مات من أجلنا ونحن بعدُ خاطئون. فكم بالاولى الآن بعدما تبرّرنا بدمه، أن نخلص به من غضب الله» (روم 5: 8- 9).
خاتمة
لا بار ولا واحد، لا انسان إلا وسقط في الخطيئة في يوم من الأيام. ويرينا العهد القديم ما صنع نوح حين سكر. وابراهيم حين أراد أن ينجو بحياته حين كان في مصر: «باع» حاملة الموعد، امرأته سارة، ولكن الربّ استردّها له. ويونان النبي حاول أن يهرب من وجه الله لئلا ينقل الرسالة التي كلّف بها. وهرون الكاهن صنع العجل الذهبيّ فجعل على شعبه خطيئة كبيرة. وجدعون القاضي الذي خلّص الشعب، صنع في النهاية صنماً. وشمشون أفشى بسرّه العميق بينه وبين ربّه، إلى امرأة من «الأعداء». وفي العهد الجديد خطىء بطرس حين أنكر سيّده ثلاث مرات. وخان يهوذا الربّ يسوع وباعه بقبلة تعبّر عن الصداقة في الحالات العاديّة. أما هنا فدلّت على الخبث والكذب، وطلعت منها رائحة المال. وحده يسوع هو البار والقدوس. والخليقة تبقى خليقة وهي تنتظر خلاصها ممن هو وحده المخلّص. «من الوسيط بين الله والناس، الذي ضحّى بنفسه فدى لحميع الناس» (1تم 2: 5).