مقال الراهب القمص إبراهيم الأنبا بولا - الروح في سفر أعمال الرسل ورسائل بولس الرسول ()
روح الحق
♥♥♥
صعد إلى أعلى السموات، وأرسل لنا الباراكليت. روح الحق المعزى. آمين. الليلويا.
لحنٌ عميقٌ مُشْبعٌ يتزين به صوم الرسل، ويقال في أقدس وقت، أثناء التناول من الأسرار المقدسة.
روح الحق: "أما متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو 16: 13)
ما هو روح الحق؟
هو الروح القدس... روح المسيح... لأنه قدم لنا نفسه، وقال: "أنا هو الحق" (يو 14: 6).
هو الحق: كان المنُ النازل من السماء رمزًا، وجاء الحقُ وأعلن عن نفسه، وقال: "أنا هو المن النازل من السماء" (يو 6: 51)، وهكذا كل رموز العهد القديم. جاء الحق وأعلن لنا حقيقة كل شيء...
هو الحق: لأنه وعد وقال: "نسل المرأه يسحق رأس الحية" (تك 3: 15)، وانتظر الآباء والأنبياء، وصدق وأثبت لنا محبته وبذل ذاته، وجاء الحق وقال: "أنا قد حفظت وصايا الآب كل ما قيل عنى سوف أتممه؛ لأن وعدى صادق، فثقوا أنا بالحقيقة حق، وكل كلامى وأفعالى حق، وكل وعودى للأمناء حق. أنا الحقيقة الثابتة والثقة الحقيقية".
من أين يأتي؟
"متى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي" (يو 15: 26) واضح هنا أنه هو يرسل روحه من الآب والروح ينبثق (= يشرق... ينفجر) من الآب. ما يرسله الآب يرسله الابن. مرسل من الآب؛ لأنه دبر لنا الخلاص والتقديس، ومرسل من الابن؛ لأنه دفع دمه ثمن التبرير.
قال رب المجد: "روح أبيكم يتكلم فيكم" (مت 1: 20) وفهم بولس ما سبق وقال: "أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب" (غلا 4: 6).
لماذا قال: "متى جاء... يرشدكم"؟
(يو 16: 13) لأن الوقت إنتهى وقد قال في (يو 16: 12) "أن لي أمورًا كثيرة أيضًا لأقول لكم". لقد قال الكثير ولكن عنده كلام أكثر كثيرًا جدًا جدًا، وهو يرشدكم لأنه ينمو بكم. هو يرشدكم لأنه سوف يرشد أجيالًا كثيرًا في آلاف السنين...
لقد تحدث مع جموع كثيرة بقدر ما يفهموا، وتحدث مع تلاميذه بقدر ما يحتملوا، وتحدث مع أفرادٍ كلٍ على حدى بقدر ما إستناروا. وسوف يتحدث مع أفراد بعيدة عن المعرفة ويجذبهم لحبه... سوف يلاحقهم وينمو بهم ويفتح لهم الينبوع، ويكشف لهم عن كنزه بعمق ويعمق!!
كيف نقتنيه لكي يرشدنا إلى الحق؟
بالروح القدس في المعمودية... ننمو به بإتحادنا بالإفخارستيا... ننمو ونستنير به بأقوال الكتاب المقدس... ننمو ونرتفع به بالوصية المعاشة إن أحببنا وصاياه... ننمو وندخل به للعمق بالمحبة المسكوبة فينا والتي نسكبها نحن على الآخرين... ننمو ونقتنيه بتجديد بالسمو في حياة الطهارة والنقاء...
حتى ولو ذبل الجسد فالروح ينمو بنا ويكشف ويضيء... يشبع ويعزى... ينعم بالسرور والفرح... وندخل إلى معرفته الفائقة في لجة محبته وتحننه...
"متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق". ما هو جميع الحق؟
جميع الحق هو: جميع ما في فكر المسيح أو المعرفة الكاملة عن المسيح أو ما يخططه لنا المسيح. ومن بين هذه الحقائق:
1- حقيقة الذات الإنسانية: ما هو الإنسان إلا تراب... خيال... ومع هذا هو صورة الله... نفخه منه... هيكل للروح.
نقتنى روح الحق وينمو بنا، حتى ينزع عنا الذات والكبرياء، ونفهم أننا لا نساوى شيئًا، وفي نفس الوقت لنا قيمتنا عنده... أنا سوداء وجميله (نش 1: 5) هذه حقيقة، ولكن يتعب معنا روح الحق حتى نقتنيها بحق.
2- حقيقة غربتنا في الدنيا: كلنا نعرف أننا ساكنون في خيام (الجسد الترابي لا بُد أن ينحل) وأننا غرباء في هذا العالم مثل آبائنا (1أخ 29: 15)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. ونصلى في القداس ونقول: "أولئك يا رب الذين أخذت نفوسهم نيحهم، ونحن أيضًا الغرباء... إحفظنا لكي لا ننسي السابقون ونحن اللاحقون؟! هذه أيضًا حقيقه يتعب روح الحق معنا حتى نعى حقيقتها ونعيش في تسامح ومحبة... لنجهز حقيبة السفر!!
3- حقيقة المعرفة الإلهية: من هو الآب والابن والروح القدس. عندما أعلن بعض المعرفة لليهود، أخذوا حجارة ليرجموه. وعندما أعلن ذاته لتلاميذه، ذهبوا بعيدًا عنه وتركوه. وعندما عرف رؤساء الكهنه أنه مساوٍ للآب، دبروا خطة وصلبوه، واستهزأوا به قائلين: " إن كنت إبن الله فانزل عن الصليب (مت 27: 40). هذه أيضًا حقيقه عرفها أقرب الناس لتجسده ولم يؤمنوا، فكم وكم أجيال بعيدة عنه...!! فما زال روح الحق يُثبت ويُرشد ويُنير!!
4- حقيقة الحياة السمائية: مازال حتى الآن روح الحق يكشف عن ما لم تره عين، وما لم تسمع به أذن، وما لا يخطر على قلب بشر.. بإعلانات ورؤى وأحلام.
فدانيال النبي أثبت لنا أن الملاك ميخائيل هو رئيسنا (دا 10: 21) وهو المحارب عنا (دا 12: 1) والملاك غبريال جاءه برسائل وتفسيرات كثيرة (دا 9: 21) وأيضًا من الناس الأحياء أثبتوا لنا علاقتهم بالقديسين السمائيين. حقيقةٌ عاشها آبائنا، وحتى الآن روح الحق يعمل ويرشد لينير عيون مقفلة، وقلوب قاسية وعقول مظلمة.
كل إنسان له سرٌ خاصٌ وإعلان مفرح وحقيقة معلنة بروح الحق.