بك احتميت يا الله
المزمور السابع والخمسون
1. المزمور السابع والخمسون هو مزمور توسّل وشكر ينشده المرتّل للرب الذي نجّاه من الأخطار وأعانه في وقت الضيق. طلب الرحمة، فسمح له بأن يختبئ تحت ظلّ أجنحة الله طالبًا اللجوء إلى المعبد. ولكنه بدل أن يطلب التمتّع بالإقامة الطويلة عند الرب، ها هو يبحث عن ملجأ موقّت إلى أن تعبر العاصفة، إلى أن يعبر غضب الله (أي 14: 13).
2. بعد الضيق تظهر قدرة الله في كل بهائها فتدفعنا إلى الشكر.
آ 2- 5: صرخة يطلقها المرتّل إلى الرب الاله العلي في أورشليم: ارحمني لأني بك اعتصمت... ويصوّر الخطر المحدق به: الأسود وأنيابهم، السيوف والسهام والاسنّة... ويجمع بين خطر الاسود المتربّصة وقوة النار المحرقة. هكذا نقرأ عن دانيال الذي كان في جبّ الاسود بينما كان أصحابه في أتون النار (3: 1 ي؛ 6: 2 ي)
آ 6- 12: ويبدأ نشيد حمد وشكر للرب الذي عاقب أعداءه فأوقعهم في الشرك الذي نصبوه له: قلبي مستعدّ يا الله. قلبي مستعدّ. يحمل اللاوي عوده، وهو ينتظر بفارغ الصبر طلوع الفجر ليهتف لله عندما تطلع الشمس، لأن الصباح هو ساعة نعم الله وبركاته. الترنيم للرب يشركنا بمجده، والتأمل برحمته وأمانته يرفعنا أعلى من السماء. ويختتم المرتّل صلاته دون أن ينسى أهميّة تعظيم الرب بين الشعوب، وذكر مجده الذي يملأ الأرض كلها، ويعبّر عن استعداده لإعلان رحمة الله وحقه: انتظار في عينيه وثبات في قلبه.
3. وصل المرتّل إلى الهيكل واختباً تحت أجنحة الكاروبيم التي تظلّل تابوت العهد، أي تحت أجنحة الله، كالافراخ التي تختبئ تحت أجنحة النسر (تث 32: 11؛ خر 19: 4). لم يعد للمرتّل أي أمل، فرفع ناظريه إلى حيث ينتظر المعونة، إلى اله العهد الذي رأى أشعيا عظمته (أش 6: 3)، وطلب أن يلتجئ إليه، فكان له ما طلب. ولهذا قام سحَرًا ينشد نشيد الشكر، ووعد الرب بأنه سيطوف على الشعوب يخبرهم بما صنعه الله له.
4. تنشد الكنيسة هذا المزمور فتتذكّر عظمة المسيح الذي قام من بين الأموات. تنشده في جهادها مع الشيطان الذي يريد ابتلاعها، وتضع نفسها تحت حماية ربها وتنتظر منه الخلاص.
ونحن المؤمنين نصلي هذا المزمور متطلّعين إلى الخلاص الآتي، متذكّرين كلام بولس الرسول (كو 1: 11- 13) القائل: "سيروا... متقوين بكل ما في قدرته المجيدة من قوة لتتحمّلوا فرحين كل شيء بثبات تام وصبر جميل، شاكرين الآب لأنه جعلكم أهلاً لأن تقاسموا القديسين ميراثهم في ملكوت النور. فهو الذي نجّانا من سلطان الظلام ونقلنا إلى ملكوت ابنه الحبيب".
5. تأمّل
"في ظلّ جناحيك أحتمي". نحن هنا في إطار ليتورجي، وقد جاء المرتّل يبحث عن ملجأ في الهيكل. هو ما جاء ليلتذّ بإقامة دائمة لدى الربّ. بل لإقامة عابرة بانتظار أن تمرّ العاصفة. على مثال من يختبئ لوقت محدّد منتظرًا عبور "غضب" الله وعقابه.
يبدأ المرتّل فيطلق صراخه إلى الرب الاله العليّ المقيم في أورشليم. يتحدّث عن الاسود وأنيابها، عن السيوف والحراب والسهام. كل هذا ليدلّ على الخطر المحدق به. هو شرّ داخلي، هذا ما لا شكّ فيه، والمصلّي يرسمه بصور نراها بعيوننا ونلمسها يأيدينا.
وبعد الصراخ يأتي فعل الشكر: "إرتفع إلى السماوات يا الله. وليكن مجدك على كل الأرض". مرّ المرتّل في الضيق وهو قد نجا، بل وقع الأعداء في الفخّ الذي نصبوه له وها هو قد جاء لينشد عظائم الله، ليشاركه في مجده، ليتأمّل في أمانته وحنانه الذي لا يضاهيه حنان على الأرض. ويؤخذ في انخطاف يجعله ينسى ألمه، ولكنه يعرف أن عليه أن يحمل نشيده إلى الأرض كله. وهو سيفعل.
6. صلّى يسوع ليعلّمنا الصلاة.
يرتبط هذا المزمور كما ترون بآلام المسيح وحاشه. غير أن المسيح الكامل هو في الوقت عينه رأس وجسد. الرأس هو مخلّصنا، وهو الذي تألّم في أيام بيلاطس البنطي، والذي منذ القيامة يجلس عن يمين الآب. وجسده هو الكنيسة، لا هذه الكنيسة أو تلك، بل تلك الوحدة الواسعة المنتشرة في الأرض كلها. لا الناس العائشون اليوم وحسب، بل هي تجمع معها أولئك الذين كانوا قبلنا والذين سيعيشون بعدنا حتى انقضاء الدهر. فالكنيسة الجامعة مؤلَّفة من جميع المؤمنين، لأن المؤمنين كلهم هم أعضاء المسيح. رأس في السماوات يوجّه الجسد. لا يستطيع نظرنا أن يرتفع إلى هناك، ولكننا نحن مشددون إليه بالمحبّة. فبما أن المسيح الكامل هو في الوقت عينه رأس وجسد، ينبغي علينا أن نسمع في كل المزامير كلمات الرئيس متذكّرين دومًا أنها أيضًا كلمات الجسد. فما هو أراد أن ينفصل عنّا حين تكلّم. فقد قال: "أنا معكم حتى انقضاء الدهر" (مت 28: 20). إذا كان معنا فهو يتكلّم فينا، يتكلّم عنّا، يتكلّم لأجلنا. ونحن أيضًا نتكلّم فيه. وبما أننا نتكلّم فيه نقول الحقّ. وحين نتكلّم في ذاتنا ومن عمقنا، نقيم في الكذب.
"تحنّن يا الله تحنّن، لأن نفسي اتكلت عليك". قال المسيح في آلامه: "ارحمني يا الله". قال الله لله: ارحمني. فالذي هو مع الآب رحمك وصرخ فيك: ارحمني. فما يقوله لحسابه (ارحمني) هو أيضًا صلاتك. منك أخذ هذه الكلمات حين لبس جسدك لكي يخلّصك: تحنّن يا الله، تحنّن عليّ. هو الإنسان ذاته جسدًا ونفسًا. فالكلمة قد أخذ الإنسان كله، وصار الكلمة ملء الإنسان. نحن لا نفكّر أنه لم تكن له نفس لأن الإنجيلي كتب: "صار الكلمة جسدًا وسكن بيننا" (يو 1: 14). فالجسد يعني الإنسان كما يُقال في موضع آخر: "كل جسد يرى خلاص الله" (أش 40: 5). هل يمكن أن يرى الجسد وحده الله ولا تتدخّل النفس؟ ويقول الربّ أيضًا متحدثًا عن البشر: "كما أعطيته السلطان على كل جسد" (يو 17: 2). أما نال سلطانًا إلاّ على الجسد؟ بل على النفوس التي هي موضوع الفداء الأول. إذن، كانت هناك نفس، كان هناك جسد ولحم ودم، كان إنسان كامل، وهذا الإنسان كان مع الكلمة والكلمة مع الإنسان. فالإنسان والكلمة كانا إنسانا واحدًا. والكلمة والإنسان كانا إلهًا واحدًا. لهذا استطاع أن يصرخ: تحنّن عليّ يا الله. (أوغسطينس).