رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ابنة يفتاح الفتاة وحياتها العظيمة ما اسم هذه الفتاة؟ لا نعلم وكل ما نعرفه أنها كانت تكني بابنه الرجل العظيم يفتاح، ما اسم أمها؟ لا ندري! وكم كنا نود أن نعرف شيئًا عن هذه الأم التي يؤكد الكسندر هوايت أنها ولابد أم عظيمة فمثل هذه الفتاة الرائعة لا يمكن إلا أن تكون وليدة أم ممتازة واذا كان مندل في قانونه عن الوراثة يؤكد لنا بتجاربه العديدة الخاصة أن الصفة التي يشترك فيها الأب والأم تترك أثرها العميق في النسل، أفيكون غريبًا أذن أن نرى هذه الفتاة تتشابه أباها في كثير من الصفات بل ربما تسمو عليه وترقى وخاصة في استمساكها بوعده الرهيب الذي فاه به أمام الرب. كانت هذه الفتاة وحيدة أبويها ويخيل إلى أن العناية أثرتها بأفضل ما في الأبوين وركزته فيها تركيزًا رتيبًا بديعًا قويًا... دقق النظر فيها خلال السطور القليلة التي وضعها الوحي عنها ألست ترى نفسك أزاء فتاة دفاقة الحيوية ملتهبة الاحساس؟ تخرج بالدفوف والرقص لتلقى بأبيها يوم النصرة وتبكي مع أترابها من الفتيات والعذاري يوم النهاية والموت ومثل هذا لا ينبعث إلا عن ربات العواطف المتوقدة والأحاسيس المشتعلة.. وهي تعد طرازًا ساميًا للشعور الوطني العميق، ألم تكن أولى الساعيات وقائدتهن في استقبال أبيها يوم رجوعه من كسرة الأعداء والانتقام للوطن؟ على أن هذا لا ينبغي أن يجعلنا نغفل إلى أي حد كانت تجل هذه الفتاة أباها وتعتز به.. في الحقيقة أنها تصلح نموذجًا بديعًا يجدر بكل فتاة أن تحتذيه في الخضوع للأباء والولاء لهم. لقد رافقت أباها في كل ظروفه، وتمشت معه في كل ظروفه، وتمشت معه في كل عواطفه، وكان كلاهما مثلين حيين للوفاء الأبوي البنوي.. لقد ساءلت نفسي مرارًا : لم لم يتزوج يفتاح كأغلب القضاة بنساء عديدات فينجب بنين وبنات كثيرين، ويحيي لنفسه ذكرًا ممتدًا طويلاً، في وقت كان يعتقد فيه الرجل أن أقسى ما يصاب به ألا ينجب نسلاً من الأولاد يحفظون اسمه من التلاشي والانقراض؟ أغلب الظن أن يفتاح قصر حبه على زوجة واحدة، وابنه واحدة، وأن هذه الفتاة، كأمها بادلته حبًا بحب وإعجابًا بإعجاب، أيها الآباء، والأمهات!! إلى أي حد تمتد الصلة بينكم وبين أبنائكم وبناتكم فيرون فيكم ما يسترعي الإعجاب والولاء والتقدير!؟.. بعد أن نفى نابليون في جزيرة سانت هيلانة ذهب ولده الصغير إلى النمسا مع أمه، وكان اهتمام النمساويين الأكبر أن ينسوا الولد كل صلة بأبيه.. وحدث مرة أن اجتمع أكابر القواد النسماويين مع الولد حول مائدة، وابتدأوا يتسامرون ويتجادلون حول أفضل قائد في أوروبا، فذكر هذا ذاك وآخر غيره، وانتظر الولد أن يفوه أحدهم باسم أبيه فلم يسمع!! وأخيرًا ضرب بقبضته الصغيرة المائدة وقال : أيها السادة! أظن فاتكم جميعًا سيدهم!؟ فسألوه : من هو؟ فأجاب أنه أبي!!.. وقف الشاب العربي بين ضيوف أبيه حائرًا، وهو يوزع أنصبه الطعام، بأيهم يبدأ وكلهم شيخ جليل وقور مهيب؟ ولاحظت الجماعة حيرته فقالت له : وهبناك الحرية فاختر من تظنه الأفضل وابدأ به، فما كان منه إلا أن توجه بين تهليل القوم وإعجابهم نحو أبيه وبدأ به. عندما نذكر الوصية المقترنة بوعد «أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك» وعندما تتأمل اسحق في استسلامه الوديع لأبيه فوق جبل المريا، وابنه يفتاح في ولائها الرائع لأبيها، والركابيين في حفظهم العجيب لوصية يوناداب بن ركاب أبيهم. بل عندما نتأمل أول الكل وقبل الكل ذلك الذي وهو السيد والحر والملك قيل عنه أنه عاش في الناصرة خاضعًا لأبويه، سنجد أسبابًا عديدة صالحة للولاء للأبوين والخضوع لهما، حتى ولو أدى الأمر بنا نحن البنين إلى الاحتراق. كانت ابنه يفتاح أيضًا فتاة شجاعة، فذة في شجاعتها، قابلت مصيرها بحزم وصبر وبسالة، كان يمكن للضعف النسوي أن يتسرب إليها فيسوقها إلى التردد والتهرب والنكوص، خاصة وهي في قوة الشباب ووفرة الحيوية وميعة الصبا، ولكنها لم تفعل، بل ما أسرع ماردت على أبيها الباكي بإجابتها المنتصرة القوية.. هل كانت الوراثة فقط سر الجمال في حياة ابنة يفتاح وعظمتها!؟ كلا بل هناك أمر آخر لعله كان أقوى أثرا وأبلغ نتيجة وأعنف توجيهًا. أتدري ما هو!؟ الحزن! الألم! الحياة المعذبة التي عاشتها هذه الفتاة طوال حياتها!! إن ابنة يفتاح تعد من أتعس من عرفت هذه الأرض، لقد كانت حياتها بؤسا وشقاء وعذاباً متصلاً، ولما جاءها اليوم الذي خيل إليها أنه يومها السعيد جاءها يحمل في طياته كلمة الفزع والموت والنهاية الرهيبة. كانت هذه الفتاة تحمل بين جنبيها ذلة الماضي البعيد، لم يكن أبوها ابنًا شرعيًا لأبيه، أخطأ جدها فجاء أبوها نسيجًا ذليلاً مهينًا للخطيئة القاسية الكبيرة، ونظر المجتمع نظراته المفزعة الرهيبة إلى الوليد، ولم يقل إنه لا ذنب له فيما جناه أبوه، بل عاقبه كمتهم ولم يبصره كضحية، وحين أرادت ابنته أن ترفع رأسها وتسير، رأت هذا الماضي التعس يترقبها، فسارت على الأرض خفيضة الرأس كسيرة الطرف معذبة الذكرى، وطرد يفتاح من بيته ووطنه وسار يضرب في المنفى على غير هدى، وولدت ابنته في أرض طوب بعيدة عن بلادها، وعن الحياة الهادئة المستقرة المريحة.. ويوم جاءها الهدوء والأمن والاستقرار، ويوم قدر لها أن تعود إلى أرض بلادها، وقدر لأبيها أن يرد إليه مجده واعتباره ويوم أمسكت بكأس فجأة، واستبدلت بأخرى قاسية شديدة مريرة، ما أشقاها من فتاة، وأتعسها من حياة! هكذا نقول وهكذا نردد! ولكن كلا! بل ما أجمله من حزن! وأبدعها من مأساة! تلك التي تسلمتها يد الله، فصاغت منها الفتاة العظيمة الخالدة.. عرف أبوها الحياة المعذبة فعرف البطولة والكفاح والجهاد والثقة بالله والانتصار به، وسارت هي وراء أبيها في أرض الدموع والآلام لتشتعل وتتوهج وتضيء ببريق سني عظيم، ترى لو عاشت ابنه يفتاح في بيت وادع هادي آمن مستريح!؟ ترى لو عاشت ومعلقة الذهب في فمها، ولم تعرف من الحياة سوى السعة والتدليل والترويح والترضية! ترى لو عاشت وفي متناول يدها كل ما تشتهي وترغب وتطلب!؟ أكان يمكن أن تكون على ما رأينا من السمووالنبل والعظمة والتكريس ومعرفة الله!؟ أغلب الظن أن هذا كان يكون بعيدًا بل محالاً وألف محال.... وكم من القديسين - كما يقول وليم لاو - لولا الحياة المعذبة لما عرفوا طريقهم إلى السماء، فما أكثر من هوت بهم الرفاهية إلى العذاب الأبدي، وما أكثر من صعد بهم الشقاء إلى معرفة الله والشركة معه، قد نحسد فتاة على جمالها، ولكن هذا الجمال قد يكون مفتاح بؤسها وشقائها، ونأسف لدمامة أخرى، ولكن هذه الدمامة قد تكون طريقها إلى المسيح» أيها الإنسان الذي لا يعرف في حياته سوى العذاب المتواصل اذكر كلمة فرانسس بيكون: إنه إذا كانت الرفاهية بركة العهد القديم فالألم بركة العهد الجديد، وقل مع بولس: «لذلك لا نفشل بل وإن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يوماً فيومًا»... «أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضهطادات والضيقات لأجل المسيح لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي». |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بنت يفتاح الجلعادي الفتاة النبيلة الكريمة |
ابنة يفتاح الجلعادي |
ابنة يفتاح الجلعادي |
ابنة يفتاح |
ابنة يفتاح الفتاة وعظمة موتها |