الاناجيل المقدسة سردت لنا قصة البشارة والميلاد والهروب الى مصر، ومن ثم العودة الى الناصرة وصولاً الى سن الثانية عشر عندما زار الهيكل مع مار يوسف والعذراء ، حيث زيارة الهيكل كانت مفروضة لكل من يتم السن الثانية عشر . فكانت تلك الزيارة الأولى بالنسبة ليسوع لأتمام الطقوس اليهودية ، فأراد يسوع أن يمكث في الهيكل لكي يستمع الى معلمي الشريعة ويطرح عليهم الأسئلة فكان جميع الذين سمعوه قد ذهلوا من فهمه وأجوبته لهم . وهكذا أراد أن يكون في ما يخص أبيه السماوي ، وكما قال لأبويه الأرضيين . وبعد هذه الفترة بدأ يسوع يتقدم في الحكمة والقامة .، وفي النعمة عند الله والبشر . " لو 52:2" قبل زيارته للهيكل كتبت بعض الأناجيل والرسائل المنحولة عن حياته الطفولية فسردت بعض القصص التي تناولت جزء من حياة يسوع في تلك الفترة ، لكن تلك القصص لن تذكر في العهد الجديد لعدم أهميتها أو صدقها . أما بعد زيارة الهيكل فأن الأناجيل المقدسة لن تروي شيئاً من يسوع ما بعد الزيارة الى فترة بلوغه سن الثلاثين تقريباً . لكن هناك نظريات عديدة تعتقد بأن يسوع قد تعلم لدى جماعة الأسينيين الساكنين قرب البحر الميت والذين كانوا يعيشون حياة النسك . أو يقال بأنه تعلم عند الأخوة البيض في مصر . وهناك من يعتقد أبعد من ذلك ، فيقول بأنه درس في الهند ، وما الى ذلك . لكن الأناجيل المقدسة تنفي هذه المزاعم والنظريات وتؤكد لنا بأن يسوع لم يكن بحاجة الى التعليم ولا الى المعلمين البشريين . لأنه يحتوي كل أسرار الله ، وكما تقول الآية ( المخزونةِ فيه كنوزالحكمة والمعرفة كلها ) " قول 3:2" أي في يسوع العلم كله ، وكان يعلم بكل خفايا الناس ويفحم العلماء منذ حداثته " لو 2: 46-47" . فلم يكن بحاجة لكي يعلمه أو يخبره أحد " يو 2: 24-25" لأنه كلمة الله الحية وحكمته " يو 1:1" وفي يسوع نجد كل الطبيعة الألهية " قول 8:2-9" . وبكلامه لا يخدع أحداً بالفلسفة أو الحكمة الدنيوية الباطلة ، فقدرة يسوع لم تكن من علوم هذا العالم ، بل من روح الله الساكن فيه ، والروح يعلم بكل الخفايا ، وكان بقدرة الروح القدس يتحرك ويعمل " لو 14:4" وهكذا يعلمنا الكتاب بأن يسوع لم يكن يتحدث بقوة العلوم البشرية بل بقوة الروح . وبقوة ذلك الروح أتى الى الناصرة حيث نشأ ودخل كعادته المجمع يوم السبت حيث كان ملتزماً بالأيمان الموروث عند اليهود في فترة فتوته في الناصرة . فعندما عبَّرَ عن آرائه هناك تعجبوا أهلها من علمه فبدأوا يبحثون فيما بينهم على الدليل بسبب كلام النعمة الخارج من فمه . فتساءلوا قائلين : ( اليس هذا أبن يوسف ؟ ) " لو 22:4" أما الرسول متى فيؤكد لنا نفس السبب فيقول ( اليس هذا أبن النجار ؟ أليست أمه تدعى مريم وأخوته... ) " 55:13" . أما مرقس فيؤكد بأن السامعين اليه بهتوا من تعليمه وحكمته والمعجزات التي تجري على يديه " مر 6: 2-3"
ختاماً نقول ، أن علم وحكمة يسوع لم يكونا من هذا العالم ، لأنه كان مملوءاً بكنوز الحكمة والعلم والقدرات الفائقة الخفية ، لأنه هو الذي خلق كل شىء وبقدرته الألهية كان وما يزال يقود العالم والعلوم والتطور ، وهو الذي أقحم العلماء والحكماء والفلاسفة ورجال الدين . وكان له سلطان على الحياة والموت ، فأقام الموتى وشفي الكثيرين وأجرت على يده آيات كثيرة . لم يذكر الكتاب عن حياته قبل فترة البشارة بالأنجيل وأعلان ملكوت الله لكي يبلغ السن المطلوب . أي الثلاثين لأن الشعب اليهودي لم يكن يقبل نبوة أو دعوة ممن هو دون ذلك السن ، لأعتقادهم بأنه غير بالغ . لهذا لم يشىء الرب أن يعلن شىء عن حياته ما قبل فترة التبشير ، وما أكده في مقابلته مع كهنة الهيكل هو بأنه كان مقتدراً ومعلماً وموهوباً حتى في ذلك العمر ، لأنه كلمة الله المتجسد .