رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ملامح من فكره يُعتبر كتاب "طريق الخلاص" أهم أعمال ثيؤفان، إذ يُلخص لنا روحانية هذا الحبيس، وبحسب "الطريق" هدف الحياة المسيحية هو الاتحاد مع الله، وطريق هذا الاتحاد يكمن في الإيمان والحياة بحسب وصايا الله، والإنسان المسيحي يخلص بنعمة الروح القدس التي تُعطى مجانًا بسبب الفداء الذي تممه الإله الكلمة المتجسد، ويتمتع المسيحيون بهذا الفداء وهذا الخلاص تحت إرشاد الكنيسة وفي الكنيسة، ولكي يبلغ المسيحي قامة ملء المسيح، لابد أنْ يتطهر ويتنقى أولًا بالتدريبات النسكية الخارجية ثم بالتنقية الداخلية، وهناك ثلاث مراحل: بداية الحياة المسيحية النمو والتقوّى فيها وأخيرًا الكمال. وبمعنى آخر، المرحلة الأولى هي التحول أو التغيير، والثانية التنقية أو التطهير، أما الثالثة فهي التكريس، وبعد وصف ثيؤفان لهذه المراحل من الروائع الفريدة في الأدب النسكي الروسي. في المرحلة الأولى، ينتقل الإنسان من خطيته إلى نور الحق والفضائل المسيحية، وفي الثانية يعد نفسه لاستقبال الرب بتنقية نفسه من الأدناس الداخلية، وفي الأخيرة يأتي الرب ويسكن في قلب الإنسان. تبدأ الحياة المسيحية بالمعمودية، وتنمو في الأسرة المسيحية بالتعليم اللائق للأطفال والذي يحدد مستقبلهم، وفي الغالب يفقد الناس نعمة المعمودية ويسقطون في سبات وبلادة روحية، والتي تظهر في القلق والهم بسبب أشياء عديدة، اهتمامات أرضية وأعمال كثيرة مع إهمال ولا مبالاة بالحياة الروحية، وقليلون فقط هم الذين يستيقظون من هذا السبات الروحي، بعمل النعمة الإلهية، سواء بتغيير كامل مفاجئ كما حدث مع شاول الطرسوسي ومريم المجدلية، أو عن طريق تغيير تدريجي في الحياة، وفي هذه الحالة الأخيرة يأتى للإنسان فكر أنْ يعيش حياة أفضل وأكثر اقتداءً بالمسيح، وعادة لا يثمر هذا الفكر تغييرًا تامًا رغم أنَّ الإنسان يرحب به، ويؤجل التغيير إلى ميعاد مستقبلي عندما يكون هناك "فرص أكثر!"، وينصح الأسقف بعدم تأجيل التوبة إلى أيّ ميعاد مستقبلي أو لانتظار أيّ فرص مواتية، إذ ربما لا تأتى أبدًا، وبدايات الطريق هي ضبط الجسد واستعباده، وهذا يبلغه الإنسان بالتدريبات النسكية، لكنه مجرد بدايات، إذ لا تزال هناك عقبتان وهما: الهموم، وتشتت الذهن. يكتب ثيؤفان: "إنَّ الهموم والمشغوليات لا تترك للإنسان وقتًا لكي يهتم بنفسه، فهناك عمل في اليد وعشرات من الأعمال في الرأس، وبهذه الطريقة تدفع الهموم والانشغالات الإنسان دومًا إلى الأمام دون أنْ تدع له أيّ فرصة ليتأمل في حاله، لذلك اترك عنك لبعض الوقت سائر الانشغالات والاهتمامات بدون استثناء، إذ يمكنك أنْ تهتم بها في الوقت المناسب، أمَّا الآن فَدَعها جميعًا عنك، لكن حتى حينما تدع عنك الانشغالات والقلق يسود اضطراب في ذهنك لوقت طويل، فالأفكار تتوالى وتتسابق الواحدة تلو الأخرى، وتناقض بعضها البعض، فتتشتت النفس ويميل الذهن أحيانًا إلى جانب، ثم في حين آخر يميل إلى جانب آخر، ممَّا يحول دون ترسيخ أو تثبيت أيّ شيء دائم ثابت". وبحسب هذا المجاهد الحبيس، لا يمكن أنْ ينال الإنسان أيّ درجة من الثبات الروحي دون أنْ يجلس في خلوة، وأفضل مكان لحياة الخلوة هو الدير، وكلما كان أبعد كلما كان أكثر نفعًا، وأفضل وقت هو الصوم الكبير، ففي الوحدة يفيق الإنسان تدريجيًا إلى نفسه ويدرك خطيته وفساده، فيعتريه اشتياق أنْ يُصلح حياته ويُقوّمها، ويسمع الصوت الداخلى الذي يقول: "توقف، إلى أين وصلت؟" ومن تأمل الإنسان في خطاياه وأثامه وشهواته، تتولّد المخافة، وعندما توقظ النعمة نفسه من غفلتها، يدرك الإنسان اعتماديته على الله وبشاعة وجسامة الخطية، ويبدأ ضميره يصحو ويشعر بحلاوة في الله كأسعد وأأمن ملجأ له من كل المتاعب والضيقات، لكن قليلًا ما يعتزم الإنسان ويُصمم على تغيير حياته، إذ تثور كل عاداته وسلوكياته على الذبيحة المفروضة عليها، ولا يمكن للإنسان أنْ يخلص إلاَّ بالنعمة الإلهية مع تصميم وعزم ثابت من جانبه. ويشرح ثيؤفان أنَّ التعزيات الروحية والنوايا الصالحة، ربما تمنع الإنسان من الرجوع للوراء لكنها لا تستطيع أنْ تجعله يتقدم وينمو، وهنا يظهر الاحتياج للنعمة الإلهية، وأول ما يجب علينا أنْ نفعله هو أنْ نجد جذر الخطية الذي في القلب، وتُعتبر الشفقة على النفس واللطف في معاملتها، الخوف من الناس، الحسيات، النزعات الأرضية والارتباط بالعالم، هي الملامح الأساسية للقلب الخاطئ، ونحن جميعًا نميل أنْ ننظر إلى ذواتنا كما تنظر الأم الحنون إلى أولادها، منتحلين الأعذار بكل طريقة ممكنة ونندب قدرنا الحزين الذي سببته كما هو مفترض الظروف السيئة ومؤامرة الآخرين والشهوات الحسية التي تقيدنا، ونخشى أنْ نعمل الصلاح لئلاَّ نخالف رأى الناس مهما كان ذلك خاطئًا، وأخيرًا نحن مرتبطون جدًا بالأمور المادية مثل الراحة والمال.. الخ، لدرجة أنَّ العالم الروحي بالكاد يوجد فينا. لابد أنْ نكون عديمي الرحمة مع النفس، غير مبالين بالحسيات ولا بآراء الآخرين، ونعتبر أنفسنا غرباء مسافرون على الأرض، ولابد أنْ نقول لأنفسنا "أنا أقوم وأذهب" (كما قال الابن الضال)، فالحركة الأولى القيام هي حركة الخاطئ تجاه نفسه، أمَّا الثانية فهي حركته تجاه الله، لكن عندما يترك الإنسان الخطية ويصل إلى حدود النور ويستعد للصعود يأتي الشيطان ويهمس "فقط يوم واحد أيضًا ثم.." مقترحًا تأجيل الجهاد الروحي، وإذ تكون النفس قد تعبت فعلًا من الجهاد السابق تطلب راحة، فهي لا تقاوم الصلاح لكنها تطلب فقط جهادًا أقل إرهاقًا، وإذا تم هذا التنازل من قِبَل الإنسان يفقد كل شيء وتعود العادات والسلوكيات القديمة لكن بصورة أقوى فالطريقة الوحيدة للخلاص هي أنْ تسير للأمام بلا رجوع. بعد أنْ نبدأ الحياة المسيحية لابد أنْ نكرسها لله، فالمسيحي يجب أنْ يفعل الصلاح ليس فقط من أجل الصلاح نفسه، وليس فقط لأنَّ كرامة الإنسان الأخلاقية تتطلب ذلك، بل لأنَّه ذبيحة مرضية لله، وقد أُعطيت للإنسان حرية أخلاقية كىّ يستطيع أنْ يُقدم هذه العطية لله كأعظم ذبيحة. أول ما يجب أنْ تفعله هو أنْ تتوب توبة حقيقية، لذا جاهد من أجل أدق اعتراف ممكن، ويجب أنْ يتبع هذه التنقية والتطهير تناول من الأسرار الإلهية ممَّا يزيد الإنسان قوة لكي يحيا حياة جديدة، وهذا التحول هو عربون حياة جديدة، والاعتراف والحِلّ هما تأكيدان لها، والتناول هو اتحاد مع المسيح، ومنذ ذلك الحين تبدأ النعمة في افتقاد الإنسان، ولكن كما أنَّ الطعام ضروري لحفظ الجسد كذلك الشركة من الأسرار الإلهية ضرورية للحياة الروحية، وإذ نُقدم لله حريتنا، نعود إليه كعبيد هاربين، فلِكيّ يستقبلنا الله، لابد أنْ نعترف ونقر بخطايانا ونتوب ونعد بعدم الرجوع للخطية كرة أخرى، ولابد أنْ نقتدي بالابن الضال الذي عندما عاد إلى أبيه سأله أنْ يقبله كأحد أجرائه، وبحسب ثيؤفان، أنْ نحيا في المسيح يعنى أنْ نحيا حياة إفخارستية قوية. إنَّ الطريق بين دخول الحياة الجديدة وبين الاتحاد مع الله ليس بالقصير، وهذا الطريق لابد أنْ تملئه التدريبات النسكية والتنقية الداخلية، وبحسب ثيؤفان، هناك ثلاثة أنواع من الاتحاد مع الله: اتحاد عقلي، ويحدث فقط أثناء تحول الإنسان نحو الله وتجديد ذهنه، أمَّا الاتحادان الآخران فهما حقيقيان ولكن أحدهما خفيّ غير منظور للآخرين وغير معروف للنفس، بينما الآخر منظور للجميع. ويعتمد النجاح في الحياة الروحية والجهاد على الغيرة والحرارة الأولى، ومَنْ يريد أنْ يحفظ حرارته ومحبته الأولى، عليه أنْ يحيا داخل نفسه، ويتأمل في العالم الجديد ويهتم بالأفكار والمشاعر اللائقة بالحياة الجديدة، فلابد من البقاء في الداخل (أيّ الانجماع داخل النفس) والتمركز الواعي حول القلب، وتجميع كل قوى النفس والجسد هناك. فكل عمل رحى يتطلب تركيز عظيم، وملكوت السموات داخلنا وكيّ نجده لابد بحسب قول المخلص أنْ ندخل داخل مخدع قلبنا، وكل مَنْ يدخل القلب ويجمع هناك كل قواه هو روح ملتهبة. إنَّ مَنْ يدخل مخدع قلبه هو إنسان يعيش بدايات الحياة الجديدة، ولابد له أنْ يطبع تركيب العالم الروحي على وعيه وضميره ويستقبله في مشاعره، ويصف الأسقف ثيؤفان الحبيس هذا العالم الروحي غير المنظور بقوله أنَّ الله الواحد المعبود في الثالوث والذي خلق ويحفظ جميع الأشياء، يرشدنا كلنا في ربنا يسوع المسيح بالروح القدس، الذي يعمل في الكنيسة المقدسة، وسيستمر الحال هكذا حتى نهاية الأيام، وعندئذ بعد القيامة والدينونة سينال كل واحد بحسب أعماله وسيكون الله الكل في الكل، ولابد أنْ نتأمل في هذه الأمور ولنعلم أنَّ بعضها نافع للتأمل في أيام معينة، بينما البعض الآخر نافع للتأمل اليومي. ويعلّم القديس ثيؤفان بأنَّ هؤلاء الذين دخلوا إلى الحياة الجديدة لابد بالضرورة أنْ يُغيّروا طريقة ومنهج حياتهم، فلابد أنْ يتركوا عنهم العادات والسلوكيات المضادة لروح المسيح، وسائر الأهواء الرديئة، مستبدلين إياها بالنقاوة والطهارة، والحياة الرهبانية هي الحياة المثالية لهذا العمل. والفضائل تُقتنى أولًا بالتدريبات النسكية ثم بعدئذ بالتنقية الداخلية للقلب، والتدريبات النسكية الأساسية،هي الصوم، العمل اليدوى، السهر، الصلاة، القراءة في الأسفار الإلهية وكتب الآباء، الخلوة، وأعمال المحبة المادية والروحية، وتتحدد نوعية التدريبات بحسب حياة الإنسان السابقة. أنْ "تُشكّل القلب" يعنى أنْ تهذبه وتعلمه في اشتياق لكل شيء مقدس وفي تحرر ولا مبالاة بكل ما هو زائل، وليس هناك ما يساعد على تهذيب القلب مثل العبادة، الفردية والجماعية، والروح المصلية، فالشركة الليتورچية تنعش وتحيى النفس وتدخلها عالم جديد، وينصح ثيؤفان بحضور كل خدمات الكنيسة العشيات والتسابيح وباكر والقداس كثيرًا بقدر المستطاع لأنَّ الكنيسة هي الفردوس، وبينما يجب أنْ نهتم بالصلاة الفردية، يجب أنْ لا نهمل الخدمات الليتورچية، وكل هذا هام ونافع متى كان الإنسان يحتفظ بحرارته الروحية ونفسه المصلية، أمَّا لو فترت حرارته، فلابد من الاعتراف والتناول من القداسات الإلهية، وأخيرًا تصير الحياة بجملتها خلوة مستمرة. وللاعتراف أهمية قصوى في الحياة الروحية، فيشرح ثيؤفان أنَّه لابد من الاعتراف الفوري بكل خطية تقلق الضمير وتتعبه، لأنَّها إذا أُهملت، سوف تؤدى إلى الفتور، أمَّا إذا اعترف الإنسان بها، فإنَّها تؤدى إلى دموع التوبة الدافئة، وينصح هذا المجاهد الحبيس بضرورة الفحص اليومي للضمير وباليقظة الدائمة للأفكار وبالإرشاد الروحي من أب مرشد حكيم (يسمى في روسيا ستارتز staretz). وخصص ثيؤفان الصفحات الأخيرة من كتاب "طريق الخلاص" لقوانين الجهاد مع الأهواء وكيفية نمو الإنسان وتقدمه صوب الاتحاد مع الله، وفي حديثه عن الجهاد ضد الأهواء، يتبع ثيؤفان مناهج الآباء وخبراتهم خاصة أحد آباء الكنيسة الروسية المشهورين ويُدعى نيلوس الذي من صورا Nilus of Sora، فيشرح أنَّ الإنسان عندما ينتهي من جهاده ضد الأهواء يصل إلى بداية الحياة في اتحاد مع الله، والدليل والعلامة الأولى على ذلك هي تركه لكل قلق وهم خاص به مع تسليم تام وكلِّى للإرادة الإلهية " إنَّ مَنْ يُسلّم نفسه لله، أو مَنْ يُكرَم بهذه العطية، يبدأ يتجه نحوه ويعيش فيه، ولكن هذا لا يعنى إلغاء الحرية (الإنسانية) بل هي لا تزال موجودة لأنَّ تسليم النفس ليس فعلًا نهائيًا يحدث مرة واحدة وينتهى، بل هو فعل يستمر على الدوام، إذ أنَّ الإنسان يُسلّم نفسه لله الذي يقبله ويعمل فيه ويعمل بقدراته وملكاته، وهذه هي الحياة الإلهية الحقيقية لأرواحنا". إنَّ هؤلاء الذين اقتنوا تسليمًا كاملًا لله وصلاة دائمة بلا انقطاع، هم مستعدون ولائقون للدخول في حياة الوحدة "ذاك الذي ذاق الحلاوة الإلهية يجوع بلا شبع للوحدة لكي يعيشها على الدوام بلا معوقات، وهو على الدوام يضطرم في نفسه نارًا مع نار، جهد مع جهد، اشتياق مع اشتياق، لذلك المتوحد هو الأيقونة الأرضية للملاك.. هؤلاء الذين يعيشون في حياة الوحدة المباركة يحيون مثل الملائكة ويتشبهون بطريقة حياتهم، لأنَّه كما أنَّ الملائكة لن يشبعوا أبدًا من تمجيد الخالق، كذلك هؤلاء الذين يصعدون إلى سماء الوحدة". إنَّ "اللاهوى" هو التاج الأخير للمجاهد، فالإنسان الذي بلا هوى لا يهتم بأيّ من الأشياء التي تثير وتغذى أهواءه، فلا تترك تلك الأشياء أيّ تأثير عليه حتى لو كانت أمامه، وذلك لأنَّه متحد مع الله، وذاك الذي يُكرّم بمثل هذه القامة، يصير هيكلًا لله الحي الذي يرشده ويُعلّمه في سائر كلماته وأعماله وأفكاره.. وهؤلاء الذين بلغوا هذه القامة هم أصدقاء لله وقامتهم مثل قامة الرسل لأنَّهم أيضًا يعرفون الإرادة الإلهية في كل شيء، لأنَّ القامة الرسولية هي ثمرة الوحدة عندما يعيشها الإنسان حسنًا.. ويذكر ثيؤفان أنَّ الله لا يترك كل المتوحدين في وحدتهم على الدوام، فهؤلاء الذين بلغوا اللاهوى المبارك في الوحدة، والذين كُرِّموا بالاتحاد الإلهي الحقيقي وبسُكنى الله داخلهم، يُأخذون في الغالب لخدمة هؤلاء الذين يبحثون عن الخلاص. ويختم ثيؤفان كتابه "طريق الخلاص" بقوله: "إنَّنا لا نعلم هنا على الأرض أيّ شيء يفوق قامة الرسل.. هنا نهاية البحث في الحياة المرضية لله". |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
القديس ثيؤفان الحبيس المجاهد |
+ كيف نصلي+ القديس ثيوفان الحبيس |
رسائل القديس ثيؤفان الحبيس |
اعمال القديس ثيؤفان الحبيس |
سيرة القديس ثيؤفان الحبيس |