منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 17 - 01 - 2015, 10:17 AM
الصورة الرمزية sama smsma
 
sama smsma Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  sama smsma غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 8
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : قلب طفلة ترفض أن تكبر
المشاركـــــــات : 91,915

مراثي آدم _ سلوان الآثوسي




مراثي آدم

القديس سلوان الآثوسي






عرف آدم، أب كل البشرية، لطف وعذوبة حب الله في الفردوس، وهكذا توجّع، بمرارة، عندما طُرد من جنة عدن بسبب خطيئته وخسر حب الله. فأنتحب بزفرات عظيمة، وملأ عويله كل الصحراء لأن روحه كانت معذّبة بالفكر التالي: "إني أغضبت الله الذي أحبه ويحبني". لم يندم آدم كثيراً على فقدان الجنة وجمالها، لكنه ندم لأنه خسر حب الله الذي في كل لحظة يشد الروح إليه بدون توقف.




كذلك كل نفس عرفت الله بالروح القدس، ثم فقدت النعمة، تمر بالعذابات التي مر بها آدم. الروح مريضة وتجرّب بندم مؤلم لأنها جرحت حب سيدها.




إكتأب آدم على الأرض وانتحب بمرارة. العالم لم يكن حنوناً وعذباً معه، فتنهد أمام الله وصاح:



"إن روحي تكتئب إليك يا سيدي، وأطلبك بدموع. كيف لا أبحث عنه؟ إذ كنت معه، كانت روحي فرحة مستكينة والعدو لم يكن له أي وصول إليَّ، لكن الآن، أحكم الروح الشرير علي قبضته ليضرم نفسي ويعذبها. لهذا تتوق روحي لأن تفنى في السيد، نفسي تنشدّ إلى الله، ولا شيء في العالم يفرحني. لا شيء يعزيني أبداً، إن روحي تشتاق مجدداً لأن تعاين السيد، وأن تمتلئ منه. لا أستطيع أن أنساه لحظة واحدة، ونفسي تضنى باتباعه، حزني عظيم جداً، لذلك أبكي بشهيق وبزفرات: ترأف بي، يا الله، تحنن على عبدك الساقط"



هكذا ناح آدم وانتحب، وسالت الدموع من وجهه على صدره وحتى التراب، وكل الصحراء ردّدت صدى نواحه وتأوّهاته. الحيوانات والعصافير خرست من الألم، لكن آدم بكى، وبكى لأنه أضاع كل شيء بسبب خطيئته: السلام والحب.



عظيم كان ضيق آدم، عندما طرد من الفردوس، لكنه لما رأى قايين يقتل أخاه هابيل، تضاعفت عذابه، وانسحقت الروح بالألم فانتحبت في رؤيا قائلة: "مني ستخرج وتتكاثر شعوب برمّتها، كلهم سيتعذبون، وسيحيون في العداء وسيقتلون بعضهم بعضاً".

هذا الألم كان عظيماً جداً مثل اليم، ولا يفهمه إلاّ من خبرت روحهم السيد، ويعرفون كم يحبّنا الرب الإله.

أنا أيضاً فقدْتُ النعمة، وصرخْتُ مع آدم بصوت واحد:
"كن رحوماً معي، يا سيد، كن رحوماً. إمنحني روح اتضاع، روح حب".

يا لرأفات سيدي! يا لتعطفه! يا لحنانه!

فالذي عرفك، بلا سأم وبدون إعياء، يبحث عنك، يطلبك ليل نهار صارخاً:

"أتوق إليك يا سيدي وأفتش عنك بدموع. كيف لي أن لا أرومك؟ أنت أعطيتني أن أعرفك بالروح القدس، وهذه المعرفة الإلهية تشدّ روحي للبحث عنك نائحة"

وانتحب آدم أيضاً قائلاً: "ليس لي مكان في الجبال العالية، ولا في المراعي، ولا في الغابات، ولا في تغاريد العصافير، لا هناء في نفسي ولا أفرح بأي شيء حولي. إن روحي غارقة في شجن عميق لأني أغضبت إلهي. وإذا ما استردّني السيد مجدّداً إلى الفردوس، فإني هناك سأتوجع وأنتحب أيضاً قائلاً: "لماذا أسأت إلى الإله الذي أحب؟"

وتوجّع آدم في روحه، لما طرد من الفردوس، وفي ألمه، سكب الدموع مدراراً. هكذا كل نفس عرفت السيّد تنتحب صارخة في أثره كل حين:

"أين أنت يا سيّد؟ أين أنت يانوري؟ لماذا أشحت بوجهك عني؟ منذ زمان بعيد تفتقدك روحي ولا تراك، تنزع إليك، تطلبك دامعة. أين سيّدي؟ لماذا لا تعانيه روحي بعد؟ ماذا يعيق سكناك فيَّ؟ ..... لأني لا أمتلك تواضع المسيح ولا محبة الأعداء"

الله هو الحب الأزلي، الحب المستحال وصفه. ومشى آدم على وجه الأرض، وبكى، بكى بكاءً مرّاً. بكى من أوجاع لا حدّ لها في قلبه. لكن أفكاره ظلت مشغوفة بالله، وعندما انهدّ جسده، وتلاشت قواه، ولم يعد بإمكانه حتى سكب الدموع، ظلت روحه منشدّة نحو الله، لأنه لم يستطع نسيان الجنة وجمالها، لكن آدم أحب الله أكثر من الكل، وهذا الحب أطلقه بقوة إلى العليّ.


آدم .. آدم .. أني أكتب عنك، لكنك تعرف أن روحي ضعيفة جداً حتى تعي شغفك بالإله. وكيف تحمل عبء التوبة. يا آدم، أنت ترى كيف، أنا ابنك، أتعذب على الأرض، وليس من نار فيَّ بعد، ولهب حبي يرتجف لينطفئ. آدم، آدم، رتّل لنا ترتيلة السيد، حتى ترتقص روحي فرحاً بالرب. وترتقي لتتهلل وتعظم الإله. كما تسبحه الشيروبيم والسيرافيم في السماوات. وكل الطغمات العلويّة ترتّل له الترتيلة الثالوثية: قدوس .. قدوس .. قدوس. آه آدم، يا أبانا، رتّل لنا الترتيلة السيّدية، حتى تصغي إليها كل الأرض، وحتى يرفع جميع أولادك نفوسهم نحو الله، ويتهللوا لصوت أناشيد السماء، وينسوا شقاءهم على الأرض.


إن الروح القدس هو حب ورقّة وحنان للنفس، للعقل والجسد. إن الذي عرف الله بالروح القدس يغرق بفيض النعمة نهاراً وليلاً، فيمتدّ صوب الإله الحي، لأن رحمة الله وحنانه وحبه عظيم هو. وإذ تفقد النفس النعمة، تتنهد بالدموع طالبة رجوع الروح القدس إليها من جديد.


لكن الإنسان الذي لم يعرف الله بالروح القدس لا يستطيع طلبه بدموع، فتهاجمه الأهواء بدون هوادة، وتنشغل روحه بالاهتمامات الدنيوية فلا يستطيع بلوغ التأمل الإلهي ولا معرفة يسوع المسيح. أما نحن فنعرف يسوع المسيح بالروح القدس.


عرف آدم الله والفردوس، ثم بعد السقوط ابتغى الفردوس مجدّداً بحرقة وبدموع.


آه آدم، يا أبانا، حدّثنا عن السيد، نحن أبناءك. فإن روحك قد عرفت الله على الأرض، وعرفت أيضاً الفردوس، حلاوته وعذوبته وفرحه. الآن أنت ساكن السماوات وتعاين مجد السيد. فقل لنا كيف ربنا ممجّد بآلامه، خبّرنا عن الترانيم التي ترتّل في السماء وعذوبتها، حدّثنا عن مجد الإبن. قل لنا كم هو رؤوف وكم يحب خليقته وصنعة يديه. وأيضاً حدّثنا عن الكلية القداسة والدة الإله، خبّرنا كم هي ممجّدة في السماوات وبأية نشائد تعظّم!. فرّحنا بفرح القديسين وكيف يتألقون ويشعّون بالنعمة، وكم يحبون السيد وبأي تواضع يقفون في حضرة الله.


آه يا آدم، عزِّ وفرح نفوسنا المكروبة. أحكِ لنا، ماذا تعاين في السماوات. لماذا إذاً تلزم الصمت، بينما تئن الأرض كلها غرقى في العذاب؟ أو أنت مبهور بالحب الإلهي فنسيتنا؟ أو أنت تعاين والدة الإله بمجدها، فلا تستطيع الانسلاخ عن الرؤيا؟ لماذا لا تعزينا بكلمة واحدة عذبة؟ نحن الغارقين في الأحزان، حتى تنسينا حرارة الأرض وهذا العالم؟ آه يا آدم، يا أبانا، لماذا، وأنت ناظر أثقال أولادك على الأرض، لماذا إذا تلزم الصمت؟


ونطق آدم:


"يا أولادي، أتركوني بسلام.
لست أقوى الانسلاخ عن حب الله للتحدث معكم.
روحي منجرحة بحب سيدي وتنتشي بفائق جماله،
فكيف لي أن أتذكر الأرض؟"

آه آدم، يا أبانا، أنت تخلّيت عنا، هجرتنا نحن يتماك. مع أننا غارقون، في الآلام، في العذابات هنا على الأرض. قل لنا ما علينا إتمامه حتى نرضي الله. التفت إلى أولادك المبعثرين على وجه المسكونة. مذرّين، مشتتين أيضاً في أفكار قلوبهم، والعديد نسوا الله، إنهم يعيشون في الظلمات ويسلكون في عتمات الجحيم.

"لا تضايقوني. إني أعاين والدة الإله في مجدها. وكيف لي أن أنسلخ عن هذا الإبصار لأتكلم معكم؟ ها إني أرى الرسل الأطهار والأنبياء القديسين، كلهم يماثلون ربنا يسوع المسيح، ابن الله. تقدّمت بجنائن الفردوس، فأبصرت مجد السيد في كل مكان. لأن الرب ساكن فيَّ وقد جعلني شبيهاً له. إن الله يمجّد الإنسان ويجعله مشابهاً له"

آه يا آدم، مع ذلك نحن أولادك. قل لنا، نحن الذين نجازى على الأرض. كيف لنا أن نرث الجنّة؟! حتى نعاين نحن أيضاً مثلك مجد السيد ونتأمله؟! إن قلبنا ينتحب في إثر ربنا، بينما تسكن أنت السماوات وتسرّ بالمجد الإلهي. عزّنا .. نحن المتضرعين إليك.

"لماذا ترفعون الصوت إليَّ، يا أولادي؟ السيد يحبكم، وقد أعطاكم الوصايا. طبّقوها، أحبوا بعضكم بعضاً، فتجدوا السلام في الله. توبوا في كل ساعة عن خطاياكم، حتى تتمكنوا من مقابلة السيد، لأن الرب قال: "إني أحب الذين يحبونني وأمجد الذين يمجّدونني""

آه آدم، صلّ لأجلنا، نحن أولادك، فنفوسنا مثقلة بالآلام والسيئات. آه آدم، يا أبانا، أنت ساكن في السموات وتتأمل السيد جالساً في المجد عن يمين الله الآب، وتعاين الشاروبيم والسيرافيم وجميع القديسين، أنت تسمع الأغاني السماوية، أنستك حلاوتها الأرض. لكننا نحن الذين على الأرض، نحن غرقى في الأحزان، عطاشاً نبقى إلى الله. لم يعد بعد من نار فينا حتى نحب السيد بنشاط. ألهمنا: ماذا علينا أن نعمل حتى نستعيد الفردوس؟

وأجاب آدم:
"لا تقلقوا سلامي يا أولادي، لأني لما ذقت عذوبة الرب سهوت عن الأرض.

آه آدم، نفوسنا تنتحب ونحن منسحقون بالغم. قل لنا كلمة تعزينا. أنشد لنا أنشودة من أناشيد السماء. حتى تصغي كل الأرض، فينسى الناس شقاءهم. آه آدم، نحن مثقلون بالأحزان.


"لا تزعجوا سلامي. فزمان نوحي وعذابي قد ولّى. جمال السماوات وعذوبة الروح القدس ينسياني الأرض. لكن إسمعوا قولي لكم: إن السيد يحبكم، وأنتم أيضاً تحيون في الحب الإلهي، أطيعوا كل رئاسة، ذللوا قلوبكم. فيسكن الروح القدس فيكم. أنه يأتي بسكون إلى النفس، يمنحها السلام، وبدون ألفاظ أو كلمات، يشهد لخلاصها. رتلوا لله بحب وباتضاع نفس، لأنه بهذا يفرح السيد ويتهلل".


آه يا آدم، يا أبانا، ماذا نفعل إذاً؟ نحن نرتل، ولكن، لا حب عندنا ولا إتضاع.


"توبوا إلى السيد التمسوه. فهو يحب الناس ويمنحهم كل خير. وأنا أيضاً .. تبت كثيراً، توجعت كثيراً لأني أغضبت السيد، لأني بسبب خطاياي أضعت السلام والحب في العالم. دموعي سالت جداول على محيّاي وأغرقت صدري حتى الأرض، والصحراء سمعت زفراتي. لن تفهموا حزني وشجني ولا كيف بكيت الله والفردوس. ففي الفردوس كنت سعيداً فرحاً: وروح الله كانت تطربني، ولم أعرف أي عذاب .. لكني إذا طردت من الفردوس بدأ الجوع والعري يعذّباني، والحيوانات والعصافير التي كانت أليفة ومحبّة لي في الفردوس، صارت شرسة، تخافني وتهرب مني. والأفكار السيئة باتت توسّخني، والمطر يبللني، والأمراض وكل أوجاع وآلام الأرض تمرمرني. لكني تحمّلت كل شيء .. إذ تيقنت متشدداً بالله إلهي. أنتم أيضاً، أتمّوا أعمال التوبة: أحبوا الآلام والأحزان، أضعفوا أجسادكم وانحلوها. تذللوا، إتضعوا، أحبوا أعداءكم، حتى يأتي الروح القدس ويصنع عندكم مسكناً فتعرفوا وتجدوا ملكوت السماوات. لكن، لا تزعجوني: الآن قد أنساني حبي للإله الأرض وكل ما فيها. ونسيت أيضاً الفردوس المفقود، لأني أعاين مجد السيد ومجد القديسين. هم أيضاً يشعّون متألقين بالنور المتدفق من وجه الله، مماثلين الرب".


آه آدم، رتل لنا ترتيلة سماوية، حتى تسمعها كل أقاصي الأرض، فتتهلل بسلام الله وبحبه. نحن نتوق إلى سماع هذه الأغنيات. إنها رقيقة وعذبة لأنها مرتلة بالروح القدس.


إن آدم فقد الفردوس الأرضي وبدأ يبحث عنه باكياً: "يا فردوسي، يا فردوسي، يا فردوسي العجيب والمذهل". لكن السيد، بعظيم حبه على الصليب، فتح له باب فردوس آخر، أفضل من الأول، فردوساً في السماوات حيث يشرق نور الثالوث القدوس.


ونحن، ماذا نقدم للسيد عن حبه العظيم لنا؟





رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
القدّيس سلوان الآثوسي
القديس سلوان الآثوسي
القديس سلوان الآثوسي
كلمات للقديس سلوان الآثوسي
من اقوال القديس سلوان الآثوسي


الساعة الآن 01:07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024