البدع وتحديد نهاية العالم: تشارلز تاز راسيل
بعد إيلين هوايت ظهر أحد السبتيين يدعى تشارلز تاز رصل في الولايات المتحدة الأمريكية بدأ هو أيضًا يتنبأ عن نهاية العالم. فقال أنه بعد أربعون عامًا، من ميعاد هو حدده بأنه عام 1874م، سوف يأتي السيد المسيح ويحل ملكوت الله وسوف يملك المسيح على الأرض ألف سنة، أي "المُلك الألفي". وهى عقيدة معروفة عند بعض الطوائف البروتستانتية وخاصة عند أصحاب البدع مثل بدعة شهود يهوه التي أسسها تشارلز رصل.
فى سنة 1877م قام رصل مع أحد زملائه يدعى نيلسون باربور بنشر كتاب بعنوان "العوالم الثلاثة أو خطة الفداء". وعلّقت جمعية "برج المراقبة والكراريس"، وهى جمعية تشارلز تاز راصل التي أصبحت فيما بعد جماعة شهود يهوه، على هذا الكتاب بقولها [في هذا الكتاب أعلن الشريكان رصل وباربور إيمانهما بأن مجيء المسيح الثاني قد بدأ فعلًا سنة 1874م حيث استهلت بأربعين سنة دعيت فترة الحصاد ثم حددا على وجه الدقة عام 1914م كوقت نهاية أزمنة الأمم].. هذا اقتباس مما قاموا بنشره في كتابهم.
ثم حدث خلاف بينهما وافترقا، فأسس تشارلز تاز رصل مجلته الخاصة به واسمها "برج صهيون للمراقبة وبشير مجيء المسيح".
لكن لماذا اختار كلمة "برج صهيون" كعنوان لمجلته؟ وفى البداية لماذا دعى تلاميذه باسم "تلاميذ التوراة"؟ هنا يظهر الميل والتوجه اليهودي الصهيوني التوراتي الذي يتجاهل العهد الجديد.. نحن نحترم التوراة ونقدّسها، ونعرف أن جبل صهيون هو المكان الذي بُنيت فيه مدينة أورشليم، ولكن لا نستخدم هذه الألقاب بغزارة بعد مجيء السيد المسيح، بل نميل أن نتكلم عن الإنجيل وعن الكنيسة وعن العهد الجديد. لكن تتضح جدًا رائحة التوجه اليهودي في كل التسميات التي يستخدمها راصل.
طبعًا من المعروف أن السبتيون وشهود يهوه يقدّسون يوم السبت كاليهود، وكذلك لا يؤمنون بالعذاب الأبدي للأشرار مثل "شيعة الصدوقيين" عند اليهود. وهناك الكثير من نقاط التلاقي بين اليهود وبين السبتيين وأيضًا شهود يهوه. ولكن شهود يهوه أكثر قربًا من اليهود لأنهم أيضًا ينكرون أن السيد المسيح هو كلمة الله المولود من الآب قبل كل الدهور.
فى سنه 1876م اعتبر رصل نفسه هو راعي المجموعة، وفى سنة 1879 أسس مجلة "برج صهيون للمراقبة"، وفى سنة 1884 أسس جمعية اسمها "جمعية برج صهيون للمراقبة"، وفى سنة 1908م حرّك إدارة هذه المؤسسة إلى بروكلين في نيويورك وحينما كنت نيويورك رأيت أنا شخصيًا مبنى برج المراقبة Watching Tower وهى المكان الذي تُطبع فيه كل منشورات جماعة شهود يهوه. وللأسف فقد انتشروا في العالم وطبعوا كتبهم بلغات كثيرة، وأصبح عددهم لا يقل عن 10 مليون.
بحلول عام 1914م لم يأتِ السيد المسيح كما ادَّعى رصل فأحرج لأن أساس جماعته كان مبنيًا على محاولاته أن يخيف الناس ليتبعوه باستخراج حسابات معينة من الكتاب المقدس ليؤكد بها المواعيد التي يحددها لنهاية العالم.
وللخروج من هذا الحرج أعلن الآتي:
[فى تلك السنة عينها (1914) تُوِّج يسوع المسيح ملكًا على العالم حيث بدأ نشاطه الملكي بطرد زمرة الشياطين والأبالسة من الأجواء السماوية].
طبعًا هذا الكلام مخالف لتعاليم الكتاب لأن بولس الرسول يقول عن السيد المسيح وعن صليبه: "إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه (أي في الصليب)" (كو2: 15)، وقال أيضًا: "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء" (يو14: 30)، وقال: "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء" (لو10: 18)، ومكتوب في العهد الجديد أن السيد المسيح قيّد الشيطان ألف سنة "وقيده ألف سنة" (رؤ20: 2).. هذا طبعًا الكلام لا ينطبق على سنة 1914!
يقول رصل عن السيد المسيح [بدأ نشاطه الملكي بطرد زمرة الشياطين والأبالسة من الأجواء السمائية الذين هبطوا إلى الأرض وأشعلوا نار الحرب فيها]. هنا استغل راصل حدث زمني خاص بالبشر هنا على الأرض لأن الحرب العالمية الأولى حدثت سنة 1914م، فاعتبر ذلك هو علامة سقوط الأبالسة إلى الأرض.. فهل حدوث أي حرب يعنى نزول الأبالسة من السماء إلى الأرض وتتويج السيد المسيح ملكًا؟!! فماذا يقول عن الحرب العالمية الثانية هل تُوّج السيد المسيح مرة أخرى؟!! وهل أي حرب تحدث في العالم يكون معناها طرد الأبالسة من السماء؟!! كلام ليس له أية قيمة من الناحية الروحية.
والسيد المسيح نفسه قال: "انظروا لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح ويضلون كثيرين. وسوف تسمعون بحروب وأخبار حروب، انظروا لا ترتاعوا. لأن لابد أن تكون هذه كلها ولكن ليس المنتهى بعد" (مت24: 4-6).
فقبل أن يدّعى رصل بأن هناك ارتباط بين الحرب العالمية الأولى وبين مجيء السيد المسيح الثاني، قال السيد المسيح نفسه لا ترتاعوا حين تسمعون بحروب وأخبار حروب لأنه لابد أن تكون هذه كلها ولكن ليس المنتهى بعد.