|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
البابا سيمون (الثاني والأربعون في عداد بطاركة الإسكندرية) (684-691م) رهبنة زاهرة تُواصِل المسيرة: كان مع الأنبا إسحق البابا السابق (الحادي والأربعون) في الدير رجل قديس خائف الله عالمٌ في جيله وفاضل اسمه سيمون. هذا كان من أهل المشرق (سوريا)، وقد حضر في طفولته مع والديه إلى الإسكندرية، حيث قدَّمه والداه للكنيسة ”قرباناً“ (على حدِّ تعبير مخطوطة تاريخ الكنيسة لساويرس ابن المقفع). وكان السريان يفدون إلى الإسكندرية ليتبرَّكوا بجسد بطريركهم المعترف (ساويرس الأنطاكي - تنيح سنة 538م)، الذي لجأ إلى مصر هرباً من بطش الإمبراطور يوستينيان. وفي الإسكندرية سلَّمه أبواه إلى البابا أغاثو البطريرك الإسكندري الأسبق (التاسع والثلاثون) الذي اعتنى به كل العناية. وحين رأى فيه ميله إلى النسك والاستزادة من العلوم الروحية والمدنية، أرسله إلى دير الزجاج، حيث قضى بضع سنوات كان تحت رئاسة الأب يؤانس إيغومانس الدير، وصار سيمون الثاني بعد يؤانس في طقس الدير. وفي الوقت نفسه كان هناك دير اسمه ”بي كيروس“، وكان رئيسه الإيغومانس بقطر، وكان أيضاً رجلاً فاضلاً. البحث عن راهب يخلف البابا إسحق: ويصف كتاب تاريخ البطاركة كيف أن الشعب والكهنة في الإسكندرية كانوا مهتمين في العثور على مَن يُقدِّمونه بعد البابا إسحق على كرسي البطريركية. وكانت توجد كنيستان رئيسيتان في الإسكندرية هما: كنيسة الإنجيليين الأربعة، وكان بها 140 كاهناً؛ وكنيسة مار مرقس. وقد رشح كهنة كلٍّ من الكنيستين راهباً فاضلاً عالماً. فكنيسة الإنجيليين رشَّحت إيغومانس دير الزجاج الأب يؤانس، وكنيسة مار مرقس رشَّحت الأب بقطر إيغومانس ”بي كيروس“. وكان يساعدهم في الاختيار الأراخنة ومقدِّمو الشعب، وكان أولهم تادرس أرخن مدينة الإسكندرية. فاتفقوا أخيراً على تقديم الأب يؤانس. وكان دور الأساقفة إسداء المشورة والمعاونة في البحث. وحين اجتمع مجمع الأساقفة في محضر والي البلاد ومعهم أراخنة ومقدِّمو الشعب، وعلى رأسهم تادرس أرخن الإسكندرية، والراهب يؤانس الذي استقر عليه الاختيار؛ أراد الوالي أن ينظره. فلما رآه طاب قلبه عليه لأنه كان شخصاً حسناً بهي الصورة. ثم سأل الوالي الكهنة والأساقفة عن رأيهم في هذا الراهب يؤانس، فقالوا: نعم، هو يصلح. ثم جرى في ذلك اليوم أمر عجيب، وهو أنه بعد أن استقر الأمر على تقدمة يؤانس، أقام الله واحداً من الأساقفة بدون موافقة ولا مشورة مع أحد، قائلاً: هذا لا يكون بطريركاً لنا. فعندئذٍ نزل على جميع الناس الحاضرين سكوت، حتى أنه لم يُجاوبه أحد بحرف واحد. فسأل الأمير الأسقف: مَن يصلح لهذا الأمر، حسب رأيك. فأجابه الأسقف بمحضر المجمع: إن سيمون هذا مستحق لهذه الرتبة. فأمر الأمير بإحضاره. مثال ونموذج للأخلاق القبطية العالية: فلما مَثُل الراهب سيمون أمام الجمع، وكان قد حضر مع معلِّمه يوحنا (يؤانس)، تساءل الأمير: مِن أي موضع هذا؟ فقيل له: إنه سرياني من أهل المشرق. فلما عَلِمَ بذلك، سأل الأساقفة: أفما تقدرون أنتم أن تُقيموا واحداً من بلادكم؟ فردُّوا عليه: إن الذي اخترناه قد أحضرناه إلى ما بين يديك، والأمر لله ثم لك. ثم التفت الوالي إلى الراهب سيمون، وسأله: - أتستصوب أن يكون هذا الشيخ يؤانس بطريركاً؟ - ما يوجد في كورة مصر ولا في المشرق مَن يستحق مثل هذا الكرسي غيره. إنه أبي الروحي، وقد ربَّاني منذ صغري، وسيرته كسيرة الملائكة! فلما سمع الأمير هذا الكلام، تعجَّب جداً من اعتراف التلميذ بأحقية واستحقاق معلِّمه، دون خشية أو خوف أن يفلت المنصب الكبير من بين يديه في هذا الوقت الحاسم! ولا عجب فهذه هي الأخلاق القبطية العالية، وهذه هي أنفاس الرهبنة المقدسة. وكان جمع كثير من الشعب والرهبان والأراخنة حاضراً. فخرج صوت من الأراخنة والأساقفة وكُتَّاب ديوان الأمير قائلين: الله يُحيي الأمير لنا سنين كثيرة. ليتك تُسلِّم الكرسي لسيمون فهو مستحق للبطريركية. وكمثل أنبا بنيامين كذلك سيمون، فإن البيعة مُساعدة لهما في هذا الأمر. ولما نظر الأمير إليهم وسمع كلامهم لأجل إنسان غريب لا يعرفونه من قبل إلا منذ يومين فقط، أمرهم أن يمضوا به بمعونة الله ويرسموه أسقفاً على كرسي مدينة الإسكندرية، كرسي القديس مار مرقس الرسول. رسامة الراهب سيمون أسقفاً على المدينة العظمى الإسكندرية: ومضى الجمع إلى الإسكندرية وعلى رأسهم معظم الأساقفة، وهم يصحبون معهم الراهب سيمون، وتوجَّهوا إلى الكنيسة الكبرى المسمَّاة بالإنجيليين. وكان فرح عظيم للشعب الأرثوذكسي، وكان سلام واتحاد في الكنيسة. وكان ذلك يرجع إلى عدة عوامل نُلخِّصها فيما يلي: 1 - الأمانة للتقليد الكنسي، والإخلاص والنية الطيبة لدى كل الأطراف. 2 - لا يمنع التقليد الكنسي تعدُّد الآراء، بل بالعكس هو يؤكِّد على التعدُّدية والتي فيها تتحقق في النهاية الوحدة والاتحاد داخل كنيسة الله. فمشورة أسقف واحد كانت مغايرة لآراء الطرفين الآخرين، ومع ذلك كانت محل احترام الجميع وجرت مناقشتها بروح التجرُّد من التحيُّز الشخصي. 3 - كان كل فريق يعرف دوره: الشعب والأراخنة، الكهنة، الأساقفة. ولم يخرج أحد عن حدود دوره كما مارسته الكنيسة القبطية على مدى الأجيال. 4 - والجميع كانوا يعملون بروح الفريق الواحد. 5 - أخيراً، وهذا أهم عامل في وحدة واتحاد الكنيسة وبالتالي فرح الشعب، وهو روح الاتضاع والتجرُّد والزُّهد التي كانت تعمل في نفوس طغمة الرهبان في الأديرة. إن روح أنطونيوس ومقاريوس وباخوميوس وسائر روَّاد الرهبنة القبطية منذ القرن الرابع كانت ما تزال في القرن السابع متغلغلة ومشتعلة في صوامع وأروقة الأديرة. نموذج فريد في التاريخ عن عظمة البطاركة الأقباط، تظهر في تقديم الابن لأبيه الروحي: يقول كتاب تاريخ البطاركة عن حبرية الأنبا سيمون: إنه أقام أباه يؤانس (يوحنا) على أمور البيعة، وكان هو يقرأ في الكتب المقدسة. وطوال حياة الراهب يؤانس لم يكن البابا سيمون ينشغل بشيء من أمور البيعة، بل سلَّم جميع ذلك إلى يؤانس أبيه؛ تماماً كما كان معه في الدير، وكان مُطيعاً له ويدعوه ”أبي“( ). وكان اتضاع البابا وتقديمه أباه الروحي ينمُّ عن المواهب والنِّعَم الروحية التي حَبَاه بها الله بسبب هذا الاتضاع. وقد ظهرت مواهبه الروحية فيما يلي: رسالة السينوديقا إلى بطريرك أنطاكية: تعوَّد الآباء بطاركة كنيسة الإسكندرية أن يُبادروا فور رسامتهم بإرسال ما يُسمَّى برسالة ”السينوديقا“، التي يُسجِّلون فيها اعتراف إيمانهم الأرثوذكسي ويُجدِّدون فيها أواصر الوحدة والاتحاد بين الكنيستين: الإسكندرية والأنطاكية. ويقول مؤرخ كتاب تاريخ البطاركة إن يوليانس بطريرك أنطاكية حينما قرأ رسالة البابا سيمون تعجَّب منها، إذ وجدها مملوءة من حكمة الله والكتب الروحانية (كتابات آباء الكنيسة السابقين)؛ ففرح جداً ووقف في كنيسته في أنطاكية وخاطب الشعب السرياني باسم الأب الأنبا سيمون. ثم ردَّ على الرسالة وأعادها مع رُسُل البابا بعد أن زوَّدهم بكرامات جزيلة إلى مصر. نياحة أبيه الروحي الأب يؤانس: وبعد ثلاث سنين من حبرية البابا سيمون، تنيح أبوه يؤانس بسلام واستحق أن يضع البابا سيمون يده على عينيه، ثم كفَّنه بيده وأخذ بركته، وحمله إلى الدير ودفنه. وأقام البابا سيمون بالدير أربعين يوماً حتى بنى لأبيه الروحي يؤانس قبراً وجعل جسده فيه، وجعل القبر يتسع لجسده هو أيضاً حتى إذا تنيح يُدفن مع أبيه الروحي في نفس القبر. تجربة مُرَّة أصابت البابا، ونجاته منها: وقد حدث في هذا العصر أيضاً حدثٌ غريب خاص بكنيسة الهند. فقد وصل إلى مصر فجأة وفدٌ من الهنود جاءوا إلى الأنبا سيمون طالبين إليه أن يرسم لكنيستهم أسقفاً على البلاد الهندية. وكانت كنيسة الهند إذ ذاك (وما زالت) تابعة لكرسي أنطاكية الرسولي. غير أن أخطار الطريق اضطرت هذا الوفد إلى أن يجعل وجهته الإسكندرية بدلاً من أنطاكية. فلما مثل الوفد بين يدي الأنبا سيمون قال لرئيسه: ”إن كنيستيّ الإسكندرية وأنطاكية متحدتان في الإيمان الأرثوذكسي، فليس هناك ما يمنعني من رسامة الأسقف الذي تطلبونه، غير أني أنصحكم أن تتصلوا بأمير البلاد المصرية لإبلاغه بما ترغبون فيه“. فغادروا الدار البابوية لتنفيذ ما طلبه منهم، إلاَّ أن جماعة من الخلقيدونيين عثروا عليهم وأقنعوهم بالذهاب إلى أسقفهم الدخيل. فانصاعوا لرأيهم وقصدوا إليه، فرسم لهم أسقفاً وكاهنين. وفي الحال غادروا الديار المصرية للعودة إلى وطنهم. وفيما هم يجتازون الحدود السورية، وقعوا - هم والأسقف والكاهنان - في أيدي حرَّاس تلك الحدود. فأرسلوهم موثقين إلى الخليفة عبد الملك بن مروان بدمشق. فأمر بتكبيلهم بالسلاسل الحديدية، وأرسلهم إلى ابنه ”عبد العزيز“ أمير مصر، كما أرسل رسالة توبيخ قاسية لابنه والي مصر اتهمه فيها بالتقصير وعدم اليقظة. فما أن اطَّلع عبد العزيز على رسالة أبيه حتى أمر بالقبض على البابا سيمون متهماً إيَّاه بالاعتداء على سلطانه. وعبثاً حاول الأنبا سيمون أن يُثبت براءته، لأن الوالي عبد العزيز كان متأثـِّراً إلى حدٍّ بعيد بما آلمه من توبيخ أبيه له. فلما أُسْقِطَ في يد البابا سيمون، طلب مهلة ثلاثة أيام لعلَّه يستطيع بعدها أن يأتي بالدليل القاطع على براءته من التهمة الموجَّهة إليه؛ فمنحه عبد العزيز المهلة المطلوبة. وانصرف الأنبا سيمون إلى الدار البابوية حيث انقطع للصلاة إلى الآب السماوي، ضارعاً إليه أن يُسارع إلى نجدته. وفي اليوم الثاني، إذ به يرى سكرتيره آتياً إليه ومعه أحد الكاهنين الهنود وكان قد هرب من السجن وهو لا يعلم بأمر مقابلة البابا سيمون للأمير. وفي اليوم الثالث، مضى البابا سيمون إلى الأمير وبرفقته الكاهن الهندي، وطلب منه تعهُّداً أمام الله أن لا يفعل سوءاً بمن أحضره، ولكن يعفو عنهم (عن البابا والكاهن الهندي ورئيس الخلقيدونيين)؛ فوعده الأمير بذلك. وحينئذٍ أحضر البابا الكاهن الهندي إلى الأمير، الذي أعْلَمه بكل ما جرى، وأن البابا سيمون بريء من هذه القضية. فلما عَلِمَ الأمير بالحقيقة، أودع الكاهن السجن، وأمر أن يؤخذ تادرس رئيس الخلقيدونيين - الذي رسم الأسقف والكاهنين - ليُصلب. وكتب الوالي عبد العزيز إلى الخليفة عبد الملك يُعلمه بما جرى، وأنَّ ليس لبطريرك الإسكندرية شأنٌ بهذه القضية وهو بريءٌ منها؛ بل ومدح البابا سيمون عند الخليفة، وذكر له صلاحه وحكمته وعفافه. ثم أوْفَى عبد العزيز بما وعد به البابا أن لا يمسَّ بسوء رئيس الخلقيدونيين تادرس والقس الهندي (يُلاحَظ أن البابا الأرثوذكسي تشفَّع لدى الوالي أن لا يمس بسوء رئيس الخلقيدونيين الذي تسبَّب في هذه القضية واتُّهم فيها البابا الأرثوذكسي ظلماً، وكان في هذا مُطيعاً لوصية المسيح سيده عن محبة الأعداء والمسيئين). أما بقية أعمال البابا سيمون، فسوف نستكمل سردها العدد القادم إن شاء الرب. |
29 - 03 - 2013, 12:00 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | |||
..::| مشرفة |::..
|
رد: البابا سيمون (الثاني والأربعون في عداد بطاركة الإسكندرية) (684-691م)
البابا سيمون (تكملة) (الثاني والأربعون في عداد بطاركة الإسكندرية) (684-691م) توقفنا في الجزء الأول من سيرة هذا البابا (عدد نوفمبر 2004، ص 25) عند التجربة التي ألَمَّتْ بالبابا سيمون في حادثة رسامة أسقف وكاهنين لكنيسة الهند بيد بطريرك مخالف للعقيدة، لكن التهمة لصقت بالبابا سيمون، وحجز الوالي البابا والأسقف والكاهنين. ولما عَلِمَ الوالي بالحقيقة، أطلق سراح البابا. وبعد ثلاث سنوات أطلق الأسقف والكاهنين إلى بلادهم. ولكي يُعوِّض الظلم الفادح على الكنيسة، أمر ببناء كنيستين في ضاحية حلوان، وكان الأساقفة ينفقون على عمارتهما، وأوكل الأنبا غريغوريوس أسقف القيس بالإشراف على بنائهما. كما أمر بالإفراج عن الهنود المعتقلين والسماح لهم بالعودة إلى بلادهم. مهارة العمال والفنيين المصريين واستخدامهم بواسطة الوالي: ويحكي المؤرِّخون عن مهارة الصُّنَّاع المصريين في مختلف الصناعات. فتروي الأخبار التاريخية أن ملك النوبة أوكل إلى نجار مصري من دندرة بالصعيد الأعلى لعمل عرش ليُقدِّمه إلى عبد الله بن سعد أيام أن كان والياً على مصر، لأن هذا النجار كان معروفاً بحُسْن الذوق وبالدقة في العمل. كذلك كانت الترسانة المصرية (لعمل المراكب الكبيرة والحربية) ذات شهرة واسعة، إلى درجة أن والي مصر عبد العزيز بن عبد الملك بن مروان اختار 300 عامل من عمال هذه الترسانة، وأرسلهم إلى تونس بشمال أفريقيا ليُنشئوا ترسانة بتلك المدينة. كذلك ذهب عدد مماثل من الصُّنَّاع المصريين إلى القدس للعمل هناك( ). قصة عن خطورة تصرُّف المؤتمنين على أموال الكنيسة بغير الترتيبات الموضوعة عن هذا العمل: ويسرد كاتب تاريخ البطاركة في سيرة هذا الأب سيمون أن الإيكونوموس المتولِّي على حفظ مال الكنيسة، وكان قسًّا، لم يُطِع تحذيرات البابا في كل وقت قائلاً له: ”يا قس مينا لا تَدَع في منزلك أي مال من أموال الكنيسة بحسب قوانين البيعة، وإلاَّ ينزل عليك البلاء“. ولكن القس لم ينصت لهذا التحذير. ثم إن الله أنزل عليه مرضاً، إذ التصق لسانه بحنكه، وزال عقله، وكان يمضغ (أو يعضّ) لسانه وهو نائم، وكانت هذه الحالة مثل الصرع، حيث كان يقع على الأرض ويتشنَّج وثلاثة رجال يمسكونه لكي لا يعمل أي شيء يؤذيه. وكان الأب البطريرك سيمون مهموماً لأجله ولأجل مال الكنيسة الذي تحت يده ولا أحد يعرفه غيره. (تقضي قوانين الكنيسة أن يكون لأموال الكنيسة بيان مُفصَّل يراجعه كهنة الكنيسة وأراخنتها، حتى إذا مات الأسقف أو الإيكونوموس المسئول عن هذا المال لا يضيع أو يتبدَّد في غير ما وُضِع له). وهذا ما حدث، إذ قارب هذا القس على الموت، فأرسل البابا إلى زوجة الكاهن ليسألها إن كانت تعرف مكان الأموال. ومن قبل أن يصل رسول البطريرك إلى البيت خرج صوت المناحة من البيت بأن القس قد مات فعلاً. ولما توفي ألبسوه ثياب الكهنة وأضجعوه على مرقده كعادة أهل الإسكندرية وهو لابس ثياب التقديس. فلما وصل رسول البطريرك إلى البيت الذي كان مضطجعاً فيه وحوله جمع كثير من الكهنة، انحنى عليه ليُقبِّله كالمعتاد. وفجأة وثب القس جالساً وعلَّق يديه في رقبته وصرخ: ”الله الواحد إله الأب الطوباني أنبا سيمون“. فلما نظرت الجموع المجتمعة حوله ذلك الأمر، هربوا خوفاً من رسول البابا. فقال له الرسول: ”ثق وتقوَّ يا قس مينا“. فأجاب القس وقال له: ”بصلوات سيدي الأب البطريرك أبا سيمون، وهب الله لي الحياة مرة أخرى“. فاستدعى الرسول الكهنة وبقية مَن كان في البيت ليسمعوا ما يقوله القس مينا (أموال الكنيسة يجب أن يُعرف محتواها على يد شهود)، ثم قام وأخرج جميع مال الكنيسة وسلَّمه للرسول، وهذا سلَّمه للأب البطريرك الذي سلَّمه بدوره إلى تلميذه الروحاني هذا، ثم رقد بعد ذلك. + تذكُر وثيقة ”تاريخ البطاركة“ هذه الحادثة الغريبة لتحذِّر من إخفاء أموال الكنيسة أو التستُّر عليها أو استخدامها لغير أعمال البر ومشاريع الكنائس، أو عدم إظهار تفاصيلها بدقة للمسئولين عن مراقبة هذه الأموال كما رتبت ذلك قوانين الكنيسة. اهتمام البابا باختيار الأساقفة المستحقين والتدقيق في مؤهَّلات هؤلاء الأساقفة: ثم انصرف البابا إلى اختيار قوم روحانيين مضيئين في أفعالهم متبحِّرين في الكتب (الأسفار المقدسة) والعلوم الكنسية (أي كتابات وشروحات آباء الكنيسة الأبرار)؛ هكذا يُسجِّل مؤرخ سيرة البابا سيمون طريقة اختيار الأساقفة. وكان يرسم هؤلاء أساقفة في كل مكان يحتاج إلى أساقفة. وكان أول الذين سامهم أخوه في الرهبنة الأنبا طلموس الذي أقامه أسقفاً على كرسي منوف العُليا، والأنبا زخارياس أسقف مدينة سخا، وكثيرين غيرهما؛ هؤلاء رسمهم البابا على الكراسي يرعون الخراف الناطقة. في طريق الأرض كلها: وأقام البابا سيمون 9 سنين ونصف بطريركاً. وفي يوم الخمسين، عيد العنصرة، أحسَّ بتعب شديد، وعَلِمَ بالروح أنه ألم النياحة. فقال لتلميذه: هَلُمَّ نمضي إلى الوادي المقدس، وادي هبيب (برية شيهيت) لآخذ بركة القديسين والرهبان، فقد لا أعود ثانية لأراهم بعد هذه المرة في الجسد. فترك حلوان (لأنه كان قد توجَّه إليها من الإسكندرية حينما كان يختار الأساقفة حتى يرسلهم إلى كراسيهم). وهكذا توجَّه إلى وادي هبيب وأخذ بركة الآباء القديسين الرهبان، ثم عاد إلى الإسكندرية؛ فانتقل، بأحكام الله غير المُدرَكة، إلى كورة الأحياء. وكان ذلك في الرابع والعشرين من أبيب سنة 691م، ودُفن في دير الزجاج حيث جسد أبيه الروحي يؤانس (يوحنا)، وذلك بحسب وصيته. لمحة ولفتة من ناسخ سيرة البابا سيمون: يلمح الباحث في المخطوطات القديمة بعض لمحات من ناسخ السيرة تبيِّن الاتجاهات الروحية للكنيسة في ذلك العصر. ففي نهاية سيرة البابا سيمون يذكر الناسخ أنه بعد وفاة الأب الجليل أبا سيمون لحق الأقباط ألم وحزن عليه، لأنهم فقدوا راعيهم في وقت صعب وبلايا من الولاة. ويختم الكاتب بقوله: ”ولم يزل المسيح يُدبِّر البيعة“. فالبشر زائلون يجيئون ويرحلون من دنيا الفناء هذه؛ أما الرب يسوع المسيح فهو دائماً أبداً الراعي والرأس الأبدي الحي إلى الأبد، القائم على تدبير الكنيسة، والضابط لكل شيء فيها، الجيد والرديء؛ ليُحوِّل الكل إلى تحقيق مقاصده الأزلية في كنيسته لتظل كنيسة شاهدة أمينة على كنز الخلاص الأبدي للبشرية التي أودعها فيها المسيح. |
|||
|