رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
العود الرطب (لو23: 31) فى مسيرة السيد المسيح نحو الجلجثة شرح معلمنا لوقا الإنجيلى حوارًا هاماً حدث فى الطريق بين السيد المسيح والنسوة اللواتى كن يلطمن وينحن عليه. فبعدما توصّل رؤساء اليهود إلى غرضهم فى إحراج الوالى واستصدار حكم ظالم ضد السيد المسيح إذ “كانوا يلجون بأصوات عظيمة طالبين أن يصلب. فقويت أصواتهم.. فحكم بيلاطس أن تكون طلبتهم.. وأسلم يسوع لمشيئتهم” (لو23: 23-25). بعد ذلك خرج يسوع وهو حامل صليبه بعدما علا صوت الباطل أمام الوالى. “ولما مضوا به أمسكوا سمعان رجلاً قيروانياً كان آتياً من الحقل، ووضعوا عليه الصليب ليحمله خلف يسوع. وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتى كن يلطمن أيضاً وينحن عليه. فالتفت إليهن يسوع وقال: يا بنات أورشليم لا تبكين علىّ، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن. لأنه هوذا أيام تأتى يقولون فيها طوبى للعـواقر والبطـون التى لم تـلد، والثّدِى التى لم تُرضـع. حينئذ يبتدئـون يقولون للجبال اسقطى علينا وللآكام غطينا. لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا، فماذا يكون باليابس” (لو23: 26-31). كان للسيد المسيح شعبية كبيرة سبق أن أزعجت رؤساء اليهود خاصة فى يوم أحد الشعانين، حينما استقبلته الجموع فى أورشليم كملك “فقال الفريسيون بعضهم لبعض انظروا إنكم لا تنفعون شيئاً. هوذا العالم قد ذهب وراءه” (يو12: 19). وقد امتلأ رؤساء اليهود حسداً وغيرة، لسبب شعبية السيد المسيح الجارفة. لذلك دبّروا المؤامرة وقبضوا عليه فى الليل خلواً من جمع، وأجروا المحاكمة اليهودية ليلاً. ثم سلّموه فى الصباح الباكر إلى الوالى، وأخذوا معهم جمهورهم الخاص الذى كان يطالب بصلب السيد المسيح.. واستيقظت أورشليم فى الصباح، لتجد أن الحكم قد صدر من قبل الحاكم الرومانى وانتهى الأمر ولم يعد فى استطاعة الجماهير التى أحبت السيد المسيح أن تفعل شيئاً، سوى أن تتبعه فى طريق الجلجثة، كما أوضح معلمنا لوقا الإنجيلى “تبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتى كن يلطمن أيضاً وينحن عليه” (لو23: 27). كان من الطبيعى أن تبكى النسوة ويلطمن على السيد المسيح، الذى وقع عليه كل هذا الظلم وهو برئ. وكان من الطبيعى أن تنكسر قلوب الرجال وهم يبصرون ملك إسرائيل وهو يساق بهذه الصورة المهينة إلى موت الصليب؛ موت العبيد.. ومع رجلين من القتلة والسارقين المجرمين. لو أتيحت لهم الفرصة أمام الوالى لدافعوا بشدة عن السيد المسيح. ولكن المؤامرة استبعدت الصوت الحقيقى للجماهير، وضخمت صوت الباطل، كما لو كان معبّراً عن إرادة الجماهير وإرادة الأمة. لقد حشدوا جمهوراً محدوداً أمام الوالى يطالب بصلب السيد المسيح، وتجاهلوا مشيئة الجماهير العريضة من الناس وأرادوا أن يشككوا الشعب فى صدق إرسالية السيد المسيح بتطبيق حكم الموت عليه عن طريق التعليق على الخشبة، ليؤكّدوا للشعب الذى أحبه أنه قد صار ملعوناً من الله. لأنه فى سفر التثنية يقول إن “المعلّق ملعون من الله” (تث21: 23). إلى هذه الدرجة حَبَكَ اليهود المؤامرة حتى أنهم قدموا دليلاً كتابياً من خلال أحداث الصلب على أن السيد المسيح قد صار فى حكم الملعون من الله. وبهذا اهتز وضع السيد المسيح فى أنظار الذين لم يفطنوا إلى خطورة المؤامرة اليهودية. حقيقة أن السيد المسيح قد حمل لعنة خطايانا على الصليب، ولكنه إذ أوفى العدل الإلهى حقه، فقد محا اللعنة إلى الأبد. وكان دليل قبول ذبيحته وزوال اللعنة، هو أن الله قد أقامه ناقضاً أوجاع الموت، إذ لم يكن للموت سلطان عليه، لأنه كان بلا خطية من جانبه شخصياً. وقد سبق إشعياء وتنبأ عن هذا الأمر وقال: “نحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا” (إش53: 4، 5). دخل الشك إلى قلوب البعض.. ولكن ذوى القلوب الأمينة الواثقة لم تهزهم المؤامرة المحبوكة. بل بقيت ثقتهم فى قداسة السيد المسيح كما هى، وثقتهم فى قبول الرب لذبيحته الطاهرة كما هى.. ومن أمثلة هؤلاء الأشخاص الأمناء المريمات القديسات اللواتى أحضرن الطيب ليضعنه على جسده المبارك فى فجر الأحد ووجدنه قد قام. ومن أمثلتهم أيضاً يوسف الرامى ونيقوديموس، اللذان طلبا جسد الرب يسوع من الوالى ولفاه بأكفان غالية وأحاطاه بالحنوط، ووضعاه فى قبر جديد، فى بستان منحوت فى صخرة لم يوضع فيه أحد قط من الناس. لقد قدّما للسيد المسيح بعدما أسلم الروح على الصليب، أغلى ما عندهما، واستحقا أن يسمعا تسابيح الملائكة، وهما يكفنان جسده المقدس وهى تقول: ( قدوس الله ، قدوس القوى، قدوس الحى الذى لا يموت ). حينما أبصر السيد المسيح النسوة يلطمن وينحن عليه، أراد أن يوجه أنظارهن إلى الحقيقة الثمينة.. ألا وهى أن خطايا البشر هى السبب الحقيقى لآلامه. وأن مؤامرة اليهود وقساوة الرومان، ما هى إلا أدوات استخدمتها حكمة الله ومشورته، ليتحقق من خلالها إبراز حقيقة الصراع بين الخير والشر، والذى لابد أن ينتهى بانتصار الخير فى النهاية. وقال لهم: “إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا، فماذا يكون باليابس؟!” وقال هذا ليتذكر كل إنسان أن السيد المسيح وهو العود الرطب، قد تألم عوضاً عنا حينما حمل خطايانا فى جسده، فما الذى يمكن أن يحدث للإنسان غير التائب حينما يتراءى أمام الله بخطاياه غير المغفورة وغير المغسولة بدم السيد المسيح؟. إن السيد المسيح قد احتمل ظلم الأشرار، لكى يوبخ خطية الإنسان غير التائب. وسيظل صوته الإلهى يدوى فى سمع البشرية “إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا، فماذا يكون باليابس..؟!” |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
حبّ الرّب يسوع المسيح الغني بما فيه الكفاية ليُشبع جوع كلِّ العصور |
أيها العود الإلهي الرطب رطبني بزيت نعمتك |
“هذا هو ملك اليهود” (لو23: 38) |
أيها العود الإلهي الرطب |
العود الرطب |