|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الله في غير حاجة إلى بٌرنا إِنْ كُنْتَ بَارًّا فَمَاذَا أَعْطَيْتَهُ، أَوْ مَاذَا يَأْخُذُهُ مِنْ يَدِكَ؟ [7] لن ينتفع الله شيئًا من ممارستك البرَّ، ليس لديك شيء يحتاج إليه الله لتهبه إياه (مز 16: 2؛ أم 9: 12؛ لو 17: 10). لِرَجُلٍ مِثْلِكَ شَرُّكَ، وَلاِبْنِ آدَمٍ بِرُّكَ [8]. شرك يؤذيك أنت كإنسانٍ، ولا يؤذي الله، لأن شرّك يعزلك عن الله مصدر السعادة. فأنت كإنسانٍ تؤذي نفسك وقد تؤذي غيرك من البشر بشرِك، وتنتفع وتفيد إخوتك ببرّك بكونك ابنًا للبشر. * شر الإنسان يضر ذاك الذي يفسده الشر بالضلال، مرة أخرى برّنا ينفع من يتحول عن شره. * إذ يُحزن الأشرار الصالحين يحررونهم بالأكثر من شهوات هذا العالم. بينما يجمعون أعمالًا وحشية عليهم هنا، يدفعونهم للإسراع نحو السماء... هذا هو السبب لماذا يُسمح للأبرار أن يسيء إليهم الأشرار، حتى ينصتوا إلى البركات العتيدة فيشتهوها ويحتملوا الشرور الحاضرة المريعة، وبينما يدعوهم الحب إذ بالآلام تسحبهم إلى هروب سريع. البابا غريغوريوس (الكبير) * ماذا إذن؟! ألاَ يصيب الأذى من يتعرض للافتراءات ويقاسي من نهب الأموال، فيحرم من خيراته ويطرد من ميراثه ويناضل في فقر فادح؟!لا، بل ينتفع إن كان وقورًا،. لأنه هل أضرت هذه الأمور الرسل؟ ألم يجاهدوا دائمًا مع الجوع والعطش والعُري؟! وبسبب هذه الأمور صاروا مُمجدين ومشهورين وربحوا لأنفسهم معونة أكثر من الرب؟! * إنني لم أقل إنه لا أحد يضر غيره، بل لا أحد يصيبه ضرر من غيره. وكيف لا أحد يصيبه ضرر من غيره مادام كثيرون يضرون غيرهم...؟! إخوة يوسف مثلًا أضروا يوسف، لكن يوسف نفسه لم يصبه الضرر. وقايين ألقى بشباكه لهابيل، ولكن هابيل لم يسقط فيها. وهذا هو السبب الذي لأجله وجدت التأديبات والعقوبات. فالله لا يرفع العقوبة عن مدبر الضرر لمجرد صلاح محتمل الضرر، بل يؤكد عقوبته بسبب شر صانع الإثم. فإنه بالرغم من أن الذين يسقط عليهم الشر، يصيرون أكثر مجدًا على حساب المكائد المدبرة ضدهم، لكن هذا لم يكن في نية مدبري الشر، إنما بسبب شجاعة من هم ضحيتهم. لذلك فإن الأخيرين تعد لهم أكاليل الحكمة، أما الأولون فتعد لهم جزاءات شرورهم. هل سُلبت أموالك؟ أذكر تلك الكلمات "عريانًا خرجت من بطن أمي وعريانًا أعود إلى هناك" (أي 1: 21). وأضف إليها كلمات الرسول: "لأننا لم ندخل العالم بشيء وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشيء" (1 تي 6: 7). هل أُسيء إلى سمعتك، وحملك البعض بشتائم لا حصر لها؟ اذكر العبارة القائلة: "ويل لكم إذ قال فيكم جميع الناس حسنًا" (لو 6: 26). وأيضًا إن: "قالوا عليكم كلمة شريرة... افرحوا وتهللوا" (مت 5: 11). هل أُخذت إلى المنفي؟ أذكر أنه ليس لك هنا موضع بل إن كنت حكيمًا يلزمك أن تنظر إلى العالم كله كأرض غربة. هل أُصبت بمرض خطير؟ أقتبس ما يقوله الرسول: "إن كان إنساننا الخارج يفنى فالداخل يتجدد يومًا فيومًا" (2 كو 4: 16). هل يعانى إنسان من موتٍ عنيفٍ؟ ليذكر يوحنا الذي قطعت رأسه في السجن وأخذت في طبق وقدمت مكافأة عن رقص زانية. تأمل المكافأة التي تنالها على حساب هذه الأشياء، فإن كل هذه الآلام عندما تسقط ظلمًا من إنسان على آخر تنزع خطايانا وشرنا (إذ نتقبل الظلم بلا تذمر مؤمنين بالله مترجين الحياة الأخرى، فتعمل هذه الأمور على تزكيتنا). إذن عظيم هو نفع هذه الأتعاب بالنسبة للذين يحتملونها بشجاعة! القديس يوحنا الذهبي الفم مِنْ كَثْرَةِ الْمَظَالِمِ يَصْرُخُونَ. يَسْتَغِيثُونَ مِنْ ذِرَاعِ الأَعِزَّاءِ [9]. إن كان الشر لا يؤذي الله في شيء، إلاَّ أنه يؤذي بني البشر، إذ يصرخ المظلومون وسط الجموع وذلك من عنف المقتدرين، أصحاب السلطة (الأعزاء). يضغط الأغنياء الأشرار بأيديهم العنيفة على المساكين البائسين، يصرخون عاليًا من مضطهدين وليس من يُهدئ من نفوسهم، لأنهم لا يلجأون إلى الله. يصعب الربط بين هذه العبارة والحديث السابق. لكن يبدو أن أليهو يستعرض قضية عامة في المجتمع، أشار إليها أيوب نفسه (أي 24: 12)، حيث يرى أن الله لا يتدخل سريعًا لينقذ المساكين من أيدي الأشرار القساة. كثيرون يسحقهم الطغاة، والله لا يتدخل. لقد حسب أيوب أن هذه القضية العامة تمسه شخصيًا حيث كاد أصدقاؤه أن يسحقوه تحت أقدامهم. وحسب أليهو هذا الفكر إهانة موجهة ضد الله القدير ورعايته وحبه. وجد نفسه ملزمًا أن يقدم شرحًا لهذه الظاهرة. يجيب أليهو على التساؤل: لماذا لا يستجيب الله لصرخات الأبرار المتألمين، ليعينهم ضد الظالمين؟ يعلن أليهو أن عدم استجابة الله للصلاة سرّها أن الذي يصلي لا يبالي بالتمتع بالله، كل ما يشغله هو الانتفاع من الله. إنها ليست صلاة حقيقية غايتها التمتع بنور الحضرة الإلهية، إنما هي صرخة طبيعية تصدر عن الألم، كما يصرخ الطائر والحيوان [10-11]. صلواتنا للخلاص من الأشرار صلوات فارغة [12-13]. حينما يصرخ الإنسان في ضيقته يظن كأن الله لا يسمع، لكنه يسمع، وقد لا يستجيب بسبب كبرياء الصارخ، أو كذبه. * بحق يمكننا أن ندعو الأشرار "ظالمين"، ليس فقط الذين يفسدون خيراتنا الخارجية، بل والذين يسعون بعاداتهم الشريرة ومثال حياتهم الفاسدة أن يبددوا كنوزنا الداخلية. فإنهم لا يهاجمون الأمور المحيطة بنا، لكنهم يطلبون أن يفترسونا من الداخل. من يهاجم فضائلنا بسلوكه الشرير هو ظالم خطير أكثر من الذي يسيء إلى خيراتنا بالظلم العنيف ضدنا. فإنه وإن كان لا يأخذ شيئًا من موأردنا، لكنه يصنع أمامنا أمثلة للدمار. إنه يمارس ظلمًا أثقل حيث يثير قلوبنا الهادئة بالتجربة. حتى وإن كان لا يُلزمنا بمحاربة سلوكه الشرير، إلا أنه يضغط علينا بإثارة التجربة، فنعاني من ظلمٍ شديدٍ من حياته، حيث نعاني في الداخل بأمورٍ نتغلب عليها بصعوبة. ولما كانت حياة الشرير المرتبطة بالعالم تؤذينا، حسنًا قيل: "بكثرة الظالمين يصرخون" [9]... "يولولون من قدرة ذراع الطغاة" [9]... فإن من يرغب في أن يرهبنا لكي يدفعنا إلى الخطية، يهيج علينا بذراع طاغية. الحث على الرذيلة خلال سلوك (إنسانٍ شريرٍ) شيء، والإلزام بها بالرعب شيء آخر. البابا غريغوريوس (الكبير) |
|