رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الجلسة الأولى: اِسْمَعُوا مَا قَالَهُ الرَّبُّ: قُمْ خَاصِمْ لَدَى الْجِبَالِ، وَلْتَسْمَعِ التِّلاَلُ صَوْتَكَ. [1] يطلب الله من ميخا النبي أن يقوم ويعلن الخصومة ضد الشعب العنيد، سائلًا الجبال والتلال أن تنصت وتتابع المحاكمة. يصور الأصحاحان 6 و7 ساحة قضاء، حيث يحكم الله لكي يدفع شعبه إلى التوبة قبل أن يحل يوم القضاء العظيم. يؤكد ميخا النبي أن ما ينطق به ليس من عنده، وإنما استقاه من الله، فهو لا يقدم كلمة بشرية، بل كلمة الله القدوس. لهذا يليق به أن يستمعوا، وينصتوا. يدعو الله الجبال والتلال لتقف شاهدة على شعبه الذي بنى مذابح وثنية على المرتفعات، وقدم ذبائح لآلهة غريبة باطلة (1 مل 14: 23، إر 17: 2، 3، حز 20: 27-28). ولعله يقصد رفع الخصومة على سكان تلك الجبال والتلال التي انغمست في العبادة الوثنية. اِسْمَعِي خُصُومَةَ الرَّبِّ أَيَّتُهَا الْجِبَالُ، وَيَا أُسُسَ الأَرْضِ الدَّائِمَةَ. فَإِنَّ لِلرَّبِّ خُصُومَةً مَعَ شَعْبِهِ، وَهُوَ يُحَاكِمُ إِسْرَائِيلَ. [2] إنه ينادي بصوت عالٍ ولا يصمت (إش 58: 1)، حتى تسمعه أسس الأرض، فالأمر خطير للغاية. إن كانت قلوب الشعب صارت كالصخور الجامدة، فإن الله يدعو صخور الأرض أن تنصت وتبكت شعبه، لأن إسرائيل له آذان ولا يسمع. "للرب خصومة مع شعبه": الخطية هي إعطاء القفا لله، فتصير علة خصومة مع الله. لهذا يقول الرسول بولس: "ونحن أعداء قد صولحنا مع الله". (رو 5: 10) إن كانت الخطية بوجه عام تسبب خصومة مع القدوس الذي لا يطيق الخطية، فإنها تكون بالأكثر إن صدرت عن شعبه وأولاده الذين يريد أن يكونوا له قديسين (لا 20: 26) كما هو قدوس. "يُحاكم إسرائيل"، يترجمها البعض "يُحاج إسرائيل"، فهو يُريد أن يدخل مع شعبه في حوارٍ لكي يؤكد لهم عطيته "حرية الإرادة"، ولكي يتطلعوا إلى وصيته المقدسة لا كأمرٍ صادرٍ يستصعبونه، بل كعمل محبة يصدر من أبٍ سماويٍ نحو أولاده المحبوبين لديه. * في حالات كثيرة في الأسفار المقدسة ترى هذه الصورة، التي هي مدهشة جدًا وتليق بمحبة الله الحانية. إنه يعلن صلاحه الذي لا يُوصف بإظهار نفسه أنه يود أن يدخل مع البشرية في محاكمة بطريقة مدهشة. القديس يوحنا الذهبي الفم * هكذا إنَّه يُحاكمهم، لكن اسمعوا ما تلى ذلك فيما يخص المؤمنين "يعود يرحمنا" (مي 7: 19)... يقول الكتاب: "طوبى للحزانى فإنَّهم يتعزَّون" (مت 5: 5). وفي موضع آخر الكلمات: "الذي يؤمن بيّ لا يُدان، بل ينتقل من الموت إلى الحياة، ومن لا يؤمن يُدان". كاسيدورس يَا شَعْبِي مَاذَا صَنَعْتُ بِكَ؟ وَبِمَاذَا أَضْجَرْتُكَ؟ اشْهَدْ عَلَيَّ! [3] لم يصدر الله حكمه ضد شعبه مع أنه الديان القدير، لكنه يطلب أن يحاججهم. إنه يسألهم إن كان قد أساء إليهم في شيء. بماذا يبررون عدم أمانتهم له بالرغم من أمانته الفائقة نحوهم. لم يكن ممكنًا للشعب أن يجيب على هذا السؤال، لأن الله الكلي الحب والرحمة لم ولن يخطئ في حق الشعب، ولا في حق إنسانٍ ما، فهو صانع الخيرات الرحوم، وإن سمح بضيقٍ أو تأديب فلتزكيتنا أو توبتنا ورجوعنا إليه. إنه ليس بالسيد القاسي، بل هو أب محب. * أتريدون منِّي أن أحدِّثكم بنفس كلمات الله لإسرائيل الغليظ الرقبة والقاسي؟ "يا شعبي، ماذا صنعت بك؟ وبماذا أضررت بك؟ وبماذا أضجرتك؟" هذه اللغة بالحق أكثر مناسبة أن أوجهها منِّي إليكم يا من أسأتم إليَّ. إنَّه لأمر محزن أن نتصيَّد الفرص ضدّ بعضنا البعض، ونحطِّم شركة الروح التي لنا باختلافات الرأي، فصار الواحد. أكثر وحشيَّة وعنفًا، الواحد ضدّ الآخر من البرابرة الذي يحاربوننا الآن، وقد ارتبطوا معًا ضدَّنا بالثالوث الذي قسمناه... صرنا في حرب، الواحد ضدّ الآخر، بل وضدّ الذين من أهل البيت الواحد. أو إن أردتمّ نحن أعضاء الجسم الواحد نهلك ونُهلك الواحد الآخر. القديس غريغوريوس النزينزي القديس يوحنا ذهبي الفم إِنِّي أَصْعَدْتُكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَفَكَكْتُكَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَرْسَلْتُ أَمَامَكَ مُوسَى وَهَارُونَ وَمَرْيَمَ. [4] إذ صمت الشعب لعجزهم عن الإجابة، استعرض الله معاملات حبه نحوهم منذ كانوا مستعبدين في مصر، وكيف أرسل لهم قادة مسنودين بنعمته: موسى العظيم في الأنبياء، وهرون أول رئيس للكهنة، ومريم قائدة النساء لخلق جوٍ من الفرح بالتسبيح. يَا شَعْبِي اذْكُرْ بِمَاذَا تَآمَرَ بَالاَقُ مَلِكُ مُوآبَ، وَبِمَاذَا أَجَابَهُ بَلْعَامُ بْنُ بَعُورَ -مِنْ شِطِّيمَ إِلَى الْجِلْجَالِ- لِتَعْرِفَ إِجَادَةَ الرَّبِّ. [5] استمرت رعاية الله لشعبه في البرية، وكيف حفظهم من مؤامرات بالاق ملك موآب حتى يعبروا ويدخلوا أرض الموعد. إنه أمين على الدوام. أورد موسى النبي قصة بالاق وبلعام في سفر العدد (ص 22-24) شطيم: هي الموضع الذي ضرب فيه بنو إسرائيل خيامهم على الضفة الشرقية من نهر الأردن قبل عبورهم النهر للدخول إلى أرض الموعد (يش 2: 1). هناك تلقى الشعب الكثير من الوصايا والوعود الإلهية. أما الجلجال فكان أول موضع خيم فيه الشعب بعد عبورهم الأردن (يش 5: 3-3). هناك حدد الشعب عهده مع الله (يش 5: 3-9). يرى القديس أمبروسيوس أن الله يُقدِّم لنا نفسه مثالًا نتعلَّم منه، حتى وهو يوبِّخ شعبه يذكِّرهم باهتمامه بهم حين كانوا في ضيقة تحت العبوديَّة في بلد غريب مثقَّلين بأحمالٍ ثقيلةٍ. بِمَ أَتَقَدَّمُ إِلَى الرَّبِّ، وَأَنْحَنِي لِلإِلَهِ الْعَلِيِّ؟ هَلْ أَتَقَدَّمُ بِمُحْرَقَاتٍ بِعُجُولٍ أَبْنَاءِ سَنَةٍ؟ [6] ظن اليهود أنهم قادرون على استرضاء الله بكثرة الذبائح دون ممارستهم للحياة الروحية في سلوكهم اليومي. وكأن ما يشغل الله هو التقدمات والذبائح التي تُقدم إليه في هيكله، ولم يدركوا أن الله يطلب الإنسان نفسه: "يا ابني اعطني قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقي". الله يريد أن يهيئنا للتمتع بشركة الأمجاد الأبدية. يريدنا الله أن نقدم ذبائح عقلية حيَّة مرضية (رو 12: 1-2). ذبائح حب قلبية، فنرد له الحب بالحب! هَلْ يُسَرُّ الرَّبُّ بِأُلُوفِ الْكِبَاشِ بِرَبَوَاتِ أَنْهَارِ زَيْتٍ؟ هَلْ أُعْطِي بِكْرِي عَنْ مَعْصِيَتِي ثَمَرَةَ جَسَدِي عَنْ خَطِيَّةِ نَفْسِي؟ [7] جاءت إجابة إسرائيل الأولى على شكل ثلاثة أسئلة: هل يسر الله أولًا بتقديم ذبائح العجول العادية؟ وثانيًا يضاعف من الذبائح والتقدمات فيذبح ألوف الكباش ويقدم ربوات أنهار زيت؟ وثالثًا هل يقدم ذبائح غير عادية، ولو أدت إلى تقديم بكورهم (من الأبناء) ذبائح الأمر الذي تحرِّمه الشريعة (تث 12: 29-31؛ 2 مل 3: 27؛ قض 11: 30-40)؟ فقد تسللت ذبيحة الابن البكر إلى إسرائيل مع غيرها من الممارسات الوثنية الخاطئة. واضح أن الخاطي -مهما جذبته الخطية- فإنه يشعر بفراغٍ شديدٍ في أعماق نفسه، يُريد أن يملأ هذا الفراغ باسترضاء الله، ولو قدم كل ما يملكه، وأثمن ما لديه: أبناءه! لكن الحاجة إلى تقديس القلب والفكر والسلوك العملي في الرب! * لا يُصالح الله ولا تُغفر الخطايا بربوات الماعز وآلاف الكباش أو بثمار عدم القداسة، إنَّما نعمة الرب تُرى الحياة الصالحة. القديس أمبروسيوس القدِّيس إكليمنضس السكندري ثيؤدورت أسقف قورش قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلَهِكَ. [8] ظن إسرائيل أنه يرضي الله بالذبائح الحيوانية وكثرة التقدمات حتى ولو إلى تقديم ذبائح بشرية، فقام النبي يصحح مفاهيمهم بأن ينقلهم من الانشغال بالذبائح الحيوانية مع ممارستهم للظلم إلى ممارسة الحب العملي والسلوك بتواضعٍ مع الرب. إذ كان الله يهيئ ذهن شعبه لقبول الأمم في الإيمان جاءت الإجابة عامة لأي إنسان في العالم: "قد أخبرك أيها الإنسان" ولم يقل "يا إسرائيل". فالرسالة موجهة للجميع. * الآن، انه من واجبنا أن نحيا الحياة الفاضلة، والله يسألنا هذا ولا نتواكل عليه أو على آخر، ولما كما يظن البعض أن نتكل على المصير القدري، إنما هو من عملنا كما يبرهن بذلك قول النبي ميخا: "قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب ألاَّ أن تصنع الحق وتحب الرحمة" (مي 6: 8). العلامة أوريجينوس * من هو غبي هكذا فيظن أن الله في حاجة إلى ما يُقدمِ له لاستعماله الخاص؟ في مواضع كثيرة يُسَفِّه هذه الفكرة. لكي لا تقلقوا يكفي ان أقتبس هذا القول المختصر من المزمور: "قلت للرب: أنت ألهي، لا تحتاج إلى صلاحي" (مز 26: 2). يليق بنا أن نؤمن بأن الله ليس في حاجة ليس فقط إلى قطيع أو أي أمر أرضي مادي، بل ولا إلى بٌر الإنسان، وأن أية عبادة مستقيمة تقدم لله ليست لنفعه بل لنفع الإنسان. فإنه لا يقول إنسان إن ينبوعًا ينتفع بشربه منه، ولا النور برؤيته له. في الواقع أن الكنيسة القديمة قدمت ذبائح حيوانية هذه التي يقرأ عنها شعب الله الحاضر الآن دون أن يتمثل بهم، فإن هذه الذبائح لا تعني شيئًا سوى أنها تُشير إلى ما نفعله من أجل الالتصاق بالله وحث قريبنا على ذلك. فالذبيحة هي سٌر منظور أو علامة مقدسة لذبيحة غير منظورة. * إنَّك تسأل: ماذا ينبغي ليّ أن أقدِّم؟ قدِّم نفسك. فإنَّه ماذا يطلب الرب منك إلاَّ أنت؟ فإنَّه لم يخلق شيئًا من بين الخلائق الأرضيَّة ما هو أفضل منك. إنَّه يطلب منك نفسك من نفسك. القديس أغسطينوس * "الله صالح ولطيف للغاية". إنَّه رحوم ورءوف وغني في الرحمة (مز 145: 8). إنَّه لا يشاء موت الشرير مثل أن يتوب (حز 18: 23). إنَّه مخلِّص كل الشعب، خاصة المؤمنين (1 تي 4: 10). لهذا يليق بأبناء الله أيضًا أن يكونوا رحومين (مت 5: 7) وصانعي سلام (مت 5: 9)، يسامح الواحد الآخر كما غفر لنا المسيح (كو 3: 13)، لا ندين لئلاَّ نُدان (مت 7: 1)، فإن الإنسان يثبت أو يسقط لله فمن أنت يا من تدين عبد آخر؟ (رو 14: 14). العلامة ترتليان * لقد أُخبرت يا إنسان ما هو صالح، ماذا يطلبه الرب منك إلاَّ أن تفعل العدل، وتحب الرحمة، وتستعد للسير مع ربَّك؟ لهذا يقول لكم الإنجيل: "قوموا ننطلق من هنا" (يو 14: 31)، بينما يقول لكم الناموس: "لتسيروا وراء الرب إلهكم". لقد تعلَّمتم طريقة الهروب من هنا - لماذا تتأخَّرون؟ القديس أمبروسيوس * إن كان الله نارًا، ونارًا آكله (تث 4: 24) فكل من يكون قشًا، كل من هو خشب يجري من النار لئلا يحترق. القديس جيروم * يقول: انسوا محرقاتكم وذبائحكم التي لا تُعدّ، وتقدمات بكوركم. إن كنتم مهتمِّين أن تسترضوا اللاهوت، فلتمارسوا ما أمركم به الله في البداية خلال موسى. ما هو هذا؟ أن يكون لكم حكم عادل وقرارات سليمة في كل الحالات، حيث تختارون ما هو أفضل لا ما هو أشرّ، حتى تستمرُّوا في الشهادة لكل إمكانية للحب والشعور بإخوة قريبكم، وأن تكونوا مستعدِّين لممارسة ما يُسرّ الله في كل طريقٍ. أنَّه يقصد: "حب الله بكل قلبك وكل فكرك وكل نفسك، وتحب قريبك كنفسك" (تث 6: 5؛ لا 19: 18)، ذلك كما قيل قديمًا بموسى. يقول: افعلوا هذا كأمر أفضل من الذبائح في عينيّ الله. ثيؤدور أسقف المصيصة * ما المنفعة إن امتنعت عن الطيور والأسماك وأنت تعض إخوتك وتفترسهم؟ فإن المتكلم الشرير يأكل جسد أخيه ويعض جسم قريبه. لهذا فإن بولس ينطق بقولٍ رهيبٍ: "فإذا كنتم تنشهون وتأكلون بعضكم بعضًا، فانظروا لئلا تفنوا بعضكم بعضًا" (غل 5: 15). إنك لا تثَّبت أسنانك في اللحم، لكنك تثَّبت الافتراء على النفس، وتسبب جرحًا هو ريب شرير؛ إنك تؤذي نفسك بآلاف الطرق، وتؤذي معك الآخرين. فإنك بقذفك على القريب تجعل من يستمع إلى قذفك يصير في حالة رديئة. فإن كان شريرًا تجعله لا يبالي بشره، إذ يجد له من يشاركه في الشر. وإن كان بارًا ترفعه إلى التشامخ والعجرفة حيث تظهر له خطايا الآخرين فيحسب في نفسه أنه شيء! القديس يوحنا الذهبي الفم |
|