رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أَعطِني يا ربّ أَنْ أَمشي دَربَكَ ﴿لا يَعلَمون ما يَفعَلون﴾ (لوقا 34:23) أَعْطيني يا ربِّ أَنْ أَمشي دَربَك! فَدَربُ الرّبِّ لَيْسَت سَهلَةً أو هَيّنة، إنَّما تَحتاجُ إلى كَثيرٍ منَ التَّضحيَةِ وَالبَذلِ، وَتَتطلَّبُ كَثيرًا مِنَ الجَلَدِ والجُهدِ والصَّبرِ وَطُولِ الأنَاة، أَمَامَ مَا يَعتَرينَا مِن شَدَائِدٍ وَمِحن. وَأَحيانًا أُخرى تَسأَلُنَا التّواضعَ والصَّمتَ وَبَثَّ الشّكوى إلى الله تَعالى، جرّاءَ ما يَقَعُ عَلينا مِن ظُلمٍ وَافتِراءٍ وَأذَى! وَلا يَكفي فَقَط أَنَّ دَربَ الخَلاصِ طَويلَةٌ وَشَاقَّة، بَل أنَّ الَّذي يُريدُ أنْ يَسلُكَها بِحَق، وَجَبَ عَلَيهِ أَن يحمِلَ عَلى مِثالِ مُعَلِّمِه، صَليبًا ثَقيلًا ومُرًّا، قَاسيًا وَمُؤلِمًا! لِذلك، كَثيرونَ هُم الّذينَ يَفْشَلونَ في اِتَّباعِ الْمَسيح وانْتِهاجِ وَصَاياه، وَهي بِالْمُنَاسَبَة مَسأَلَةٌ لَيسَت محصورةً فَقَط في مَعشَرِ الكَهَنَةِ والرّهبانِ والرّاهبات، إنّما تَشمَلُ كلَّ مَسيحي، في مَوقعِه وَحسبَ ظُروفِه، فَجَميعُنا مَدعوّون لِلتّلمَذة لِلمَسيح. وَها هي الجموعُ تَسيرُ مَع يسوع. ربّما البَعضُ كَانَ صَادِقًا في اتّباعِهِ لِلمَسيح، وَلكنَّ الخبرةَ تُعلّمُنا بِأنّ الجُمَوعَ مُتَقلِّبة، لا يُمكِنُ الوثوقُ التّامُّ بِها. فَتارَةً تتبعُ يسوعَ سَعيًا لحاجةٍ في نَفسِها، وَتلبيةً لِرغبةٍ مُعيّنة. وَتَارة تِرتدُّ عن السّيرِ مَعهُ وبكُلِّ وَقاحَة، كَمَا حدثَ في الفَصلِ السّادسِ مِن إنجيلِ يوحنّا، بَعدَ مَوعظَتِه عن خُبزِ الحياة، عِلْمًا بأنّها شَبِعَت وَانْتَفَعت، أَو نَجِدُها تَثورُ ضِدَّهُ خائِنًة تطلبُ صَلبَهُ وقَتلَه، هوَ الَّذي أَشفَقَ عَليها وَرَعاها، وَشَفَاهَا وَدَاوَها، وَأَطْعمَها وَغذّاها! وَلَكنَّهَا غَدَرَت بِه آَخرَ الأمر. وهذا يدلّ على أنَّ الخيرَ الّذي تَصنعُهُ، والطّيبةَ الّتي بِها تُقابِلُ النّاس، سُرعانَ مَا تُنْتَسَى وَتُنكَرُ عِندَ أَوّلِ مَوقِفِ خِلاف! وَمع ذَلِك يا أحبّة، كَما عَوَّدنا الْمسيحُ، نَراهُ يرفَعُ لأجلِ تِلكَ الجموع، صَلاةَ الغُفرَان، لِعِلْمِه بِجَهلِهم، إذ هُم: ﴿لا يَعلَمون ما يَفعَلون﴾ (لوقا 34:23). وتظلُّ هَذهِ حالُ كَثيرين يَجهلونَ الْمسيحَ، وَإنْ اصْطَبغوا بماءِ الْمَعموديّة. فالنّعمةُ تحتاجُ لِطرفين: طَرَفٌ يُرسِل هو الله، وَطرفٌ يَستقبِلُ هو الإنسانُ ثمّ يَتَفَاعَل. وللأسف لا يزالُ كثيرون في وَضعيّةِ حِيادٍ ولا مُبالاة! أيّها الأحبّة، إنَّ الجموعَ وإن لَم تَكُن دَومًا صادِقةً في سَببِ اتّباعِها لِيَسوع، إلّا أنَّهُ كان صادِقا وصريحًا، شَفّافًا ومُباشِرًا. فالسّيرُ مع الْمَسيح يَعني التّنازُلَ عن أُمورٍ وَحَاجَاتٍ كَثيرة، وَالتّخلّي عِن طِباعٍ وردّاتِ فِعل. اِتّبَاعُهُ يَعني أن تَرغبَ في الْمسيحِ فَوقَ كلِّ الأشخاص، وَحتّى عَن نَفسِكَ أيضًا! هذا هو الْمَعنى الحقيقي لِلتّلميذِ الصَّادِق. أَمَّا أن تكونَ مَسيحيًّا اِسمًا فَقط، وممارَسَةً طَقسيّةً أُسبوعيّة كانَت أم سَنويّة، وَلكنَّ رَدّاتِ فِعلِك قَبَليّة إِنسانيّة، ورغباتُك مَاديّة دُنيويّة، فَأَنت في وادٍ والْمسيحُ فوقَ الجَبل، وَتَفصِلُك دُهورٌ عن الوصولِ إليه، وربّما لَن تَصِلَ أبدًا، لِتجِدَ نفسَك عندَ نهايةِ العُمرِ، في قَعرِ الوادِ تَقبَعُ دائمًا سَرمَدًا! وَممّا يَبعَثُ على الأسَف، أَن نَرى سوءَ الاستخدامِ لاسمِ يسوع، أَو سوءَ الْمُمارساتِ باسمِ الدّين واستغلالِ الْموقِع، لِلأخذِ والانتِفاعِ الشَّخصي والخاص، وَليسَ لأجلِ الخِدمَةِ والصّالِحِ العَام وَخيرِ الجميع. التّلمَذَةُ لِلمَسيحِ لَيسَت انْتِفَاعًا إنّما نَفْعًا، لَيسَت اِستِفادَةً إنّما إفادَة، لَيست أخذًا إنّما عَطاء، لَيست اسْتحواذًا أو احتِكارًا، إنّما مُشارَكةً وَمُقَاسَمَة. ذلِكَ أنَّ الْمَسيحَ أَتَى لأجلِ خَلاصِ الجَميع، وَليسَ لخلاصِ العَشيرةِ أو القَبيلَةِ أو الطّائِفةِ أو الْمَنطِقة. لِذلِك، لا تَزالُ أشواطٌ كَثيرةٌ تَفصِلُنا عَن فِكرِ الْمَسيحِ الحُرِّ والعامِ والْمُنفتِح، أَمامَ فَكرٍ مُقَيّدٍ ومُنغَلِقٍ ومَحصور! ﴿مَن أَتى إليَّ، وَلَم يَرغَب عَن نفسِه أيضًا، لا يَستطيعُ أن يكونَ لي تِلميذًا﴾ (لوقا 26:14). محبّةُ الْمسيحِ للأقوياءِ فَقط، لأصحابِ العَزيمةِ وَالإرادة! لِلّذين يَتَّكِلونَ عَلَيهِ بِصَدق، لِلّذينَ يَستَطيعونَ التَّضحيَة، لِلّذينَ يُفَوّضونَ أَمرَهم لله، وَيُلقونَ عَلَيهِ جميع هَمِّهم، وَيُدرِكونَ أَنّه يُعنَى بِهم! لِلّذينَ لا يركِنونَ إلى مالٍ يُكَدِّسونَهُ، وَثَروةٍ يَجمَعونَها، ومُلْكٍ يَبْنونَه أو يَرِثونَه. محبّةُ الْمَسيحِ للبُسطاءِ والواثِقين، للأحرارِ مِن كُلِّ قَيدٍ زَمَني بائِد، وَشَهوةٍ مَادّية فَانيَة، وَرغبَةٍ حِسّيةٍ زائِلة. التّلمَذةُ لِلمَسيحِ كالطّلبةِ في الفَصلِ الدّراسي، جميعُهم يأتونَ إلى الصَّفِّ وَيتلقّونَ الدّروس، وعند نهايةِ العام جميعُهم يَتَقَدّمونَ من الامتِحَان. وَحينَها هُناكَ مَن يَنجَح وَيَتَفَوّق، وَهُناك مَن يَفشَل وَيَسقُط! وأحيانًا يكونُ الفشلُ ذريعًا وأبديًّا، حيثُ لا مجال لِدورةٍ تَكميليّة للرّاسبين والْمُخفِقين! قَد تَسيرُ مَع شَخَص وَأنتَ مُكْرَهٌ مُجبَرٌ على ذلِك. وقَد تَسيرُ مَعَهُ سَعيًا لِنَيلِ حَاجةٍ مِنهُ. وَقَد تَسيرُ مَعَهُ لأنّك تُحبّهُ وتحبُّ السّيرَ بِرفقَتِهِ، وَالإصغاءَ إلى ما يقول ورؤيةَ ما يفعل. يا تُرى، لِماذا أسيرُ مع الْمسيح؟ لأجلِ مَصلَحَةٍ وَغَاية؟ مُجبرٌ مِن أَهلي وَبِيئتي وعاداتي الْموروثة؟ عِلْمًا بأنّ الأهلَ قَد فَقدوا كثيرًا مِن قوّةِ الضّغط الّتي كانَ يَمْتَلِكُها أَهلُنا في الْماضي؟ أَم فِعلًا لأنّي أُحبُّ الْمسيح، وأرغبُ فيهِ فَوقَ كلِّ شيءٍ وشخص؟ غايتي القُصوَى ومُنْيتي فوقَ جميعِ الغاياتِ والأمنيات. عِندَما نَصِلُ لتلكَ الْمَرحَلَة نَكون وَقتَها قد بَلَغنَا التّلمذَةَ الحقيقيّةَ والصّادقةَ للْمسيح. |
|