سؤال :
تزعجنى جداً الآية التى تقول " كل خطية وتجديف يغفر للناس . وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس " " مت12: 31 " . وأحياناً أظن أننى وقعت فى خطية التجديف هذه فأقع فى اليأس . أرجو أن تشرح لى ما معنى التجديف على الروح القدس ؟ وكيف أنه لا مغفرة لها فى هذا الدهر الآتى ؟ وعدم المغفرة هذا ، كيف يتفق مع رحمة الله ومع وعوده الكثيرة ... ؟!
الجواب :
مخاوفك هذه هى محاربة من الشيطان ليوقعك فى اليأس . فاطمئن ... أما معنى التجديف على الروح ، والخطية التى بلا مغفرة ، فسأشرحه لك بمعرفة الرب ... ليس التجديف على الروح القدس هو عدم الإيمان بالروح القدس ولاهوتة وعمله ، وليس هو أن تشتم الروح القدس . فالملحدون إذا آمنوا ، يغفر الله لهم عدم إيمانهم القديم وسخريتهم بالله ورحه القدوس . كذلك كل الذين تبعوا مقدونيوس فى هرطقته وإنكاره لاهوت الروح القدس ، لما تابوا قبلتهم الكنيسة وأعطتهم الحل والمغفرة .
إذن ماهو التجديف على الروح القدس ؟ وكيف لا يغفر ؟
التجديف على الروح القدس ، هو الرفض الكامل الدائم لكل عمل للروح القدس فى القلب ، رفض يستمر مدى الحياة .
وطبعاً نتيجة لهذا الرفض ، لا يتوب الإنسان ، فلا يغفر الله له .
إن الله من حنانه يقبل كل توبة ويغفر . وهو الذى قال " من يقبل إلى ، لا أخرجه خارجاً " " يو6: 37 " . وصدق القديسون فى قولهم :
لا توجد خطية بلا مغفرة ، إلا التى بلا توبة .
فإذا مات الإنسان فى خطاياه ، بلا توبة ، حينئذ يهلك ، حسب قول الرب " إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون " " لو13: 5" .
إذن عدم التوبة حتى الموت ، هى الخطية الوحيدة التى بلا مغفرة . فإن كان الأمر هكذا ، يواجهنا هذا السؤال :
ما علاقة عدم التوبة بالتجديف على الروح القدس ؟
القديس هو الذى يبكت الإنسان على الخطية " يو16: 8 " . وهو الذى يقوده فى الحياة الروحية ويشجعه عليها . وهو القوة التى تساعد على كل عمل صالح ...
ولا يستطيع أحد أن يعمل عملاً روحياً ، بدون شركة الروح القدس .
فإن رفض شركة الروح القدس " 2كو 13: 14 " ، لا يمكن أن يعمل خيراً على الإطلاق . لأن كل أعمال البر ، وضعها الرسول تحت عنوان " ثمر الروح " " غل 5: 22 " . والذى بلا ثمر على الإطلاق ، يقطع ويلقي فى النار كما قال الكتاب " مت 3: 10 " ، " يو 15 : 4، 6 " .
الذى يرفض الروح إذن : لا يتوب ، ولا يأتى بثمر روحى ...
فإن كان رفضه للروح ، رفضاَ كاملاً مدى الحياة ، فمعنى ذلك أنه سيقضى حياته كلها بلا توبة ، وبلا أعمال بر ، وبلا ثمر الروح . وطبيعي أنه سيهلك .
وهذه الحالة هى التجديف على الروح القدس .
إنها ليست إن الإنسان يحزن الروح " أف 4: 30 " ، ولا أن يطفئ الروح " 1تس 5: 19 " ، ولا أن يقاوم الروح " أع 7 : 51 " ، إنما هى رفض كامل دائم للروح . فلا يتوب ، ولا يكون له ثمر فى حياة البر .
وهنا يواجهنا سؤال يقوله البعض ، ويحتاج إلى إجابة :
ماذا إن رفض الإنسان كل عمل للروح ، ثم عاد وقبله وتاب ؟
نقول إن توبته وقبوله للروح ، ولو فى أخر العمر ، يدلان على أن روح الله مازال يعمل فيه ، ويقتاده للتوبة . إذن لم يكن رفضه للروح رفضاً كاملاً دائماً مدى الحياة . فحالة كهذه ليست هى تجديفاً على الروح القدس ، حسب التعريف الذى ذكرناه .
إن الوقوع فى خطية لا تغفر ، عبارة عن حرب من حروب الشيطان .
لكى يوقع الإنسان فى اليأس ، ويهلكه باليأس . ولكى يوقعه فى الكآبة التى لا تساعجه على أي عمل روحى .
أما صاحب السؤال فأقول له : مجرد سؤالك يدل على اهتمامك بمصيرك الأبدى .
وهذا من عمل الروح فيك . إذن ليست هذه حالة تجديف على الروح .
بقي أن نجيب على الجزء الأخير من السؤال :
هل تتفق عدم المغفرة ، مع مراحم الله ؟
أقول إن الله مستعد دائماً أن يغفر ، ولا يوجد شئ ينمع مغفرته مطلقاً . ولكن المهم أن يتوب الإنسان ليستحق المغفرة ...
فإن رفض الإنسان التوبة . فإن رفض الإنسان أن يتوب مدى الحياة ، ورفض كل عمل للروح فيه إلى ساعه موته ، يكون هو السبب فى هلاك نفسه ، وليس الله الرحوم هو السبب ، تبارك إسمه ...
من كتاب سنوات مع أسئلة الناس الجزء الأول
لقداسة البابا المعظم الأنبا شنوده الثالث