رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الراهب القمص بطرس البراموسي
ما بين الروح والجسد الكثير منَّا يكون اهتمامه الأول وشغله الشاغل هو (الجسد)، وكل متطلباته واحتياجاته.. يغذي الجسد ويربيه، ويهتم به، ويهتم بالحالة الصحية، والمظهر العام... وغيره. وفي وسط المشغولية ننسي الروح.. تبدأ المعادلة العكسية في الوضوح.. الجسد يقوى ويقوى.. والروح تضعف وتضعف. الجسد يزدهر والروح تذبل. الجسد يكون صحيحًا.. والروح تصبح مريضة.. ويصبح كل اهتمامنا بالجسد وتُهمَل الروح نهائيًا. في حين أننا نجد مُعلِّمنا بولس الرسول يتكلم كلامًا صريحًا عن الروح والجسد فيقول: * "فإنَّكُمْ إنَّما دُعيتُمْ للحُريَّةِ أيُّها الإخوَةُ. غَيرَ أنَّهُ لا تُصَيروا الحُريَّةَ فُرصَةً للجَسَدِ، بل بالمَحَبَّةِ اخدِموا بَعضُكُمْ بَعضًا" (غل5: 13). * ثم يقول أيضًا: "وإنَّما أقولُ: اسلُكوا بالرّوحِ فلا تُكَملوا شَهوةَ الجَسَدِ. لأنَّ الجَسَدَ يَشتَهي ضِدَّ الرّوحِ والرّوحُ ضِدَّ الجَسَدِ، وهذانِ يُقاوِمُ أحَدُهُما الآخَرَ، حتَّى تفعَلونَ ما لا تُريدونَ" (غل5: 16-17). دائمًا الجسد يشتهي ضد الروح.. خذوا مثلًا: الصوم حينما يأتي علينا وقت الصوم.. نجد الجسد يشتكي باستمرار.. وإذا كنَّا لم نستطيع أن نلّجمه من قبل.. يشتكي ويعترض على الصوم.. ويبدأ الجسد بأعراض الضعف والهزل وعدم التركيز!! وذلك لأنه لا يريد أن يصوم.. لا يريد أي ممارسات روحية.. يهمه الأكل الكثير.. فهو في صراع مع الروح.. يريد أن يقوى على الروح لأنه إذا قويت الروح فسوف تقوده وهو لا يريد ذلك. نجد الإنسان يعترض على الصوم ويقول إن أصوامنا كثيرة جدًا.. هذه الأصوام سوف تضعف جسدنا.. سوف لا يقدر على تأدية رسالته.. أنا محتاج أن يكون جسدي قوي لكي أستطيع أن أحيا وأتحرك وأمارس كل متطلبات الحياة. هذه هي النظرة البشرية العادية التي تشفق على الجسد!! ولكن الإنسان الذي يسلك حسب الروح لا يهمه الجسد.. هذا الجسد هو صورة لكي نعيش بها فترة على الأرض، وهذه الفترة يكون هدفنا هو نمو الروح، لكي نصل للعِشرة مع الله، ونعمل أعمال تزكيتنا للملكوت.. وليس أن يصبح بالنسبة لنا معطل أساسي للروح وللحياة الروحية كلها. إذا اهتممنا بالجسد بطريقة زائدة عن المطلوب.. فسوف تضعف الروح، ونصبح أناسًا جسدانيين لا روح لهم.. فمُعلِّمنا بولس الرسول تيقظ لهذه النقطة وقال: St-T * "أقمَعُ جَسَدي وأستَعبِدُهُ، حتَّى بَعدَ ما كرَزتُ للآخَرينَ لا أصيرُ أنا نَفسي مَرفوضًا" (1كو9: 27). وعاد وقال لنا أيضًا في رسالة غلاطية: * "وأعمالُ الجَسَدِ ظاهِرَةٌ، التي هي: زِنىً، عَهارَةٌ، نَجاسَةٌ، دَعارَةٌ، عِبادَةُ الأوثانِ، سِحرٌ، عَداوَةٌ، خِصامٌ، غَيرَةٌ، سخَطٌ، تحَزُّبٌ، شِقاقٌ، بدعَةٌ، حَسَدٌ، قَتلٌ، سُكرٌ، بَطَرٌ، وأمثالُ هذِهِ التي أسبِقُ فأقولُ لكُمْ عنها كما سبَقتُ فقُلتُ أيضًا: إنَّ الذينَ يَفعَلونَ مِثلَ هذِهِ لا يَرِثونَ ملكوتَ اللهِ" (غل5: 19-21). نلاحظ أن مُعلِّمنا بولس الرسول ذكر لنا ستة عشر عمل (خطية) من أعمال الجسد.. وقال: "وأمثال هذه".. أي أن أعمال مسيئة للجسد أخرى يعملها الجسد. من منَّا مستيقظ لهذه الخطايا؟ وهل كل منَّا يحرص أن تكون روحه هي التي تقود جسده.. أم العكس؟ إذا كان العكس.. فسوف نجني ثمرة مُرّة.. وهي أعمال الجسد هذه التي سوف تبعدنا عن الله وعن العِشرة معه لأنه (لا يجتمع النور مع الظلمة). إن تقييمنا للروح هو الذي يُحدد طريقنا في الحياة.. "لأنَّ الجَسَدَ يَشتَهي ضِدَّ الرّوحِ والرّوحُ ضِدَّ الجَسَدِ، وهذانِ يُقاوِمُ أحَدُهُما الآخَرَ" (غل5: 17) من منَّا يريد أن يحيا في سلاسل الجسد وظلمة الحياة، ولا يريد أن يسلك في النور؟ نحن كلنا نتفق في مبدأ أن: "إذا قوي الجسد ضعفت الروح".. فماذا يكون اهتمامنا بالجسد؟ هو الاهتمام الأول (كيف يأكل.. كيف يشرب.. كيف يعالج.. كيف يلبس....)، نوفي له كل رغباته، وكأنه شخص آخر يقف أمامنا، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. ودائمًا يطالب بجميع حقوقه ونحن لا نملك إلاَّ أن نقول في كل طلب: "حاضر سوف أوفيك إياه.. إنني لا أستطيع أن أمنع عنك أي طلب تطلبه". إذا وصلنا إلى هذه المرحلة.. فسوف نحيا كجسديين وليس كروحين. تعالوا بنا نسمع مُعلِّمنا بولس الرسول وهو يقول لنا: * "اسلُكوا بالرّوحِ فلا تُكَمّلوا شَهوةَ الجَسَدِ" (غل5: 16). * "ولكن الذينَ هُم للمَسيحِ قد صَلَبوا الجَسَدَ مع الأهواءِ والشَّهَواتِ" (غل5: 24). * "إنْ كُنّا نَعيشُ بالرّوحِ، فلنَسلُكْ أيضًا بحَسَبِ الرّوحِ" (غل5: 25). * "لأنَّ مَنْ يَزرَعُ لجَسَدِهِ فمِنَ الجَسَدِ يَحصُدُ فسادًا، ومَنْ يَزرَعُ للرّوحِ فمِنَ الرّوحِ يَحصُدُ حياةً أبديَّةً" (غل 6: 8). هيا بنا نراجع أنفسنا جميعًا.. * مَنْ الذي يغلب علينا: الروح أم الجسد؟! * كيف نحيا حياتنا الحالية على الأرض؟ * هل نعيش حسب الروح أم حسب الجسد؟ ليتنا جميعًا نسلك بالروح فلا نكمل شهوة الجسد.. نعيش في حياة روحية.. نتمتع بالسيد المسيح.. نمارس الممارسات الروحية عن حب وليس عن تغصب.. يصبح فكرنا روحي وليس جسدي.. ولا يتحول خوفنا على جسدنا أن يأتي وقت يقف الجسد ومتطلباته ضد الروح ويعطلها.. إلى أن نصل إلى أن نهمل الروح ويقوى الجسد بكل ممارسة الخاطئة. ربنا يعطينا جميعًا أن نحيا حسب الروح وليس حسب الجسد.. ولإلهنا كل المجد والإكرام في كنيسته المقدسة.. من الآن وإلى الأبد آمين. |
|