التقيت مع شاب مراهق أصرّ أن يضع الكتاب المقدس على الأرض ويطأ عليه بقدمه أمام زملائه، ولما حاول زملاؤه المسيحيون التفاهم معه بصق على أيقونة السيد المسيح والعذراء مريم، مطالبًا إياهم أن يثبتوا له وجود الله. في جلسة هادئة مملوءة حبًا لم تزد عن دقائق أدرك الشاب أنه فعل هذا كله ليس عن جحد للإيمان وإنما كان أسير مشاعره الخفية الخاطئة، فهو ابن وحيد لوالدين شيخين، في حبهما الشديد له حطماه نفسيًا، إذ أراد أن يجعلاه أداة طيعة تتحرك حسب هواهما، متجاهلين إنسانيته وإرادته وشخصيته، لقد أحس الشاب بفقدانه لكيانه في البيت. وقد أثر ذلك على قدرته في تكوين صداقات مع زملائه، حاول علاج ذلك بالثورة على القيم الروحية والاجتماعية، حاسبًا أنه بتصرفاته الشاذة يستطيع أن يركز الأنظار عليه ويتسلم مركزًا قياديًا وسط زملائه. لكنه إذ وضع يده على جراحات نفسه الخفية بكى وعاد برجاءٍ إلى الله محب البشر.
هذه الصورة تتكرر بطرق متنوعة ودرجات مختلفة، تحتاج في معالجتها إلى حكمة الروح من جانبنا، وإلى تفهُّم الشباب للنفس الداخلية، ليدركوا أن الحياة الاجتماعية بقيمها، والروحية بإمكانياتها هما سند لشخصياتهم ولنموهم وليس سجنًا يحطم نفوسهم ويقيّد أفكارهم وحريتهم...