نياحتها:
إذ بلغت من العمر السادسة والخمسين دعاها السيد المسيح لتنطلق من الأتعاب إلى الفردوس بعد أن تعرضت للمرض. كانت في مرضها الأخير تردد المزامير بلا انقطاع، والتهب شوقها لملاقاة الله، والتمتع بالحياة السماوية، وإذ ضعف جسدها جدًا جدًا ولم تقدر على النطق صارت ترشم شفتيها بعلامة الصليب حتى رقدت في 26 يناير سنة 404م بين دموع ابنتها أستوخيوم.
القديسة بليسيلا
ابنة القديسة باولا وأخت أوستخيوم، ترمّلت بليسلا بعد سبعة أشهر من زواجها، وإذ أُصيبت بحمى شديدة التهب قلبها بمحبة الله. حوّل القديس جيروم آلامها إلى رجاء في الرب، فأعلنت تكريسها للرب بقوة، حتى إذ وهبها الرب الشفاء بطريقة فائقة وسريعة صارت تمارس الحياة النسكية بجدية، وكانت تدرس العبرية ربما لتساعد أباها الروحي في الترجمة. بعد حوالي ثلاثة أشهر من تحولها انطلقت القديسة بليسيلا إلى الفردوس في 22 يناير عام 383، وكانت قد بلغت العشرين من عمرها. كتب القديس جيروم رسالته 39 لأمها باولا يعزيها.
دفاع القديس جيروم عن سلوكها النسكي:
قوبلت حياتها بمعارضة شديدة من أقاربها وأصدقائها فكتب القديس جيروم في رسائله دفاعًا عن اختيارها هذه الحياة كما مدحها كثيرًا، خاصةً في رسالتيه 38، 39. عندما جُرِّب إبراهيم بذبح ابنه لم تكن التجربة إلا لتقوية إيمانه (تك 22). جاءها الرب يسوع في مرضها وأمسك بيدها فقامت، وصارت تخدمه (مر1: 30،31). كانت حياتها قبلاً تحمل سمة الإهمال، مقيدة برباطات الغنى، ترقد كميتٍ في قبر العالم، لكن يسوع وقد غضب واضطرب بالروح (يو11: 38) صرخ، قائلاً: "بلاسيلا، هلم خارجًا". بدعوته قامت وجاءت لتأكل معه. كان اليهود يهددونها في غضبهم انهم يطلبون قتلها لأن المسيح أقامها (يو12: 10)، أما الرسل فيعطون المجد لله. بلاسيلا تعلم أنها مدينة بحياتها لذاك الذي ردّ لها الحياة. رسالة تعزية لأمها باولا كوني في سلام أيتها العزيزة بلاسيلا بتأكيد كامل أن ثوبك أبيض على الدوام، بسبب نقاوة بتوليتك الدائمة. ما هذا؟ إني أرغب في ضبط بكاء الأم بينما أنا نفسي أتنهد. لا أخفي مشاعري، فإن هذه الرسالة كلها كُتبت بالدموع. يسوع نفسه بكى، لأنه كان يحب لعازر (يو11: 35،36). أيتها العزيزة باولا آلامي عظيمة كآلامك، يسوع يعلم ذلك، ذاك الذي تتبعه بلاسيلا، والملائكة تعرف ذلك، هؤلاء الذين تشاركهم بلاسيلا صحبتهم، كنتُ أباها الروحي، بالحب كنت أتبناها. يليق بنا أن نهنيء بلاسيلا أنها عبرت من الظلمة إلى النور (أف5: 8). وفي فجر إيمانها، في أول حياتها نالت اكليل العمل الكامل. بمراحم المسيح جددت خلال الأربعة شهور الماضية معموديتها خلال نذرها للترمل، فقد جحدت العالم ولم تفكر إلا في الحياة التقوية. ألا تخافي لئلا يقول لك المخلص: "أتغضبين يا بولا لأن ابنتك صارت ابنتي؟ هل تثورين على قراري، وبدموع مملوءة ثورة تتضايقين لأني اقتنيت بلاسيلا؟" إني أعذر دموعك كأم، لكنني أسألك أن تضبطي حزنك. عندما أفكر في الوالدية لا أقدر أن ألوم بكاءك، لكنني إذ أفكر فيكِ كمسيحية وناسكة تختفي الأم من نظري. جرحك لايزال مفتوحًا، وأية لمسة مني، مهما كانت لطيفة، تلهبه أكثر منه تشفيه.
القديسة يوستوكيوم
تلميذة مُفَضَّلة للقديس جيروم:
كانت هذه العذراء المكرسة EUSTOCHIUM إحدى بنات القديسة باولا St. Paula صديقة القديس جيروم. وفي سنة 385م رافقت أمها الأرملة لتعيش بجوار القديس في بيت لحم . ولمدة أكثر من خمسة وثلاثين عامًا ظلت يوستوخيوم تلميذة مُفَضَّلة للقديس في الحياة الروحية وفي التعلم، فقد تعلمت اليونانية والعبرية وساعدته في أعماله الكتابية.
نياحتها:
عند نياحة القديسة باولا سنة 404م، تَوَلَّت يوستوخيوم مسئولية جماعة المكرسات والأرامل في بيت لحم، وكانت هي الرئيسة المسئولة حين أغار على منزلهم جماعة من الغوغاء فنهبوا المنزل وأحرقوه، فلم تحتمل القديسة شدة الصدمة وتنيّحت بعدها مباشرة وذلك حوالي سنة 419م. وقد كتب القديس جيروم عن وفاتها المفاجئة. وتعتبر رسائل القديس جيروم المصدر الرئيسي لمعرفة سيرتها، كانت أطولها موجهة إليها حين كانت في السادسة عشر من عمرها، وتعتبر وثيقة في تاريخ المبادئ الرهبانية. يقول عنها أيضًا القديس جيروم أنها كانت امرأة ذات روح كبيرة في جسد ضعيف، ويسند الفضل في كتابة الكثير من تفسيرات الكتاب المقدس إلى تشجيعها له.
القديس باماخيوس
ولد القديس باماخيوس t. حوالي سنة 340م، من عائلة رومانية عريقة "أسرة فيوريFurii "، من أحد الأشراف. ارتبط بصداقة قوية مع القديس جيروم "إيرونيموس" إذ درسا معًا وصار معينًا له، حتى أن الأخير قدم الكثير من أعماله باسمه، مثل تفسيره بعض أسفار الأنبياء الصغار (حوالي عام 406م)، وتفسير دانيال (حوالي عام 407). في عام 385 تزوج بالفتاة بولينا Paulina الابنة الثانية للقديسة باولا Paula من أعظم صديقات وأصدقاء القديس. يبدو أنه كان إنسانًا متدينًا، وإذ نراه يشتكي للقديس سريكيوس Siricius أسقف روما من جوفينان Jovinian (راهب غير مستقيم الإيمان دانه هذا الأسقف بروما وأيضًا القديس إمبروسيوس بميلان إذ نادى بأنه لا فرق بين البتولية والزواج، وأن المكافأة واحدة في السماء بغض النظر عن الوضع الذي يعيشه الإنسان في العالم، كما شارك هلفيديوس في رفض دوام بتولية القديسة مريم، وقد كتب ضده القديسان جيروم وأغسطينوس). أرسل باماخيوس بعض نسخ كتابات الهراطقة إلى القديس جيروم، فأجابه الأخير بمقالٍ مستفيضٍ، لكن الأول لم يسترح لعنف القديس جيروم في رده عليه، ربما لأنه كان محبًا للطف والرقة من جانب، ولأنه رأى في كلمات القديس جيروم عند مدحه للبتولية انه أهدر قدسية الزواج. على أي الأحوال أسرع القديس وبعث عدة رسائل يوضح فيها وجهة نظره، مظهرًا أنه لن يمس قدسية الزواج، ولا ينجس العلاقة الزوجية وإن كان يمتدح البتولية؛ فإن كانت الأخيرة ذهبًا فالزواج يُحسب بالنسبة له فضة؛ يبدو أن باماخيوس استراح للإجابة.
مرة أخرى إذ قام الصراع المرّ بين جيروم وروفينوس بسبب أوريجينوس، بعد صداقتهما الطويلة منذ الصبا أعلن باماخيوس رفضه لهذا العنف في الحوار. على أي الأحوال إذ ماتت زوجته سنه 397 كتب إليه القديسان جيروم وبولينوس أسقف نولا يعزيانه ويسألانه تكريس حياته وتقديم كل إمكانيته لأعمال المحبة، إذ كتب الأخير إليه، يقول: "زوجتك الآن هي عربون لك وشفيع عنك لدى يسوع المسيح. إنها تنال عنك بركات كثيرة في السماوات، إذ توزع خزائنها هنا، فلا تُقدم الذكرى لها بدموع عقيمة وإنما بمشاركتك لها في أعمال الرحمة. إنها تُكرَّم بفضائلك، وتتقوَّت بالطعام الذي تقدمه أنت للفقراء".
كتب أيضًا القديس جيروم رسالة مشابهة يدعوه فيها للتكريس. قام باماخيوس بتوزيع الكثير من أمواله على الفقراء والمساكين ليمارس الحياة النسكية، حتى أن القديس جيروم كتب إليه يقول بأنه إن كانت قد رقدت بولينا فقد تمتعت الكنيسة بالراهب باماخيوس؛ بحسب ميلاده وزواجه هو شريف النسب والحسب، غني في العطاء، سامٍ في اتضاعه (رسالة 66). كما قال في نفس الرسالة أن ما ناله باماخيوس إنما هو ثمرة بولينا، فما اشتهت أن تراه وهي حية هنا تحقق بموتها. بتصرفه هذا دعاه بين الحكماء هو أحكمهم وأعظمهم وأكثرهم نبلاً، قائدًا للرهبان. بنى مع فابيولا فندقا (مستشفي) في منطقة Portus، يأوي الغرباء القادمين إلى روما، خاصة المرضى والفقراء. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ وأقوال الآباء). في حبه للكنيسة ووحدتها بروح الاتضاع قاوم الانشقاق الدوناتستي (جماعة ثائرة في شمال غرب أفريقيا وجدت لها بعض الأعوان في إيطاليا، تكفِّر الآخرين)، مطالبًا إياهم بالعودة إلى حضن الكنيسة، وقد كتب إليه القديس أغسطينوس أسقف هيبو رسالة يشكره فيها على هذا العمل الكنسي، عام 401م. حوّل باماخيوس بيته الذي في Coelian Hill إلى كنيسة، هذه التي أقيم في موقعها كنيسة القديسين جيوفاني وباولو (يوحنا وبولس) كما يرى البعض. تنيح عام 410م في أثناء هجوم الغوصيين والأرال Alaric لروما (يذكره الغرب في 30 أغسطس). قيل أنه سيم كاهنًا، لكن كثير من الدارسين يتشكّكون في ذلك.
من تجميعى