|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سمات العصر المسياني: 5 وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ. 6 فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. 7 وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا. 8 وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ. 9 لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. بعد أن تحدث عن عمل السيد المسيح استطرد ليتحدث عن العصر المسياني، مقدمًا لنا صورة حيَّة عنه أبرزها اتسام البشرية المؤمنة بالاتحاد معًا في جسد واحد، يحملون طبيعة الحب والسلام، فتختفي من حياتهم كل ثورة أو عنف أو حب لسفك الدماء والقتل أو التخريب والتدمير. يصوّر هذا العصر قائلًا: "فيسكن الذئب مع الخروف" [6]؛ لا يوجد تضاد أعظم من هذا، يسكن سافك الدم مع الحمل الوديع العاجز عن الدفاع عن نفسه. يعيش صاحب القلب الذئبي المحب للافتراس مع الإنسان الوديع كالحمل، يحملان طبيعة جديدة دستورها الحب والوفاق. لم يعد من كان ذئبًا يهدد الحمل، ولا الحمل يخشى من كان قبلًا من فئة الذئاب، إذ صار الكل قطيعًا واحدًا يحمل الخليقة الجديدة التي في المسيح يسوع. "ويربض النمر مع الجدي" [6]. الأول حيوان يترقب الفريسة ليُهاجمها غدرًا والثاني يلهو بلا اكتراث فهو مثير للنمر كي ينقض عليه... لكن طبيعة العنف والافتراس قد نُزعت عن النمر ليربض مع الجدي. "والعجل والشبل والمسمن معًا وصبي صغير يسوقها" [7]. قطيع عجيب غير متجانس، تحت قيادة عجيبة. من يتخيل صبيًا صغيرًا يقود عجلًا في رفقته شبلًا ومسمنًا! هذا الصبي الصغير يُشير إلى القيادات الروحية الكنسية التي تستطيع بروح البساطة أن تخلق بروح الرب من المؤمنين القادمين من أمم وشعوب مختلفة والذين يحملون مواهب متعددة قطيعًا وديعًا يخضع بروح الإنجيل كما لصبي صغير. حقًا إن القيادات الوديعة- كالصبي- التي لا تعرف حب السيطرة تعرف أن تحول الأشبال إلى قطعان وذلك بعمل روح الرب. "والبقرة والدبة ترعيان" [7]. يرى القديس إكليمندس الاسكندري أن البقرة تُشير إلى اليهود لأنها من الحيوانات التي تحت النير وهي طاهرة حسب الشريعة بينما الدبة تُشير إلى الأمم والشعوب الوثنية إذ هي مفترسة (عنيفة) وبحسب الناموس غير طاهرة. وكأنه من سمات العصر المسياني أن يجتمع أعضاء من أصل يهودي مع آخرين من أصل أممي في "رعية" واحدة، تحت قيادة الراعي الواحد الصالح. لما كانت الدبة مع اتسامها بالافتراس إلاَّ أنها بطيئة الحركة لذا فإن البقرة الحلوب تُحسب فريسة ثمينة وسهلة تقدر على افتراسها دون أن تفلت منها، على عكس الثور الصغير. مع هذا الإغراء نجد مصالحة عجيبة بينهما وصداقة بينهما كما بين صغارهما، إذ قيل: "تربض أولادهما معًا" [7]. هذا ما حدث فعلًا إذ جاءت الأجيال التالية في كنيسة العهد الجديد لا تحمل تمييزًا بين من هم من أصل يهودي أو أممي. "والأسد كالبقر يأكل تبنًا" [7]، إذ فقد طبعه الوحشي وتغيرت طبيعته فصار كالحيوان المستأنس لا يطلب لحمًا بل تبنًا. "ويلعب الرضيع على سرب الصل" [8]؛ لا يعود الرضيع ينزعج لأنه قد بطل سم الصلِّ. "ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان" [8]. يمد الفطيم يده إلى فم الأفعوان ولا يُصاب بشيء. في اختصار عمل السيد المسيح هو تغيير الطبيعة البشرية الشرسة خلال خدامه المتسمين بروح الوداعة، فتحمل الكنيسة كلها - خدامًا ومخدومين - روح الحب والوحدة. بهذا لا يُصيب الكنيسة -جبل قدس الرب- فساد "لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب" [9]، لا معرفة فلسفية عقلانية بحتة، إنما معرفة التلاقي والاتحاد والخبرة العملية للحياة الجديدة في الرب. هذه المعرفة الروحية تملأ حياة المؤمنين كأمر طبيعي تتحقق بتجسد كلمة الرب الذي جاء يُعرفنا الحق، وبعمل روحه القدوس، فصارت المعرفة تملأ الأرض "كما تُغطي المياه البحر" [9]. يقول رب المجد نفسه: "إنه مكتوب في الأنبياء: ويكون الجميع متعلمين من الله" (يو 6: 45؛ إش 54: 13؛ إر 31: 34؛ مي 4: 2؛ عب 8: 10؛ 10: 16). يحدثنا القديس مقاريوس الكبير عن هذه المعرفة الروحية العملية، قائلًا: [إذ تتحد (النفس) مع الروح المُعزي بألفة لا توصف، وتختلط بالروح تمامًا تُحسب أهلًا أن تصير هي نفسها روحًا، باختلاطها معه حينئذ تصير كلها نورًا وكلها عينًا وكلها روحًا وكلها فرحًا وكلها راحة وكلها بهجة وكلها محبة وكلها أحشاء وكلها صلاحًا ورأفات]. |
|