رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وقف يسوع من الطهارة الطقسية الموضوع الثاني الذي ناقشه يسوع مع الفِرِّيسِيِّينَ والكتبة وجماهير الشعب وأوضحه لتلاميذه هو موضوع الطهارة الطقسية. ومن هنا نبحت في مفهومها عامة ومفهومها عند المسيح خاصة. ا) مفهوم الطهارة الطقسية تقوم الطهارة الطقسية على الاستعداد المطلوب للتقرّب من الأشياء المقدسة. وبالرغم من أنها فضيلة أدبية مضادّة للدعارة، التي يحصل عليها المرء ليس فقط عن طريق الأفعال الأدبية، بل بواسطة الطقوس الدينية أيضاً. وقد يفقدها بحسب العقلية اليهودية بالملامسات الماديّة بغض النظر عن أية مسئولية أدبية. وهي تشمل أيضا النظافة الجسدية: أي الابتعاد عن كل قذارة (تثنية 23: 13)، وعن كل مرض مثل البرص (الأحبار 13-14)، وعن كل فساد مثل الجثة الميت (عدد 19: 11-14). أمَّا التمييز بين الحيوانات الطاهرة والنجسة (الأحبار 11) فلا يمكن تعليله بمجرّد سبب الصحة فقط. هذه الطهارة تُشكل حماية ضد الوثنية: وبما أن بلاد كنعان كانت مُدنَّسة بوجود الوثنيين فغنائم الحرب كان نصيبها الحرم (يشوع 6: 24-26). كما أن ثمار هذه الأرض ذاتها هي أيضاً مُحرّمة مدة سنوات الحصاد الأولى الثلاث (الأحبار 19: 23-25)، وكانت بعض الحيوانات كالخنازير تعتبر نجسة (الأحبار 11: 7)، لارتباطها بعبادة الوثنيين إذ "يُصعِدونَ دَمَ خِنْزيرٍ تَقدِمَةً" (أشعيا 66: 3) وأكد علماء الآثار هذه الموضوع في موقع ترصة الأثرية (الفارعة). وتنظم الطهارة استعمال كل ما هو مقدس، فكل ما يمسّ العبادة يجب أن يكون طاهراً، ولا يمكن التقرّب منه بدون استحقاق "كُلُّ رَجُلٍ بِه عَيبٌ مِن نَسْل هارونَ الكاهِن لا يَتَقَدَّمْ لِيُقَرِّبَ الذَّبائِحَ بِالنَّارِ لِلرَّبّ: إِنَّه بِه عَيْب، فلا يَتَقَدَّمْ لِيُقَرِّبَ طَعامَ إِلهِه. لكِنَّه يأكُلُ مِن طَعامِ إِلهِه، مِن قُدْسِ الأَقْداسِ كانَ أَو مِنَ الأَقْداس." (الأحبار 21: 21-22). أما الأنبياء فقد كانوا يُعلنون باستمرار أن أنواع الغسل والذبائح ليس لها قيمة في ذاتها، ما لم تنطوِ على طهارة باطنية "هذا الشَّعبَ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِفَمِه ويُكرِمُني بِشَفَتَيه وقَلبُه بَعيدٌ مِنِّي" (أشعيا 29: 13). ومع ذلك فهذا لا يعني اختفاء الشكل الطقسي (أشعيا 52: 11)، بل أن النجاسة الحقيقية هي من شأنها تدنيس الإنسان هي الخطيئة، والنجاسات المقرّرة في الشريعة ليست سوى صورتها الخارجية (حزقيال 36: 17-18). فهناك وصمة أساسية تصيب الإنسان، لا يُطهِّره منها سوى الله (أشعيا 6: 5-7). والتطهير الجذري للشفاه، وللقلب، وللكيان كله يدخل في عداد المواعيد المُعلّقة على المسيح " وأَرُشُّ عليكم ماء طاهِرًا، فتَطهُرونَ مِن كُلِّ نَجاسَتِكم" (حزقيال 36: 25). أمَّا الحكماء فيضعون شرطا أساسيا وهو إرضاء الله بطهارة الأيدي، والقلب، والجبين، والصلاة (أيوب 11: 14-15، 16: 17، 22: 30)، وبالتالي بسلوك أخلاقي لا عيب فيه. ويشعر الحكماء بنجاسة الإنسان أمام الله (أمثال 20: 9، أيوب (9-30 -31). ومن الجسارة أن يتصوّر الإنسان نفسه طاهراً (أيوب 4: 17). وينبغي على الحكيم أن يجتهد في الحفاظ على الطهارة، لا سيما الطهارة الجنسية، فقد حفظت سارة نفسها طاهرة (طوبيا 3: 14)، إنما استسلام الوثنيين لدعارة فهو مذلّة (حكمة 24:14). أمَّا صاحب المزامير فأبدى اهتمامه أيضا بالطهارة الأخلاقية، في إطار طقسيّ. إن محبة الله تتّجه نحو أنقياء القلوب (مزمور 73: 1). فالدخول إلى الأقداس مقصور على الرجل صاحب اليدين النقيّتين والقلب الطاهر "مَن ذا الَّذي يَصعَدُ جَبَلَ الرَّبِّ ومَنْ ذا الَّذي يُقيمُ في مَقَرِّ قُدْسِه؟ النَّقِيُّ الكَفَّين والطَّاهِرُ القَلْبِ الَّذي لم يَحمِلْ على الباطِلِ نَفسَه ولم يَحْلِفْ خادِعًا. (مزمور 24: 4)، ويكافئ الرب، الأيدي النقيّة التي تصنع بر الرَّبُّ "بِحَسَبِ برِّي كافأني وبطَهارةِ يَدَيَّ أَثابَني"(مزمور 18: 21). ولكن بما أن الله وحده يستطيع أن يمنح الطهارة، فإن الإنسان يتوسل إليه أن يطهّر القلوب كما جاء في ترنيم صاحب المزامير " زِدْني غُسْلاً مِن إِثْمي ومِن خَطيئَتي طَهِّرْني" (المزمور 51: 4). |
|