منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 24 - 05 - 2013, 02:54 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,500

أبلوس
أبلوس


"ثم أقبل إلى أفسس يهودى اسمه


ابلوس اسكندرى الجنس رجل فصيح مقتدر فى الكتب "


(أع 18 : 24)


مقدمة
لعله من المناسب تماماً ونحن نذكر قصة أبلوس اليهودى السكندرى ، أن نذكر يهودياً اسكندرياً آخر كان من أشهر رجال عصره ، هو فيلو اليهودى السكندرى ، ويعتقد أن فيلو ولد حوالى 20 ق.م. ، وعاش إلى عام 45 م أى أنه عاش معاصراً لأبلوس ، وإن كان أكبر منه سناً فى ذلك التاريخ ، ونحن نعلم أن الإسكندرية كانت فى ذلك الوقت من أشهر المدن ، وأنه كان بها ما يقرب من مليون يهودى أى نصف سكان المدينة ، وأن منارها كان واحداً من عجائب الدنيا السبع ، ولعل مكتبتها كانت أعظم مكتبة عرفها التاريخ ، وكان فيلو واحداً من أشهر رجالها ، وكان أخوه اسكندر رجلاً غنياً جداً فى المدينة ، ويبدو أن فيلو لم يكن فيلسوفاً فحسب ، أو عالماً من علماء العهد القديم فحسب ، بل كان أكثر من ذلك من قادة اليهود فى المدينة ، وقد ذهب على رأس وفد إلى روما فى أيام حكم كاليجولا للدفاع عن بنى جنسه عندما تعرضوا للإضطهاد والضيق ، وهو يكاد ينسى نفسه فى حدائق موسينس عندما رأى رو ما فى مجدها العظيم ، .. وقد مزج فيلو الفلسفة بالدين ، وكان شديد الولاء ليهوديته ، ولكنه تأثر بالفلسفة الرواقية ، وبأفلاطون وأرسطو ، ويبدو أنه كان شديد الإعجاب بهوميروس الذى كان قد أدخل الرمزية فى الكتابات الدينية ، على ما نقرأ فى الألياذة والأودية ، ... وكان موسى البطل العظيم المفضل فى ذهن فيلو وخياله ، وقد عمد إلى تفسير الأسفار الخمسة، وكتب الكثير من الكتب الدينية والفلسفية،... ومع أنه تحدث عن « اللوجوس » الكلمة ، وكان مأخوذاً فى تفسيره بالفكر الأفلاطونى كما « بالحكمة » فى سفر الأمثال ، .... إلا أن رحلته فى الحياة انتهت وهو فى اليهودية التى لم تعرف « الكلمة » المسيح مخلص العالم ، .... لكن أبلوس العبقرى الفصيح وصل إلى أكثر مما وصل إليه فيلو ، وكان واحداً من أعمدة الكنيسة فى أول خطى التاريخ المسيحى ، وها نحن نتابع قصته فيما يلى :
أبلوس الواعظ العظيم
يبدو لنا أبلوس من أول القصة أميراً من أمراء المنابر ، وواعظاً من من أفصح الوعاظ وأقدرهم يملك ناصية البيان وفصاحة التعبير كأروع ما تكون بلاغة الواعظ المتمكن من منبره ، وإذا كان قواعد علم الوعظ ، على ما يدرسه طلاب كليات اللاهوت ، تذكر الصفات والمقومات التى يملكها الواعظ الممتاز بأنها أربع صفات متلازمة ، نلاحظ أنها جميعاً كانت ملك أبلوس وتملأ كيانه ، وهى كما يلى :
التقوى
والمدقق فى قصة أبلوس وهو ينتقل من الإسكندرية ليحاضر ويعظ فى أفسس ثم يتجه إلى أخائية : « وهو حار فى الروح » ( أع 18 : 25 ) يدرك أن هذا الرجل تحرك من البداية بدافع الإحساس الروحى المتعمق فيه كيهودى أولا ، ثم كمسيحى ثانياً ، وأنه كان يحمل فى أعماقه قلباً متقداً بحب اللّه ، والولاء ليسوع المسيح ، أو فى لغة أخرى لقد كان الواعظ التقى الذىلا ينطق إلا بما يخرج من أعماق قلبه ، ويعبر عن مشاعره العميقة الصادقة ، وتلك هى السمة الأولى للواعظ المسيحى الناجح ، ... والتقوى فى الواعظ هى إحدى خصائص النفس الروحية ، وهى أساس الحماس الأخلاقى البعيد الجذور الذى ينعكس عن الاختبار الدائم لعلاقة الواعظ باللّه ، وهى علاقة صداقة وشركة وحب ، يصبح بمقتضاها خليلا اللّه ، وهى فى لغة أخرى تكريس مهيب للّه ، وهى ليست شيئاً مصطنعاً أو أحجية أو تكلفاً ، وهى ليست جامدة ساكنة بل هى نشطة متحركة تمضى قدماً مزدهية بالحق وبمجد وفضائل النعمة المسيحية وبركاتها ، وهى ليست شيئاً ينتمى إلى عالم آخر ، بمعنى العزوف المتكبر ، أو الانطواء المترفع عن حاجيات الناس ومصالحهم ، بل هى تختلط بهم وتعاشرهم وتعاملهم فى الحياة مزودة بل مسلحة بالفضائل المسيحية . وهى ليست ضعيفة خائرة ، بل هى بطلة ، وبطولتها تتجلى فى انتصار الروح انتصاراً رائعاً على الجسد ، وهى الحقيقة الروحية التى لا تقبل أى تهادن أو تهاون مع الزيف أو الكذب أو الخداع أو التظاهر أو النفاق ، وهى تعترف بوجود أعداء الحياة الخلقية والروحية ، ومن ثم تتحداهم ، وليست من المبالغة أن نقول : إن هذه أول سمة فى الواعظ الناجح ، والضمان لتأثيره وأثره ، إذ أنها تلهب الواعظ نفسه بالغيرة المتلظية والحماس النارى ، وهى التى تبقى الشعلة حية متوهجة وسط كل تلك اللامبالاة الجليدية التى كثيراً ما يجد الواعظ نفسه مجابها ومحاصرا بها ، إن هذه التقوى هى التى تظفر للواعظ بتقدير موعوظيه وعطفهم ونواياهم الطيبة، بل إن أكثر الناس شراً بينهم ، سوف لا يتمالكون أنفسهم من الإقرار بأن ذلك الحماس الصادق من جانبه أمر خليق باحترامهم وجدير بكل ثناء وتقدير . ومثل هذا الواعظ الصادق والأمين لابد أن يبارك اللّه جهوده وأتعابه ... ومن الخطأ البين الفصل بين حياة الواعظ والعظة التى ينادى بها ، فروعة البلاغة وقوة وسائل الإقناع والاستمالة ، تذهب هباء مالم يحرص الواعظ الذى يبشر بالإنجيل على أن ينمى فى شخصيته وحياته عنصر التقوى الشخصية ، ومن ثم فإنها لمأساة دونها كل مأساة ، أن يهمل الواعظ عنصر التقوى الشخصية فى حياته !! .
المواهب الطبيعية
كان أبلوس يملك المواهب الطبيعية للواعظ العظيم والتى تبدأ أولا بالقدرة على التفكير السليم الواضح : « مقتدر فى الكتب » و « خبير فى طريق الرب » ، .. لم يكن ضحل التفكير سطحى التأمل ، بل كان ناضج الذهن ، كما كان يملك العاطفة الملتهبة ، فالواعظ البارد المشاعر لا يصلح قط أن يكون واعظاً ، ولكن الواعظ الملتهب هو الذى يتجاوب مع عظته ، عندما وعظ الواعظ الأعمى جيمس وادل عن الصليب ، وجاء إلى كلمة المسيح : « يا ابتاه اغفر لهم » ، رفع الواعظ منديله إلى عينيه وانفجر باكياً ، ... لأن العظة مست شغاف قلبه قبل أن تصل إلى الآخرين !! .. وإلى جانب العاطفة هناك الخيال المجنح الذى يرتفع بالواعظ ، ويرفع معه الموعوظيين ، كان لجورج هو يتفيلد القدرة الهائلة على التصور ، جلس « تشستر فيلد » يستمع إليه ذات مرة ، وسمعه وهو يشبه الخاطئ بشحاذ أعمى سقط عكازه ، فهوى الرجل فى هوة حتى صرخ تشستر فيلد : يا إلهى ضاع الرجل !! .. وإلى جانب الخيال هناك المنطق الذى ينبغى أن يتحلى به الواعظ لتكون له القدرة على الإقناع ، وقد كان أبلوس ، كما يبدو من الوصف الكتابى ، لا تعوزه المواهب الطبيعية من حيث الفكر والعاطفة والخيال والمنطق ، مما جعله من أقدر الوعاظ وأفصحهم !! .
المعرفة
من المسلم به فى علم الوعظ ، أنه إذا كانت التقوى قوة الواعظ ، والمواهب الطبيعية وسيلته ، فإن المعرفة هى مادته التى يصوغ منها عظاته وتعاليمه . والمعرفة الواسعة أمر جوهرى فى حياة الواعظ ، وقد كانت للخطيب الرومانى الأشهر شيشرون فكرة معينة مؤداها أن الواعظ أو الخطيب البليغ يجب أن يعرف كل شئ . ومن المسلم به أن الواعظ يستطيع أن يستفيد من أية معرفة ، ويفيد معه الآخرين ، ومن ثم ينبغى أن تكون المعرفة هى طموحه المقدس حيث يعرف كل ما يمكن تعلمه من الحقائق الدينية وسائر الحقائق الاخرى التى تلقى الضوء على كل جوانب الحياة ، ولن يتحقق هذا إلا عن طريق الدرس المستمر ، والصلاة المتعمقة !! ..
المهارة
قال المرنم : « فاض قلبى بكلام صالح متكلم أنا بإنشائى للملك . لسانى قلم كاتب ماهر» (مز 45 : 1 ) .. والمهارة هى ذلك الطابع المميز للواعظ فى أصالته ، عن غيره من الوعاظ ، وقدرته على التفرد بشخصية مستقلة لا تخضع لطغيان المؤثرات التى يمكن أن تحدثها البلاغة العالية أو تقليد الوعاظ الآخرين تقليداً ممسوخا ، ويبدو أن أبلوس كان من هذه الناحية شخصية رائعة متميزة ، لم تتأثر بأخطاء البلاغة اليونانية أو تقليد غيره من الوعاظ ، ... ومن المعلوم أن البلاغة اليونانية شأنها شأن اللغة اليونانية ، كانت وسيلة نافعة مجدية فى توصيل الإنجيل إلى الأمم ، فلقد ظهرت المسحية فى عالم انتشرت فيه هذه البلاغة ... وكانت المسيحية فى مطلع الأمر فى حذر منها ، إذ نشأت فى أرض فلسطين ، وكان رواد الوعظ المسيحى وجماهيره وخلفياته وصلاته الروحية مرتبطة باليهود ، ومن ثم كان طبيعياً بل وضرورياً أن يسير الوعظ المسيحى فى فلسطين على نمط الأنبياء والمعلمين فى الديانة اليهودية ، يضاف إلى ذلك أن البلاغة ، وإن كانت قد وصلت فى فجر المسيحية إلى قمتها فى الحجة والمنطق والتأثير عند العالم اليونانى والرومانى ، فإنها قد استخدمت فى كثير من المواطن أسوأ استخدام ، إذ غدت فى أيد غير نظيفة سواء كانت أيدى محامين أو معلمين مزيفين ، فتدهورت وفقدت سمعتها ومركزها الأدبى الذى كان مرموقاً ، بعد أن بدت وسيلة ماكرة خاتلة تحاول أن تجعل الأسود أبيض والأبيض أسود ، ومن ثم كان على الواعظ المسيحى الماهر أن يراقب هذه البلاغة أو يتعامل معها على حذر ، ... على أن هذا كله قد تأثر بعاملين حيويين فيما بعد ، أولهما تضاؤل النفوذ اليهودى عندما انتشرت المسيحية بين الأمم ، وابتدأت الصور البالغية تدخل فى لباب الوعظ ، ... ويعتقد الكثيرون أن أبلوس تأثر إلى حد كبير فى الإسكندرية بهذه الصور ، وأدخلها فى وعظه ، الذى سحر به الكورنثيين ، ففضله بعضهم على بولس نفسه ، ... الأمر الثانى - أنه ربما كان من رجال الأدب والبلاغة ، وتحول إلى الوعظ وخلصه ولا شك من أساليب الختال والخداع التى طغت على المحامين والأدباء الذين استخدموا البلاغة اليونانية أسوأ استخدام .
وقد ظهر فى التاريخ الوعاظ المسيحيون الذين جنبوا وعظهم أساليب الخداع أو التمويه ، وكانت رسائلهم قوية مباركة أمثال أبلوس وباسيليوس وغريغوريوس وفم الذهب وأمبروز وأوغسطينوس ، ... ومن المسلم به أن أبلوس اشتهر كواعظ فصيح بأسلوبه الخاص الذى تفرد به عن غيره ، ولسنا نعلم هل كان يتحلى بصوت موسيقى ساحر ، وإلقاء مدرب عظيم ولكن يبدو أنه كان كذلك ، ... وأن مظهره ومخبره على المنبر كانا كما قال دافيد هيوم : إن سفر عشرين ميلا شئ هين مقابل التمتع بسماع جورج هو يتفيلد .
أبلوس وأكيلا وبريسكلا
لماذا ذهب أكيلا وبريسكلا إلى المجمع ، بل لماذا ذهب أيضاً أبلوس إلى هناك ، .. كان المجمع فى العادة مكان العبادة ، المكان الذى تلتقى فيه النفوس المتعطشة إلى اللّه ، وقد جرى المسيحيون على عادة الذهاب إلى الهيكل ليس للعبادة فحسب ، بل ليجدوا هناك الفرصة الصالحة المناسبة لجذب النفوس إلى يسوع المسيح ، .. وعندما ذهب بولس إلى كورنثوس ، كان من عادته أن يذهب إلى المجمع ، وهناك التقى بأكيلا وبريسكلا وقادهما إلى يسوع المسيح ، وهنا فعل أكيلا وبريسكلا الشئ نفسه ، إذ اقتادا أبلوس إلى الفادى . كان أبلوس قد تعرف على المسيحية لكن معرفته بها كانت ناقصة ومبتورة وكان يحتاج إلى المعرفة الأصح ،الأكمل ، ووجدها على يدى الزوجين العزيزين اللذين علماه طريق الرب بأكثر تدقيق . والأغلب أن وراء كل مسيحى مسيحياً أكثر منه قوة أو نضوجاً أو معرفة بطريق الرب ، والسلسلة العظيمة تسير من جيل إلى جيل ، .. عندما وعظ سافونارولا فى فلورنسا ، أثر وعظه تأثيراً عميقاً فى شاب اسمه « جون كولت » ، وقد تغيرت حياة الشاب تغيراً كلياً ، وذهب جون كولت إلى انجلترا ، والتقى « بأرازمس » وكانت النتيجة أن أرازمس تأثر وتغيرت حياته ، وذهب أرازمس إلى جامعة كمبردج ، وهناك كان سبباً فى تغير حياة توماس بلينى ، وأثر توماس بلينى بدوره فى حياة « لاتيمار » الذى استشهد مع « ردلى » وهو يقول له : كن رجلاً ، فإننا سنضئ فى انجلترا كمشعل ، بنعمة اللّه ، لن ينطفئ أبداً !! .. ومع أن أبلوس أصبح من أعمدة الكنيسة ، وحسب فى كورنثوس عند بعض مريديه نداً لبولس ، والأغلب أنه ترك أثاراً أعمق من أكيلا وبريسكلا ، لكنه مع ذلك كان فى حاجة إليهما فى مطلع الطريق ليعرف كيف يسير فى الطريق الصحيح من أول الأمر ، .. وكم من المسيحيين يؤثرون فى حياة الآخرين ، دون أن يصلوا إلى شهرتهم فيما بعد ومع ذلك كان من المستحيل على هؤلاء المشهورين أن يشقوا الطريق إلى الأمام دون هؤلاء المجهولين أو شبه المجهولين الذين اقتادوهم إلى المسيح ، ولعلنا قد ذكرنا ، على سبيل المثال ، فى بعض دراستنا ، قصة يوستنيان الشهيد ، وكان من سكان السامرة ، وكان شغوفاً بالفلسفة ، ولكن الفلسفة لم تروه أو تشفى غليله ، وحدث ذات يوم وهو يسير حزيناً بالقرب من شاطئ البحر أن التقى مصادفة برجل شيخ غريب عن الديار ، وإذ توقف هذا ليسأل الشاب عن حزنه وتعاسته ، وعرف سره ، وجهه إلى الدين المسيحى بأفاقه الواسعة ، ورؤاه الجميلة ، مشوقاً إياه إلى دراسة الكتاب ، فأقبل يوستنيان على دراسة كلمة اللّه ، فانكشفت أمامه روعة الإنجيل ، وحمله هذا على مواصلة الدرس ، فكتب يوستنيان كتبه الرائعة ، ومنها الحوار مع ترايفو اليهودى ، ودفاعه عن المسيحية أمام الإمبراطور !! .. ونحن لا نعلم من هو الشيخ المجهول الذى قاده ، ولكننا نعلم أنه قاد ، وهو لا يدرى ، أحد أبطال المسيحية وشهدائها الأوائل ممن أبلوا فى الدفاع عنها خير بلاء !! ..
يقول الكتاب : « فلما سمعه أكيلا وبريسكلا أخذاه إليهما وشرحا له طريق الرب بأكثر تدقيق » ( أع 18 : 26 ) ويبدو أن هذين الزوجين كانا من أنجح الناس فى ربح النفوس ، ولندع الكسندر هوايت يقول : « لو أننا كنا مكان هذين الزوجين لما تركنا الاجتماع قبل أن نعرف الناس من هو أبلوس هذا الذى يتكلم بالفصاحة والبلاغة ، ولكنه لا يفهم ألف باء المسيحية ، ويتكلم عنها متخبطاً دون وعى ، أو ربما كنا نبتسم أو نضيق بالاجتماع ونحن ننظر إلى الساعة فى قلق حتى ينتهى من كلامه .. لكن أكيلا وبريسكلا لم يفعلا شيئاً من هذا ، بل بحكمة ووداعة اقتادا الرجل فى هدوء إلى بيتهما ، وهناك فى الجلسة الهادئة علماه طريق الرب بأكثر تدقيق!!». وما من شك أن الرجل أحس عمق محبتهما التى أسرته ، وجاءت به إلى السيد المبارك ، على أننا ونحن نهنئهما على ذلك ، ينبغى أن نهنئ أبلوس أضعافاً مضاعفة !! .. لم يكن الرجل مصاباً بغرور العلم الكاذب بل بكل وداعة واتضاع تقبل تعليمهما كما يتقبل الصبى الصغير من معلمه الكبير الناضج ، .. ونحن لم نسمعه يصيح فيهما !! .. من أنتما حتى تعلمانى ؟! .. أنا خريج جامعة الإسكندرية ، والباحث المشهود له ، والعالم المتضلع فى اللغة العبرانية واليونانية ، والخطيب المفوه الذى يشار إليه بالبنان ، .. من أنتما حتى تتجاسرا على تنبيهى وتعليمى !! .. ذهبت الفتاة الصغيرة ، وكانت تسكن على مقربة من ألبرت اينشتين ، بعد خروجها من المدرسة إليه ليشرح لها درساً فى الرياضة ، وتأخرت عن موعد رجوعها إلى البيت ساعتين وقلقت أمها، ولما رجعت سألتها لماذا تأخرت ؟ ، فقالت إنها ذهبت إلى إينشتين ، وقضت معه ساعتين يشرح لها الدرس ، وفزعت الأم ،ذهبت تعتذر لإينشتين العظيم لأن ابنتها أخذت ساعتين من وقته ، .. وأجاب العالم بوداعة : لقد استفدت من الفتاة أكثر مما أفدتها !! .. كانت روح أبلوس تحمل هذا المعنى لأكيلا وبريسكلا !! ..
هل لنا أن نفكر بعمق فى أثر العمل الفردى فى الكنيسة ؟ إن كثيرين من المؤمنين يجهلون هذا الفن العظيم ، ولكن هل نضرب مثلا لما يمكن أن يحدث لو أن المسيحيين اهتموا به ؟ جاء فى إحدى المجلات الدينية فى عام 1951 ما يلى : « منذ عشر سنوات فى 41 نوفمبر سنة 1941 عقدنا اجتماعاً للصلاة ، وكان عددنا أربعة عشر شخصاً ، وقادنا الرب لأن نبدأ فى العمل الفردى بصفة جديدة ، فطبعنا إعلانات عن مواعيد الاجتماعات وتفرقنا نحن الأربعة عشر إلى المنازل المجاورة موجهين دعوة شخصية لكل عائلة لتحضر إلى الاجتماعات ، وبعد سنة أصبح عدد الأعضاء ثلثمائة وستة عشر عضواً ، وفى السنة التالية وصل العدد إلى ستمائة وستة وعشر ، ووصل العدد الآن إلى عشرة آلاف ، ووصل عدد العاملين فى مدارس الأحد إلى أربعة آلاف شخص وبلغت ميزانية الكنيسة أكثر من مليون دولار ولدينا محطة إذاعة لها برامج خاصة ، ولنا نشرات روحية توزع فى كل أنحاء العالم ، وقد بلغت مصروفاتنا لنشر الإنجيل عن طريق المطبوعات وحدها مليونى دولار ونحن ننسب نجاح العمل بهذه الصورة لبركة اللّه على عملنا الفردى ، ففى مساء كل يوم اثنين يجتمع بضع مئات من المؤمنين للصلاة ثم يخرجون اثنين اثنين لافتقاد المتغيبين ولدعوة أشخاص جدد إلى الاجتماعات . وفى صباح كل يوم ثلاثاء يجتمع عدد كبير من المؤمنات ويقمن بنفس العمل . ولكى نضرب مثلا لذلك نقول إنه فى ديسمبر سنة 1951 اجتمع أكثر من سبعمائة عضو فى الكنيسة وهؤلاء افتقدوا أكثر من عشرة آلاف عائلة فى ظرف ساعة ونصف ، وهذا العمل يتكرر من وقت إلى آخر حتى يحمل الأعضاء ، مسئولية العمل الفردى !! .. » .
وفى الواقع إن أهم صور العمل الفردى وأقدرها نجاحاً وإثماراً ترجع أساساً ، لا إلى القدرة الذهنية لرابح النفوس ، بل إلى حياته الروحية وتمكنه من الشركة المسيحية وعمق الاختبار ، وقد استطاع الأخ لورنس وهو يقوم بعمله كطباخ متواضع أن يعلم الكثيرين من لاهوتى عصره حياة التدرب على المثول أمام اللّه ، وقال يوحنا بنيان عن النعمة المتفاضلة : «إنها نعمة اللّه الصالحة التى دعتنى الدعوة العليا فى بدفورد ، إذ كنت أسير ذات يوم فى أحد شوارعها لأرى ثلاثاً أو أربعاً من النساء الفقيرات جالسات عند دورهن فى الشمس وكن يتحدثن عن أعمال اللّه ، وإذا كانت بى رغبة عميقة أن أسمع ماذا يقلن ، اقتربت منهن ، وكنت إلى ذلك الوقت محدود الدراية بالنواحى الدينية واستمعت إلى ما لم أستطع فهمه إذ كان أعلى كثيراً من إدراكى وفهمى ، لقد كن يتحدثن عن ولادة جديدة وعن عمل اللّه فى قلوبهن ، وكيف اقتنعن بتعاسة حياتهن الخاطئة بالطبيعة وكيف سكن اللّه فى قلوبهن بمحبته فى المسيح يسوع ، وكيف منحهن القوة ضد تجارب الشيطان ، وكن يتكلمن بفرح عميق وبسرور بالغ بالأقوال الكتابية ، وكانت النعمة ظاهرة على وجوههن ، فكن كمن اكتشفن عالماً جديداً ، وأنهن يسكن فى مكان منعزل عن الذين حولهن ، ... وأصبح من عادتى أن أتردد بين الحين والآخر لاستمع لمثل هذه الكلمات منهن إذ لم أستطع أن أنظر أكثر . وقد وجدت أمرين عظيمين من وراء هذا كله ، أولا عذوبة وحلاوة ورقة القلب الممتلئ بهذه المشاعر ، والأمر الثانى جمال التأمل المستمر فى كلمة اللّه » . لقد أخذ بنيان طريقه العظيم فى مؤلفه الرائع « سياحة المسيحى » من نساء مسيحيات مختبرات ، وإن كن فقيرات بل شبه معدمات من الناحية المادية !! .
ابلوس وبولس
وهذا يأتى بنا آخر الأمر إلى علاقة أبلوس ببولس ، ومع أن بولس أسس كنيسة كورنثوس ، وتركها بعد سنة ونصف كنيسة كبيرة عظيمة إلا أن أبلوس جاء إلى المدينة ، وخدم فى الكنيسة تالياً للرسول العظيم غير أن الكنيسة هناك قد انقسمت شيعا وأحزابا ، فهناك حزب لبولس ، وحزب لأبلوس ، وحزب لصفا ، وحزب للمسيح ، تماماً كما تنقسم الكنائس إلىمذاهب مختلفة فى أيامنا الحاضرة ، وضاق بولس بهذا الانقسام ، وكشف عن نفسه وعن أبلوس ، فما هو إلا زارع غارس ، جاء بعده أبلوس ليروى ويسقى ، وكلاهما عاملان مع اللّه وللّه ، .. وهما خادمان ليس لأحدهما فضل فى الخدمة : « فمن هو بولس ومن هو أبلوس خادمان آمنتم بواسطتهما وكما أعطى الرب لكل واحد . أنا غرست وأبلوس سقى لكن اللّه كان ينمى . إذاً ليس الغارس شيئاً ولا الساقى بل اللّه الذى ينمى . والغارس والساقى هما واحد ولكن كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه . فاننا نحن عاملان مع اللّه وأنتم فلاحة اللّه . بناء اللّه . حسب نعمةاللّه المعطاة لى كبناء حكيم قد وضعت أساساً وآخر يبنى عليه . ولكن فلينظر كل واحد كيف يبنى عليه . فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر غير الذى وضع الذى هو يسوع المسيح ( 1 كو 3 : 5 - 11 ) .. فإذا اختلف الكورنثيون حول الرجلين وأيهما أفضل فمن المؤكد أن الاثنين عاشا صديقين يخدمان سيدهما دون أن تتطرق عاطفة الأنانية أو الحسد أو حب الذات إلى الواحد منهما تجاه الآخر ، ويحسن أن نختم هنا بما قاله هربرت لوكاير من أن أبلوس كان وهو « حار بالروح » النبع العظيم من المياه المنعشة الباردة : « وأبلوس سقى » . وقد تدفق مجراه في الكنيسة على مر العصور وكلها مياه هادئة جميلة صافية حلوة منعشة رقراقة !! ...
رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
أبلوس الخادم
أبلوس الواعظ العظيم
أبلوس المتضع
أبلوس وأكيلا وبريسكلا
أبلوس الواعظ العظيم


الساعة الآن 03:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024